الثلاثاء ١٨ شباط (فبراير) ٢٠٢٥
بقلم ماجد عاطف

عندما تتوفّر الفرصة

تجلس المرأة الشابة في مساحة جانبية مبلّطة، لمحل راقٍ سمح لها بأن تبيع إلى جواره. يمرّ الناس عنها دون اهتمام مكتفين بنظرة سريعة. منتجاتها محلّية متكوّمة داخل أكياس خيشية صغيرة، ومتوفّرة كثيراً في السوق والمحلات وعلى الأرصفة..

يلحظها رجلٌ غريبٌ يكبرها لديه نظرته، فيقف لتبادل أطراف الحديث معها. إنّه يفتّش عن أشياء ما في الدنيا وأناس مختلفين. كانت أسئلته بسيطة وواضحة من قبيل: لماذا لم تتوفّق حتى الآن؟

وتجيبه: لا أحد اُعجِب بمنتجاتي ولا أحد سألني أو طلب.

قدّر الإجابة الصادقة، وأخذ يتأمل الأكياس الصغيرة الممتلئة إلى منتصفها. إنه في الحقيقة يكره التجارة والبيع وتكتيكات التسويق -التي هي غش بالضرورة- كلّها. يهتم فقط بتفاصيل البشر فيما بينهم.

المنتج عنده طالما يلبي الحاجة فهو مقبول.

لما تفحّص محفظته رآها قليلة المال، فاشترى شيئاً طفيفاً، كيلوغراما واحداً مما قد يحتاج إليه، بالسعر الشائع. وعدها أن يشتري أكثر في المرة المقبلة.

مرّ في اليوم التالي، وبمجرد أن لمحته أخذت تتشاغل بالحديث مع موظّف المحل الراقي الذي تقف إلى جواره وصبي المقهى الذي طلبت منه النسكافيه، تتظاهر أنها منشغلة. انزعج وتركها إلى شأنها وأكمل مسيره.

لمّا وصل إلى مكان يمكنه أن يختلّس فيه النظر دون أن تراه، أمكنه أن يرى أنها انكفأت على نفسها ولا بد أن أحسّت بالسلبية.

اليوم الثالث مرّ عنها. لم يكن يريد شراء شيء في الحقيقة بل، فقط، رؤيتها كيف تتصرّف. توقّف أمام أكياس الكومات وانتقى مشتريات مختلفة. عند الحساب وجد أن أسعارها ضمن الحد الأعلى للأسعار، في الأماكن الممتازة ذات الضمانة والنوعية!

مصداقيتها السابقة كانت اضطراراً وليس صفّة.

كان يستطيع أن يجادلها أو يتراجع عن الشراء، ولكنه لمّا كان قد حقّق هدفه، فلم يبال للمال الزائد الذي دفعه. وبالطبع فإنه لن يلتفت لها ثانية أو منتجاتها.

كانت شخصاً آخر ممن يصنعهم السوق، غالبيتهم، ويصنع لهم أحلامهم، عندما تتوفّر الفرصة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى