طه حسين بين العولمة والسفسطة
أصدر الدكتور طه حسين سنة 1938م كتابًا كان قد ألفه قبل ذلك بسنةٍ عنوانُه "مستقبل الثقافة فى مصر"، حاول فيه أن يضع الأسس التى ينبغى أن تسير عليها العملية التعليمية فى أرض الكِنَانة بعد حصولها على استقلالها الصُّورِىّ سنة 1936م. ولسوف يشعر القارئ بعد قليل، حين يطالع اقتراحات طه حسين فى هذا الصدد، وكأن الأمر لا يتعلق بمصر العربية المسلمة، ولا أن الاقتراحات التى تضمنها الكتاب قد صدرت عن رجل تربى فى الأزهر الشريف وجاء من الصعيد رمز الصلابة والكرامة والعزة الوطنية والدينية، بل يتعلق ببلد لا علاقة له بدين محمد، وصدر عن رجل لا تربطه بالعروبة والإسلام صلة. والكتاب مملوء سفسطةً عجيبةً لا أدرى كيف جَرُؤ طه حسين على الانصياع إليها وتصوَّر أنها يمكن أن تجوز على عقول المصريين، المصريين الذين طالما نافحوا عن الإسلام فى ميادين الوغى والعلم، وأحبوا كتابه ولغته وشريعته وسنة رسوله وبذلوا فى دراسة ذلك كله والحفاظ عليه نور عيونهم وذَوْب عقولهم. ولقد ألَّف الرجل كتابه هذا بعد أن حضر فى باريس صيف عام 1937م عدة مؤتمرات للفكر والتعليم كان فيها، كما يقول، "أشبه شىء بالطالب الذى يختلف إلى الدروس والمحاضرات فى مواظبة وانتظام" (مستقبل الثقافة فى مصر/ دار الكتاب اللبنانى/ بيروت/ 1973م/ 8)، وأحسب أنه قد تلقى فى هذين المؤتمرين التعليمات بالبدء فى تطبيق دعوة الانسلاخ عن الإسلام على أخطر ميدان من ميادين الحياة، ألا وهو ميدان التعليم والثقافة، فلم يضيع وقتا بل شرع من فوره فى أداء المهمة المنوطة به فأَلَّف الكتاب وانتهى منه فى ذلك الصيف نفسه وقبل أن يعود بسلامته من ربوع مهبط الوحى الجديد كما يبيِّن التاريخُ والمكانُ اللذان أملاه فيهما وأثبتهما فى آخره. كذلك فإنى موقنٌ أن القارئ الكريم، بعد أن يتابع معنا ما جاء فى الكتاب من أفكار وما ينادى به مؤلفه من دعوات، سوف يلاحظ على الفور أن ما نسمعه الآن من كلام عن العولمة ووجوب تعديل المناهج الدراسية وتجفيف منابع الفكر الدينى فى بلاد المسلمين ليس وليد الساعة، بل هو كلام قديم. وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على أن أعداءنا لا ينامون ولا يأخذون الحياة مأخذ الهزل الذى نتّبعه نحن ولا نريد أن نتخلَّى عنه رغم تتالى الصواعق على رؤوسنا وتسويد الهزائم والمخزيات لوجوهنا وتلطيخها لكرامتنا. لقد سبق أن قرأتُ الكتاب وقرأتُ عنه منذ سنوات بعيدة، ثم عدتُ إليه هذا الأسبوعَ مرة أخرى بتأثير طائفة من المقالات التى قرأتها حوله وحول صاحبه فى بعض المواقع المشباكية، وهذا هو تقريرى عنه أضعه بين يَدَىْ أمتى لعلها أن تفيق من الخَدَر الذى تظنه لذيذا، على حين أن وراءه مزيدا من الكوارث التى لا تقلّ شدةً وفداحةً عما خَبَرَتْه منها فى الفترة الأخيرة، بل قد تكون أشد وأفدح وأنكى.
وأول ما نقف عنده من السفسطة التى تطالعنا بوجهها الكالح الكئيب فى "مستقبل الثقافة فى مصر" ما يهرف به مؤلفه من أن العقل المصرى هو عقل أوربى. ولا أدرى على أى أساس يزعم ذلك، ولا كيف قاله بهذه الجرأة العجيبة. ومع هذا نراه يكرر القول بأن الأوربيين يرفضون انتسابنا إليهم. ولا أفهم ما الذى يريده الدكتور طه أكثر وأقوى من ذلك كى يكفّ عن محاولة الالتحاق بناس يكرهوننا كل هذه الكراهية ويحتقروننا كل هذا الاحتقار! إنه كعاشقٍ أحمقَ ولهانَ واقعٍ فى غرام راقصة من راقصات الكباريهات، ينثر كل أمواله تحت قدميها استجلابًا لرضاها، لكنها لا تزداد على هذا التقرب إلا عُتُوًّا واشمئزازًا وتكبّرًا، فهى تدوس الأموال المنثورة عند قدميها بحذائها وتركلها فى وجهه، لكن صاحبنا لا يفهم ولا يحسّ، وبدلا من أن تفيق كرامته نراه يوغل فى الاستعطاف وينثر المزيد من الفلوس ويترامى بنفسه على حذائها، لعله أن يكون مع الحذاء أوفر حظا منه مع صاحبة الحذاء، إلا أنه لولهه الأعمى المجنون لا يريد أن يفهم أن الحذاء ليس شيئا آخر غير صاحبة الحذاء، وأن الحذاء كصاحبته ليس له قلب. إنه يأتمر بأمرها وينفذ رغبتها، وليس له إرادة مستقلة عن إرادتها، وهى لا تحب صاحبنا المجنون الولهان ، ومن ثم فالحذاء هو أيضا لا يحبه ولا يمكن أن يحبه. كما أنها حريصة على استذلاله وتحقيره بكل ما أوتيت من قوة وجبروت، بيد أنه لا يفهم! أو قل إنه يفهم جيدا، لكنه يتصور أن إبداء مزيد من الهوان والذل كفيل بأن تستقيم الأمور بينه وبين معشوقته الداعرة التى لا تعرف شيئا اسمه العطف والمرحمة!
يقول د. طه حسين، بعد أن حاول بكل ما وُهِبَ من سفسطةٍ وولعٍ بالجدل الباطل إثبات أننا نحن المصريين أوربيون فى عقلنا وتفكيرنا (فأل الله ولا فألك يا شيخ طه! والله إنك لأزهرى قد نَبَتَ لحم جسدك من خبز الأزهر والفول النابت مهما فعلتَ ومهما حاولتَ التبرؤ من جلدك ومما تحت جلدك، ومهما ألصقتَ من قشور الحضارة الأوربية فوق بَشَرَتك، ومهما مضيتَ فى السخف فزعمت لمحدثيك أن أسلافك الأوائل كانوا من الإغريق كما حكى لنا الدكتور زكى مبارك والدكتور نجيب البهبيتى )انظر كريمة زكى مبارك/ زكى مبارك ناقدا/ دار الشعب/ 1978م/ 69، ود. نجيب محمد البهبيتى/ مدخل لدراسة التاريخ والأدب العربيين/ دار الثقافة/ الدار البيضاء/ 1398هــ- 1978م .(61/ أنت يونانى؟ أنت؟ إنما أنت صعيدى قح، وأغلب الظن أنك عربى الأصول، لكنك تكابر على عادتك الذميمة فى العناد ومكايدة جمهور العرب والمسلمين والتقرب إلى الغانية اللعوب التى ضَرِيَتْ على ركل عشاقها الحمقى الولهانين بالحذاء لعلمها أنهم قد ضَرُوا بدورهم على الغرام بهذا الركل والاستزادة منه! وإلا فهل كان اسم جدك البعيد "خريستو" أو "كوستا" أو " كرامانليس" مثلا؟ أما إن كنت يونانيا حقًّا رغم ذلك كله فمعناه أن كلامك عن الفرعونية التى تشهرها فى وجه انتمائنا العربى والإسلامى هو من باب ذر الرماد فى العيون حتى لا نتنبه إلى الحقد الأسود الذى يضمره قلبك تجاه مقومات وجودنا وحضارتنا)، يقول الدكتور طه: "وأما الأوربيون فهم...يبذلون الجهود الخِصْبة الشاقة فى تحقيق الصلات بين المصريين القدماء والحضارة اليونانية التى هى أصل حضارتهم، ثم هم بعد ذلك كله يُعْرِضون عن الحق ويتجاهلون هذه الأوليات، ويَرَوْن فى سيرتهم وسياستهم أن مصر جزء من الشرق، وأن المصريين فريق من الشرقيين. وليس من المهم ولا من النافع الآن أن نبحث عن مصدر هذا التعنت الأوربى الذى يرجع إلى السياسة وإلى المنافع قبل كل شىء، وإنما المهم أن نمضى فى هذه الملاحظة التاريخية حتى يَثْبُت لنا فى وضوحٍ وجلاءٍ أن من السخف الذى ليس بعده سخفٌ اعتبارُ مصر جزءًا من الشرق واعتبارُ العقلية المصرية عقلية شرقية كعقلية الهند والصين" (ص 28). أرأيتم شعورا بالنقص كهذا الشعور؟ أرأيتم انسلاخًا من الإنسان عن أصله وتنكرًا لماضيه ومجد أجداده وآبائه كهذا الانسلاخ؟ والله إنها لمهزلة، فالأوربيون الذين يحاول طه حسين الالتصاق بهم يفرون منه كما يفر السليم من الأجرب، لكنه يصر على الترامى على أقدامهم متهما موقفهم بأنه سخف ما بعده سخف! وفاته أن كل شىء يمكن أن يتم بالإكراه ما عدا الحب، فلا يتم إلا بالتراضى! آمنّا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا ورسولاً، وبالعربية ثقافةً وانتماءً، وبَرِئْنا من كل من يحاول سَلْخَنا عن شرقيتنا العربية الإسلامية وزعزعة أصولنا وإلحاقنا عبثًا وباطلاً بأوربا وتمريغ شرفنا وكرامتنا فوق ذلك فى الرَّغام والطين!
ثم إنه يقيم دعواه المنكَرة الزاعمةَ بأن عقلنا نحن المصريين هو عقل أوربى على أساس أن اليونان كان لها مستعمرات فى بلادنا ذات يوم قبل ألف عامٍ تقريبا من ميلاد المسيح عليه السلام (ص20)، وأُضِيفُ أنا أنها قد احتلتنا نحو ثلاثمائة سنة قبيل الميلاد مما تعمَّد كاتبنا تجاهله. أى أن طه حسين يريد أن يعيدنا إلى ذلك التاريخ البعيد الذى شبع موتًا وشحب فى الذاكرة بل انطمس انطماسًا! أفينبغى أن نقف عند هذه الفترة القصيرة جدا جدا من حياة الأمم والتى لم يعد أحد من المصريين يتذكرها أو يَذْكُرها حتى بلسانه مجرد ذِكْر، فنتعبَّد لها ونلغى كل ما سبقها ولحقها مما ينكرها وينقضها نقضا؟ أترانا، حتى عندما كانت اليونان تحتل بلادنا، قد اعتنقنا لغتها وآمَنَّا بدينها واتخذنا عاداتها وتقاليدها وتشرَّبْنا ثقافتها وجعلناها ثقافة لنا؟ كلا لم يقع شىء من ذلك، بل كما قلتُ: ليس هناك من بين المصريين من يتذكر شيئا من هذه الحقبة التى يرفضها العقل المصرى والشعور المصرى والخلق المصرى والكرامة المصرية والعزة الوطنية: لا على المستوى الحكومى ولا على المستوى الشعبى، ولا على مستوى المثقفين (اللهم إلا من تخصص منهم فى تاريخ تلك الفترة من تاريخنا كما يتخصص أى واحد منا فى اللغة اليابانية مثلا أو فى التاريخ الأوربى) ولا على مستوى الجماهير، على عكس ما فعلناه مع لغة العرب وثقافة العرب والدين السماوىّ الذى حمله إلينا العرب وكثير من عادات العرب وتقاليد العرب، حتى لقد نَسِينا لا الحقبة اليونانية فقط من تاريخ مصر بل ما كنا نتكلمه من لغة وما كان آباؤنا يدينون به من دين أيضًا، اللهم إلا من بقى منا على نصرانيتهم، أما من كان يدين بالعجل أبيس أو الإله أوزيريس أو آمون أو آتون فذهبوا إلى غير رجعة فى بطون التاريخ غير مأسوف عليهم من أحد، لا أعاد الله شيئا من تلك الأديان بعد أن ذقنا حلاوة التوحيد ونهلنا من دين محمد. وبالمناسبة فالنصرانية ليست دينا مصريا، بل هى دين وافد على بلادنا كما أن الإسلام دين وافد من الجزيرة العربية، التى نزل فيها الوحى على محمد عليه السلام، وكل ما فى الأمر (وهذا هو المهم، وهو الفيصل الحاسم) أن الذين اعتنقوا دين محمد هم الأغلبية الساحقة، على حين أن الذين ظلوا يتمسكون بدين النصرانية هم الأقلية. وكلا الفريقين مصرى صميم له احترامه وحقّه فى أن يؤمن بما يقتنع به، أما الحمقى الذين ينظرون شَزْرًا إلى دين الإسلام ويجأرون بأنه دينٌ أجنبىّ وأن الذين يؤمنون به هم أيضا أجانب ينبغى أن يعودوا من حيث أَتَوْا فهم مجانين ليس لهم من مكان يليق بهم إلا فى الخانكة! وقد كان المظنون أن تقول ذلك الأغلبيةُ المسلمةُ لغيرها، لكن المسلمين لا يمكن أن يفكروا على هذا النحو الإجرامى البليد، بل يقولون إن مصر بلد الطائفتين! وعلى أى حال فلم يقل أى من الفريقين، فيما نعلم، إنه صاحب عقلية أوربية، اللهم إلا طه حسين من بين من ينتسبون للإسلام، وإلا سلامة موسى من بين من ينتسبون لدين النصارى!
وعلى ذكر هذا التحمس الطَّاهَوِىّ لليونان ومستعمرات اليونان وتأثير اليونان الفكرى فى مصر الفرعونية أنقل للقارئ هذه السطور التى تصف فيها زوجتُه بعضَ ما كان يفعله فى شتاء 1939م فى تونا الجبل برفقة سامى جبرة المسؤول عن الآثار هناك: "وكان طه، الذى ظل مسؤولا أمدًا طويلاً عن كافة أراضى الحفريات، يحب على نحوٍ خاصٍّ هذه الأرض التى كانت تبدو له وكأنها تخصه، فقد كان يجد فيها حضارة يحبها ما دام العالم الفرعونى كان يتحول هنا تحت تأثير الاندفاعة الهيلينية. كانت موميات القرود فى الأنفاق تهمّه بشكل عابر، غير أنه كان يتوقف فى معبد بيتوزيريس. كان يمشى ببطء بين أكثر القبور تواضعًا أو بين النّصب الجنائزية. وذات يوم دخلنا إلى واحد من هذه القبور. كان يشبه القبورَ الأخرى بدَرَجه الخارجى الضيق. صعدنا إلى الغرفة الصغيرة، وكان قد وُضِع فيها قديما جسدٌ نحيفٌ لفتاة كانت قد ألقت بنفسها فى النيل، اسمها "إيزيدورا"، وتقول الكتابة الموجودة على قبرها إن أباها قد طلب من أجلها القرابين والصلوات. وفجأة لاحظتُ أن طه ابتعد عنا، ثم طلب إلينا أن نحمل إليه مصباحًا قديمًا (وكان ذلك متوافرا)، وأن نشعله بالبَخُور وأن نستمر فى إشعاله. لم يعد سامى يُدِير أشغال تونا، ولا أدرى إذا كان مصباح إيزيدورا لا يزال يشتعل أحيانا" (سوزان طه حسين/ معك/ 135- 136). وقبل أن أمضى أحب أن أتساءل: ما كل هذه الرقة والحِنِّيَّة والرهافة العاطفية؟ أين التنوير والتفكير العلمى الذى يصدع أدمغتنا به حواريّو طه حسين، وهم يَرَوْنه يشعل مصباحا لإيزيدورا المسكينة التى ماتت من آلاف السنين، استجابة لرغبة أبيها فى تقديم القرابين ورفع الابتهالات للآلهة؟ أم إن التمرد (التنويرى) لا يكون إلا فى مواجهة دين محمد الطاهر النظيف من ظلمات الوثنية ونجاسات الخرافة؟
إن الدكتور طه يلجأ إلى حيلة مكشوفة من حِيَل العيال الصغار حين يقول إن فريقا من المصريين يريدون أن يُلْحِقونا بالشرق، مع أننا لا ننتمى إلى الصين أو فيتنام أو اليابان، فكيف يحسب هؤلاء أننا شرقيون؟ ثم يذهب فيدلل على أنه لا شىء فى ثقافتنا يربطنا بهذه الأمم. وهى، كما قلت، حيلة مكشوفة من حِيَل العيال الصغار، إذ مَنْ بالله من المصريين أو من غير المصريين من أهل منطقتنا هذه يقول إننا شرقيون بذلك المعنى؟ أتحدى طه حسين أو غير طه حسين أن يأتى لى بمن يقول هذا! إن الذين يقولون بشرقيتنا إنما يقصدون أننا عرب مسلمون، فنحن جزء من الشرق العربى المسلم كما يعرف ذلك كل أحد، على حين يَتَبَالَهُ طه حسين ظنًّا منه أنه من الذكاء بحيث يمكن أن يخدعنا فى أمرٍ مكشوفٍ بل مفضوحٍ كهذا، وأننا من الغباء بحيث يمكن أن نبلع بسهولةٍ هذا الطُّعْم الخائب! إن الرجل هنا إنما يُسَفْسِط، وأىّ سفسطة؟ إنها سفسطة ملعونة مخربة مدمرة، وهو يمارسها بكل جرأة وبرود أعصاب وجمود وجه متظاهرا بالبراءة التامة، وهو أبعد ما يكون عن البراءة!
يقول بسفسطته التى لا تضارعها سفسطة أخرى: "وأنا من أشد الناس زهدًا فى الوهم وانصرافًا عن الصور الكاذبة التى لا تصوِّر شيئا، وأنا مقتنع بأن الله وحده هو القادر على أن يخلق شيئا من لاشىء، فأما الناس فإنهم لا يستطيعون ذلك ولا يقدرون عليه. وأنا من أجل هذا مؤمنٌ بأن مصر الجديدة لن تُبْتَكَر ابتكارا، ولن تُخْتَرَع اختراعا، ولن تقوم إلا على مصر القديمة الخالدة، وبأن مستقبل الثقافة فى مصر لن يكون إلا امتدادا صالحا راقيا ممتازا لحاضرها المتواضع المتهالك الضعيف. ومن أجل هذا لا أحب أن نفكر فى مستقبل الثقافة فى مصر إلا على ضوء ماضيها البعيد وحاضرها القريب، لأننا لا نريد ولا نستطيع أن نقطع ما بين ماضينا وحاضرنا من صلة. وبمقدار ما نُقِيم حياتنا المستقبلة على حياتنا الماضية والحاضرة نجنِّب أنفسنا كثيرا من الأخطار التى تنشأ عن الشطط وسوء التقدير والاستسلام للأوهام والاسترسال مع الاحلام! ولكن المسألة الخطيرة حقا والتى لا بد من أن نُجَلِّيَها لأنفسنا تجلية تزيل عنها كل شك، وتعصمها من كل لَبْس، وتُبْرِئها من كل ريب، هى أن نعرف أَمِصْر من الشرق أم من الغرب. وأنا لا أريد بالطبع الشرق الجغرافى والغرب الجغرافى، وإنما الشرق الثقافى والغرب الثقافى. فقد يظهر أن فى الأرض نوعين من الثقافة يختلفان أشد الاختلاف، ويتصل بينهما صراع بغيض، ولا يَلْقَى كل منهما صاحبه إلا محاربا أو متهيئا للحرب. أحد هذين النوعين هذا الذى نجده فى أوربا منذ العصور القديمة، والآخر هذا الذى نجده فى أقصى الشرق منذ العصور القديمة أيضا. وقد نستطيع أن نضع هذه المسألة وضعًا واضحًا قريبًا يُدْنِيها إلى الأذهان وييسِّرها على الألباب: فهل العقل المصرىّ شرقىّ التصور والإدراك والفهم والحكم على الأشياء، أم هل هو غربىّ التصور والإدراك والفهم والحكم على الأشياء؟ وبعبارة موجزة جليَّة: أيهما أيسر على العقل المصرى: أن يفهم الرجلَ الصينىَّ أو اليابانىَّ، أو أن يفهم الرجلَ الفرنسىَّ أو الإنجليزىّ؟" (ص16- 17).
أرأيت أيها القارئ الكريم كيف يضع طه حسين المسألة؟ إن مصر إما أن تكون بلدا شرقيا كالصين واليابان وفيتنام، وإما أن تكون بلدا أوربيا، وكأنه لا يوجد من الشرق إلا الشرق الأقصى، فلا شام ولا جزيرة عرب ولا إيران ولا باكستان ولا أفغانستان ولا دول أواسط آسيا المسلمة ولا ليبيا ولا تونس ولا الجزائر التى كانت حبيبتُه فرنسا تحتلها وتعمل على إخراجها عن عروبتها وإسلامها، ولا المغرب ولا موريتانيا ولا السودان ولا الصومال ولا إرتيريا ولا بقية إفريقيا الموحِّدة التى تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. كذلك من الجلىّ الذى لا يحتاج إلى تنبيه إليه أن طه حسين يتجاهل تجاهلا تامًّا تاريخ مصر الإسلامى، وهو الذى لا تعرف الأغلبيةُ الساحقةُ الماحقةُ من المصريين لها تاريخا غيره، فتراه يرجع بعيدا بعيدا إلى التاريخ القديم الذى كانت مصر متصلة فيه بالإغريق، ثم يقفز قفزة عالية هائلة فوق القرون المتطاولة التى عاشتها مصر فى نور الإسلام لينزل على جذور رقبته فى العصر الحديث الذى كانت إنجلترا تحتل فيه أرض الكنانة وتلتزم مصر باتفاقيات مع الدول الأوربية تجبرها على أن تنحو فى تعليمها وإدارتها وتشريعاتها وسياستها مَنَاحِىَ لا تنسجم، إن لم تتعارض تعارضا عنيفا، مع ثقافتها ودينها ولا يفكر هو فى الدعوة إلى الانعتاق منها بل بالعكس يرى أن على مصر الوفاء بها (ص45- 46، 82، 88، 91- 92 مثلا)! ولأنه بهلوان بارع فإنه يقوم من السقطة دون أن تنكسر له رقبة، ذلك أن أصحاب السيرك قد وضعوا له الحشايا الإسفنجية التى تتلقاه عند سقوطه من حالقٍ تلقيًا حنونًا، لا حبًّا فيه، وإنما فتنةً لنا، نحن المتفرجين البُلْه، عن ديننا وثقافتنا واتجاهنا الروحى والسياسى!
وقد غاظ هذا التقسيمُ البهلوانىُّ المرحومَ سيد قطب فكتب ينتقد صاحبَه قائلاً: "ووَضْعُ المسألة على هذا النحو تتجلى فيه كل مهارة الدكتور فى المناقشة، فهو قد قسَّم الدنيا قسمين اثنين لا ثالث لهما: قسم تمثله الصين واليابان، وإن شئت فضُمَّ إليهما الهند وأندونيسيا، وقسم تمثله فرنسا وإنجلترا، وإن شئت فضُمَّ إليهما كل دول أوربا وأمريكا. فلا بد، للإجابة عن سؤال الدكتور على هذا الوضع، أن تكون مصر أمة غربية لأنها، بلا تردد وبدون شك، تَفْهَم الإنجليزىَّ والفرنسىَّ أكثر مما تَفْهَم الصينىَّ واليابانىَّ فى هذا الزمان! وهذا ما قصد إليه الدكتور من توجيه السؤال على هذا المنوال! ولكن لا ريب أن وجه المسألة يتغير لو كان الشرق الذى يواجهك به غير الصين واليابان والهند وأندونيسيا. أى لو كان هناك قسم ثالث للدنيا يمثله الشرق العربى والغرب العربى، ومصر بينهما حلقة الاتصال. ثم يزداد وجه المسألة تغيرا لو كانت الدنيا أكثر أقساما حسب عقلياتها المختلفة، وهو الواقع، فكانت أوربا وأمريكا تنقسمان بحسب العقلية الديمقراطية والعقلية الدكتاتورية، وبينهما خلاف أساسى لا شك فيه، وكان الشرق ينقسم بحسب أجناسه، وهى كثيرة، وحسب طبيعة بلاده، وهى متغايرة...إلى آخر الأقسام التى لا بد أن يفطن إليها ويدقق فى تمحيصها من يريد وضع مناهج الثقافة حسب العقليات" (سيد قطب/ نقد كتاب "مستقبل الثقافة فى مصر"/ الدار السعودية للنشر والتوزيع/ 1389هـ- 1968م/ 12- 13).
كذلك يقول الأستاذ الدكتور بسفسطته المعهودة إن العلاقة بين الغرب الأوربى والشرق الأقصى كانت دائما علاقة صراع وحروب، متناسيا أنه لم تكن هناك أية علاقات بين هذين القطبين فى التاريخ القديم البتة، أما نحن فمنذ القديم لم تكن لنا بالغرب من علاقة إلا علاقة الصدام الدموى، وبخاصة بعد الإسلام بدءًا بالحروب بينه وبين الدولة البيزنطية التى استطاع الدين الحنيف أن يكسحها من المنطقة إلى الأبد، ومرورًا بالحروب الصليبية التى كسبت فيها أوربا الجولة الأولى إلى أن تمكن المسلمون من لملمة شعثهم وتضميد جراحاتهم ثم تلقين أولئك الأوغاد آلم درس خبروه فى حياتهم وأعادوا هذا الواغش البشرى إلى مقالب الزبالة التى كان قد جاء منها، وكذلك محاكم التفتيش التى ذاق المسلمون على أيدى جلاديها المتوحشين ما لم يذقه بشر حتى تم اقتلاعهم من دينهم وبلادهم، وانتهاءً بالاستعمار الأوربى الذى بسط لعدة عقودٍ سلطانه على المنطقة وأذلها واستغلها أبشع الإذلال والاستغلال، وما زال يبسط سلطانه الإجرامى على بعض أقطارها مثل فلسطين وأفغانستان والعراق. فمتى يا ترى كانت العلاقة بيننا وبين الغرب أيها السوفسطائى علاقة تفاهم وتعاون؟ إنك ومن هم على شاكلتك لستم حَكَمًا على أممكم، فأمثالكم فى كل مكان وزمان إنما ينحازون إلى الأجنبى ويبيعون أنفسهم له رِخَاصًا مقابل عَرَضٍ من الدنيا تافةٍ ضئيل! بل لقد كانت علاقة أوربا بعضها ببعض علاقة خصام وسفك دماء فى كثير من الأحيان، وما الحربان العالميتان منا ببعيد! لكن السوفسطائيين قوم يتبالهون ويَسْتَبْلِهون! أعاذنا الله من السفسطة والسوفسطائيين!
والغريب أن د. طه لا ينكر أن مصر كان لها علاقات ببعض دول الشرق الأدنى (بعضها فقط كما يريد منا أن نفهم، وهى الشام والعراق، فلا كلام عن السودان ولا الصومال ولا ليبيا ولا غيرها من دول الشمال الإفريقى، وكان الله يحب المحسنين!)، لكن أى مصر؟ إنها مصر الفرعونية، وليست مصر العربية المسلمة التى لا نعرف انتماءً لغيرها الآن، كما أن هذه العلاقات لا تشفع عنده لكى تُعَدّ مصر بلدا شرقيا رغم ذلك مع أن الوضع هنا هو نفسه فى حالة الإغريق، بل إن الصلات هنا أكثر وأشد على الأقل بحكم الجوار المباشر الذى لا يفصلنا فيه عن تلك الدول بحر ولا مزاج نفسى وحضارى مختلف أشد الاختلاف (ص19- 20). فلماذا يا ترى؟ إن هذا يذكرِّنا بالمثل الشائع: "عنزة ولو طارت!"، كما يذكِّرنا بقصة ذلك الرجل الجاحد للجميل والذى سبق أن عومل أثناء اغترابه فى بلدٍ من البلاد على يد رجل من أهل ذلك البلد معاملةً غايةً فى الكرم والجود، فوعد مُكْرِمَه أنه متى أتى إلى بلده فسوف يرد إليه الجميل أضعافا. ثم حدث أن ساقت الظروف هذا المحسِن إلى بلد الجاحد فذهب إليه أملاً فى أن يجد لديه ما يزيل عنه الشعور بالغربة ووحشتها، لكن صاحبنا أوقفه على الباب وأخذ يتطلع إليه ويتباله منكرا أنه يعرفه أو سبق له أن رآه، والمسكين يخلع مرة قلنسوته، ومرة برنسه، لعل ذلك يساعد الرجل على وضوح الرؤية والتذكر. فما كان من صاحب البيت إلا أن أسرع قائلاً اختصارا للجهد والوقت وتيئيسًا للضيف أن ينتظر منه أية معاملة كريمة: أَرِحْ نفسك يا أخى، فوالله لو أنك خرجت من جلدك نفسه ما عرفتُك!
ثم إن العبرة على كل حال بشعور الشعب وموقفه من علاقات مصر بالدول الأخرى: لقد ظل المصريون ينظرون إلى الإغريق على أنهم محتلون غرباء، فلم يندمجوا فيهم ولا اصطنعوا لغتهم ولا أخذوا عنهم دينهم ولا تثقفوا بثقافتهم، بخلاف ما فعلوا مع العرب حين أتوهم بالإسلام، فقد تعربوا مثلهم لغة وثقافة، وأقبلوا على الدين الذى جاؤوهم به واعتنقوه وتفانَوْا فى التمسك به والدفاع عنه فكريا وعسكريا. ولا يظنَّنَّ ظانٌّ أن ذلك كان سببه حكم العرب لمصر، فقد احتل الإغريق وغير الإغريق مصر وحكموها فلم تسلس مصر قيادها لهم ولم تقتبس منهم لغتهم ولا دينهم ولا عاداتهم وتقاليدهم كما قلنا، كما أن العرب سرعان ما خلَفهم فى حكم مصر الطولونيون مرة، والإخشيد أخرى، والفاطميون ثالثة، والأيوبيون الأكراد رابعة، والمماليك الأوربيون خامسة، والعثمانيون الأتراك سادسة، لكنها خلال تلك النظم السياسية لم يحدث قط أن فكرت فى نبذ الإسلام أو اللسان الذى نزل به كِتَاب الإسلام، بل ظلت قلبًا وقالبًا وروحًا وعقلاً وشعورًا وخلقًا وتشريعًا وعاداتٍ وتقاليدَ بلدًا إسلاميًّا، كما لم يفكر أى من هؤلاء الحكام فى نبذ الإسلام أو لسانه، اللهم إلا أن العثمانيين قد فرضوا لغتهم فى أواخر عهدهم فى بعض مجالات الإدارة، لكنْ سرعان ما انفصلت مصر عنهم عقب ذلك وعادت العربية إلى تألقها كَرَّةً ثانية لم يكسف من نورها خطة الإنجليز فى جعل قسمٍ من مناهج التعليم بلغتهم. بل لقد أصبح يُنْظَر إلى أرض الكِنَانة منذ قرون على أنها زعيمة العالم العربى والإسلامى. ثم يريدنا الدكتور طه حسين الصعيدى الأزهرى، لمجرد أنه ذهب إلى أوربا والتقطه الأوربيون وجعلوا منه صنيعة لهم لقاء ثمنٍ دنيوىٍّ بخسٍ، أن ننزل على سفسطته وننسى هذا كله ونلقى بتلك الكنوز والمكاسب فى البحر ونذهب فنرتمى على أقدام أوربا نستعطفها ونقبل حذاءها حتى ترضى عنا وتقبلنا أتباعا أذلاء لها! أى منطق يقول بهذا يا إلهى؟ وأى عقل يمكن أن يظن أنه ينجح فى إقناع المصريين بهذا؟ لا يا دكتور طه، يفتح الله! إن طه حسين يريد أن يسوّق لنا الوهم الكذوب فيزعم أن العلاقة بين مصر واليونان فى التاريخ القديم كانت علاقة تفاهم ومودة حتى عندما كانت لها مستعمرات فى بلادنا، بخلاف المسلمين العرب الذين يقول إن مصر لم تسلس لهم قيادها بسهولة بل ثارت عليهم معتزة بشخصيتها الوطنية (ص18- 21، 27). ترى أين كانت هذه العزة الوطنية إزاء المستعمرات اليونانية والاحتلال اليونانى؟ ما أغرب عقلك يا دكتور طه حين تسوِّد صفحاتك هنا عن الإسلام بمداد الحقد واللَّدَد فى التشويه والرغبة الآثمة فى التلاعب بحقائق التاريخ ومعانى الوطنية التى تفقأ عين وقلب وعقل كل مكابرٍ عنيدٍ!
ويمضى الدكتور طه فى التظرف قائلا: "قد يقال إن الحضارة الأوربية مادية مسرفة فى المادية لا تتصل بالروح أو لا تكاد تتصل به، وهى من أجل ذلك مصدر شر كثير تشقى به أوربا ويشقى به العالم كله أيضا... لكنّ مِنْ أجهل الجهل وأخطإ الخطإ أن يقال إن هذه الحضارة المادية قد صدرت عن المادة الخالصة. إنها نتيجة العقل، إنها نتيجة الخيال، إنها نتيجة الروح، إنها نتيجة الروح الخِصْب المنتج، نتيجة الروح الحى المتصل بالعقل فيَغْذُوه وينمّيه ويدفعه إلى التفكير ثم إلى الإنتاج ثم إلى استغلال الإنتاج لا نتيجة هذا الروح العاكف على نفسه الفارغ لها الفانى فيها الذى تُفْسِد الأثرةُ عليه أمرَه فلا ينفع ولا ينتفع ولا يفيد ولا يستفيد... ما هذا الشرق الروحى؟ ليس هو شرقنا القريب على كل حال من غير شك، فشرقنا القريب، كما رأيت، هو مهد هذا العقل الذى يزدهى ويزدهر فى أوربا، وهو مصدر هذه الحضارة التى نريد أن نأخذ بأسبابها. وما أعرف أن لهذا الشرق القريب روحا يميزه من أوربا ويتيح له التفوق عليها. ظهرت فى هذا الشرق القريب فنون وعلوم وآداب تأثر بها اليونان والرومان فأنتجوا حضارة أوربا، وأعانهم على ذلك المسلمون، أى أهل هذا الشرق القريب. وظهرت فى هذا الشرق القريب ديانات سماوية أخذ الأوربيون منها كالشرقيين بحظوظهم: فمنهم المسيحى، ومنهم اليهودى، ومنهم المسلم أيضا. أفتكون هذه الديانات روحا فى الشرق، ومادة فى الغرب؟ كلا ليس الشرق الروحى الذى يُفْتَن به بعض الأوربيين صادقين وكاذبين فيخدعوننا به هو الشرق القريب، وإنما هو الشرق البعيد والشرق الأقصى. هو الهند والصين واليابان وما فيها من هذه الديانات والفلسفة التى لا تتصل أو لا تكاد تتصل بدياناتنا وفلسفتنا. فلننظر أى الأمرين نختار لأنفسنا: أنريد أن نعتنق ديانة الصينيين وفلسفتهم ونأخذ بأسباب حضارتهم؟... إن حديث الشرق الروحى هذا حديثٌ لا غَنَاء فيه. هو مضحك إن نظرنا إليه نظرة عامة، فإن المصريين الذين يزهدون فى الحضارة الأوربية ويدعون إلى روحية الشرق يعرفون إذا خَلَوْا إلى أنفسهم أنهم يهزلون ولا يجِدّون، وأنهم لو خُيِّروا لكرهوا أشد الكره أن يَحْيَوْا حياة الصين والهند. ولكن هذا الحديث خطر لأنه يُلْقِى فى رُوع الشباب بغض الحضارة الأوربية التى يعرفونها فيثبِّط هممهم ويُضْعِف عزائمهم ويوجههم نحو هذه الحضارة الشرقية التى يجهلونها فيدفعهم إلى بيداء ليس لها أول ولا آخر" (ص74- 78).
