الاثنين ٩ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم مصطفى أدمين

في المرآة

كنتُ أتسمّر أمام المرآة، وأستغرق في النظر إلى صورتي فيها زمنا طويلا، حتى تأتي والدتي، وتضربني وهي تصرخ:

 أما قلتُ لك لا تقترب أبدا من المرآة اللعينة؟

كانت بحق، تسحرني تلك الصورة التي تشبهني والتي لا تشبهني في المرآة؛ كانتْ "أنا" لكن بشكل معكوس.

المرآة الملعونة مارستْ عليَّ سِحرها منذ صغري حتّى بلوغي الشيخوخة...

في طفولتي الغابرة، كنتُ أتسلَّلُ إلى غرفة والديَّ، وأقفُ أمام مرآة الدولاب التي هي بمثابة وجهه الظاهر/الخفي.

وكان فكري الصغير لا يسعفني لفهم ما يجري في ذلك العالم الآخر؛ فأفتحُ باب الدولاب وأنظر في خلفيته لعلّني أجد ذلك "الأنا" الآخر الذي بقدر ما يشبهني، يختلف عنّي في الكثير من الأوصاف والسلوكات...

كنتُ كمثل قرد الشامبانزي المضطرب أمام المرآة بحثا له عن هُوية.

اليوم، أتساءل إذا ما كان للقردة والكثير من الحيوانات وعيٌ بذاتِها عندما نعرض لها صورتَها؟

أنا أيْسَر؛ لكن في المرآة الملعونة أظهر من أهل اليمين.

أنا أفكِّرُ و دماغِي يغلي بالأسئلة؛ لكن في المرآة الملعونة أظهر كشخص بليد.

أنا حركي، لكن، فيها أرى شخصاً مُصاباً بداء الجمود.

أنا مؤمن بالله؛ وفيها أراني بلا دين؛ مجرّد فقاعة تصوِّرها الأضواء، وتختفي متى أُطفِئ النور.

في جميع الحالات أستغربُ من صورتي في المرآة، وأقول لنفسي:هل الشخص الذي فيها "أنا" أم هل هو شخص آخر.

في عيّادة مّا؛ قال لي الطّبيب:استغراب الصورة في المرآة هو الدرجة الأولى من درجات الفُصام.

وفي حفرة من حُفر الاكتئاب؛ قالت الصورةُ المرآوية:لقد تعِبتُ من النظر إليك؛ فإمّا أن تتركني لحالي أو أختفي...

كنتُ أنظف أسناني أمامها، وأدعو الله أن لا تنطفئَ.

الأشياء - هي الأخرى- تعشق أن ترى صورتَها؛ ولمّا تراها تراها، لا تفارق مكانها من فرط الوجد بالوجود... لقد جرّبتُ هذا الأمر، إذ عرضتُ جميع أشيائي إلى المرآة لكي لا تضيع؛ وأمّا الأشياء التي نسيتُها ولم تُعرض عليها؛ فلقد اختفت إلى الأبد.

أحياناً أسأل نفسي:من الأسبق؟هل الصورة أم الشخص؟

إذا كنّا مجرّد صُورٍ لأشخاص في عالم مّا موجود (ربّما) خلف المرايا؛ فلا بُدَّ أن نكون أبرياء.

إلاَّ المجرمين؛ فهم شخوصٌ وصورٌ في عالم المرايا.

والقوانين تقول:لكلِّ قاعدة استثناء.

في ذات مرّة واعدْتُ امرأة؛ وقبل أن ألتحِق بها؛ نظرتُ إلى المرآة؛ فبانتْ لي صورتي من قفا، وأنا كنتُ في أمام.

الظاهر أنّ للمرايا لغتَها الخاصّة. فهي مثل الإنسان أو لعلّها الإنسان الذي تبحث عنه الطبيعةُ البشريةُ .

هذا ما كان يخيفُني وأنا طفل:صورة الإنسان في مرآة الحيوانية.

فأطلتُ النظر فيها وهي جامدة؛ إلى ظهر ت على صفحتِها آثارُ الزمن:صرتُ شيخاً... ولأول مرّة؛ ظهرتْ يدي اليمنى يداً يمنى تلامسُ تجاعيد وجهي الشائخ؛ بل كانت صورتي في المرآة أبلغ تعبيراً منّي... حيث أنّها بانتْ لي (من غير الأصباغ والريتوشات، والمواد المقاومة للشيخوخة) قبيحة إلى أبعد الحدود...وفي الحين قالت لي تلك الصورة الشائخة:الوداع. وانصرفت في عُمق الأبعاد؛ إلى عالم لن يستطيعَ "الإنسان" إدراكَه...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى