شكرا أيّها القزم
ـ أنقذوني... أنقذوني... إنّي أموت.
شقّت تلك الصّرخة الحادّة هدوء الليل الحالم، و أيقظت مصطفى من غفوة كان قد استسلم إليها لحظات. فهبّ واقفا يدير وجهه في كلّ جوانب المكان. فما وقعت عيناه على المستغيث، و لا عرف مصدر الصّرخة.
كان قد تمدّد منذ قليل على كرسيّه الهزّاز في الفرندة المطلّة على الحديقة الصّغيرة العابقة برائحة اللّيمون الشذيّة، و أغمض عينيه مستمتعا بالاسترخاء بعد يوم عمل شاق مستلذا نسمات الليل الباردة تداعب صفحة وجهه برفق.
لكن هاهي هذه الصّرخة المفاجئة تقطع ما كان فيه من سكينة و تثير في نفسه بلبلة و زاد من حيرته أنّ تلك الصّرخة كانت قريبة. فكأنّها تنبعث من حديقة. لكنّه ينظر و ينظر فلا يرى أحدا. فهل اختفى الصّارخ في لحظة تحت الأرض؟
و خطر في ذهنه أنّ ما سمعه لم يكن إلاّ خيالا توهّمه أو حلما كان قد غرق فيه دون أن يشعر.
فهمّ أن يعود أدراجه، لكنّ الصّوت المستنجد عاد يصرخ ثانية:
– أخرجوني من هنا، إنّي أموت.
ليس الأمر خيالا. هاهي الصّرخة الحادّة تتكرّر مرّة أخرى، و يبدو صاحبها متألّما أشدّ الألم. لكن أين يختفي هذا الصّارخ المستنجد؟ إنّ الأمر محيّر حقّا.
انتفض مصطفى واقفا، و حدّق حوله في ذهول. ثمّ مشى خطوات سريعة مجتازا الفرندة الكبيرة، وهبط الدّرجات الرّخاميّة في عجلة. و ظلّ يجوس بنظره بين أشجار الحديقة الواسعة، فما رأى أثر لمستغيث.
فقط كانت أغصان الأشجار ترتعش ارتعاشات خفيفة بسبب هبّات النّسيم الرّقيقة. و لم يعرف ماذا يفعل. و كاد يشكّ في إصابته بهلوسة من الجنون. لكن الصّوت المتألّم عاد يصرخ به مرّة أخرى:
– إنّي هنا تحت الأرض، أخرجوني أرجوكم.
تملّكه الفزع. لقد أرعبه أن يكون شخص ما مطمورا تحت الأرض في حديقته مدفونا حيّا. إنّه لأمر رهيب.
و صاح يكلّم الصّارخ:
– أين أنت؟ إنّي لا أتبيّن مكانك.
فجاوبه المستغيث بسرعة:
ـ إنّي هنا، قرب شجرة الليمون. عجّل بالله عليك، فأنا أكاد أختنق.
هرول مصطفى نحو شجرة الليمون، و حدّق في ترابها مضطربا. فرأى بقعة صغيرة حديثة التقليب. فارتمى على الأرض. و أخذ ينبش ذلك المكان في عجلة، و قلبه يخفق بعنف.
و قبل أن يتوغّل في الحفر كثيرا، ظهرت أمامه جرّة فخّاريّة صغيرة. فانتزعها بعجلة،و ألقى بها جانبا. و همّ بمواصلة نبش التراب.
لكنّه سمع المستغيث يصيح بألم:
آي...رأسي.
و سمع دقّا من داخل الفخّار، و صوت المستغيث يدوّي قائلا:
ـ أنا هنا.......أنا هنا......
أمسك الآنيّة بذهول. وهزّها، فإذا بداخلها شيء يتأرجح. و علا صوت المستغيث يقول متألّما:
ـ كفاني رجّا، أخرجوني...أخرجوني.
كان ذهوله يتصاعد لحظة بعد لحظة. و بيدين مرتجفتين أزال السدّادة المطاطيّة عن فوهة الآنية الفخّارية، و قرّبها من عينه ليتبيّن ما فيها. ففوجئ بمخلوق صغير يقف داخلها، و هو يمدّ يده إلى الأعلى طالبا الخروج.
مدّ مصطفى إصبعه بحذر، فتمسّك به القزم. ثمّ رفع يده، و أخذ يحدّق في ذلك الكائن الصّغير المتأرجح في الهواء و هو لا يكاد يصدّق ما تراه عيناه. و خاطبه القزم بصوت ضعيف:
– أنزلني أرجوك، فأنا منهك تماما.
فوضعه بلطف على الأرض و هو في غاية العجب. و ظلّ صامتا حتّى قال له القزم وهو يتنفّس الصّعداء:
– إنّني في غاية الاِمتنان لك أيّها السيّد المحترم. إنّ جميلك هذا سيبقى دينا في عنقي و لن أنسى فضلك ما حييت.
فأجاب مصطفى مبتسما:
– لا شكر على واجب.
ثمّ واصل يحدّق فيه و أمارات الاندهاش مرتسمة على وجهه. و بادله القزم النظر بمرح،
و قال له:
– إنّ ما تراه عجيب. أليس كذلك؟
فأجابه مصطفى هازّا رأسه بتأكيد:
– عجيب جدّا. فلم يسبق لي أن رأيت قبل اليوم كائنا مثلك. أخبرني بالله عليك، إلى أيّ جنس تنتمي؟
فهزّ القزم رأسه بكلّ فخر. و قال بثقة:
ـ أنا يا سيّدي من جنس الأقزام. و نحن جنس عريق مجيد. نعيش بعيدا في أمكنة خفيّة
لا يعرفها أحد من البشر.
بقي مصطفى لحظات صامتا يفكّر في غرابة ما يسمعه.
ثمّ تساءل:
ـ لكن ماذا كنت تفعل داخل الجرّة. أهي مسكنك أم ماذا؟
بدت علامات الغضب على وجه القزم، و قال في ضيق:
ـ كلاّ، ليست الجرّة مسكني، بل سجن حبسني فيه القزم شعشع.
ـ القزم شعشع؟
ـ نعم. إنّه عدويّ اللّدود. لقد تمكّن من الإيقاع بي، و حبسي هناك.
ثمّ قصّ عليه قصّة عجيبة عن قزم آخر يمقته كلّ المقت، و يسعى بكلّ الطّرق للخلاص منه، كي يأخذ منه قدراته السحريّة العجيبة. إذ لا يتحقّق ذلك إلاّ إذا فارق هو الحياة.
وانبهر مصطفى من غرابة القصّة. وكان قد بدأ يستمتع بهذه الأجواء العجيبة التي لم ير لها مثيلا إلاّ في الأفلام. و شدّته حكاية القدرات السحريّة التي تحدّث عنها القزم، فتساءل بفضول:
ـ و ما هي قدراتك السحريّة؟
فأجاب القزم بفخر:
– التّراب يمكنني أن أحوّله إلى ذهب.هذه الأحجار في الحديقة أجعلها إذا شئت زمرّدا و ياقوتا. أنقل أيّ شيء من بلد إلى آخر في طرفة عين... أطير في لحظة إلى الصّين، إلى الهند إلى أبعد مكان في الأرض، ثمّ أعود إلى هنا ثانية في دقائق معدودة.
ـ أنت بلا شكّ تمزح.
قال هذا مداعبا القزم ولم يعرف في قرارة نفسه هل يصدّقه أو يكذّبه. لكن لم يبد على المخلوق الضّئيل أنّه استاء من ملاحظته، و قال له في ابتسامة تنّم عن الثقة بالنّفس:
ـ أنتم البشر شديدو الخيلاء. تظنّون أنّ أجسامكم الضخمة تجعلكم أقوى المخلوقات على الأرض، لذلك تفاجئون إذا علمتم إنّ مخلوقات صغيرة الحجم مثلنا تمتلك أضعاف أضعاف ما لديكم من قوّة.