وهذا كله حديثُ سفسطةٍ لا يثبت على محك المناقشة، إذ من قال إن المصريين حينما يدعون إلى الاستعصام بروحانية الشرق إنما يفكرون فى الهند والصين واليابان؟ من قال ذلك منهم يا ترى؟ ولماذا لم يذكر لنا طه حسين بعض أسماء من نادَوْا بذلك! لكنه لم يفعل ولم يكن لِيفعل، لأنه يعرف تمام المعرفة، كما يعرف الواحد منا أبناءه، أنه لا يوجد بين المصريين من يدعو بهذه الدعوة المضحكة! إن روحانية الشرق عند المصريين والعرب والمسلمين أجمعين هى الإيمان بالله والرسل واليوم الآخر والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار والملائكة والقدر خيره وشره، وأن الدنيا من ثم ليست هى كل شىء، بل هناك حياة أخرى ينبغى أن يعمل الإنسان لها كما يعمل لدنياه، وأن الكائنات التى نراها ونسمعها ونشمها ونلمسها هنا على الأرض ليست هى كل الموجودات، بل هناك الملائكة والجن، وقبل ذلك كله وفوق ذلك كله الله سبحانه وتعالى الخالق الرازق الأول الآخر الظاهر الباطن الجبار الرحيم الكريم المريد القدير! والمسلمون عندما يدعون بهذا لا يريدون الانصراف عن الدنيا والتفوق فيها والاستمتاع بطيباتها كما يحاول الدكتور طه أن يوهم قراءه عبثا، بل يبغون أن يجمعوا بين الحسنيين: الدنيا والآخرة. إن الأوربيين والأمريكان متقدمون من دون أدنى ريب فى العلوم الطبيعية والإنتاج والاقتصاد والاكتشافات والاختراعات والنظام والجَلَد والتخطيط والنَّفَس الطويل والتدبير وفنون الحرب والقتال، وليس هناك من المسلمين الذين يؤبه بهم من يقول بخلاف ذلك. إلا أن هذا لا يجعلنا نصدق ما يدعونا إليه طه حسين من الجرى فى طريقهم كحَذْوِك النعل بالنعل وتقليدهم تقليد القرود والببغاوات، فهم إن تفوقوا فى أمور الدنيا كما لا يستطيع أن ينكر ذلك أحد، مقصّرون فى مجال الإيمان بالله والرسل واليوم الآخر...إلخ. أما القلة القليلة التى تقول إنها تؤمن بذلك فإنها لا ترضينا نحن المسلمين لأنها لا تؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام ولا بقرآنه الذى نزل عليه من السماء، بل تؤمن بأديان يعتقد المسلمون أنه قد أصابها العبث والتحريف، بل استنفدت أغراضها التى أنزلها الله من أجلها وصار واجبا على أتباعها أن يدخلوا فى الإسلام، الدين الخاتم الذى جاء للبشر جميعا. صحيح أن المسلمين بوجه عام متخلفون، لكن هذا لا يقلب الحق باطلا ولا الباطل حقا، فدينهم باقٍ كما هو بطهارته الأصلية الربانية لم يتغير أو يصبه عبث أو تحريف.
وبالمثل لا ينبغى أن يفتّ هذا الوضعُ المزرى والمخزى الذى عليه المسلمون المعاصرون فى أعضادهم أو يثبّط عزائمهم، فإن رحلة الألف ميل إنما تبدأ بخطوة واحدة، فضلا عن أن شرف الغاية وما سوف يجنيه صاحبها من ورائها من كرامة وعزة ومجد، كلّ ذلك كفيلٌ بأن يُقَوِّىَ من روحه المعنوية ويستحثه على بذل الجهد ومضاعفته إلى أن يصل إلى مبتغاه وهو محتفظٌ بحريته واستقلاله، مؤمنٌ بأنه خليق بأن يُتْبَع ولا يَتْبَع وبأنه قد أثبت وفاءه لتاريخه ومجده التالد لم يفرِّط فى شىء منه وأن ربه ينظر إليه من فوق سبع سماوات مبارِكًا له ومباهيًا به ملائكته المقربين لأنه استطاع أن يحقق المعادلة التى فشل الغرب رغم تقدمه المادى والتقنى فى تحقيقها، ألا وهى الجمع بين التفوق والقوة والعزة فى الدنيا وبين النجاة والسعادة فى الآخرة، وذلك بالخلوص من دنس الحضارة الأوربية المتمثل فى الكفر بالله واليوم الآخر، وشرب الخمر وأكل الخنزير، والانحلال والشذوذ الجنسى بكل ألوانه، والاغترار بما وصل إليه الإنسان من علمٍ رغم تفاهته بالنسبة لما فى الكون من أسرار، والتعامل مع الأمم الأخرى بكبر وغطرسة وإجرام وتوحش وتقتيل وتدمير ممنهج لا يعرف شيئا اسمه الرحمة أو الخجل أو الخوف من الله أو مراعاة ما يسمَّى بــ"حقوق الإنسان" أو "الرأى العام العالمى"...إلى آخر ما يضحكون به علينا ويشهرونه فى وجوهنا كى يركّعونا ويُخْضِعونا لهم ولأغراضهم الدنيئة التى يُلْبِسونها أنبل المقاصد مما لا يستطيعه إبليس ذاته.
إن الدكتور طه ينخرط فى فاصل من المنّ علينا بنتائج الحضارة الأوربية التى يذكّرنا أنها قد تغلغلت فى أرجاء حياتنا إلى حد بعيد، مثل السكك الحديدية والبرق والهاتف وطراز الملابس والأثاث وما إلى ذلك مما لا نجد فيه شيئا يُضادّ ديننا أو ظروفنا وتقاليدنا، إلا فى ميدان الملابس، فكثير منا الآن يؤثرون الجلباب مثلا على السترة والسروال والقميص تخففًا من سطوة الحر الشديد فى فصل الصيف على الأقل فى البيت، كما أن المرأة المسلمة لا يلائمها لباس المرأة الأوربية التى لا تلتزم فى سلوكها قيم الحشمة ولا العفة، وهو ما رأينا انعكاسه فى الشارع المصرى فى العقود الأخيرة، إذ عاد ملايين النساء إلى ستر شعورهن وصدورهن وأذرعهن وسيقانهن إحساسًا منهن بأنهن فى الوضع الجديد (الجديد واقعا، وإن كان قديما فى الأصل) أدنى إلى طاعة أوامر دينهن واجتناب مناهيه، بعد أن كنا أيام الجامعة لا نكاد نرى فتاة واحدة من زميلاتنا تفكر فى تغطية رأسها مثلا مجرد تفكير! ولقد ذكرتُ ذلك بالذات ردًّا على قول طه حسين فى نبرة التحدى والمغايظة: "مدَّت أوربا الطرق الحديدية وأسلاك التلغراف والتليفون فمددناها، وجلست أوربا إلى الموائد واتخذت ما اتخذت من آنية الطعام وأدواته وألوانه فصنعنا صنيعها، ثم تجاوزنا ذلك إلى جميع الأنحاء التى يحيا عليها الأوربيون فاصطنعناها لأنفسنا غير متخيِّرين ولا محتاطي ولا مميِّزين بين ما يحسن وما لا يحسن وما يلائم منها وما لا يلائم" (ص41)، "وإنى لأعرف قومًا كرامًا صالحين كانوا ينكرون السفور واختلاط الفتيان والفتيات، يجهرون بهذا الإنكار ويجاهدون فى سبيله، وبناتُهم يذهبن إلى المدارس وإلى المدارس الأجنبية ويتخذن من الأزياء ما ليس بينه وبين الحجاب
صلة" (ص68).ترى ماذا هو قائلٌ الآن لو بُعِث ورأى النساء الآن يخالفن عن رغبته ويُحْبِطْن مشروعه التغريبى الخاص بهن؟
أما ألوان التقدم الأوربى فى الصناعة والحرب والعلوم التطبيقية فكما قلت: لا يوجد مسلم عاقل يرفض منها شيئا. لكن الأمر فى ميدان التشريع مثلا يختلف عن ذلك، فإن تشريعات الإسلام كثيرا ما تتجه وجهة مخالفة بل مناقضة للقانون الأوربى، فما العمل؟ طه حسين يبارك هذا جريا على مبدئه الهادف إلى أن نسير سيرة الأوربيين فى كل شىء سلوكا وشعورا وفكرا وخلقا، فالأوربى عنده هو المثال الأعلى الذى ينبغى علينا أن نحتذيه دون أدنى تفكير ودون همسة تذمر، وإلا كنا متخلفين نستحق اللعنة. إن عقدة الأوربى تطارد طه حسين ولا تتركه يهنأ لحظة فى يقظته أو فى منامه! إنها حالة نفسية تحتاج إلى دراسة وتحليل! إن الأوربى، فى نظره، هو نبىّ العصر، أو قل: إنه إلهه! (الفصل السابع والثامن والتاسع من الكتاب، من ص40 إلى ص60)، أما المسلمون فلا يَرَوْنَ رأيه ولا يستطيعون أن يَرَوْا رأيه، وإلا فمعنى ذلك أن ما جاء به محمد كان عبثا فى عبث، وأن الأوربيين يعرفون مصالح العباد خيرا مما يعلمها الله سبحانه! ترى كيف يستطيع المسلم أن يوفق بين الإيمان بمحمد وبين تلك الخطة التى يدعونا ويلح فى الدعوة إليها طه حسين؟ الواقع أنك لا تستطيع أن تأكل التفاحة وأن تحتفظ بها فى نفس الوقت! ولقد اختار طه حسين أن يأكل التفاحة، وأن يأكلها ببذورها وطينها والأجزاء المعطَّنة منها ولا يغسلها من وَضَرها وسمومها رغم الذباب الذى كان يحط فوقها ويلوثها بألوان الجراثيم والمكروبات ورغم المبيدات الحشرية المرشوشة عليها، فكان كابن نوح حينما ناداه أبوه أن "اركب معنا، ولا تكن مع الكافرين"، فقال: "سَآوِى إلى جبلٍ يعصمنى من الماء". ثم إنه حين هطلت السيول وغرقت الأرض والجبال لم يكن ثمة عاصمٌ من هلاك ذلك اليوم إلا مَنْ رحمه الله، وحال بينه وبين أبيه الموج فكان من المُغْرَقين! إن بِيَد المسيخ الدجال من المغريات ما تنخدع به بل ما تنخلع له قلوب الأغرار المطموسى البصيرة المطسوسين فى نظرهم، فتراهم يسارعون فيه يقولون إنه لا حضارة ولا ثقافة ولا تعليم ولا تشريع ولا ملابس ولا مآكل ولا مشارب ولا مبانى ولا عقائد إلا ما جاءتنا به أوربا! حتى لو كان فى شىء من ذلك هلاكنا؟ إى نعم حتى لو كان فيه هلاكنا!
