الثلاثاء ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٤
بقلم ماجد عاطف

مرّ الوجع

كان يقف دائماً أمام غرفته، البيت الطيني القديم المكون من غرفة واحدة، على الطريق، يطل على المنازل وبيوت الحارة ذات الأحواش.

دهسته الفاجعة بالكثير من التداخلات المترافقة، وطولب، من الجميع، بالكثير، لكنه رفض أن يجيبهم.

البعض طالبه بالسترة، وآخر بالطلاق، وثالث ذهب حد القتل أو اعادة المرأة لأهلها، لأن العظم لهم بينما له اللحم، وهي تريده أن يتبنى موقفها ويدافع عنها، وتستطيع أن تروي له حكايات كثيرين وكثيرات من البلدة العاهرة ليعرف كيف يرد عليهم ويخسرهم، وتستطيع أن تنفعه.

رفض. لن يتورط في وساخاتهم ولن يقبل أفهامهم ولغاتهم. إذا تركها لمصيرها الاجتماعي، السيء أضعاف ما اقترفته هي، ستصبح ضحية الجميع، وهو نفسه واحد منهم وسيرتد الأمر عليه.

هذه أشياء اشترط الله فيها شهودا أربع، ولا يصلح ثلاثة لا واحداً كما جابهوه أوتمتمت هي له.

اعتزلها واعتزلهم في غرفة المؤونة التي جعلها غرفته. لم يسألها عن شيء ولم يكلّمها وصمت. صمتت هي، ربما، آملة أن يغفر لها. لم تقترب منه ولم تعد إلى أهلها. لا تفهم، الأمر ليس بيده هو ليغفر، كما أنه لا يستجيب لحسابات أحد وتوريطاته.

يسرح يحرث ويحصد ويدرس. يضع الغلة أمام بيتها المكون من غرفتين وصالة ومنافع، ويأخذ لنفسه ما يلزمه فقط. بقيا أقاويل ملتهبة للجميع عدة شهور، هذا يدافع عن عائلته وصلته وآخر يتخوّف من أن يطاله أو يطال نسائه شيء وثالث يتسلّى يأخذ موقف الحكيم سديد القول و... إلى أن حصل شيء جديد، كالعادة، أخذ غالب الضوء عنهما هما.

ومنذ الأربعين إلى السبعين ظل هكذا وعاد طفلا سمحاً بشوشاً بعد أن ابتلع مرّ الوجع. يسبق المارة بثوبه الأبيض الواسع على جسه النحيل يرد السلام على المسلّم ولو كان في نفسه ريب، يهلل للغرباء والأطفال بذراعين مرحّبين، ويكلّم النساء اللواتي صار شبيها لهن بطريقة ما، أخا، إلى أن مات.

عندئذ، ربما نادمة حقا، تركت المنزل وعادت إلى أهلها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى