

المجتمع في دراما«الحلقة الثانية»
أشرت في مقالي السابق، إلى أثر الدراما في مجتمعنا، وكان ذلك الاثر إيجابياً، من حيث تحفيزه للعاطفة المكبوتة، في أغوار سيداتنا الوقورات، أما اذا كانت تهيل علينا من الكوارث ما لا يستهان به. فقد اصبحت سلاحاً ذا حدين!
وقعت قبل مدة ليست بل بالبعيدة، حادثة يئس لها كل من سمع عنها، ولو أنني سمعتها من عامة الناس لكنت شككت في الامر، لكن من المؤسف ان الضحايا هم من اقربائي، طفلين لم يتجاوزا سن السادسة. توأمان جاءا الى هذه الدنيا في اللحظة ذاتها وفارقاها في ذات اللحظة. وتعود أسباب الكارثة الى ان المسكينين كانا يمثلان مشهداً من المسلسل الدرامي (وادي الذئاب)، فقاما بإشعال فتيل من النار، وراحا يلقيان علب عطر مضغوطة بغاز(البيوتان)؛ ليحدثا انفجاراً ويحرقا (مراد علم دار)، وفي تلك الاثناء شبت النار، وفر من حولهم أصدقاؤهم، اما المسكينان فقد التهمتهما نيران مراد و(انهجمت الدار). ومما جاءت به الصدف، ان اهل الطفلين كانوا حينها يتابعون أحداث المسلسل ذاته، حيث تسلل الطفلان بعد تأثرهما بمشاهد المطاردة، وراحا يحلمان ويتغنجان لاقتباسهما دور البطولة.
صدق المثل حين قال: (شر البلية ما يضحك)، وراح الاهل يعزون ذلك الى القدر والحظ، كما اعتدنا ان نجعله شماعة إهمالنا اموراً قد تفتك بنا. ومن المؤسف ان نجد انفسنا ممن تركوا قرة الاعين في دوامة، لا يفهمون منها سوى حوارات تثير فيهم غريزة العداء والعنف! برغم أننا بحاجة ماسة لإعادة تأهيلهم وانتشالهم من دوامة الرعب المميت، التي يسمعون عنها كل صباح، من مفرقعات وانسلاخ للأرواح، ونعود في اخر النهار لنجعل منهم فريسة الجهل في امور، هي اساس تكوين بني الانسان، وليترعرعوا في احضان مشاهد، هي بعيدة عن مساراتهم البريئة... ربما يتعض البعض من هذه الحوادث، وربما يجعل منها اقصوصة ويتناقلها وربما تعاد من جديد بأساليب جديدة.
عدم ادراك البعض منا اننا نقع اليوم في دوامة التحضر الجديدة، منذ عقدٍ من الزمن كنا نعيش بعيدين عن العالم، منعزلين عنه، كأننا في معتقل لم نشاهد من العالم والتطور، الا الشيء القليل، وفجاة انفتح ذاك الطوق الملتف حول اعناقنا، ورحنا نتخبط، وتركنا من ورائنا اموراً ربما كان الأولى ان نعطيها التفاتة منا، وظن البعض ان الثقافات الدخيلة هي أصل كل الثقافات، برغم اننا اصل كل ثقافات العالم، وأصحاب أولى حضارات العالم، وبرغم ذلك، ومع الاسف، اصبحنا اليوم آخرها! وراح العالم ينظر الينا وكأننا دخلاء على الحضارة والتحضر!