يقول الدكتور طه فى سفسطة عجيبة: "السبيل إلى ذلك (أى إلى التحضر والعزة والسيادة) ليست فى الكلام يُرْسَل إرسالا ولا فى المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة، وإنما هى واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عِوَجٌ ولا التواء، وهى واحدةٌ فَذَّةٌ ليس لها تعدد. وهى أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا، ولنكون لهم شركاءَ فى الحضارة خَيْرِها وشَرِّها، حُلْوِها ومُرِّها، وما يُحَبّ منها وما يُكْرَه، وما يُحْمَد منها وما يعاب" (ص55). يا ألطاف السماوات! هكذا مرة واحدة، خبط لزق؟ وقد علق بحقٍّ على هذه الدعوة المريضة د. محمد محمد حسين رحمه الله فقال: ”وهو شبيهٌ بقول آغا أوغلى أحمد، أحد غُلاَة الكماليين من الترك فى أحد كتبه: "إنا عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الأوربيين، حتى الالتهابات التى فى رئيهم والنجاسات التى فى أمعائهم"“ (د. محمد محمد حسين/ الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر/ ط3/ دار النهضة العربية/ 1392هــ- 1972م/ 2/ 229/ هــ1).
وليس لذلك من معنى إلا أنه ما دامت أوربا تُلْحِد فلا بد لنا نحن أيضا أن نُلْحِد ونكفر بالله وبملائكته ورسله واليوم الآخر، وما دامت أوربا تنظر إلى الرسول على أنه كاذب أو واهم أو مريض بالصَّرْع فلا بد لنا نحن أيضا على سبيل التبعية والجرى على خطا أوربا أن ننظر إليه صلى الله عليه وسلم بنفس العين، وما دامت أوربا تبيح الخنزير والخمر والميسر والزنا واللِّوَاط والسِّحَاق والربا فلا بد لنا أيضا أن نصنع صنيعها فنأكل الخنزير ونشرب الخمر ونلعب الميسر ونزنى ونَلُوط ونُسَاحِق ونُرَابِى...وهكذا، وهكذا. وعلى دين الله وشرعه العَفَاء! أليس هذا بعض ما تتضمنه حضارة اوربا من شر ومرارة وعيوب مما أوصانا طه حسين وشدَّد فى التوصية أن نأخذه مع حضارة أوربا صفقةً واحدةً دون انتقاءٍ أو تطهيرٍ، وكأننا بصدد "شروة طماطم"! إن الرجل حريص أتم الحرص على أن "نرى الأشياء كما يراها (الأوربى)، ونقوِّم الأشياء كما يقوِّمها، ونحكم على الأشياء كما يحكم عليها، ونطلب من الدنيا مثل ما يطلب، ونرفض منها مثل ما يرفض" (ص58). وعلى هذا فإذا سمعناه يقول فى موضع آخر: "فإذا دعَوْنا إلى الاتصال بالحياة الأوربية ومجاراة الأوربيين فى سيرتهم التى انتهت بهم إلى الرقىّ والتفوق فنحن لا ندعو إلى آثامهم وسيئاتهم، وإنما ندعو إلى خير ما عندهم وأنفع ما فى سيرتهم... ونحن، حين ندعو إلى الاتصال بأوربا والأخذ بأسباب الرقىّ التى أخذوا بها، لا ندعو إلى أن نكون صُوَرًا طبق الأصل للأوربيين كما يقال، فذلك شىء لا سبيل إليه ولا يدعو إليه عاقل. والأوربيون يتخذون المسيحية لهم دينا، فنحن لا ندعو إلى أن تصبح المسيحية لنا دينا، وإنما ندعو إلى أن تكون أسباب الحضارة الأوربية هى أسباب الحضارة المصرية لأننا لا نستطيع أن نعيش بغير ذلك، فضلا عن أن نَرْقَى ونَسُود" (ص63)، إذا سمعناه يقول ذلك عرفنا أنه لا يقول ما فى قلبه، وإنما يحاول أن يخدعنا عن نفسه، فهذه طريقة طه حسين: يضرب الضربة، ثم يستدير إليك حين يرى أنك لم تمت بَعْدُ قائلا: "أنا آسفٌ أنْ آلمتُك عن غير قصد"! ثم يمضى مسددا لك اللكمات والضربات المُصْمِيَة التى يريد بها أن يقتلك! وبمناسبة ما قاله طه حسين عن أنه لا يريد للمسلمين أن يعتنقوا المسيحية فإنى لا أستطيع أن أطرد عن ذاكرتى ما خطر لى الآن مما قرأته عن تعميده فى كنيسة إحدى القرى بالجنوب الفرنسى قبيل زواجه من سوزان، أو عن اقتران حفيدته بشاب يابانى، أو ما سمعتُه أواسط ثمانينات القرن الماضى من أستاذةٍ للغة الفرنسية، لها بباريس صلة قوية، عن تنصّر (ا..ـه) رسميا فى فرنسا آنذاك، وإن كنت لا أريد أن أخوض فى هذا الأمر أكثر من هذا لأنى لا أملك بين يدىّ الآن وثائق مكتوبة. كما لا أملك نفسى من ترديد المثل التالى حسبما سمعته ذات يوم من بعض من يختلفون مع طه حسين بسبب موقفه من الإسلام، وهو: "أَسْمَع كلامك يا دكتور طه فأُكَذِّبه، ثم أرى أمورك يا دكتور طه فأزداد تكذيبا"! وبالمثل لا يمكننى فى هذا السياق أن أتجاهل ما قاله المرحوم أنور الجندى فى وصف شخصيته، إذ أكد أن "له من طبائع المكفوفين قدرتهم على المناورة وكسب القلوب والانسحاب السريع فى حالات الخطر"، وأنه ذو طبيعة تجمع بين العناد والخوف، فتراه يندفع إذا خلا له الجو، لكنه سرعان ما يتراجع إذا استشعر الخطر (انظر أنور الجندى/ طه حسين: حياته وفكره فى ميزان الإسلام/ ط2/ دار الاعتصام/ 1397هـ- 1977م/ 25).
وعودا إلى ما كنا فيه نقول إن الدكتور طه يرى، بناءً على هذا، أن التعليم المصرى لا ينبغى أن يقام على أساس من الدين، وإن كان يسلك فى الوصول إلى هذه الغاية سبيلا ملتوية بعض الشىء، إلا أن من السهل على أى ملاحظ أن يكتشف اللعبة. لنقرأ: "الواقع أن آراء الناس ومذاهبهم تختلف بالقياس إلى هذه المسألة (يقصد إدخال مادة "التربية الدينية" فى مقررات التعليم): فمن الناس من يريد أن يكون التعليم مدنيًّا خالصًا وألا يكون الدين جزءا من أجزاء المنهج المقومة له، على أن يُتْرَك للأُسَر النهوض بالتعليم الدينى وألا تقيم الدولة فى سبيل هذا التعليم من المصاعب والعِقَاب ما يجعله عسيرا. ومنهم من يرى أن تعليم الدين واجب كتعليم اللغة وكتعليم التاريخ القومى لأنه جزء مؤسس للشخصية الوطنية فلا ينبغى إهماله ولا التقصير فى ذاته. وواضح جدا أن هذا الرأى الأخير هو مذهب المصريين، وأن من غير المعقول أن يُطْلَب إلى المصريين الآن أن يقيموا التعليم العام فى بلادهم على أساس مدنى خالص، وأن يُتْرَك تعليم الدين للأُسَر" (ص90- 91). إن الرجل يبيع لنا الوهم، فهو من الذين لا يرَوْن أن يكون الدين جزءا من التعليم العام، لكنه يعلم أيضا أن المجاهرة الصريحة بذلك الآن أمرٌ لا يمكن المصريين تقبله. ومن ثم فلا مانع من مسايرة الجو العام الآن، إلى أن تحين اللحظة المناسبة لإقصائه تماما، وعندها تتغير النغمة تماما! إن طه حسين هنا يشبه هنرى كيسنجر صاحب سياسة الــ"خطوة خطوة"! وحتى نعرف مغزى كلامه عن إيكال مهمة التربية الدينية للأسرة ينبغى أن نقرأ كتابه: "الأيام"، الذى لم يخطئ فيه مرة واحدة فيذكر لنا أنه علَّم ابنه أو ابنته شيئا من أمور الإسلام أو فكّر فى تحفيظهما بعضًا من آيات القرآن الكريم! بل إن الكِتَاب، منذ أن دخل فى المرحلة الأوربية من حياة طه حسين، يخلو تماما من كل ذكر للإسلام، فلا كلام عن صلاة أو صيام أو زكاة أو حج أو أى توجيه إسلامى للأطفال ولا ذكر لله ولا للرسول أو الصحابة، وكأن الذى كتبه لا علاقة له بهذا الدين! ونفس هذه الملاحظة تصدق على كتاب"معك" الذى حكت فيه السيدة زوجته ذكرياتها ووقائع حياتها معه، وكذلك كتاب د. محمد الدسوقى: "أيام مع طه حسين" الذى سجل فيه عمله لدى الرجل على مدى عشر سنوات فى أخريات حياته اشتغل فيها كاتبا وقارئا له.
حتى الأزهر يجب، فى رأى الدكتور طه، أن يُلَقَّن طلابُه الفكرةَ القائلةَ بأن الدين ليس أساسًا من أسس القومية: "وهناك شىء يجعل حاجة الأزهر إلى إشراف الدولة على تعليمه الأولى والثانوى ضرورة ماسّة فى هذا الطور من أطوار الحياة المصرية، وهو أن الأزهر، بحكم تاريخه وتقاليده وواجباته الدينية، بيئة محافظة تمثل العهد القديم والتفكير القديم أكثر مما تمثل العهد الحديث والتفكير الحديث. ولا بد من تطورٍ طويلٍ دقيقٍ قبل أن يصل الأزهر إلى الملاءمة بينه وبين التفكير الحديث. والنتيجة الطبيعية لهذا أننا إذا تركنا الصِّبْيَة والأحداث للتعليم الأزهرى الخالص ولم نشملهم بعناية الدولة ورعايتها وملاحظتها الدقيقة المتصلة عرّضناهم لأن يُصَاغوا صيغة قديمة ويُكَوَّنوا تكوينا قديما، وباعدنا بينهم وبين الحياة الحديثة التى لا بد لهم من الاتصال بها والاشتراك فيها، وعرّضناهم لطائفة من المصاعب التى تقوم فى سبيلهم حين يَرْشُدون وحين ينهضون بأعباء الحياة العملية. فالمصلحة الوطنية العامة من جهة، ومصلحة التلاميذ والطلاب من جهة أخرى، تقتضيان إشراف وزارة المعارف على التعليم الأولى والثانوى فى الأزهر. شىء آخر لا بد من التفكير فيه والطبّ له، وهو أن هذا التفكير الأزهرى القديم قد يجعل من العسير على الجيل الأزهرى الحاضر إساغة الوطنية والقومية بمعناهما الأوربى الحديث. وقد سمعتُ منذ عهدٍ بعيدٍ صاحبَ الفضيلة الأستاذ الأكبر يتحدث إلى المسلمين من طريق الراديو فى موسم من المواسم الدينية فيعلن إليهم أن محور القومية يجب أن يكون القِبْلَة المطهَّرة. وهذا صحيح حين يتحدث شيخ من شيوخ المسلمين إلى المسلمين، ولكن الشباب الأزهريين يجب أن يتعلموا فى طفولتهم وشبابهم أن هناك محورا آخر للقومية لا يناقض المحور الذى ذكره الشيخ الأكبر، وهو محور الوطنية التى تحصرها الحدود الجغرافية الضيقة لأرض الوطن. ولست أرى بأسا على الشيخ الأكبر ولا على زملائه أن يتصوروا القومية الإسلامية كما تصورها المسلمون منذ أقدم العصور إلى هذه الأيام، ولكن هناك صورة جديدة للقومية والوطنية قد نشأت فى هذا العصر الحديث، وقامت عليها حياة الأمم وعلاقاتها، وقد نُقِلَت إلى مصر مع ما نُقِل إليها من نتائج الحضارة الحديثة، فلا بد من أن تدخل هذه الصورة الجديدة فى الأزهر. وهى إنما تدخل من طريق التعليم الأولى والثانوى على النحو الذى رسمناه، وبالطريقة التى رسمناها، وبإشراف السلطان العام" (ص98- 99).
ولا أظن القارئ إلا متنبها للحيلة المكشوفة التى يصطنعها الكاتب للتعمية على كراهيته للدين حين يقول فى أثناء حملته على الروح الدينية التى يراها متغلغلة فى الأزهر، إذ يزعم أنه لا تعارض بين القومية الدينية وبين القومية الحديثة كما أخذناها (أو بالأحرى: كما ينبغى فى رأيه أن نأخذها) عن الأوربيين. فهذه، كما سبق القول، هى طريقة طه حسين: يضربك الضربة، ثم يستدير إليك حين يرى أنك لم تمت بعد قائلا: "أنا آسفٌ أنْ آلمتُك عن غير قصد"! ثم يمضى مسددا لك اللكمات والضربات المصمية التى يريد بها أن يقتلك...وهكذا دواليك! وباستثناء مثل هذه الكلمات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع لا يجد القارئ موضعا للدين فى هذا الكتاب: لا فى التخطيط ولا فى الاستشهاد بالنصوص ولا فى الدعوة إلى مبدإ ولا فى الحض على قيمة من القيم، بل المعوَّل فى ذلك كله على الفكر الأوربى. ولقد قالها الرجل (ص25- 26) صريحة لا غمغمة فيها حين أكد أن المسلمين يجب ألا يفكروا فى إقامة دُوَلِهم على اللغة أو الدين، بل على المنافع (والمنافع وحدها)، وكأن الدين واللغة مجرد ردائين نلبسهما إذا دعت الحاجة، فإذا انتفت تلك الحاجة خلعناهما ورمينا بهما فى البحر كما رمى كاتبُنا الهمامُ عمامتَه فى مشهدٍ مسرحىٍّ مثيٍر من فوق سور السفينة أول ما أقلعت به متجهة إلى أوربا بلد السادة الجُدُد وقِبْلَة المثقفين المتنورين الذين لا يتورعون عن بيع ضمائرهم وأرواحهم إلى الشيطان كما فعل فاوست مع مفستوفوليس (مفستفوليس: على قافية إبليس. لعنة الله على المهاويس المناحيس المتاعيس!). بل كأن الدين يمكن أن يتعارض مع المنفعة. فأىّ دينٍ هذا؟ إنه لا يمكن أن يكون دين محمد عليه السلام أبدا! ثم أىّ فهمٍ للدين هذا؟ إنه لا يمكن أن يكون إلا فهم طه حسين وتلامذته ممن يطلون برؤوسهم من الخبايا والأركان المظلمة هذه الأيام النَّحِسات!
ويسفسط أيضًا الدكتور طه حسين فيزعم أن الأزهر كان يَعُدّ دراسة الأدب العربى أمرا محتقَرًا، ومن ثم كان المسؤولون فيه ينظرون إلى دروس الأدب التى كان هو وبعض زملائه يتلقَّوْنها على الشيخ سيد المرصفى على أنها من القشور والأعراض، وأنه لهذا السبب ألغى الشيخ حسّونة النواوى شيخ الأزهر آنذاك دروس الأدب هذه. لكن لسان الدكتور طه يغلبه على نفسه فيقول إنها قد أٌلْغِيَتْ بالنسبة إليه هو وأصدقائه بسبب ما اتُّهِم الشيخ المرصفى وطلاّبه عنده بالابتداع (ص 312). وكان معروفا عن طه حسين وبعض زملائه اللصيقين به أنهم يسخرون من كل شىء ولا يقيمون لأحد وزنا، وأنهم كانوا يجلسون على أحد أبواب الأزهر ويطلقون ألسنتهم فى أساتذتهم وفى ما له جلاله وخطره لدى الأزهريين بل لدى المسلمين بعامة، ناظمين الشعر المقذع فى هجاء زملائهم وشيوخهم غير متحرجين من لفظ أو معنى، علاوة على أن أحدهم كان لوطيًّا كما يقول طه حسين نفسه، وكان لا يدارى شيئا من ميوله الشاذة النجسة، مما أزعج الطلاب فشكَوْهم إلى شيخ الجامع، فما كان من الساخرين الذين لا يرجون لشىء ولا لشخص وقارا إلا أن فرّوا بجلدهم وتفرّقوا شَذَرَ مَذَر! ويستطيع القارئ أن يجد هذا فى الفصل التاسع عشر من الجزء الثانى، والفصل الثانى من الجزء الثالث من كتابه: "الأيام". فهذا هو السبب لا ما يسفسط به الدكتور على عادته ويعمد إليه من لىّ الأمر إلى جهة غير جهته الحقيقية معتمدا على خلابة أسلوبه ومقدرته على قلب الحقائق دون خجل!
ويتظرف سيادته زاعما أن أحد مشايخ الأزهر قد كتب خطابا رسميا إلى محافظة القاهرة فلم يفهم المسؤولون شيئا مما فى الخطاب، وهو ما دفعه إلى أن يعطيه لأحد المطربشين ليكتبه له بلغة مفهومة بعد أن أملى عليه ما يريد باللغة العامية، ثم لم يكتف بذلك بل كان يردد فى فخر وتباهٍ أنه يكتب بلغة لا يستطيع المُطَرْبَشُون أن يفهموا منها شيئا (ص 313)! وهو كلام سخيف لا أدرى كيف طاوعت طه حسين نفسه على تسطيره. أيريد منا أن نصدقه فى هذا السخف التافه؟ فمن الذى علّمه يا ترى وجعله يكتب بهذا الأسلوب الجميل؟ أهى العصفورة؟ ولا يَقُلْ أحد إنه قد تعلم هذا الأسلوب الجميل بعد أن ترك الأزهر، فإن أسلوب الرجل قبل أن يسافر إلى فرنسا، سواء فى مقالاته أو فى خطبه، موجود بين أيدينا، وهو يدل على أن تمكنه من ناصية اللغة العربية سابق على سفره إلى بلاد الفرنسيس بل سابق على انتظامه فى الدراسة بالجامعة الجديدة. ثم إن الأسلوب لا يُكْتَسَب بين يوم وليلة ولا بين عشية وضحاها كما يقولون. بيد أن طه حسين، بسب كراهيته للإسلام ورغبته الحارقة فى التحقير من أمره (وإن كان على نحو غير مباشر حتى لا يحدث له ما حدث سنة 1926م حين هاجم الإسلام بغشم أحمق ولم يلجأ إلى الضرب من تحت لتحت)، لجأ إلى هذا الأسلوب الملفوف فسخر من الأزهر بدلا من أن يعلن نيته صريحة على الملإ فيزورّوا عنه بل يثوروا عليه. وفاته أن اللعبة هذه المرة، وإن كانت أمكر، ليست ماكرة بما فيه الكفاية، إذ لا يمكن أىَّ عاقل أن يصدّق هذا السخف الساخف الذى يزعمه الرجل على أساتذته. وهو معروف بأنه لا يحب أن يترك شيخا من شيوخه الذين علَّموه فى الكتّاب أو فى الأزهر ولا أحدا فى أسرته تقريبا ممن كان لهم الفضل فى تربيته وتعليمه دون أن يشوه صورته، فى الوقت الذى يصور فيه المستشرقين وزوجته تصويرا مشرقا تمام الإشراق كأنه يتحدث عن ملائكة نورانيين مبرَّئين من العيوب والمآخذ التى توجد فى بنى الإنسان!
وسيادته يحاول بكل ما أُوتِىَ من قدرة على الجدل السوفسطائى أن يقلل من شأن الأزهر ودار العلوم فيدعى أن خِرِّيجِيهما لا يصلحون لتدريس اللغة العربية، ويستشهد على ذلك بأن أدباء العصر كالعقاد والمازنى وهيكل وحافظ وشوقى لم يتخرجوا من دار العلوم ولا من الأزهر! وهذا الكلام يحتاج لوقفة، فالملاحظ أن هذه الأسماء التى ذكرها لا تنتمى لجهة علمية واحدة بل لجهات شتى: فالمازنى خِرِّيج المعلمين العليا، وشوقى وهيكل خِرِّيجا الحقوق، وحافظ خِرِّيج المدرسة الحربية...وهكذا، ومن الظلم أن نوازن بين المدارس العليا كلها فى هذا الصدد وبين دار العلوم أو الأزهر وحده. ومع ذلك فيمكننا أن نذكر من الأسماء التى تعلمت فى الأزهر أو فى دار العلوم أو فى الاثنين معًا كُلَّ تعليمها أو معظمه، ثم تلألأت فى سماء الحياة الأدبية والفكرية، العدد الجَمَّ الغفير مثل عبد الرحمن الجبرتى ورفاعة رافع الطهطاوى والشيخ محمد عياد الطنطاوى والشيخ حسين المرصفى وحسن توفيق العدل والشيخ على يوسف والشيخ حمزة فتح الله وحفنى ناصف ومصطفى لطفى المنفلوطى وعبد العزيز جاويش ومحمد المويلحى والشيخ محمد عبد المطلب ومحمد توفيق البكرى وأحمد السكندرى وأحمد الهاشمى وعبد الحميد الديب وعبد الرحمن البرقوقى ومحمد أحمد جاد المولى والشيخ عبد العزيز البشرى ومصطفى عبد الرازق وعلى الجارم ود. زكى مبارك ود. أحمد أمين وعلى الغاياتى ود. عبد الوهاب عزام والشيخ عبد المتعال الصعيدى وإبراهيم مصطفى وهاشم الرفاعى وعبد الوهاب حمودة ومحمود شلتوت وأمين الخولى وسيد قطب وأحمد حسن الزيات وكامل الشناوى ومحمد عبد الحليم عبد الله وإبراهيم سلامة ومحمد نبيه حجاب وأحمد الشايب ود. أحمد الشرباصى وعباس خضر وعمر الدسوقى ود. أحمد أحمد بدوى ود. محمد غنيمى هلال وعبد السلام هارون والشيخ أحمد حسن الباقورى ود. أحمد الحوفى ود. محمود قاسم ود. مهدى علام وطاهر أبو فاشا وخالد محمد خالد والشيخ عبد الحميد كشك والشيخ محمد الغزالى ود. شوقى ضيف...إلخ...إلخ، فضلا عن الدكتور طه نفسه وإِنْ كَرِه ذلك، فهو من الذين يقادون بالسلاسل إلى الأزهر رغم أنوفهم ورغم إلقائه بعمامته فى البحر فى مشهد مسرحى مثير، وعلى نحو لا يليق بمن يحترم نفسه وأمته وشاراتها، بمجرد أن تحركت الباخرة نحو فرنسا (انظر أنور الجندى/ طه حسين: حياته وفكره فى ميزان الإسلام/ 32) مما يومئ إلى أنه قد باع نفسه مبكِّرًا للغرب وبأسلوب فِجّ مُبْتَذَل!
وردًّا على هذا الاستبلاه الطَّاهَوِىّ فى الهجوم على الأزهر والزعم بأنه لا يصلح لتدريس اللغة العربية وآدابها نسوق الكلمات التالية للأستاذ ميخائيل بهيج مرقس، التى كتبها فى صحيفة "صوت مصر" بتاريخ 4/ 4/ 2005م ونقلها أ. حسنين كروم فى صحيفة "القدس العربى" فى عدد الأربعاء 5/ 4/ 2005م، وهى كلماتٌ دالَّةٌ سأَدَعُها تتحدث بنفسها دون تدخل من جانبى: "وفى عودةٍ للماضى الجميل مع حاضرٍ نحلم أن يكون أكثر جمالا نجد أنه، فيما مضى، كانت بالأزهر أروقةٌ متعددةٌ أهمُّها ما سُمِّىَ بــ"رواق الأقباط"، وكان مخصّصًا لأقباط مصر الراغبين فى إتقان العربية ودراسة علومها وآدابها والنحو والصرف والبلاغة...إلى آخر جمالياتها. وقد نهل من هذا الرواقِ العديدُ من مُبْدِعِى الأقباط فى العربية فى العقود الماضية مما أثرى لغتهم فى كتابة الآداب وفنون الشعر. كما كان هناك أيضا رواقٌ مخصَّصٌ للشوام والمغاربة.. إلخ".
والواقع أن سر كراهية د. طه لقيام الأزاهرة والدَّراعِمَة بتدريس اللغة العربية هو أن طلاب هذين المعهدين كانوا يَدْرُسون المواد الدينية إلى جانب المواد اللغوية والأدبية، وكان طه حسين يريد أن ينحّى الدين عن التدريس ما استطاع. وهذا بَيِّنٌ من كلامه عن أن التعليم ينبغى أن يكون مدنيا لا علاقة للدين به، كما يتضح أيضا من تكرر طرحه للسؤال المتعلق بجواز تضمين البرنامج الدراسى مادة "التربية الدينية" وإجابته فى كل مرة بأننا مضطرون حاليًّا إلى هذا التضمين، بما يشى بكل جلاء بأن هدفه النهائى هو تنحية هذه المادة تمامًا عن المنهج التعليمى، ولكنْ قليلا قليلا بحيث لا يصدم الرأىَ العامَّ فيثور عليه ويقف فى طريقه. لذلك يعمد إلى هذا الأسلوب الماكر الذى يخدّر عواطف القراء حين يتحدث عن أهمية الدين فى صبغ المجتمع بصبغة واحدة رغم أنه قد صرح بموقفه الحقيقى تجاهه حين كرر القول بأننا يجب أن نسير على درب أوربا وننقل كل ما عندها من خيرٍ وشرٍّ، وحلوٍ ومرٍّ، وهو ما لا معنى له إلا أن ننحِّىَ الدين عن حياتنا كما نحّته أوربا عن حياتها وأن نترك مثلا لشهوة الجنس العِنان وأن نقيم أخلاقنا وتقاليدنا وقيمنا وتشريعاتنا على أسس أخرى غير الأسس الدينية. وإلى القارئ هذه السطور التى تومئ إلى موقف طه حسين من تعليم التلاميذ والطلاب فى المدارس شؤون دينهم: "إن الشعب الذى يريد أن ينشئ جيلا صالحا خليقٌ قبل كل شىء بأن يفكر فى المعلمين الذين ينشئون له هذا الجيل. وليس يكفى أن تكون حياة المدرسة صالحة من الناحية المادية والمعنوية، بل يجب أن يكون التعليم فيها صالحًا أيضا. فكما أن الذلة لا تنتج عزة، فكذلك الجهل لا ينتج علما. وما ينبغى أن تكلّف المعلمَ الأولىَّ تعليم الصِّبْيَة تاريخ وطنهم، وهو يجهل هذا التاريخ أو لا يعرفه إلا مشوها منقوصا. وما ينبغى أن تكلفه تعليم الصِّبْيَة جُغْرَافْيا وطنهم، وهو يجهل هذه الجغرافيا ولا يعرف حدود الوطن ولا أقطاره. وقل مثل ذلك فى اللغة، وقل مثل ذلك فى النظام. وقل مثل ذلك فى الدين إن أردت أن يكون الدين جزءا من التعليم الأولى" (ص112). فهأنتذا تلاحظ بكل قوة أنه لم يشترط فى تعليم التاريخ ولا الجغرافيا ولا اللغة ولا النظام شيئا، ولم يُعَلِّقه على "أنك تريد أو لا تريد" أن تكون هذه المواد جزءا من التعليم العام، لكن الأمر فى حالة الدين ليس كذلك، إذ نراه يعلقه على رغبتك فى جعل الدين مادة من مواد المنهج الدراسى. والمقصود بـ"رغبتك" رغبته هو، لكنه الأسلوب الملفوف الماكر الذى يبرع فيه طه حسين، ونبرع نحن بدورنا فى كشفه وفضحه! وقد رأينا الرجل يقول بصراحة إنه لا يمانع "الآن" من قيام الدولة بتعليم الطلاب أمور دينهم، أما فيما بعد فبطبيعة الحال: كلا ثم كلا! وهذه هى السياسة الكيسنجرية الخبيثة! وهو ما يومئ هنا إلى ذلك بقوله: "إن أردتَ" مستعملاً "إن" الشرطية التى تفيد عادةً استبعاد حصول الشىء أو استحالته!
وبالمناسبة فالدكتور طه، بالمقياس الذى ينصبه ويطنطن به، لم يكن يصلح أن يدرّس الأدب العربى. ذلك أنه لم يتخصص فى هذا المجال، فهو أزهرى، أى لا يصلح لهذه المهمة بشهادته هو نفسه عن الأزهريين، كما أنه حين ذهب إلى فرنسا قد درَس التاريخ القديم لا الأدب العربى، فضلا عن أن رسالته التى أحرز بها درجة الدكتورية من هناك كانت عن ابن خلدون، بل إن هذه الدكتوراه ليست دكتوراه الدولة بل دكتوراه السلك الثالث (الأيام/ 3/ دار المعارف/ 1972م/ 130)، وهى أقل كثيرا من دكتوراه الدولة وتُعْطَى عادة للطلبة الأجانب الذين لا يريدون التعمق فى البحث أو ليس عندهم وقت. فلو حاسبنا الرجل بكلامه لقلنا إنه لا يصلح لتدريس اللغة العربية بمقياسه هو نفسه وحسبما تقول الوثائق والشهادات! لكننا لا نقف كثيرا عند هذه الأشياء بغض النظر عن موافقتنا أو مخالفتنا له على هذا أو ذاك مما كتب، وبغض النظر أيضًا عما أخذه من هذا المستشرق أو ذاك، وبغض النظر ثالثًا عما طعن به فى الإسلام وكتابه فى بعض ما وضع من دراسات.
وكلام د. طه هنا يذكِّرنى بما قالته السيدة ملك عبد العزيز زوجة د. محمد مندور عن د. عبد اللطيف عبد الحليم ود. الطاهر مكى الأستاذين الدّرْعَمِيَّيْن اللذين انتقدا زوجها فى أحد برامج الإذاعة منذ عدة سنوات واتهماه بسرقة فصول كتابه "نماذج بشرية" من جان كالفيه أستاذ النقد الفرنسى بجامعة السوربون أيام أن كان مندور يدرس فى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه على مدى تسع سنوات ثم فشل للأسف بعد كل تلك المدة فى أن يحرز شيئا مما ابتُعِث لأجله، ورغم ذلك يملأ أتباعه الدنيا ضجيجًا ودويًّا حول ما حصّله فى فرنسا من ثقافات لم يحصّلها الجن الأزرق أو الأحمر، ولا حتى الأبيض الذى "طلع" للدكتور جابر قميحة ذات ليلة وهو صبى (الصبى هو الأستاذ الدكتور لا العفريت، فأرجو عدم الخلط) وكتب عنه مقالا مضحكا أشاب به شعر رأسى وشعر غير رأسى أيضا! لقد اتهمت السيدةُ مَلَك الأستاذين المذكورين بأنهما، بسبب دَرْعَمِيّتهما (تقصد أنهما رجعيان ضيقا الأفق)، يُسْرِفان فى اتباع المنهج النقدى للعرب القدماء الذى يَكْلَف باتهام الأدباء بالسرقة، ونصحتهما (لوجه الله طبعا دون أن تسألهما أجرًا على ذلك ودون أن يكون لها أىّ مأرب من ورائه) بأن يكتفيا هما وسائر زملائهما من الدّرَاعِمَة بما يُؤْثِره النقد الحديث من الكلام عن "التأثر" أو "توارد الخواطر"، وكأن مهمة النقد الحديث هى تسويغ السرقة وتسميتها اسما لطيفا لا يَمَسّ أحاسيس اللصوص المرهفة التى تجرحها خطرات النسيم، وفاتها أن الحق أحق أن يُتَّبَع وأن السرقة ستظل سرقة، سواء فى أعين النقاد العرب القدماء المتخلفين أو فى أعين النقاد الأجانب المُحْدَثين المتحضرين المحترمين.
ولقد فَرَّغْتُ نفسى فترةً من الوقت لبحث هذه المسألة وغيرها من المسائل المتعلقة بالدكتور مندور وسُمْعَته ومكانته العلمية فوجدت أنه قد سطا فعلا على بعض ما كتب كالفيه من فصول عن النماذج الإنسانية فى الأدب الفرنسى ومَلَخَها من كتابه ونشرها أولاً فى إحدى المجلات فى الأربعينات من القرن المنصرم بعد أن أضاف لها بعض اللمسات، ثم ثَنَّى فأخرجها فى كتاب يباهى بروعته وما فيه من فتحٍ فكرىٍّ ونقدىٍّ هو وحواريوه بدلا من أن يكفأوا على الخبر ماجورا ويحمدوا الله الذى ستر عليهم ولم يفضحهم فضيحة بجلاجل يسمعها الرائح والغادى فى أرجاء المعمورة، أو على الأقل: فى أرجاء المحروسة، لكنهم أَبَوْا إلا عُلُوًّا فى الأرض واشمخرارا، فكان أن بعث الله عليهم واحدا لا هو هنا ولا هو هناك، فقارن بين الكتابين بالفصل والفقرة والجملة والكلمة واضعًا النصوص العربية والفرنسية جنبا إلى جنب كى يستطيع القارئ أن يحكم فى الأمر بنفسه وضميره، فأَلْفَى أن مندور قد سرق حقًّا الناقد الفرنسى الحديث المتحضر الذى لا يجرى على منهج العرب القدماء المتخلفين، فهو لذلك لا يجد أدنى غضاضة فى أن يسطو على نتاج فكره وذَوْب قلبه أحد من الكتاب بحجة أن هذا تأثر لا لصوصية! (يُرْجَع فى هذا إلى كتابى: "د. محمد مندور بين أوهام الادعاء العريضة وحقائق الواقع الصُّلبة"/ مكتبة زهراء الشرق/ 1420هـ- 1999م/ 61- 115 تحت عنوان:”اتهام مندور بسرقة كتابيه: "نماذج بشرية" و"محاضرات عن إبراهيم المازنى"“).
وبالمناسبة أيضا فهيكل الذى يثنى عليه الدكتور طه هنا ويقيم منه مثالا أعلى لا يَقْدِر الأزهريون ولا الدّرَاعِمَة أن يبلغوا شَأْوه هو هو هيكل الذى طعن فيه الدكتور طه ذاته بعد ذلك وشكّك فى أن يكون هو صاحب المؤلفات التى تحمل اسمه. لكن مهلا أيها القارئ، فقد كان الثناء على هيكل حين كان هيكل حيًّا يرزق، وحين كان يشغل المناصب الضِّخام، أما الذمّ والتشكيك فقد كان بعد وفاة الرجل، وتم فى السرّ بين الدكتور طه وكاتبه الذى لم يكن طه حسين يتصور أنه سوف يسجل كلامه ويذيعه فى الناس. وهذا يعطينا جانبا من خلائق الرجل. قال الدكتور محمد الدسوقى، الذى اشتغل كاتبا له فى أخريات حياته لمدة عشر سنوات،: "وللعميد رأى فى مؤلفات الدكتور هيكل، وهو رأى يتعارض مع ما قاله فى رثائه، فقد قال لى: الدكتور هيكل لم يكن يؤلف كتبه، وإنما كان يكتبها له ناس آخرون ثم ينسبها لنفسه، ومع هذا تشتمل على أخطاء علمية واضحة"! أما ماذا قال د. طه فى رثاء هيكل فإن الكاتب يورد لنا منه العبارة التالية: "ذلَّل القصة لكتّابها، وذلَّل السياسة الصحفية لكتَّابها، وشارك زملاءه ومعاصريه فى تذليل اللغة العربية وتمكينها من أن تكون ملْكًا للذين يتكلمونها" (د. محمد الدسوقى/ طه حسين يتحدث عن أعلام عصره/ ط3/ الدار العربية للكتاب/ ليبيا وتونس/ 82). وقد استفزّنى هذا التناقض الصارخ والظالم فى كلام الدكتور طه فرددتُ عليه فى الفصل الخاص بأدب الرحلة عند هيكل من كتابى "محمد حسين هيكل أديبًا وناقدًا ومفكرًا إسلاميًّا"، مبينًا أن لهيكل أسلوبًا مميّزًا فى كل كتاباته التى ظهرت على مدى عشرات السنين، وأن من الصعب تمامًا أن يكتب أحدٌ لهيكل رحلاته بالذات، فهو الذى شاهد وسمع وذاق وشعر، فكيف يستطيع غيره أن يؤلف ذلك بالنيابة عنه، وبخاصة أن ذلك "الأحد" لم ير أو يسمع أو يذق شيئا من هذا كله لأنه لم يكن معه؟ وإننا لنتساءل: أين يا ترى نتاج هذا الشخص الموهوم، على الأقل منذ أن مات هيكل وأصبح هذا الشخص حرًّا طليقًا من القيود التى كان يكبِّله ويحتكره الدكتور هيكل بها أثناء حياته؟ وهل يمكن أن يبقى هذا المؤلف الخيالى مجهولا طوال تلك العقود؟ ثم لماذا لم يصرح لنا الدكتور طه باسمه فيريح ويستريح بدلا من هذا الاتهام الخبيث فى السر والظلام؟ (يمكن الرجوع إلى كتابى المشار إليه/ مكتبة زهراء الشرق/ 1418هـ- 1998م/ 181- 184).
وإنهاءً لهذا الاستطراد نقول إن المذيع الذى تصادف أن تكلم الأستاذان الدَّرْعَمِيّان عن سرقة د. مندور فى برنامجه قد تعرض لعقوبة مالية وإدارية لأنه لم يُسْكِتهما وتركهما يتكلمان فيفضحان رمزا من رموز مصر الثقافية! هكذا قيل له من قِبَل الغيارى على سمعة مصر ومكانتها، وكأن سمعة مصر قائمة على السرقة والتزييف. أى أنه بدلا من أن يردّ المدافعون عن مندور ردًّا علميًّا يثبتون فيه أنه لم يسرق ولم يَسْطُ لجأوا إلى العقاب الظالم الجِلْف المجحف الذى لا يرضاه خلق ولا دين ولا قانون! (ليسمح لى القراء بأن أنقل لهم ما قرأته الآن فقط عنوانًا لأحد المقالات فى صحيفة "شهود" المشباكية أثناء كتابتى لهذا الكلام، وهو: "خبراء: إذا هاجمك اللصوص قدِّم لهم الطعام"! انتهى النقل. ولا ريب أن القراء الكرام قد فهموا عنى ما أردت قوله، فالحمد لله، ونرجع إلى موضوعنا). إن هؤلاء الحواريين يتبعون سياسة التكتم والتعتيم والضرب فى الظلام! وهى نفسها السياسة التى عاتب د. إبراهيم مدكور الدكتور محمد الدسوقى على أنه لم يتبعها، إذ نشر ما دار بينه وبين الدكتور طه من أحاديث قال إنه قد أساء بها إلى العميد الذى ظلم فيها أعلام عصره (انظر كتاب محمد الدسوقى المذكور/ 7).
ولقد سبق أن أشرتُ إلى التقارب الفكرى فى الموضوع الذى نتناوله الآن بين طه حسين وسلامة موسى النصرانى، فأُحِبّ أن أقف برهة عند هذه النقطة لإلقاء بعض الضوء عليها: فسلامة موسى كان يدعو بكل قواه إلى أن ننسلخ، كما يقول، عن آسيويتنا ونلتحق بأوربا (الله يخرب بيت أوربا والذين نفضوها رغم تسليمنا بأنها أقوى منا فى هذه المرحلة البائسة من تاريخنا، وأكثر تقدما فى مجال العلوم الطبيعية وما يتصل بها، وأحسن إنتاجا واختراعا وتنظيما وصبرا، لكننا ندرك أيضا أنها ملحدة وتأكل الخنزير وتشرب الخمر وتزنى وتلوط وتساحق وتكره ديننا ورسولنا وربنا، وتبغضنا نحن أيضا وتريد استذلالنا، لا بل هى تستذلنا فعلا وتستذل شعوب الأرض قاطبة وتسرقهم وتستغلهم، وكأن ما سرقته منهم وما أنزلته بهم من عسف وتدمير وتقتيل وانتهاك للأعراض والحريات والكرامات على مدى قرون لم يكفها، فهى كجهنم لا تشبع أبدا ولا ترتوى بل تظل تطلب المزيد والمزيد، ومن ثم لا يمكن أن تكون هى المثال المُرْتَجَى). وكلام سلامة موسى معناه، بالبلدى وبالعربى الفصيح معا، أنه يحرّضنا على كراهية الإسلام والتخلص منه ونبذه، فهو المقصود بقوله إنه "يجب علينا أن نخرج من آسيا وأن نلتحق بأوربا". بل إنه، كصاحبه طه حسين، يهاجم النزعة الشرقية التى يعدّها مرضًا ينبغى أن نتداوى منه فلا ندرس الأدب العربى ولا نهتم بالتاريخ العربى ولا ندين بالدين الذى أتانا به النبى العربى ولا نلبس إلا ما يلبس الأوربيون. وفى محاولته نَفْىَ شرقيتنا نراه يضرب الأمثلة من بلاد الشرق الأقصى كما فعل طه حسين، ذاكرًا أندونيسيا والهند والصين، يقصد المسلمين بالذات من أهل تلك البلاد! وكطه حسين أيضا يهاجم سلامة موسى الدين (الإسلامى طبعا، وهل هناك دينٌ غيره مطلوبةٌ رقبتُه؟) ملحًّا على وجوب نَفْيه جملة وتفصيلا من حياتنا. وبالمثل ينادى بالابتعاد فى سياستنا وحكومتنا عن الرابطة الإسلامية واللغوية رافعًا صوتَه فى تحدٍّ ما بعده من تحدٍّ بأن "الجامعة الدينية وقاحة". كما يوصى بوجوب إبعاد الأزهريين عن ميدان التدريس وقَصْره على الذين تعلموا تعليما مدنيا، بالضبط مثلما سمعنا طه حسين ينادى بذلك ويراه هو السبيل الوحيد أمامنا للخروج من التخلف واللحاق بأوربا والفوز برضا الأوربيين عنا، وكأنه الرضا الإلهى الذى إن حُرِمْناه سنَصْلَى قاع الجحيم! ورغم هذا لا يفوت موسى أن يلاحظ، كما لاحظ طه حسين، أن الأوربيين يحتقروننا ويتبرأون منا، وإن أكد أننا نستحق هذا الاحتقار، وأننا بكراهيتنا لهم إنما نظلمهم ظلمًا بيّنًا لا معنى ولا مسوّغ له. ومع ذلك يحاول أن يخدعنا عن أنفسنا وعقولنا وكرامتنا فيقول إننا أوربيون تاريخًا وتشريحًا: أفلسنا قد عشنا تحت الحكم الرومانى دهرا طويلا، كما أن هيئة وجوهنا تشبه هيئة الوجه الأوربى، فضلا عن أن هناك مئات الألفاظ المشتركة بين الإنجليزية والمصرية القديمة؟ فماذا نريد أكثر من ذلك؟ وهذا كله وغيره من الخبل الفكرى والحقد الدينى المتأجج يجده القارئ فى كتابه: "اليوم والغد"، الذى صدر سنة 1927م، فكان بمثابة دكّ الأرض وتجريفها أمام طه حسين ليقوم هذا بعد ذلك بسفلتتها! وقد تناول د. محمد محمد حسين، رحمه الله رحمة واسعة، ذلك الموضوع بالتفصيل فى كتابه القيِّم: "الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر" (2/221- 228).
والآن ألا يلاحظ القارئ أن كل ما نادى به طه حسين هو هو نفسه ما تدعو إليه أمريكا وأوربا هذه الأيام من وجوب تغيير المناهج المدرسية فى بلاد المسلمين وإبعادها عن مجال التأثير الدينى، وربط العالم العربى والإسلامى بأمريكا وأوربا ربط التبعية والذلة والاستعباد تحت دعاوى العولمة، ورمى المتدينين بالتخلف والإرهاب والعجز عن فهم لغة العصر وملاحقة أوضاعه، وتصوير أسلوب الحياة الغربى على أنه الأسلوب الأمثل الذى لا سبيل أمام المسلمين سواه إن أرادوا أن يتقدموا ويتحضروا بما فى ذلك إباحة اللواط والسحاق وتقنين زواج المثليين؟ ألا يلاحظ القارئ أن تلامذة طه حسين وحَوَارِيِّيه ومن يُرَافِئونه على آرائه ومواقفه وبغضه للإسلام هم الذين فى أيديهم وسائل النشر والإعلام فى العالم العربى والإسلامى إلا فى النادر، وأنهم هم الذين يفوزون بالمناصب والجوائز الرسمية وغير الرسمية أيضا، وأنهم هم الذين تُسَلَّط عليهم الأضواء وتُخْلَع عليهم الألقاب الضِّخَام؟ ألا ما أَشْبَه الليلةَ بالبارحة! لكن قومى مضطجعون فى سُرُرهم لا يريدون أن يهبّوا، بل يستلذون ما هم فيه من الكسل والتثاؤب وكأن الدنيا قد دانت لهم، فهم فى رقصٍ وزمرٍ وطبلٍ، على حين تُسَنّ السكاكين لنَحْر أفواج جديدة منهم غير التى نُحِرَت وانتهى أمرها، وهم ولا هم هنا! إنها أمة لم نسمع بمثلها فيما مضى من التاريخ، ولا أحسب أن التاريخ القادم سيعرف أمة مثلها فى الغيبوبة العقلية التى أصابتها وسقوط الهمة التى اعتراها وأَشَلّ إرادةَ الحياة فيها! ربنا يستر، ولكنْ أخشى أن يقال لنا إنكم لا تستحقون الستر!
مشاركة منتدى
25 كانون الثاني (يناير) 2008, 21:32
أخي الدكتور ابراهيم
لولا اني اعرفك واعرف حرصك على تحري الدقة والامانة في التحقيق والتدقيق والصبر على مرارة البحث
ومرارةالتنقيب .... واعرف انك قد صفحت نفسك من شراسة الاقلام الناعقة وجدار الجليد
وقولهم : علّامَة الادب طه أطاح به و بصرحه طاح العميد
لودجتني أقود فريقهم فريق النعيق والزعيق
فلو ترشدني رعاك الله اين تصفحت , ومن فضلك لو تذكر نوع الحديد
ابوهاشم