قراءة تحليلية نقدية في نص " أصابع العبد " * للكاتب محمد عبد الله الهادي
تفتتح " أصابع العبد " سيمفونيتها الريفية العذبة برقصات الطبيعة في لغة أحداثها الحارة مع تأجج الشمس المرسلة لهيبها الحار إلى الجذر الشامخ ونفوس دافئة بعفوية الحس تسكن جسد الطبيعة ومفردات كون في حراك لغة كائناته الحية في النص بين الحر وبرد الأرض في الماء المعبر عن تدفق الحياة في عمر جفاف الأوراق التي وأن جف زمانها وعصرتها مادة الأرض فإن في عمرها فسحة حياة وتدفق نحو ميلاد صفحات جديدة لها على بحر الأنكسارات وعذابات المعاش .
واتناول أبعاد الرؤية النقدية للنص من خلال المحاور الأتية :
عنصر الزمان
يدور نص " أصابع العبد " في ظهيرة حر يوم ما من مذكرة أيام العمر المترعة بتضادات الحال بين قيظ الظهيرة وبرد الضحكات وعفوية اللحظات الراقصة التي تقطع مفصلها حدة لحظة ، تغلف كواليس تلك اللحظات وتحمل معها لغة الانكسار في المادة والروح معا ، في ظلال بؤرة ضوئية قاتمة الأطياف تقابل البؤر الضوئية المشرقة انعكاسا قزحياً يسلب الأنظار والقلوب معا في مساحات النص ما قبل إسدال النهايات .
وتستنطق سطور النص زماناً مقيدا بصفعات الزمان الصارخة الشحيحة بعنصر المادة إذ انه بوعي الشباب الريفي الواعد الأكسجين الذي يمنح أنفاس الأرض نبضا متزنا في حراك قلبها ، تتمكن من خلاله من فتح صفحة جديدة في ميلادها ، وإلا تسارعت أنفاسها في اللهاث الذي يحشرج روحها ويجعلها حبيسة الانكسار وشروخ الألم الممزقة للأحشاء في انتظار حلم البحبحة بعد
اختناق الأنفاس وانسداد شريان الحياة ، وهذه خلاصة معادلة البوح في نفس أجيال الأرض الواعدة ، لكن تلك المعادلة التي يدور رحاها في عقول الشبيبة لا تستقيم مع جذر الأرض الذي يأبى الانسحاب من هوية الوجود في منبت الجذر .
عنصر المكان
وتنطق حروف نص " أصابع العبد " في أجواء ريفية تصطلي بلهيب حر الشمس في قيظ الظهيرة ، وتتساقط هناك الأوراق في أتون أجوائها المنكسرة ، في ظل تصوير مبدع لشجرة " أصابع العبد " واشراقات القطن الذي عصرته حدة ضيق المعاش، ومنزل ريفي يجتمع القلوب في عشه الدافئ تحت ظلال الضحكات البريئة والتطلعات الصامتة في رحلة الأفق البعيد .
الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصيات الواردة في النص
وأدرجها على النحو الآتي
شخصية الأب : هي نبل ذات تعبر عن حالة التوأمة مع الأرض والجذر في سماءات الفكر والشعور المتعاضد ، إذ لا ينفصم أحدهما عن الأخر ، فعندما توجه بوصلة تأملاتك في الأرض وسلة عطاءاتها في أتون قيظ الظهيرة فكأنما تلقي نظرك في تؤامة التجانس على جسد كادح متفان في عشق الأرض ، يحيا بقلبه وتضحيات جسده مع مفرداتها كأنه القلب في أحشائها وسر حراكها ، وكهولة عمرها المضني عطاءا في الوجود ، فكلاهما فيض عن الآخر وكلاهما يعكس الآخر في تؤامة جسد واحد كادح معطاء
بطل القصة " السارد " ويعبر عن عفوية ورقة خضراء تتطلع في امتداد همتها لتعلو في سماءات أغصانها وفق رؤى أحلامها الناعسة على الأغصان، فترنوبابصارها الحالمة نحو أكسجين ما في الأجواء البعيدة تستمد منه رمق مادة الحياة في المعاش وفي الآن نفسه تحن تلك الورقة الخضراء الشابة لجذر الأرض الصامد في بطن الأرض وسكينة الآمن ونبذ الأغتراب ومتتاليات الانسحاب
لكنها مرارة الواقع التي تنقش مساحات التطلع لعوالم الغربة لا محالة في عمر كل ورقة خضراء شابة على الأغصان
زينب :أنغام الحب المغرد في أجواء مفردات الكون المتناثرة ماسا على صفحة النص في حس البراءة ودفئ المشاعر وذكاء الإحساس وانكسارات القلب أمام لغة حدة المعاش في متتاليات تساقط هيبته أمام مجريات الأحداث الحارة الصارخة بين عينيها فلا مجال لإنكارها …تجاهلها
لا مجال متاح إلا لغة الاعتراف البريء بتداعياتها في أهات حزينة تغلف النص برقة مشاعر أنوثة ريفية القه الجمال في قوام الكلمة ونكهة عبق التعبير
الأم : صورة الأنوثة الحانية في رتابة الحس وعشق الأرض وكدح المعاش ولغة الوفاء لرسالة الأمومة في تدبير المعاش ، وإضفاء النسمات على محيا الأبناء ، وبريق العين في استلهمام عمر الأبناء في الآفاق في ظلال أعشاش الطبيعة الدافئة بالحب الرقراق بين أبناء اللحمة الواحدة في مستقبل أنشودة الزواج .
عبلى : براءة الأنوثة الريفية وتعلقها بالطبيعة ، وتشكل تلك الشخصية لبنة إكمال لمنظومة دائرة السرة الواحدة التي يجتمع فيها الأب والأم مع الأبناء وابناء العمومة في نسيج رحمي واحد يغلفه مغناطيسية الجذب في المشاعر ولغة الجسد في اللعب والتفاعل مع الطبيعة الحية في النص
مصطفى : حس القرابة المتشابكة في لغة الرحم الواحد وبهجة عفوية التلاقي الريفي الدافئ في لحمة القرابة ولغة الإحساس
الكلب : مفردة حية في النص تعبر عن تدفق الحياة بكل مكوناتها وأجناسها في النص في لغة أجسادها ورمزية حراكها في حروف النص الريفية ، وقد اختزل الكاتب لغة التعبير عن هذه المفردة إشارة منه إلى ضيق مدى تلك البؤرة الحية في النص وانها مفردة مستهدفة من قبل الكاتب لتشكيل قيمة جمالية تصويرية تعبر عن تدفق الحياة بكل أجناسها وأشكالها في هذه النص المبدع في التصوير ولغة التعبير .
الناس : الإيحاء الاجتماعي في النص الذي يعبر عن لملمة أهل القرية عند الأحداث الغريبة المدهشة المفاجئة على بسيطة الأرض الريفية ، بسمت يفوق طاقات الاتصال الحديثة ، إذ يحرك ذلك الإيحاء الاجتماعي سليقة الفطرة الريفية في معاضدة وتفقد الغير ومتابعة أمره وخبرة في إيقاعات ضجيج متتاليات مفأجات الأحداث في عقر داره .
عقدة القصة :
وتشكلت تلك العقدة في إبداع الكاتب في تحريك بوصلة لغة السرد الدقيقة واستخدام جميع الياتها في القص المشوق في تصاعد وتيرته والجذب في لغة الذوق العالية في براعة تمكن أدوات تصيد العبارات والتركيبات الريفية للألفاظ التي تعبر عن ارث الكاتب ومنظومته اللغوية المبدعة في هذا الصدد وتشكلت تلك العقدة في " شجرة أصابع العبد " وهي اللحظة المبدعة التي احتبسها الكاتب في لغة القص عنده وكثف مدارات الشخصيات واليات السرد في الدقة والرتابة الوصفية وإيقاعات الطبيعة في أنغام التشويق في تكثيف سردي يدور حول هذه الشجرة والدوران المحلق للشخصيات حول أجوائها الريفية الحارة ، بحث ألت في حس قيادة قلم مبدعنا للنص على أنغام التشويق إلى السقوط المثير على بسيطة الأرض في براعة يشعر معها بتساقط الحروف والسطور معا عند تلك اللحظة المفاجئة المحتبسة في أنفاس قلم مبدعنا .
لغة الكاتب
تبرز في لغة كاتبنا المبدع قوة بارعة متمكنة في توجيه بوصلة لغة الوصف المشوق الدقيق في كلا إحداثيات المكان والزمان الدائر فيها ، ويستقرئ الناقد من خلالها ، منظومة ثقافة الكاتب في نصه القصصي ، موضوع دراستنا ، إذ لا يخفى علينا ضرورة أن يكثف القاص مادة ثقافته في عمله الفني ،بكل أبعاده ، حتى يحظى بمرسوم النجاح والتميز لعمله في الرؤية الأمتاعية للقارئ والرؤية التحليلية للناقد ، بحيث تكثف تلك الثقافة بحسب مادة النص وأجوائه في الريف أو السياسة أو لغة المجتمع ..الخ فالنص قبل ولادته ، يكون فكرة منقدحة في الذهن ، فيستوجب من القاص حالة إثراء ثقافي لتلك الفكرة المنقدحة في أبعاد لغة الوصف الدقيق المحترف دقة وثراءا ، بحيث تعبر الشخصيات عن ذاتيتها بعفوية تلقائية وعدم تضاد ، بصورة تلغي اثر الكاتب وتدخله الذي ربما يكون متناقضا مع الشخصية وقولبها المهيئ لها ، فإن عدم التمكن في بعد الثقافة الخاصة بالنص يعطي محصلة مفادها الوقع في مطبات عدم التجانس مع عوالم الشخصيات وبيئة النص ، والأصل ان ثقافة النص الخاصة المعتملة بقوة في نفس الكاتب تبلغه محصلة مفادها بعد النص المفتوح إبداعا بحيث تتحرك فيه الشخصيات بعفوية وقوة تتناغم مع القارئ واستلهماته دون أن تحدث خدش وفجوة واسعة في النص
وخلاصة ما استفضت بالحديث عن ثقافة النص الخاصة به ـ في جميع ابعادة من الشخصيات والبيئة وعنصر الزمان والمكان ومستويات اللغة وتركيباتها ـ هو الإشارة إلى ثقافة الكاتب العالية هنا بالنص ومتطلباته من ثراء قاموس مفردات الأحداث ، الشخصيات ، البيئة ،بحيث تستجلب انتباه القارئ في استلهامات القراءاة للوهلة الأولى في النص وهذه مزية إبداع بارزة في النص ، تسجل في ظلال منظومة إبداعات كاتبنا في هذه النص المتميز ـ موضوع الدراسة ـ الذي يترأى لي كإشراقة شمس في وضح النهار تشرق حروفها على السطور بجلاء وشموخ رصين ، وتفرض على القارئ أن يسجل إعجابه وتفاعله الحي مع لغة كابته المبدع في إحساسه المرهف، الذي يقطر نبلا في سماءات الأدب الجميل
النهايات
تدور كواليس النهايات في حس المفاجأة المموجه بسحابات الأحزان السوداء المتراكمة على مقطع النهاية وتختصره زينب بكلمة " خسارة " في لحظة حب سامية خلف السطور لكنها تنزف قطرة دم تحكي لغة الحسرة في تماوج متضاد بين ثنائيات الحراك الناطق والألم الصامت ..الحب والحسرة ، الصعود ومفأجاة السقوط ، وإلى ما يسع وما لايسع قاموس تضادات الأشياء في الحياة .
كل تحايا التقدير المبدع المعبقة بالياسمين وأريج الورد النازك لكاتبنا المبدع محمد عبد الله عبد الهادي ، وينحني قلمي تقديرا وتوقيرا لقلمه المبدع الجميل العذب الجياش في رقة المشاعر الريفية الدافئة ، ولغة التحنان مع الأرض ، وجمال التذكار العاشق لبريق الأمل الحاضر الغائب ، وبراعة لطافة التلمس الناعم لهموم المعاش .