أما علمتك؟
يحكى أن رجلا علم ولده السباحة على الفراش. فلما ذهب به الى النهر غرق الولد. فصاح ابوه غاضبا "اما علمتك؟!" فاجابه الولد وهو في النفس الأخير: يا أبتي الناس لا يتعلمون السباحة على الفراش!
لطالما ذكرتني هذه الحكاية بحالنا اليوم. فقد تعودنا ان نتعلم ما لا يتوافق مع ما نعمله. وبرغم إدراكنا الخطأ إلا أننا نعيد الكرة لجيل جديد!
ما تعلمناه في مدارسنا من مناهج تربوية. أصبحت مجرد خطابات تلقى على أسماع أبنائنا ونحن قد سبقناهم بها, ما دمنا لا نسير على سلوك صحيح أو لم تهيئ الظروف الاجتماعية والبيئية لنا بعض المتطلبات. التي باتت في بعض الدول الأخر لا تثير جدلاً كما تثيره في بلادنا.
في العام الماضي كان ولدي في أول مرحلة له في المدرسة. وقد امتلأت كتبه بتعاليم رائعة. عن سلوكيات الفرد حين يأكل. ويسير. وكل ما يقتضيه في يومه, الى هذا الحد نحن بأمان واطمئنان على أبنائنا, لكن الكارثة عندما يقرأ عليه هذا المنهج القويم. داخل حصة الدرس. ليكون جرس الفسحة فاصلاً بينه وبين عالم آخر.
يفر المساكين الى باحة المدرسة لدقائق معدودات. ليتصادموا ويتدافع البعض منهم بالآخر للوصول قبل سابقه. حين أرى هذا النزاع الذي ينشب بينهم للوصول الى غاية ما, يتخايل لي أنهم ذاهبون الى ظل شجيرات أو مقاعد مرتبة. أو حديقة أنيقة. وبعد عودتي الى رشدي. بعيداً عن الخيال. فعالمنا اصبح مليئاً بمثل هذه الخيالات! أرى البعض يتمرغل في التراب بدل العشب. ويستنشق الآخر رائحة أكوام القمامة بدل عبق رائحة الزهور. هؤلاء المساكين قبل لحظات كانت تنهال عليهم الخطب الرنانة. بتعلم النظافة والنظام والعمل بهما. ولبرهة ينقلب الامر على عاقبيه. ليعيشوا هذه اللحظات في صراع مع الزمن. وازدواجية مع الوقت!
يا للتناقض الذي يعيش ابناؤنا فيه. لو جئنا من بلاد بعيدة ببعض علماء النفس والاجتماع لمدارسنا. لانهالت التقارير والدراسات. ولأصبحنا مختبر تجارب. لما نعد للمجتمع من مرضى نفسيين منهم في ازدواج الشخصية وانفصامها! ان مناهجنا التعليمية لا تتقن الى طلاء الفرد وتزويق مظهره! كم نحتاج من الوقت لنكون صادقين معهم. حين نلقي بخطاباتنا على مسامعهم. لا تلقي القمامة الا في مكانها المخصص إن وجد. او نقول لهم اجلس في اماكن الجلوس ان وجدت. ربما سيأتي يوم نصدق القول فيه. وسيكون هذا في الامد البعيد! وحينها نعلم ابناءنا السباحة في النهر بدل الفراش.