فلم يسعى إلى معارضته،لأنّه وجد حديثه ظريفا. وهمّ بأن يطلب منه أن يعرض عليه بعض قدراته العجيبة. لكنّ القزم فاجأه بقول لم يتوقّّعه:
ـ لقد أنقذت حياتي، لذلك وجب أن أكافئك. ماذا تطلب؟
ـ ماذا أطلب؟
ـ نعم. هذا حقّك.سأحقق لك ثلاث أمنيات، فاطلب ما تشاء.
زاد ذهوله ممّا يسمع. لقد قرأ في طفولته قصصا عجيبة يلتقي فيها الناس بأقزام طيّبين وجنيّات رقيقات يطلبون منهم ما يشاؤون فيتحقق ذلك على الفور. لكن أن يصبح هذا الأمر من الواقع، فهذا ما لم يخطر له ببال.
و قبل أن يتمادى في التفكير، قال له القزم:
ـ أعرف ما تحبّون أيّها البشر. الأموال الوفيرة، الذّهب والفضّة، الأراضي الممتدّة الواسعة، القصور الفخمة الجميلة.كلّ هذا أهبك إيّاه في طرفة عين، فاسأل ما تريد.
تجاذبه مشاعر مختلفة. فالدّهشة و الذهول لم يفارقاه بعد، لكنّه بدأ يحسّ بالطمع. و أعجبه هذا العرض الكريم الذي سيحقق أحلام حياته كلّها في طرفة عين.
فتساءل متعجبّا:
ـ لكن من أين ستحضر كلّ هذه الأشياء؟
فبدا الإستياء على القزم. و قال بحدّة:
ـ لا أحبّ الفضول. ماذا سيفيدك أن تعرف؟ أخبرني فقط ما الذي تريده.
فبدا عليه التردّد، و لم يعرف ماذا يقول.
كانت مشاعر كثيرة تتجاذبه. فرح بهذا العرض الذي سيحقّق أحلامه و يجعله ينال ما يشتهيه، دهشة و ذهول بسبب غرابة ما يحدث، شكّ في إن يكون كلّ هذا مجرّد وهم أو أضغاث أحلام.
على أنّه رغم كلّ ذلك بدأ يفكّر في الطّلب الذي سيقدّم به إلى القزم. إنّه يحبّ أن يصبح ثريّا، ما في ذلك شكّ. لكن الاختيار حيّره.
فهل يطلب من القزم أم يحضر له مبلغا كبيرا من النقود؟
لكن من أين سيأتي هذا الكائن الغريب بهذه الأموال؟ هل سيسرقها من بعض البنوك؟ و في تلك الحالة، أيّ مصيبة سيضع نفسه فيها؟
أم تراه سينشئها من أجله بطريقة سحريّة غامضة؟ لكن ألن يكون هذا أمرا شبيها بالتّزوير ؟ و هل سيتمكّن من استعمال هذه الأموال، أم ستحيطه الشّكوك و تظنّ به الظّنون؟
ماذا لو طلب منه أرضا واسعة أو قصرا فخما لا مثيل له في العالم؟ لكن كيف سيتحقق له هذا المطلب. كلّ الأراضي في مدينته ملك لأصحابها،و ليس هناك شبر واحد فيها لا مالك له. وكذلك المنازل و البنايات. فكيف سيتدبّر القزم هذا الأمر؟ و هل سيكون ذلك بطريقة مشروعة؟
ربّما سيمنحه قصرا في بلاد بعيدة لا يعرفها أحد، جزر الواق الواق مثلا. و في هذه الحالة ما حاجته إلى تلك المنحة؟ إنّه لا يريد أن يعيش وحيد في مكان مجهول، حتّى لو كان ذلك في أروع منزل على وجه الأرض.
هل يطلب منه ذهبا؟ لكن ماذا يقول إذا همّ ببيع هذا الذّهب و سئل من أين لك هذا؟
و جاءه صوت القزم يسأله في حيرة:
– فيم صمتك؟ قلت لك أنّي سأحقّق ما تطلبه. تكلّم إذن.....تكلّم.
– إنّني أفكّر.
– فيم تفكّر؟ هل الأمر صعب إلى هذا الحدّ؟ هل يحتاج تفكيرا كبيرا أن تقول"إنّي أريد كذا وكذا وكذا ؟ وإذا كانت ثلاث أمنيات لا تكفيك، فأنا أمنحك أربع أمنيات، خمسا، ستّا. فقط أخبرني ما تريد.
فتمتم بصوت منخفض كأنّما يكلّم نفسه:
– ليس الأمر بهذه السّهولة.
و زاد اندهاش القزم. وقال:
– أنت أعجب من رأيت. منذ مائة سنة التقيت فلاّحا أنقذني، و لم يصدّق أذنيه عندما عرضت عليه ثلاث أمنيات. و ظلّ يطلب و يطلب حتّى قلت له كفى.
فاحتار في الردّ عليه، و ظلّ صامتا. وبقي القزم يحدّق فيه مبهوتا. ثمّ قال له:
– إذا كنت لا تريد مالا، فما رأيك بزوجة؟
زاده هذا العرض ذهولا. وواصل القزم يقول قبل أن يفيق هو من دهشته:
– نعم يمكنني أن أزوّجك أجمل امرأة على الأرض. امرأة لم تر لجمالها مثيلا قبل اليوم. فهل ترغب في ذلك؟
كان لا يزال أعزب. و قد بدأ يفكّر في أمر الزّواج، وهو جادّ منذ مدّة في تحقيق هذا المطلب. لكن أن يتزوّج بهذه الطّريقة، فهو أمر لم يخطر له على بال.
و تساءل دون تفكير:
– و أين توجد هذه المرأة؟
– قلت لك لا تسأل. لا أحبّ الأسئلة الكثيرة. ثمّ أخبرني. لم أنت كثير الفضول هكذا. إنّ أمرك غريب يا هذا. تسأل و تسأل... ثمّ لا تطلب شيئا.
– ليس الزّواج أمرا هيّنا. لا بدّ أن أعرف هويّة المرأة التي سأتزوّجها. يجب أن أعرف كلّ شيء عنها.
– ألا يكفي أنّها أجمل نساء الكون؟
– ليس الجمال هو كلّ ما أنشده في زوجتي، هناك الأدب....العلم.... الثقافة.
– حسناء يا سيّدي. ستكون أكثر نساء العالم أدبا و علما، و ستكون الأفضل في كلّ شيء. فما رأيك؟
فتساءل في حيرة:
– لكن أين توجد امرأة مثل هذه؟
و بدا على القزم الضّيق الشّديد، غير أنّه لم يفه بكلمة. فكأنّه أدرك أنّ هذا الرّجل لن يكفّ عن التّساؤل مهما زجره. أمّا مصطفى فظلّ يفكّر من أمر هذه المرأة العجيبة، هذه التي تحوز على محاسن النّساء فلا تنقصها فضيلة و لا يشوبها عيب. من أيّ جنس هي؟وفي أيّ بلد تعيش؟
هل يعرفها القزم قبل اليوم، أم سيبحث له عنها؟ ثمّ السّؤال الأهمّ كيف سيعرّفه بها. هل سيختطفها؟ هذا أمر لن يرضاه أبدا.
ربّما سيدبّر هذا المخلوق العجيب أمر لقائهما. لكن من يضمن أنّها تقبل الزّواج منه خاصّة إذا كانت كما وصفها له القزم. إنّه مجرّد رجل عاديّ، فأيّ امتيازات فيه سيجعل هذه المرأة الخارقة تختاره دون جميع رجال الأرض.
أكيد أنّ القزم سيسلّط عليها سحرا يجعلها تقبل الزّواج به على الفور. لكن مستحيل أن يقبل هذا... مستحيل.
و خطر في باله فجأة خاطر أغرب"أيعقل أنّ هذه المرأة المتكاملة الصّفات ستكون من بنات حوّاء. إنّ الكمال مستحيل في نساء الأرض. لا بدّ من نقص في بعض الجوانب عند كلّ امرأة. هذه المرأة إذن ليست آدميّة، جنيّة ربّما أو من جنس آخر لا يعرف عنه شيئا".
و أرعبته فكرة أن يقترن بامرأة من غير بنات حوّاء. إنّه في غنى عن هذه المخاطرة. من يدري ما الذي ستفعله به. لطالما خاف أن يضع القدر في طريقه زوجة لا تكون في مستوى آماله و تجعل حياته جحيما. فما بالك لو تزوّج جنيّة؟
و جاء صوت القزم يوقظه من أفكاره المضطربة. كان يبدو سئما، و قال في ضجر:
– هيّا أيّها السيّد، أخبرني بمطلبك. فقد مرّ النّهار، وأشغالي كثيرة.
كان في تلك اللّحظة قد حسم أمره فقال لمخاطبه:
– شكرا لك أيّها القزم، شكرا جزيلا.
– علام تشكرني؟ لم أفعل شيئا بعد.
– و لن تفعل. أنا لا أريد منك شيئا، أعني أنا متنازل عن هديّتك الكريمة.
– متنازل؟
– نعم، لا أريد شيئا، أنا راض بحياتي كما هي، لا أريد مالا، لا أريد زوجة. كلّ هذا سيأتي مع الوقت. لا ضرورة للعجلة.
و لم تبد على القزم إلاّ دهشة عارمة. و قال غير مصدّق:
ـ أأنت متأكد ممّا تقوله؟
ـ فقال مصطفى بثقة:
ـ كلّ التأكّد
لم يزايل القزم ذهوله. و أراد أن يحاول مرّة أخرى مع هذا الرّجل الذي بدا له شديد
الغباء.فقال محذّرا:
– اعلم أنّ هذه الفرصة لن تتكرّر معك ثانية. ليس في كلّ يوم نظهر لكم أيّها البشر، فاغتنم حظّك قبل أن يفوتك.
فقال مصطفى بإصرار:
– قلت لك لا أريد شيئا، لا أريد شيئا.
ظلّ القزم يحدّق في مصطفى متحيّرا. إنّه لا يفهم هذا الرّجل، و لا يجد تفسيرا لتصرّفاته الغريبة. ما أكثر ما قابل بشرا.و لكن شخصا مثل هذا... أبدا.
و قال يخاطب مصطفى:
– أتعرف....لقد عشت حتّى اليوم سبعمائة وخمسة وستين سنة، لم يمرّ عليّ فيها يوم أغرب من هذا اليوم، و لم أقابل فيها بشريّا أو جنيّا حيّرني مثلك.
فضحك مصطفى و قال بمرح:
– هذا أغرب يوم في حياتي أنا أيضا، و أنت أعجب كائن قابلته.
و تساءل القزم بجديّة:
– هل يمكنك أن تفسّر سبب رفضك عرضي؟
– هناك أشياء أنت تجهلها أيّها القزم. و ما يمكنني أن أقوله أنّ عرضك هذا سيسبّب لي مشاكل أنا في غنى عنها. لذلك اخترت السّلامة.
– إذن أنت مصرّ على الرّفض.
– نعم.
هزّ القزم كتفيه بتسليم و قال:
– حسنا، كما تشاء. عليّ الآن أن أنصرف.
– مع السّلامة. و شكرا لك مرّة أخرى على عرضك الكريم.
قفز القزم قفزة سريعة إلى الأعلى، و فجأة تبخّر كأنّ الفضاء ابتلعه. و ظلّ مصطفى لحظات يحدّق في مكان اختفائه بجمود. ثمّ تحرّك نحو مجلسه الأوّل في الفرندة. و استلقى على كرسيّه الهزّاز المريح.
أغمض عينيه، و أخذ يسترجع ما مرّ به من أحداث. و أحسّ أنّه الآن يشعر بدهشة أكبر لأنّه فعلا قد عاش هذه القصّة الغريبة.
و همس لنفسه قائلا:
– لكأنّه حلم.
و شعر أنّ ما عاشه هو فعلا أقرب إلى أن يكون حلما. فمن يصدّق أنّ أقزاما يظهرون من تحت الأرض، و يقدّمون عروضا عجيبة.
و سرعان ما هزّه النّوم إلى عوالم بعيدة. فغرق في سبات عميق لا يقطعه شيء حتّى الأحلام.