الأربعاء ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠٢٤
بقلم آدم عربي

الطبيعة كما تقدم نفسها إلينا!

الطبيعة تُبْهِر الإنسان بما تَعْرِضُه من ظواهر وأحداث ونظام وقوة، وبما تُنْشِئُه من أشياء. إنَّها في كلِّ ما تَفْعَلُه وتَخْلِقُه، تُعْلِنُ لنا: هذه هويتي؛ وهذا واقعي؛ وهذه صفاتي؛ لم أتغير منذ البدء، ولن أتغير إلى النهاية؛ لا خيار لي إلاَّ أنْ أكون على هذا الحال؛ تَعَلَّموا مني وتَعَرَّفوا عليَّ كما أنا، دون زيادة أو نقصان؛ فأنا إما أَكُون على هذا الحال، أو لا أَكُون على الإطلاق.

الإنسان يَتَكَبَّر ويَتَمَرَّد ويُعاند، وكأنَّه لا يُريدُ الاعتراف . لقد اعتبروا وتصوروا الطبيعة كأنَّها شيء مَيِّت، جامِد، خامِل، عاجِز سَاكِن، ضَعِيف، لا تَسْتَطِيعُ أنْ تكون على هذه الحال إلاَّ بـ قوى، من بَعِيدٍ عنها، ومن خارجها وليستْ من جنسها ومن عَكْسِ طَبِيعَتِها، تُمْنِحُها كل ما نَشَاهِدُه فيها من قوى وصفات ونظام…

اعتبروها وتصوروها كأنَّها ذاك التمثال من الطِّين اللازب، لن تَدُبَّ فيه الحياة إلاَّ إذا نُفِخَ فيه من الرُّوح الأسمى.

هم كالذي نظر إلى مغناطيس يجذبُ الحديد نحوه، فقال: هذا مُسْتَحِيل، ولا يُمْكِن أنْ يَكُون، بدون سبب؛ فـ المغناطيس بذاته لا يَفْعَل هذا؛ لا يَسْحَب إليه الحديد؛ ولابُدَّ أنْ يَكُون هناك ما أَوْلَاه إلى هذه الحال، وبهذه الصفة.
أينَ الخلل؟

في التصور (العقلي والذهني) يَكُون الخطأ؛ فَهُمْ افتَرَضُوا الطبيعة بما جَعَلَهم عاجِزِين عن إدراكها، وبما دَفَعَهم، بعد ذلك، إلى القبول بالمعجزات؛ ولو نَظَرُوا إلى الطبيعة كما تُظْهِرُ لنا هي ذاتها، لَمَا اختَلَطَت أفكارهم، وانقَلَبَت أبصارهم.

هم لم يَرْضُوا إلاَّ أنْ يَنْظُرُوا إلى الطبيعة بـ عَيْنٍ ، لا تَعْكِسُ لهم منها شيئاً؛ وهذه العَيْن هي إنَّما الصورة الذهنية. وأنتَ تَكْفِيكَ نَظْرَةٌ إلى الطبيعة بـ عَيْن هذه الصورة لِتُؤْمِنَ بـ الرُّوح سببا وعِلَّةً.

هذه هي الطبيعة كما تُظْهِرُ هي ذاتها لنا؛ فهل تَسْتَطِيعُونَ أنْ تُجِيبُوا على السؤال التالي: ما هي، وكيف تكون، الطبيعة إذا ما خُلِيَت من الرُّوح التي تُحَيِّيها وتُنْشِطُها وتُنَظِّمُها وتجعلها على ما هي عليه؟

هي الطبيعة تَسْتَغْنِي عن أيِّ شيء من غير جنسها لِتُخْرِجَ نجوماً وكواكب وكائنات حيَّة ومادة تُفكر وتَشْعُر، هي الدِّماغ الإنساني.

الخلل ليس في الطبيعة بل في كيفية إدراكهم لها والنظر إليها، وفي الصورة العقلية والذهنية التي صاغوها لها. هم كالذي يدعي وجود ماءٍ، قديم ،كان مِنْ قَبْل، لا يروي الظمآن إذا ما شربهُ، ولا يخمد اللهب إذا ما رشيناه عليه، ولا يُذيبُ السّكر إذا ما ألقيناه فيه، ولا ينقص الجسم شيئاً من وزنه إذا ما غطسناه فيه، لا يتبخَّربالحرارة، ولا يتصلّب بالبرودة.
ما هو هذا الماء وأين هو هذا الماء ، الذي لم يَمْتَلِكْ كل تلك الصفات حتى أَهْدَتْه إيِّاها الرُّوح العُلْيَا؟!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى