رسالة إلى امرأة غير استثنائية
اغتربت حياتي عند لحظة الفراق.. في ذلك اليوم الجميل، الذي ساقته لنا الأقدار.. رويت ظمأي من مياه عيونك وشبعت ورضيت.. وملأت عيني بنظرتك الطفولية البريئة الهادئة التي تتقطر عشقا.. كنت أشعر بيديك التي لم تلمسني وهي تربت علي كتفي، قلقك المستمر في خطواتي اللاهثة.. عيناك الزائغتان، شفتاك اللتان كانت كانت ترقبانني وتقرآن حولي آيات من القرآن.. كان يوما جميلا مازلت أتذكر تفاصيله وأحفظها عن ظهر قلب..
كنت أردد ما بين نفسي: سيطول غياب الشمس والقمر والنجوم.. ما اقسي العقاب عندما احرم منك..
وصادفت الظروف أن نتجاذب الحديث في اليوم التالي، وآه من ذلك الحديث، كم كان حميميا ودافئا، تكلمت كثيرا، وفتحت قلبك كعادتك، وأحسست بأن السماء تمطر تمرا وقرنفلا.. تسربت عبر حروفك آهات كثيرة، أدمت قلبي العليل، ودغدغت أحاسيسي، لكني تحاملت علي نفسي، كان حديثك أشبه بالموت اللذيذ والبطئ.
سافرنا بعيدا كعادتنا ولم تلمحنا عيون الناقمين الحاقدين، تجولنا في الشوارع وارتشفنا الحب، تسكعنا وتصعلكنا، وغنينا أغانينا الجميلة.. ارتمينا علي الأرصفة الناشفة فلانت.. وناجينا العشاق في عشقهم.. كنا جسرا للكلمات التي ظلت حبيسة الصدور.. وأقمنا موائد عشق للمحرومين.. خلت الشوارع من المارة إلا من همس قلبك ودقاته.
عندما كانت تشتد وحدتي وتهزمني إرادتي كنت اجتر من كلماتك قوت عزيمتي فأنهض من جديد.. وأطرح السؤال المستحيل، كيف تكون الحياة دونك.. ولماذا كل هذه الوجوه دون وجهك وهو ملاذي وسطوتي ونفوذي..
هل حل العيد علي ناصيتك.. لم أره يا حبيبتي.. اليوم هو عيدي..
اشتقت إليك.. اشتقت إليك.. لا تستطيع مفرداتي العاجزة وصف الحيرة التي انتابتني والقلق الذي استبد بي في غيابك..
كما هي الكلمات بائسة عندما تعجز عن تدقيق المشاعر وضبطها وإخراجها في جمل حقيقية..
كانت حسرة ويتما ووحدة وخوفا.. نعم كنت أحيانا أشعر بالخوف وقلة الحيلة.. أحيانا كنت أهرول إلى الشارع كي أحدثك بصوت عال دون رقيب أو محاسبة.. كم من الكلمات ألقيتها في صدرك، وكم من دموع ذرفتها.. كنت بلا قلب ينبض أو هكذا تخيلت..
إذا أردت الرحيل فعليك أن تعيدي لي شرياني ووريدي وقلبي وعيني وفمي ومشاعري..
إذا أردت الرحيل فأنت تعلنين بذلك عن وفاتي..
يا أعظم امرأة في التاريخ.. يا أجمل بنات حواء.. يا أنقي شيء في الوجود.. احبك.. احبك.. احبك.
يا قارورة عطري التي لا تنضب ولا يجف رحيقها.. كوني عبيري الذي لا ينطفئ ويشع حولي التوهج والحيوية.. دونك أضل الطريق وأتوه بين غياهب اللحظة ومفردات الصدف بحثا عن مرفأ أو مرسي أو عنوان..
في غربتي أشعر أن كل نساء الأرض يشبهونك، يتصفن ببعض من سماتك وملامحك، يحاولن جاهدين في عبث أن يلحقن بقافلتك، فيبدين في المؤخرة لا يستطعن اللحاق أو القرب البعيد منك.. فترفقي بهن وامنحيهن شرف التطلع إليك.
حاولت أن أسرق من دواوين العشق كلمات الحب، كي أزفها إليك، أفتش عن معان جديدة لم أرددها، أو جمل لم اسطرها في رسائلي، لكني فوجئت بأنهم جميعا يسرقون أشعاري.. حتي أصبح اسمك علي الألسن والأفواه أسطورة.
نفد الورق والقلم.. فلم أجد غير الجدار كي اروي له الحكايات.. حتي اتهمني الناس بالجنون والهذيان وشككوا في قدراتي العقلية.. فبدأت أردد عليهم أن مأساتي هي عجزي الأبدي عن وصفك..
يا قاتلتي.. لا تحركي خنجرك القابع في أحشائي.. لا اخشي الألم أو النزيف.. فقد تعودت الألم وغرقت في دمائي مرارا.. لكني أخاف غروبك عني.. فتعالي وارقصي علي أشلائي، فدق الطبول والمزاميز يعيد تكويني من جديد.
ينضج نومي مع أحلامك.. ويتسلل طيفك إلي في عتمة الليل ليخفف أرق السهد..
أكليل من الريحان أنت.. وتاج من الفل والياسمين يتوج كل العاشقين.. ظلت أمواجي المستكينة تعانق الرمال في هدوء حتي أتيت فبدأت أعاصير حياتي تدب في شرياني المتعب رياح الحب.. يكفيني هذا القدر من الحب فأشواقي ما عادت تحتمل المزيد.
يا ثورتي الكامنة في الضلوع لا تنفجري.. لم تحن بعد لحظة ضياعي.. يا إمبراطورة مملكتي يكفيني نظرة كل مائة عام، فالضوء الساطع من عينيك يغشي عيون الناظرين.. يا أفضل تواريخ حياتي وأرسخ قيمي ومبادئي.. اعشقيني.
علي خطوط يدك.. مكتوب تاريخ ميلادي ووفاتي وسيرة حياتي، انتصاراتي وهزائمي.. ضحكاتي ودموعي، علي خطوط يدك سر وجودي فلا تقبضي راحتيك في ليالي الشتاء فالجليد معك دفء لا ينتهي.