الخميس ١٣ آذار (مارس) ٢٠٢٥

معاينة شعرية القصيدة العربية الجديدة

من البنية إلى الدلالة

يقدّم الباحث المغربيّ المصطفى البوسعيدي، في كتابه الجديد "شعريّة القصيدة العربيّة الحديثة.. من البنية إلى الدلالة"، جهدًا متميّزًا في تجلية التراكُم النقديّ العربيّ والغربيّ عن مفهوم "الشّعريّة"، انطلاقًا من قصائد لبدر شاكر السّيّاب، ومحمود درويش، ثم محمّد الفيتوري.

الكتابُ نفسه، الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، في 174 صفحة، جاء في مقدّمة، ومدخل نظريّ، وأربعة فصول، وخاتمة. يتناول المدخل مفهوم الشّعريّة انطلاقا من سياقها التأريخيّ، وبُعدها المقارباتي، وأهميّتها في النقد الحديث، بناء على المدارس التي تبنّتها.

أما الفصول الأربعة فتتمحور حول بنيات القصيدة الحديثة، التي تمثل محورًا مهمًا من محاور الشّعريّة الحديثة.

وقد عالج الفصل الأوّل من الكتاب بنية الإيقاع من الوجهة النظريّة والتطبيقيّة، فبعد أن دلّل الكاتب على علاقة الإيقاع بالتركيب اللغوي، قام بمقاربة هذه البنية انطلاقًا من ثلاثة مستويات، وهي: مستوى التشكل، انطلاقًا من الجمع بين التقطيعين: الصوتي والكمّي، عبر خاصيتيْ: النقص والزيادة وأثرهما في إغناء السياق الشعري. ومستوى التنوع الذي يتتبع اختلاف الإيقاع الكمي في النص، ثم مستوى التمفصل الذي يرصد علاقة الإيقاع بالتركيب عبر خاصيتيْ: التضمين والتدوير.
وحول بنية التوازي اقتصر الفصل الثاني، متناولا المستوى الصوتي الذي يعرفه السياق الشعري عبر جملة من الأطراف المفردة والمركبة المختزلة لوحدة القصيدة المتجلية في التماثل الصوتي القائم بينهما.

في حين تناول الفصل الثالث بنية الضمير في علائقه السياقيّة. وقد قسّمه المؤلّف إلى ثلاثة مستويات: ضمير المتكلم، وضمير الغائب، وضمير المخاطب. مبينًا أن هه الضمائر متعددة الوضعيات في النص الشعري الحديث بحسب الوضعيات التعبيريّة التي يريدها الشاعر.

وتحت عنوان "بنية الدلالة" جاء الفصل الرابع، وخلص المؤلّف من خلاله إلى اختبار علاقة المشابهة المتحققة بالتشبيه والاستعارة، وعلاقة المجاورة المرتبطة بالكناية المشكلة للتعابير الملحمية المنتقاة من السياق الشعري، ثم علاقة المفارقة المبنية على التقابل الدلالي التركيبي أو السياقي.

ويرى البوسعيدي، في خاتمة الكتاب، أن الشّعريّة في النقد العربي الحديث "كانت من بين أهم المقاربان النقدية المواكبة لتطور الأساليب الأدبية وتنوعها، فشكلت بهذا الاهتمام (موضة) بارزة لاستنباط الأسس المميزة للشعر الحديث، مقارنة بمراحله السابقة، ليخلص أنصار الشّعريّة أن القصيدة الحديثة التي كسرت وحدة البنية الشعرية، وتجاوزت مفهوم البيت الشعري، تتميز ببناء عضوي جعل من النص الشعري وحدة سياقية متداخلة المستويات، ولا قيمة لخصائصها الأسلوبية إلا داخل فاعليتها السياقية".

وحول بنية الإيقاع فيرى المؤلف أنها ذات أهمية كبيرة في قصائد الشعر الحديث، حيث حاول الشعراء (السياب، درويش، الفيتوري)، ومن سار على دربهم، تطوير وسائلهم الفنية، بعد تجاوز الرواسب الإيقاعية، فأصبح الإيقاع الجديد عندهم فاعلية سياقية يتم تشغيلها على مستويات مختلفة، منها: التشكل، أو التنوع، أو التمفصل.

ويؤكد المؤلّف، في خاتمة كتابه، أن بنية التوازي تحقَّق بفعل الوحدة العضوية للنص الشعريّ، عبر التماثل القائم، إما عن طريق المشابهة أو التضاد. والتوازي في هذا السياق قابل للتحقق عبر عدة مستويات، كالتوازي الصوتي الذي من أنماطه القافية والتجنيس، والترديد والترصيع والموازنة، وهو توازٍ ظاهر، على خلاف التوازي الإيقاعي الخفي. في حين يتحقق التوازي الدلالي من خلال الترادف والتضاد والاقتراض والتناسب. أما التوازي التركيبي، فتكمن أهميته في تحقيق الوحدة العضوية بواسطة جملة من المؤشرات النحوية، كالضمائر ومختلف الروابط اللغوية.

ويفت المؤلف النظر، في الخاتمة نفسها، إلى أن المشابهة تتحقق من خلال تراكم أساليب التشبيه والاستعارة، ما يؤكد كثافة التعبير التي تعكس انفعالات الشاعر، في حيت تتحقق المجاورة عن طريق تراكم السمات الكنائية التي تعتمد بساطة التعبير، أو بواسطة السمات الاستعارية التي تخلق تعابير مجازية، أما المفارقة فتنقسم إلى مفارقة تركيبية تتجسد إما بالتضاد في النص الشعري على مستوى التراكيب، أو مفارقة سياقية تتميز بكثرة الإيحاءات، وتعدد الأبعاد الدلالية، والتي تستدعي خلفية معرفية بالسياق الشعري أكثر عمومية.

البوسعيدي نفسه باحث أكاديمي في اللّغة والأدب والتواصل، وديداكتيك تدريس مكوناتها البيداغوجية، صدرت له مجموعة من الدراسات والأبحاث في شكل مقالات علمية محكّمة، ضمن كتب جماعيّة وفرديّة. يشتغل حاليًا أستاذًا مكونًا بثانويّة التميز بالرباط.

من البنية إلى الدلالة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى