المتسوّلة
لم يكن اليوم عاديا أبدا بالنسبة لأهل حي الزيتونة.. طال الحديث بينهم حول امرأة ملثّمة وبرِجل واحدة.. تأتي إلى الحي للتسوّل..لا أحد يعرف من تكون وفي أي حي تسكن أو اتجاه تسلك.. الحيرة بدأت تشغلهم والفضول يملأ قلوبهم.. وكل واحد يخمّن
ربّما تسكن الحي المجاور..
ربّما هي أرملة..
مسكينة..كيف يمكنها أن تعمل برِجل واحدة..
واتفق الجميع على مساعدتها من رجال ونساء..حتى تتمكن من رعاية أولادها الستة..حسب ما كانت تردّد دائما..
ساعدوني أرجوكم..ساعدوا أولادي الستة..لا تتركوهم يضيعون في الشوارع
إنهم ضعفاء وحيدين يتامى..ساعدوني حتى أساعدهم للذّهاب إلى المدارس..
الجميع كان يساعدها كلّما دقّت باب أحدهم يقدّم لها كل الخيرات..حتى أنهم خصّصوا لها ميزانية يشترون بها أغراضا خاصة لها.. ألبسة جديدة لها و للأولاد.. أحذية و أطعمة..
في أحد الأيام..كانت إحدى الساكنات في الحي لالة مريم ذهبت لزيارة قريبة لها تسكن في حي مجاور..و بينما كانت تسير باتجاه منزل قريبتها لمحت من بعيد المرأة الملثّمة تخرج من أحد العمارات..
تسير خلفها..و تنادي عليها
يا سيدتي..أنت يا امرأة..؟
لكن المرأة الملّثمة لم تسمعها..كانت تجري بسرعة..حتى وصلت إلى نهاية الشارع.. نظرت يمينا وشمالا ثمّ و بعد تأكّدها من عدم وجود أحد في الشّبابيك الشرف.. نزعت لثامها.. كانت ترتدي ثوبا أحمر قصير.. تُخرج من جيب الثوب مفاتيح..تفتح بها سيارتها..تصعد إليها..كانت لالة مريم تقف بعيدا مندهشة مما رأته..و قبل أن تغادر المرأة المكان اقتربت منها لالة مريم عاينتها بدقة.. المرأة هي الأخرى كانت تحدّق بلالة مريم باستغراب دون أن تتعرّف عليها..
ثم قالت لها
– ماذا تريدين يا امرأة..؟
– أنا امرأة ضعيفة..وحيدة..لا أملك معاونا..ساعديني أرجوك..لا تتركي أولادي يضيعون في الشّوارع..
– تسكّعي في أرض غير أرضي يا امرأة..
لكن لالة مريم تقف أمام السيّارة و تمنع المرأة من الذهاب..
يراها أحد الرّجال ويأتي إليها
– ما الذي يحدث يا أمينة..هل لديك مشكلة..؟
– هه..متى عدت.. ألم تذهب إلى العمل اليوم؟
– بلى..لكني نسيت ملفي في البيت..لم تخبريني ماذا تريد هذه المرأة؟
– لست أدري..سلّطها الله علي وأنا كنت ذاهبة إلى العمل. وقد تأخّرت..
يقترب الرّجل من لالة مريم و يقول:
– ابتعدي يا امرأة..استغفري ربّك و ارحلي..
– لن أرحل حتى آخذ حقي و حق أهل حيّي..
– عمّا تتحدث يا أمينة..؟أي حق هذا ؟
– لست أدري..أنا لا أعرفها و لا أتذكّر أني رأيتها يوما..
– كيف تتذكّريني أنت كنت ملثّمة و لا تري أحدا.. حتى عيونك لا نلمحها سوى من تحت النظارات السّوداء التي تضعينها فوق رأسك..
تخرج أمينة من سيارتها..تنظر إليها لالة مريم و تقول:
– متى قمت بعملية لرجلك..؟بالأمس فقط كنت برجل واحدة..
يقول الرّجل باستغراب و حيرة
– أنت مخطئة يا امرأة ربّما تتحدثين عن امرأة أخرى..
– بالأمس كانت امرأة أخرى و اليوم أخرى و غدا يعلم الله كيف تكون..
– أنا لم أعد أفهم شيئا..؟
– هل هي قريبتك..؟
– زوجتي..؟
– هل تعلم ماذا تعمل زوجتك..؟
– ممرّضة..
تبتسم لالة مريم..ثم تفتح الباب الخلفي من السيارة..تأخذ كيسا فيه لثام المرأة وحجابها..تخرج الثياب من الكيس و تقول..
– هذا هو عمل زوجتك..؟
– ماذا تعنين..؟ أخبريني يا أمينة عمّا تتحدّث هذه المرأة..؟
تُنزل أمينة عينيها..حتى لا تلتقي عينها بعيني زوجها الذي يمسكها من يدها بقوة و قد زادت ثورة غضبه
ماذا فعلت بي يا أمينة..؟ أخبريني..لا تثيري جنوني..؟
لكن أمينة تبقى صامتة..و تكشف المستور لالة مريم..
كانت الصّدمة قوية على الرّجل الذي بدأ يصرخ و هو يشدّ أمينة من شعرها..
ماذا فعلت بي يا أمينة..كيف تفعلين ذلك..لما فعلت ذلك..أهذا هو عملك قبل الزواج أيضا..
هل أنت محتاجة إلى شيء..أكنت قد قصّرت في حقك..كل شيء كان بين يديك أنت تأمرين و أنت تنهين..
مقابل ماذا..؟ أن أكون خادمة لك و لأمّك..؟ أنا تعبت..
– ألم تجدي عملا آخر غير طَرق أبواب النّاس..
– كان أسهل عمل وجدته..
– سرقة النّاس..؟
– لم أسرق أحدا..كانوا يعطوني برضاهم دون إرغام
– ما الذي يقوله الناس الآن..؟هل فكّرت في بنتك..؟هل فكّرت في..؟
طبعا لا..الأنانية و حب المال و الكسب السريع أعموْا بصيرتك و صرت تنغمسين في الخطأ مغمضة العينين..
– الخطأ ليس خطئي وحدي..أنت أيضا لديك نصيب في ذلك
– أعلم..ثقتي فيك كانت عمياء إلى حدّ أني لم أسألك يوما عن مقرّ عملك و لا رقم الهاتف..تركتك تسرحين كما تريدين..لكن كل شيء يتغيّر اليوم..
– لن تجبرني على شيء.
– صحيح..لكنك مجبرة على الاختيار..منزلك و بنتك أو التسوّل إلى الأبد..
– لن أترك لك بنتي..
– إذن عودي إلى المنزل و لا تخرجي منه حتى تتلقّفي آخر نفس..
قرّرت أمينة العودة إلى بيتها و البقاء مع بنتها.. لكنّها أبدا لم تنسى هوايتها المفضّلة ، من حين إلى حين عندما تكون تشعر بالوحدة ويلهمها الحنين..تُخرج ملابس التسوّل..و تطرق الأبواب مجدّدا.
وكما يقول المثل من شبّ على شيء شاب عليه.