الأحد ٢١ آب (أغسطس) ٢٠٢٢
بقلم رقية عبوش الجميلي

نجاة

(نجاة)

كبرنا وترعرعنا على أصوات القنابل وصفارات الإنذار، والخوف من غارة تُشَن علينا، ونحن بين صفوف الطلاب في المدرسة. كل ما أتذركه معلمتي في الصف الأول، وهي تلوح بيدها وتنادي بصوتها المرتعش "تعالوا ادخلو بسرعة... الطيارات جتنا".
ندخل السراديب والملاجئ المظلمة وأجسادنا ترتعش خوفاً، ونلوذ ببعضنا البعض، أرواحنا تتشابك قبل أجسادنا، نبحث عن جدار صلب نلتسق به ليحمينا، نشعر برطوبة الجدار ورائحة السرداب العفنة والأوراق المتناثرة على الأرض تحت أقدام الأطفال، تراقب أعيننا وتنصت آذاننا إلى رعيد الطائرة وحفيف الصواريخ التي تطلقها، ولا ندري إلى أي صوب ذهبت، لكن صوت الانفلاق يخبرنا عن مداها البعيد أو القريب.
حين تنتهي الغارة ونخرج من ظلمات السرداب إلى نور الشمس؛ نتاهفت حتى نصل إلى باحة المدرسة لنكمل الاصطفاف ورَفعة العلم؛ يرتفع العلم رويداً رويداً ونحن نردد نشيد (موطني).
كلمات حفظناها، وهل كنا حينها ندرك معناها؟!
علمني أستاذي وأبي وأمي حب الوطن، والبقاء من أجل الوطن، مرت السنين وأنا أكافح للبقاء في الوطن، ثم عادت صفارات الإنذار وجاءت الجيوش إلى الوطن وتشتت الوطن مرة أخرى، كنت أبحث عن أرض أتكئ عليها، تحميني وأولادي، كلما نظرت في عيون أولادي تعود بي الذاكرة إلى (سردابي المظلم) ذي الرائحة العفنة، هل سأرى ابني هناك يبحث عن حائط يحميه؟ وهل سيردد (موطني)؟!
كبرت ولم أحظ بأمن الوطن؟! بلغت الأربعين وما زلت أبحث عن حائط دافئ يحميني من غربتي في الوطن، فرّت من عمري أربعون سنة من البحث والتشرد والتنقل والخسارات والأناشيد، أصبحت من أرشيف ذكرياتي، رحت وتركت الوطن لأهل الوطن الذين لم أحظ بهم يوماً، وحين نزلت إلى مدرج الطائرة ودخلت بلداً آخر بحثاً عن مكان آمن ألوذ به، شعرت حينها أنني ولدت من جديد وأصبح لي وطن أنشد من أجله، وجدران تحميني من صواريخ قد تسقط على رأسي في أية لحظة.
أنزلت امتعتي وأنا مبتهجة حتى وصلت ضابط الجوازات، أعطيته جواز سفري، كانت نظراته إلي تقلقني سألني:
 ما اسمك؟
 نجاة.
 ما سبب الزيارة يا نجاة؟
بعد صمت وتفكير وقلق أجبت:
 جاية أدور على وطن!
أعاد نظرة الريبة إلي مرة أخرى، ثم وضع ختم العبور على الجواز، رن صوت الختم في أذني، اهتز جسدي "أم خالد إصحي، كفاك نوم، القطار فاتك ثلاث مرات".
بعد أن صحوت من غفوتي بجسدي المنهك بفعل الرحلة التي رحلتها، أدركت حينها أني ما زلت مواطنةً في بلادي، وما رحلتي سوى حلم، وما زالت أسمع صوت الختم في أذني وهو يوقظني، وتمر من أمامي مواكب شباب تهتف وتتظاهر (نريد وطن) لتصدهم إطلاقات الرصاص وقنابل الدخان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

من هنا أوضح مسيرتي العملية في مختلف الميادين، على مدى خمسة عشر عاماً من العمل واكتساب الخبرة.

الكتابة والصحافة:
بدأت في ميدان الصحافة كمحررة في جريدة (العراق غداً)، مسوؤلة عن صفحة المرأة وكاتبة مقال أسبوعي لجريدة رسمية. كما قمت بتحرير وإعداد برنامج اجتماعي تناقَش خلاله قضايا المجتمع وكيفية حلها بطرح الأسئلة التي تصل عبر البريد على اختصاصيين في علم النفس الاجتماعي. ثم انتقلت إلى برنامج إذاعي كضيفة أسبوعية لمناقشة التحديات التي يواجهها المجتمع. كما استلمت منصب (مديرة مشروع) في مؤسسة إعلامية لـ(صناعة القلم النسوي) ومشروع المقال والصورة (رسالة السلام) ثم كنت من منظمي مسابقة (الكتاب بوابة السلام). كما كانت لي عدة كتابات قصصية ومقالات بحثية نشرت في مواقع رسمية مثل (ديوان العرب) جريدة (الزمان) اللندنية، موقع (ما وراء الطبيعة) جريدة (الصباح) الرسمية.

البحث الاجتماعي والمسرح:
كنت عاملاً مهماً في إنشاء وتأسيس الفرق المسرحية (مسرح المضطهدين) في العراق لأربع مدن عراقية، فتم تأسيس أربع فرق مسرحية، وكان لي دور في اختيار وتدريب الفنانين، وكنت المسوؤل الأول في كتابة النصوص المسرحية التي تعتمد على البحث الميداني ودراسة الحالة في المجتمع قبل كتابة النص أو عرضه كنص مسرحي جاهز، واستمر عملي لمدة أربع سنوات على البحث وكتابة النصوص المسرحية وتدريب الممثلين وتنسيق للعروض.

البحث الاجتماعي:
في هذه الميدان كان التركيز على الحالات الإنسانية ودراسة الحالة وتقييم الاحتياجات اللازمة بحسب التقييم مع المتابعة وكتابة التقارير التحليلية التي تعتمد على قاعة بيانات في التحليل، ومعظم تلك التقارير كانت تصدر بشكل بياني ورقمي مع تقرير سردي، واستمر عملي في هذا الميدان مع مختلف المنظمات الدولية لمدة سبع سنوات ممتالية شملت تدريب الموظفين على خطوات دراسة الحالة وكيفية حفظ البيانات وكيفية الإحالة بطريقة إلكترونية وبسرية عالية.

من نفس المؤلف
استراحة الديوان
الأعلى