![](IMG/img_trans.png)
![](IMG/img_trans.png)
سؤال مسدود
(1)
كيف متَّأنتَ الذي كانت الحياةُ كأسكَ المفضّلوالقمرُ نديمكَ الأبيضوالشمسُ بهجتكَ الخضراءوالضحكةُ المجلجلةُ غيمتكَ الصافيةوالنساءُ صندوق بريدكَ المليء بالطيورِ والقُبل؟(2)كيف متَّأنتَ الذي اقترحتَ للعيدِ فجراً وأرجوحة،وللفراتِ عنوانه السعيد،وللرفقةِ دمعةً وضحكة،أعني حرفاً ونقطة.وللعذابِ المغلّفِ بصوتِ الكماناقترحتَ سذاجةَ الأغنيةِ التي بادلتَهابُعداً بقُربولحناً بدم؟(3)كيف متَّ؟بأيّ ليلٍ بهيمٍ سقطتَ كنجمةٍ تائهة؟وبأيّ لحنٍ سحريّرقصتَ عارياً كالسكّين وسط الظلاممفجوعاً كنبيٍّ طردهُ ربّهبعدما خانه أقربُ الناسِ إليه؟(4)كيف متَّ،يا فراتَ الروحوسينما الطفولةومقهى الحلم،لاذعاً مثل كأس عرقٍ مغشوشفي شمسِ آب؟كيف متَّ، إذن،وتركتَ جثّتكَ مرتعاً للطيورِ والكلاب؟الرقصةأزلتُ عن قصيدتي الهوامشثم أزلتُ الفوارز وعلاماتِ الاستفهاموالتعجب والارتباك.ثم صرتُ شجاعاً أكثرفأزلتُ المعنى عن قصيدتيبعد أن أزلتُ النقاطَ عن الحروف بالطبع.حينهابدأتْ حروفي تتماسكلتشكّل دائرةً تحيطُ بيوأنا في وسطها.وبدأت الحروفُ عاريةً تماماًترقصُ وترقصُ وترقصرقصةً وحشيّةوأنا لا أعرف مَن أنا:أأنا المصلوب في أورشليم الذي وشى به يهوذا؟أم أنا المصلوب على جسرِ الكوفةلسنين عدداً؟أم أنا طوطمٌ أفريقيخُلِقَ ليبتهجَ بقرعِ الطبول؟أم أنا مجرد حرف ضال،حرف خارج عن القطيعحرف ممسوسأمسكَ الشمسَ بيدهوالقمرَ بشماله،فكرهته الحروفُ جميعاًوقررتْ أن تعاقبه بالسجنِ المؤبّدعبر رقصها الوحشيّ المؤبّدحول صليبه العجيب؟المطربة الكونيّة(1)لأربعين عاماًكنتُ أشكو لواعج روحيوارتباكها الأزليّإلى أغنياتكِ المزهرةِ بالشوقِ والأنينإلى صوتكِ الذي تحفُّ بهملائكةٌ من الدمعِ والياسمينإلى نيلكِ وشمسِ أصيله الغامضة.(2)لأربعين عاماًكنتُ أشكو إليك- دون أن أدري أو أدري-حبيباتي الجاحداتِ والساذجاتِ والخائناتوسنواتي التي أنفقتُهابكرمٍ حاتميّعلى حروبِ الطغاة،أعني على الموتوظلماته وشموسه الساطعات.(3)لأربعين عاماًكنتُ أراقصُ صوتَكحتّى صرتُ ساحراً من الحرفثم صرتُ حرفاً من السحر.أعني صرتُ نقطةً من الشوقثم صرتُ منارةَ شوق.واكتملتْ طلاسمي ورسالتيحين تبعتُ أثرَ صوتكمن صبا إلى صباومن شبابٍ إلى شبابومن لوعةٍ إلى لوعةومن هوى إلى هوىومن شبّاكٍ إلى شبّاكومن رصيفٍ إلى رصيفومن شظيّةِ وطنٍ إلى دخان وطن.(4)حين أخبروني أنكِ قد متِّبكيتُ عليكِ بدمعتينثم تركتُ سريرَ الحزنِ خفيفاًلأتبع أثرَ صوتكِ من جديد،صوتكِ الذي تحفُّ به ملائكةُ الضائعين،إلى المنافي السحيقة:حيث تنعدمُ الأسئلةُ والأجوبة،حيث يلعبُ الغيمُ والبحروالجسدُ والذهبلعبةَ الصواعق والعبثِ والزلزلةكلّ يوم.إلى المنافي السعيدةحيث الموت الذي لا يعرفُه أحدولا يسألُ عنه أحد،أعني إلى المنافي السعيدةِ التي ترى الموتلوحةً معلّقةً فوق جدارٍ قديم!