

السوط والجلاد
السوط والجلاد
يحكى ان جماعة من المفكريين الاوربيين في القرون الوسطى كانوا جالسين يوما يتناقشون حول اسنان الحصان. وقد ذهب الجدل بهم كل مذهب. والغريب ان الحصان كان موجوداً بالقرب منهم وكانوا قادرين على ان يذهبوا اليه ويتفحصوا اسنانه!
احيانا الامثال وبعض الطرف تنطبق على واقعنا الذي نعيش. ذكرني جدل زميليّ بهذه الطرفة التي بدأت بها المقال وكان الربط بين جدلهما والطرفة. انهما اب وام اختلفا على من تقع مسؤولية رعاية الابناء. ونسيا انهما آبٌ وأم ولهما ابناء. في طبيعة الحال كل واحد منهما وقف موقفاً حيادياً لصالحه. وبهذه الصورة اصبح جدلهما عقيماً.
تطرق زميلي الى ان الاب في الزمان الماضي كانت له سطوة وله هيبة لا يجدها اليوم في ابنائه. اما زميلتي فأكدت على ان للاب دور كبير في تربية الابناء. ولم يدركا ان الزمان والمكان تغيرا مع تغير الحياة ونمط العيش. واصبح الاب الصديق هو الاكثر سطوة من الاب المتسلط. والام الواعية النبهة هي الاكثر نجاحا في وقتنا الحاضر.
في الماضي كانت سبل تربية الابناء على نمط واحد نمط (السوط والجلاد) وكان هذا دور الاب. والحنان والتحفظ على خطايا الابناء هو دور الام. ثم يسير الركب حتى يكبروا ويحدد الاباء عمل ابنائهم ومن ثم حياتهم باختيار الشريك ليعيد الزمان نفسه. يحاول الاباء تربية ابنائهم على ما تربوا عليه وان لم يستطيعوا ذلك فإنهم يلقون اللوم على الزمان الذي افلت زمام الامور حين كان الابن لا يتعدى في علاقته بالمرأة. ابنة الجيران والحارة يكاد يرى طرف ثوبها او ربما حالفه الحظ بان تلقي نظرة عليه بقصد وبغير قصد وهذا كان افضع ما يرتكب الابناء في حق انفسهم. وربما هناك اغلاط هي اقل وطأة حين يبدأ بشرب السيجارة في الخفاء. او التأخر ليلا في أزقة بلدته.
اما اليوم فاصبحت السيجارة شيء يتباهى به الشاب به وهي رمز رجولته. اما بنت الجيران فتعد وجودها على ان تكون بنت العالم بأسره عبر الانترنت والهاتف الجوال. وتحولت النظرة الى كلام جريء متبادل بينها وبين ابن عالمها الجديد. كل ذلك قد يراه الاباء من العصيان والتمرد وقلة الحياء. الا ان هذه الامور تدخل في تطور المجتمع من الناحية النفسية لافراده. حين نعطي ابناءنا حرية التصرف بالحد المسموح به بعيدا عن الخوف والترهيب مع المراقبة من بعيد وارشاده. هذا كله يأتي من الام النبهة والاب الصديق حينها يفتح الابناء سبل الحوار مع آبائهم. وان ارادوا ان يفعلوا شيئاً برغبة فعلوه وان كان بالخفاء وهذا ابشع الامور التي يمكن ان تدخلهم في مطبات غير قادرين على مقاومتها ومشكلات قد ترهق الاباء اكثر واكثر.
فلمَ لانترك ارث آبائنا في تربية ابنائنا وليكن لنا نمط تربية يواكب ما نعيشه اليوم. مبني على الصراحة وتقبل رأي الاخر ونستبدل (السوط) بكلمات حوارية تلقى عليه بدل العنف وتخويف (الجلاد) واني لعلى ثقة. ان ما من اب ذكر ضرب ابيه إياه بتباهٍ امام ابنائه. الا وقد ترك ذلك الضرب في داخله شيئاً من الالم. ولكنه لا يظهره وانما يتظاهر بالفخر كما فعل زميلي منذ ايام.