السبت ٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٤
بقلم آدم عربي

حرب القضاء على الوجود العربي!

إسرائيل تُعتبرُ العدوَّ التاريخيَّ للعربِ على ما اتّفقوا وتوافَقوا؛ ورغمَ ذلك، تسعى إلى دفعِهم نحوَ اتفاقٍ وتوافُقٍ، ولكنْ فقط بما يخدمُ الاعترافَ بها كدولةِ الشعبِ اليهوديِّ، مع حقِّها في العيشِ بأمنٍ وسلامٍ، وإقامةِ علاقاتٍ طبيعيةٍ مع جميعِ الدولِ العربيةِ دون استثناءٍ.

لا شكَّ أنَّ اللعبةَ الطائفيةَ والمذهبيةَ، في جوهرِها وكينونتِها، ليستْ سوى "لعبةٍ سياسيةٍ" تُستخدمُ كأداةٍ للتلاعبِ بمشاعرِ العامةِ منَ الناسِ، مستغلّةً واقعَ الفروقِ والاختلافاتِ الدينيةِ بينَ الطوائفِ والمذاهبِ عبرَ التاريخِ. وفي هذا التلاعبِ، تختبئُ دائماً مصالحُ ضيّقةٌ تخدمُ أهدافاً محدودةً.

زبجنيو بريجنسكي، مستشارُ الأمنِ القوميِّ خلالَ رئاسةِ جيمي كارتر، وضعَ الأساسَ النظريَّ لسياسةِ "التفتيتِ الطائفيِّ والمذهبيِّ والعرقيِّ" في الدولِ العربيةِ، حيثُ نصحَ الرئيسَ كارتر بالسعيِ لتغييرِ الشرقِ الأوسطِ بما يُسهّلُ على الناسِ في البلادِ العربيةِ تبنّي الطائفةِ والمذهبِ كهويةٍ رئيسيةٍ. أما هنري كيسنجر، فقد شدّدَ على أهميةِ تحويلِ العالمِ العربيِّ إلى مجموعةٍ من "الأقلياتِ" عبرَ تمزيقِ دولِه دينياً وطائفياً ومذهبياً، وإنشاءِ إماراتٍ صغيرةٍ حولَ كلِّ بئرِ نفطٍ، باعتبارِ أنَّ هذهِ السياسةَ هي الطريقُ المؤدّي إلى تحقيقِ "إسرائيلَ العظمى".

حربُ الأيامِ الستةِ أسفرتْ عنْ تحقيقِ "إسرائيلَ الكبرى" من ناحيةٍ جغرافيةٍ، لكنَّ الحربَ التي ستؤدّي إلى بناءِ "إسرائيلَ العظمى" لن تكونَ حرباً يخوضُها "جيشُ الدفاعِ الإسرائيليِّ"، بلْ حرباً بينَ القبائلِ العربيةِ نفسها. أتصوّرُ أنَّهم الآنَ يتنازعونَ على الكلأِ والماءِ لمواشيهمْ وأغنامِهمْ، لكنَّ استمرارَهمْ في هذهِ الحربِ سيجعلُهمْ يتقاتلونَ منْ أجلِ الكلأِ والماءِ لأنفسِهمْ، حيثُ لنْ يتبقى لديهمْ شيءٌ من المواشيِ أو الأغنامِ.

لا أعتقدُ أنَّني أبالغُ إذا قلتُ إنَّ إسرائيلَ تستمدُّ 90 في المئةِ من قوتِها منْ تفشّي "العصبياتِ الطائفيةِ والمذهبيةِ"، فهي تحتلُّ بجنودِها جزءاً صغيراً منْ أرضِ العربِ، بينما تُحكمُ قبضتَها على باقي الأراضي عبرَ تلكَ العصبياتِ!

عبارةُ "إنّهمْ عربٌ" تتردّدُ دائماً في خطابِهم، وكأنَّ العربَ لا وجودَ لهمْ إلّا في الخطابِ السياسيِّ والإعلاميِّ لأعدائِهمْ أو خصومِهمْ القوميّينَ. إسرائيلُ تُطلقُ على الفلسطينيينَ منْ مواطنيها اسمَ "عربِ إسرائيلَ"، لأنَّ فكرةَ وجودِ "الشعبِ الفلسطينيِّ" نفسه تُنفى تماماً في سياقِ حقوقِه القوميةِ على "أرضِ إسرائيلَ". بالنسبةِ لإسرائيلَ، الفلسطينيّونَ ليسوا سوى غزاةٍ قدموا من "أرضِ العربِ"، ويجبُ أنْ يعودوا إلى "موطنِهمْ الأصليِّ"، إلّا إذا قرّرَ "الشعبُ اليهوديُّ" أنْ يمنحَهمْ بقايا منْ "رحمتِه الإنسانيةِ"، مما يسمحُ ببقاءِ جزءٍ صغيرٍ منهمْ في جزءٍ منْ "أرضِ إسرائيلَ"، ليؤسسوا فيهِ دولةً لا يعتبرونَها مستحقّةً ولا يستحقّونَها!

إسرائيلُ تُعدُّ العدوَّ الأبرزَ للعربِ على ما اتّفقوا وتوافقوا عليهِ، ومعَ ذلكَ تسعى لأنْ يتفقوا ويتوافقوا جميعاً على الاعترافِ بها كدولةِ الشعبِ اليهوديِّ فقطْ، معَ تأكيدِ حقِّها في العيشِ بأمنٍ وسلامٍ وإقامةِ علاقاتٍ طبيعيةٍ معَ كافةِ الدولِ العربيةِ.

منْ هذا العدوِّ القوميِّ الأولِ نسمعُ تلكَ "الجملةَ" التي تُلامسُ مشاعرَنا القوميةَ وتُثيرُ فينا الاعتزازَ بها "العربَ". ونسمعُها أيضاً منْ جماعاتٍ قوميةٍ وعرقيةٍ تتزايدُ فيها الميولُ والنزعاتُ الانفصاليةُ.

حتى في "أحكامِنا الأخلاقيةِ"، اعتدنا تمجيدَ "الجزءِ" وازدراءَ وتسفيهَ "الكلِّ". لقد تغلغلتْ فينا، شعوراً وعقلاً وثقافةً ولساناً، كلُّ عصبيةٍ ضيقةٍ وتافهةٍ، فصرنا ننسبُ إليها كلَّ مأثرةٍ وفضيلةٍ، بينما نُلقي على "العروبةِ" كلَّ مثلبةٍ ورذيلةٍ. ولكنْ، لماذا هذا التناقضُ؟!

منْ واقعِ تجربةٍ شخصيةٍ، أرى أنَّ كثيراً منْ مثقّفينا "القوميّينَ" و"العلمانيّينَ" و"اليساريّينَ" و"الديمقراطيّينَ" و"الليبراليّينَ" يعودونَ، في "الأزماتِ الاختباريةِ"، إلى عبادةِ "الأوثانِ" ذاتِها التي نبذوها، وكأنَّ "وعيَهم الجديدَ"، الذي يتفاخرونَ بهِ في الأوقاتِ العاديةِ، ليس سوى قشرةٍ هشّةٍ لا تصمدُ أمامَ التحدياتِ.

في أجواءِ "النصرِ" بمختلفِ أشكالِه، يتعزّزُ الشعورُ بالانتماءِ القوميِّ وينمو؛ أمّا في أجواءِ "الهزيمةِ"، بمعانيِها المتعددةِ، فيتراجعُ هذا الشعورُ ويضعفُ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى