كركوك... ارض الغرباء
تحكي الأساطير أن أحد الملوك وهو في طريقه الى السبي. مر بمدينة على جرف نهر يعلوها تل يغري في المكوث به. في ذاك الوقت كان الملك كلما مر بمدينة شيّد فيها قصراً. يحمل اسمه ويحفظ موطأ قدمه. وما إن مر بتلك المدينة حتى أمر رئيس العمال ان يشيد أعلى التل قلعة حصينة بأربعة أبواب وحصن رصين. وأمره أيضاً بذبح أحد أبنائه قرباناً للآلهة.
مرت الأيام وعاد الملك من الغزو. ومر بالمدينة فوجدها قد شيدت كما كان يروم. وما إن رأى ابنه الذي أمر بتقديمه قرباناً. حتى ثار واستدعى رئيس العمال. وسأله عن عدم تنفيذه الأمر الملكي.
رد عليه رئيس العمال قائلاً: خفت غضبك مني إن ذبحت ابنك وقدمته قرباناً. فاستعضته بأحد العمال الغرباء. فكان قرباناً للآلهة.
عاد الملك أدراجه ولم الجيش. وترك في ذلك الحصن بعضاً ممن سباهم من غزوته؛ ليستوطنوا فيه. ثم ألقى كلمته على رئيس العمال. قبل الرحيل: "ما دمت قد استبدلت القربان بغريب عنا. فستبقى هذه الأرض أرض الغرباء".
يقال أن الملك هو نبوخذ نصر. وأن من سباهم وترك بعضاً منهم هم يهود القدس. وأن المدينة التي شيدها أعلى التل هي قلعة كركوك!
ربما تكن هذه الاسطورة من نسج الخيال. أو من الأحداث التي ربطت مع بناء القلعة. واستيطان اليهود فيها. الا ان ما شدني إليها هي ان تكون ارض الغرباء. وامتداد الصراع على تلك المدينة. التي كانت وما زالت محط مختلف الاديان والقوميات. حتى آثارها. في كل موقعة فيها. مرت عليها عدة حوادث. لكل حادثة فرقة تختلف عن أختها. كما حدث وما زال يحدث في مسجد النبي (دانيال). إذ شيد هذا البناء على انه معبد لليهود. ثم تحول الى كنيسة للمسحيين. وهو اليوم مسجد للمسلمين... هذا ما حدث.
أما الذي ما زال يحدث فهو طقوس زيارة ضريح النبي دانيال. وهو احد انبياء اليهود إذ يأتي الزائرون إليه كل يوم سبت. وهو يوم معروف عند اليهود بيوم العبادة لله والتفرغ من كل عمل. ثم يلي ذلك طلب (المراد) أي بمعنى آخر طلب الحاجة. وإشعال شمعة مريم. بعد طلب المراد. لتتحقق الغاية. وهي عادة عن المسيحيين بعد الدعاء والصلاة. ثم يلي ذلك الصلاة ركعتين داخل المسجد. كصلاة المسلمين تحيةً للمسجد. وبهذا تكون قد انتهت مراسيم زيارة ضريح النبي دانيال.
أ هو الحس اللاشعوري الذي يجذب الناس لأداء تلك الطقوس والفروض. وهم على فطرتهم لا يدركون حتى من أين جاءت؟ ومن أين مفادها؟ أم هو من احترامٌ وتقديس لحضرة المكان الذي تنوعت فيه دور العبادة وجمعت تحت قببه اكثر الاديان خصومةً؟
تبقى كركوك على اختلافها وتنوعها مصدراً لتنوع الثقافات. وافرة بكنوزها مغلولة يدها عن العطاء. أشد النزاع عليها في حق البقاء. أما التأريخ فلا يروي إلا حقيقة تلك المدينة المعطاء وكأنها ملاذ لكل من حط فيها.