هناك من يذكرني ويتأهب للتحليق في دلالات نزفي
لبريدي رائحة البحر وموجة من زوفي وزيزفون تصاعد في سمائي رغم دخان الدمع، حمامتان من تحت نقاب باريس، وقطعان نشيد، وطوابع بريد صادره من اللون تهبط كتسبيح الملائك في صبار حنيني.
رسالة، مظروف يتوشح بالأزرق والأحمر، وحروف من فجر أيقظه ايلوار، وسلة فطر جنتها جان دارك من ساعد الطرقات المعشوشبة، إنه صديقكم ولا احد يعرفني غيره في عتمة المانش، إنها ريشة جان اييف بيزيان الذي لا يتوقف عن الركض في براري إنسانيته ويتوغل عميقا في الدهشة وتحرر الريشة.
ايه صديقي عن ماذا ستحدثني؟ عن مفاتيح بيتنا القديم في نزف الناصرة، أم عن تجمر في الزيت من شوق ودمع وانتظار.
أطلت عليكم ولكن أسراب السنونو الغافية على حواف الظرف ترجوني أن أتمهل بالكشف ماذا؟...... ماذا؟.......... ما تلك الأهلة الخضراء؟ وكيف أقمت غيابك هنا يا حنظله؟وأنت يا يد الخنجر يا خريطتي الصغيرة يا خاصرة البحر ويا وصلة السماء من سواك هنا ؟ كيف عبرت المطارات والحدود؟
يدي راعشة مترددة وعيناي أفق من تردد ونشيد، وشفتاي تقبلان الظرف لتلامسا قبة الصخرة وتعرجان، نعم إنه طابع بريد شقي وعنيد أمار بالنهر فعال للماء، و يطوي المسافة كالسجل ويهزأ بالجنرال، بما تساقط من بزته من نجوم ومن حدود، من يوقف الربيع الجامح في كم شقائقه؟ طوابع فلسطين بريشة جان اييف بيزيان حفيد البحر وهوديني الغابة، حكمة النمل، ورسالة التضامن، وحداثة النضال، انه يخرج الآن إليكم برسالته وطوابع بريده، فخذوا عني "الرسالة والبريد" أما أنا سأصلي للشمس أن تطلع ليل نهار لتنضج كلوروفيل حنطتي لأعدها لمواسمه القادمة، ولأعلم شقائق النعمان عن سطوع انكساري لهديته الواخزة، سأذهب إلى قصائد ايلوار واقطف منها كرمتين أعتق منهما نبيذ قصيدة على قوس انتظاره.وها هي رسالته بين أيديكم وقد ترجمها عن الفرنسية فتى بيسان د وليد سويركي وقاربتها من بعده لأتركها بين أيديكم بصبرها وصبارها، وهكذا تكلم إليكم صديقكم جان اييف بيزيان.
إلى أصدقائي الفلسطينيين
لا بريد في فلسطين، لذا لا يمكن إرسال رسائل ورقية "تحمل اسم بلادهم وطوابعها "، وبمبادرة فرديه صغت طوابع بريدية لألصقها على كل رسالة أرسلها" إلى أي من بقاع الأرض".
تخيلت أني استلم رسالة من فلسطين بعثها لي صديق أو ثلة من الأصدقاء الفلسطينيين
"جان اييف"
منذ مده وجيزة ونحن ننعم بالسلام في فلسطين، رحل الجنود الإسرائيليون وها نحن استعدنا أرضنا ووطننا اللذان لم يكونا أبدا لغيرنا، آن أوان التحرر، فمنذ ما يزيد عن خمسين عاما ونحن نعيش القهر سجناء في وطننا، تحرر المعتقلون والأسرى جميعا من سجون الاحتلال الإسرائيلي وعاد كل اللاجئين بعضهم ومفاتيح البيوت في يديه، المفاتيح لم تجد أبوابا، فالبيوت دمرت وأنت تعلم أن الاحتلال "حرّم" كثيرا طيلة ما يزيد عن خمسين عاما، بوسعنا اليوم أن نتجول بحرية، فنقاط التفتيش العبثية المرعبة المهينة والتي كانت تنتصب على كل الحواجز آلت لمنتهاها، أشجار الزيتون توقف اقتلاعُها، وبوسع سليمان أن يهبط آمنا مطمئنا إلى كرم زيتونه، رحل آخر جندي يصدر أوامره حول ما يجب ولا يجب أن يفعله الزيتون.
عندما تؤوب إلينا سنمضي ثانية لنشرب الشاي في ظلال زيتونه في كرم صغير سيصحبك الأطفال عبر تلك الدروب النحيلة سيرونك دفاترهم المدرسية وحيواناتهم الأليفة، وسيلتقطون لك سلحفاة عن ساعد الطريق، خرج الأطفال من جحيم خوفهم وبوسعهم أن يكبروا في القرى والمدن في السلام الذي هو حقهم الطبيعي.
صباح هذا اليوم أعدت فوزيه خبز الصباح، أما أنا فمكثت طويلا في شرفة البيت أتأمل المكان، السماء الزرقاء وأشجار الزيتون المتجذرة في الأرض الصخرية الداكنة.
فنيت أبراج المراقبة الكئيبة التي كانت تنتشر على مساحات سجننا الكبيرة ذو السماء المفتوحة، وتوقف الجدار عن التقدم، و لكنه ما زال رماديا كئيبا دون شرعية أو جدوى، إذ لا يمكن القبول به، سيسقط يوما ما، ليس غدا أو بعد عشرة سنوات، بل عليه أن يسقط الآن..
صار لنا اليوم دوله، إرادتنا في بناء الوحدة الوطنية مكنتنا من خلق الظروف التي هيأت لقيام دولة حره ذات سيادة، صحيح أن ثمة خلافات سياسية بين الفلسطينيين ووجهات النظر متباينة كما يحدث في كل البلاد.ولكننا تجاوزنا كل الخلافات منذ زمن طويل ونحن نقاوم، ومنذ زمن ن طويل ورصاص جنود الاحتلال القاتل يحصد أرواحنا.تقول إسرائيل أن بيت حانون كانت خطأً، لقد اقترفت آلاف الأخطاء طيلة العقود الماضية.
غدا سأمضي عبر فلسطين، سأذهب إلى غزة وأريحا، وسأمر بالقدس، وكمريد البرغوثي "سأرى رام الله"، سأذرعها من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال آمنا مطمئنا فقد غدوت حرا في بلدي، حرا على ارض فلسطين.
آه بالمناسبة إلى أين بلغ أمر معرضك الفني ؟ إنّا ننتظرك وننطر المعرض المتوقع في عمان أو رام الله أو القدس وبالتأكيد كفر لاقف، الأمر هام، الفن حيوي، وينبغي له أن يساهم في خلق تواصل أفضل بين الناس، فعلى الكاتب أن يكتب وعلى السينمائي أن ينتج أفلاما وعلى الرسام أن يرسم تحت نيران القمع.
تحيه وإلى لقاء قريب جدا فلربما ستكون بيننا وتشاركنا موسم قطاف الزيتون.
آه نسيت شيئاً، أني للتو اشتريت أطلسا يتضمن خريطة العالم وقد كتب فيها بخط نافر" فلسطين" إنها وطننا وها نحن نحيا..........
سأواصل الرسم سأواصل نشر الطوابع وسأعمل ليل نهار كي يصبح سياق الرسالة واقعا الآن وليس غدا.
جان اييف بيزيان
بريتاني – فرنسا
جان اييف: فنان تشكيلي فرنسي، أمنيته الأخيرة "أن يكون معرضه الأخير في فلسطين"، وهو من الناشطين النقابيين ومن الناشطين في مناصرة القضية الفلسطينية والقضايا الإنسانية
وليد السويركي: شاعر ومترجم أردني يعمل مدرسا للأدب الفرنسي في جامعة اليرموك
رسالة جان اييف بيزيان تأتي قبيل زيارته المتوقعة إلى فلسطين بدعوة من مجموعة كروم للثقافة وتنمية الإبداع، وهي موجهة إلى الفلسطينيين وتحمل في ثناياها نثار ذكرياته حول زيارته السابقة لفلسطين، وخصوصا قرية كفر لاقف.