من «آخر المرايــا..»
في تلك المقدمة الأولى أو بالأحرى في ذلك الدرس الأول عميق الدلالات لتلك المادة الهامة المتعلقة بذلك الاختبارالإلهي الأول الذي أراد الله منه أن يختبر مخلوقه الأول «آدم» ويلقنه من خلاله أولى الفقرات الاجبارية نظرياًً وفعلياً من جهته، والتي ما فشل آدم في ترتيبها وقراءتها إلا نتيجة لعوامل سبقت إرادته، نتوقف لنقول بأن إرادة الخالق تسبق إرادة المخلوق ولهذا السبب الحكيم رأينا أن «آدم» في الواقع لم يفشل لأنه لم يكن يدرك معنى «عزم الأمور» لعدم توفر فرص التجارب لممارسته، إنما المراد بذلك ذريته، أي "نحن" ، فبعد تلك التجارب الدهرية الطويلة التي خاضها هذا الأب الأول تستطيع هذه الذرية اليوم أن تسمع وتعي وتدرك وتفهم ما يمكن أن يوسوس به الشيطان داخل نفوسها، لأننا كلنا اليوم نؤدي ذات الدور وفي نفس المسرح الذي كان فيه أبينا الأول يمارس دوره مع الشيطان، لإدراكنا بأنه ومع هذا الموت المنظورلا وجود ألبتة في هذه الدنيا لمثل شجرة يقال عنها «شجرة الخلد» ولا بقاء فيها لملك يقال عنه «ملك لا يبلى» .. إنما الغاية من تلك وهذه الوسوسة هي في إظهاروإبداء: .. مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا.. "الأعراف/20 "..
فهذه التجربة الأولى هي التي دلت على أن فرص التجارب للنجاح أوالفشل ما زالت متوفرة لمن يريد من ذريته نيل الدرجات العلى وشهادة "الرضوان" أوالدركات السفلى وشهادة النيران!! ..
لهذا جاء قوله– سبحانه وتعالى– لهذه الذرية منبهاً ومحذراً من جميع الأخطاء التي لازمت ذلك الأب الأول والتي وقع فيها، لتداركها وعدم الوقوع فيها ما أمكن ذلك بعد أن تم عرض سطورها المصورة فقال:-
يَا "بَنِي" آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنونَ الأعراف/27..
لأن النتيجة كانت:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ "البقرة/36 "..
الأمر الذي عنى الفشل!!..
ويقول: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ "الحشر/16 " ..
ويقول: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولاً "الفرقان/29 "..
ويقول: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا "بَنِي" آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ " يس/60 "..
ولهذا ولذاك نرى أن نفخة "الروح" الثانية تلك هي التي نقلت ذواتنا من أفق "السمع" و "البصر" و"الذوق" و"الشم" – والتي يشاركنا فيها الحيوان – قد حلقت ووصلت بنا إلى أفق "الفكر" و"اللغة" كبدايةٍ لعالم الأنسنة وللعبادة المثلى فيه!! ولكي نعرف هذه البداية ما علينا- كما ذكر الباحثون- : ".. إلا أن نبحث في نشأة هذا الكلام الإنساني، إذ لا انفصام أبداً ما بين الفكر واللغة منذ أن بدأت تباشير هذه النقلة، فهذا الربط الانعكاسي عند الحيوانات يتم بدون قالب لغوي، إلا أنه عند الإنسان لا بد له من هذا القالب الصوتي، وهكذا جميع أهل الأرض تفكر بقالب لغوي، مما يدلنا على أن للغة وظيفتان، حَمْلُها للفكر، وللتواصل بين متكلم ومخاطب، وجميع صيَّغ اللغات- كما نعلم - لا تخلو من الخبر أوالأمر أو النهي أو التعجب أو الاستفهام، وأكثر الكلام الإنساني بين متكلم ومخاطب هو هذه الصيَّغ.. "
وهذا هو ما رأيناه إدراكاً وفهماً في كلام الله لآدم، وللنبي ولنا في هذا "القرآن" الحكيم ولكل الإنسانية عبر أنبيائها!!
فبهذه (الإنارة) لقلب "آدم" ولعقله– بعد إظلام – أي من بعد تعليمه كل هذه الصيَّغ وتخليفه بها – ازداد بلا شك علماً ومعرفةً، بل و"قرباً" من خالقه، وهذه هي- ويا للجمال - أوسمة التكريم وجواهره، لتبقى "النبوة" هي بالفعل الدرجة الأولى الفارقة، التي أشار إليها- سبحانه وتعالى - :- في قوله:
*(.. فَتَلَقَّى آدَمُ.. ) "البقرة/37 " ..
وفي قوله تعالى: * (وَعَلَّمَ آدَمَ.. ) "البقرة/31 "..
وفي قوله تعالى: * (.. يَا آدَمُ أَنبِئْهُم.. ) ..
وهنالك الكثير من الآيات الدالة على هذه الدرجة..
ولعل ما يثير التساؤل في نفس المؤمن- ذكراً كان أم أنثى - هو أن لا يجد أي ذكرٍ لاسم (حواء) -المتعارف عندنا - في كتاب الله الحكيم!!؟ - إنما تأتي الاشارة دائماً بلفظ "الزوج"!!
علماً بأن الاسم (آدم) قد ورد في القرآن الكريم (25) مرة!!!!!!!
أَفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا "محمد/24" !!