اليدفي الطفولةفتحتُ يدَ الحرفكي أجدَ قلمَ حبرٍ أخضرفوجدتُ وردةَ دفلى ذابلة.وفتحتُ يدَ النقطةفوجدتُ دمعةَ عيدٍ قتيل.وفي الحربفتحتُ يدَ الحرفكي أجدَ طائرَ سلامٍيرفرفُ فوق روحي التي أربكهامشهدُ الدم،فوجدتُ حفنةَ رمادٍوقصيدة حبّ مزّقتها الطلقات.وفتحتُ يدَ النقطةفوجدتُ دمعةَ أمٍّ بكتْ ابنها القتيل.وفي المنفىفتحتُ يدَ الحرففوجدتُ باباًقادني إلى أربعين باباًوخلف كلّ بابجسد عارٍ شهيّ ومُهان.وفتحتُ يدَ النقطةفوجدتُ نفسيأكتبُ قصيدتي التي لا تكفّعن الاحتفاءِ بالبحرِ والحبِّ والشمسرغم العواصفِ والصواعقوأشلاءِ السفنِ التي سدّتْ عليَّ الأفقمن السرّةِ حتّى العنق.حوار(1)حين طرقتُ بوابةَ مقصورةِ الطيّارقالَ الطيّارُ بهدوء:ماذا تريد؟هذه رحلةٌ مليئةٌ بالمحاذيروستستمرُ دونما توقّف.ولكنْ كيفَ دخلتَ هنا؟قلتُ بصوتٍ مرتبكٍ: بالصدفة!قال: إنْ أردتَ أن تتكيّفمع مأساتكَ الطائرة،فتذكّرْ أننا يوماً ماسنسقطُ في البحرأنا وأنتَ والطائرة!بالأدق:أنتَ والطائرة!بالأدق:أنتَ فقط!(2)ثمّ قالَ الطيّاربعد أنْ تأمّل مشهدَ النجومالذي كان يتّسعُ ويتّسع:هذه رحلةٌ مليئةٌ بالمتاعب.لا تحزنْ إنْ وجدتَمعطفكَ يحترقُ دونما سبب،ولا ترتبكْإنْ سرقوا جوازَ سفركَ أو نقودكأو نبضكَ أو حتّى اسمك،ولا تبكِ إنْ أخبروكبأنّ المدينةَ التي حلمتَ بهاطوال عمركقد غرقتْ واختفتْ منذ طوفان نوحأو أنّ المرأةَ التي تُحبّ وتعشقأضحتْ هباءً منثوراًأو أنّ هذه الطائرة التي لا تكفّعن الطيرانمنذ مليون عامستسقطُ عمّا قريبوسط المحيط.(3)الآنأجلسْ في مكانك:الكرسي الأخير على اليمين.ولأنّ رحلتنا أبديّةحاولْ أن تغنّيإنْ كنتَ تستطيع الغناءأو أنْ تصلّيإن كنتَ تستطيع الصلاةأو تتكلّم مع النافذةحيث الليلُ يتّسعُ ويتّسعومشهدُ النجومِ يتّسعُ ويتّسع.وإذا كنتَ محظوظاً بما يكفيفحاولْ أن تنام!ما اسمكَ أيها الحرف؟ما اسمك؟قلتُ للحرفِ في مساءٍ شديد الظلام.قالَ: بعد هذي السنين الطوالوالانتقال العجيبمن منفى إلى آخرومن شظيّةٍ إلى آخرىبل من زلزلةٍ إلى أخرى،وأنتَ لا تعرفني؟قلتُ، كَمَن يتصنّعُ الهدوء،لا.قال: كيف؟ألم تكتب المئات من القصائدلتصف الحرفَ وعرشهوأساطيره وشموسه وفراته؟ألستَ الذي يُدعى بالحروفيّأو ملك الحروفأو النقطويّ أو الطلسميّ؟قلتُ: لا أدري.قال: إذنْ خذْها منّي،يا شبيهي المُعذّب بالموتِ والارتباك،أنا الحاءحلمكَ الباذخ بالحُبّأيها المحروم حدّ اللعنة،حلمكَ المتشظّي بالحرّيةأيها المنفيّ إلى الأبد،وأنا الباء بسملتكأعني جمرتكَ التي لم تزلْشوكةً في قلبك،وأنا النون: بئركَ الأولىوعنوانكَ المستحيل،وأنا السين:طفولتكَ التي ضيّعتَها باكياًمع دشداشتك اليتيمةودراهمك السبع على بابِ بغدادومحراب بابل.قلتُ: وماذا بعد؟قال: أنا الألف:جرحكَ الممهور بالدمِ والندموأنا النقطة:نبضكَ الذي يولدُ كلّ يومفي ثوبٍ جديدورقصٍ جديدوعري جديدوموتٍ جديدحيّرَ الأوّلين والآخِرين!