الأربعاء ٣٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٢
بقلم رامز محيي الدين علي

صراعُ الأضدادِ - القوّةُ والضَّعفُ

سأتناولُ في هذا الجزءِ من كتاباتي الفكريَّةِ مجموعةَ مقالاتٍ في فلسفةِ صراعِ الأضداد، وهي: (القوَّةُ والضَّعفُ - الحبُّ والكرهُ - الإيثارُ والاستئثارُ - الشَّرفُ والوضاعةُ - اليقينُ والشَّكُّ - الوطنُ والغربةُ - النَّعيمُ والجحيمُ - العدلُ والظلمُ - الشَّجاعةُ والجبنُ - الوفاءُ والخيانةُ - النَّباهةُ والبلاهةُ - الصِّدقُ والكذبُ - الأمانةُ والخيانةُ - الجوهرُ والمظهرُ - القناعةُ والطَّمعُ- الشَّكُّ واليقينُ، الصِّحَّةُ والمرضُ، الكلامُ والصَّمتُ، الفضيلةُ والرَّذيلةُ، الحزنُ والفرحُ، اللَّذَّةُ والألمُ، وغيرُها)؛ لأخلُصَ منها إلى رؤىً واقعيَّةٍ تعبِّرُ عن همومِ الإنسانِ في الحياةِ وما تنتابُه من حالاتِ التَّضادِ والتَّناقضِ في مشاعرِه ورؤاهُ تبعاً للظُّروفِ الّتي تعصِفُ بالمرءِ بين الحينِ والآخرِ، وليس لهذهِ التَّناقضاتِ في ذاتِ الإنسانِ من دلالةٍ على تذَبذُبِه أو تغييرِ مواقفِه ومبادئِه، وإنَّما هي حالةٌ شعوريَّةٌ طبيعيَّةٌ تتأتَّى من العواملِ النَّفسيَّةِ والخارجيَّةِ، فيبدُو المرءُ أحياناً غيرَ منسجمٍ مع ذاتِه أو معَ حياتِه وبيئتِه المحيطةِ بهِ، ويعودُ السَّببُ الحقيقيُّ في هذا التَّناقضِ إلى ضعفِ الإنسانِ مهْما بلغَ من النُّضجِ والثَّقافةِ والقوَّةِ، كما وصفَهُ خالقُه عزَّ وجلَّ في قولِه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾ سورة المعارج.

القوّةُ والضَّعفُ

الحياةُ بحرٌ هائجٌ من صراعِ الأضدادِ، والبحرُ حياةٌ تغصُّ بصراعِ النَّقائضِ، والنَّفسُ الإنسانيَّةُ حلبةٌ للصِّراعِ بينَ تلكَ المتناقضاتِ، والكونُ بكلِّ جزئيَّاتِه وكلِّيّاتِه قائمٌ على ذلكَ الصِّراعِ، وخيرُ دليلٍ على ذلكَ قولُ أبي العلاءِ المعرّيّ:

تَعَـــبُ كُلّها الحَياةُ فَمــا أعْــجَبُ
إلاّ مِنْ راغـــبٍ في ازْديــــادِ
إنّ حُزْناً في ساعةِ المَوْتِ أضْعــافُ
سُـــرُورٍ في ســـاعَةِ الميـلادِ

في هذهِ المقالةِ أتناولُ ثنائيَّةَ الصِّراعِ بين القوَّةِ والضَّعفِ؛ لأكشفَ جوانبَ مظلمةً من فلسفةِ صراعِ الأضدادِ الّتي بدأتْ مع بدايةِ خلقِ الإنسانِ والحياةِ والكونِ، وكأنَّ العالمَ - بكلِّ أبعادِه الزَّمنيَّةِ الفلسفيَّةِ: الأبديَّةِ والأزليَّةِ والأمديَّةِ والسَّرمديَّةِ - لوحةٌ فُسَيفسائيَّةٌ متناغمةٌ لا يُمكنُ فهمُ معانيها ودلالاتِها إلّا بتأمُّلِ ثنائيَّاتِ الصِّراعِ فيما بينَها، فلا يُمكنُ تأمُّلُ جمالِ القمرِ إلّا في حلكةِ ظلامِ اللّيلِ، ولا يُمكنُ الإحساسُ بدفءِ أشعَّةِ الشَّمسِ إلّا حينَ تحجبُها الغيومُ والسُّحبِ بين أعطافِها، ولا يُمكنُ تذوُّقُ معاني الحرّيَّةِ إلّا بعدَ آلامِ قيودِ الذُّلِّ والعبوديَّةِ، ولا يُمكنُ الذَّوبانُ في حنايا الجمالِ إلّا بعدَ أن تَدْمى عيونُنا من مشاهدِ البشاعةِ والدَّمامةِ، ولا يُمكنُ أن نتذوَّقَ طعمَ السَّعادةِ إلّا بعدَ أن تتصحَّرَ ذواتُنا من هجيرِ التَّعاسةِ والشَّقاءِ، ولا يُمكنُ أن نشمَّ عبقَ الرَّياحينِ والزُّهورِ والورودِ إلّا بعدَ أن تختنِقَ أنفاسُنا في جحيمِ الحياةِ العفِنةِ والنَّتِنةِ، ولا يُمكنُ أن نرى بصيصَ أنوارِ المعرفةِ والهدايةِ إلّا بعدَ أن تَعْمى بصائرُنا في دياجيرِ الجهلِ والضَّلالِ، ولا يُمكنُ أن نشعرَ بالأمنِ والطّمَأْنينةِ إلّا بعدَ هدأَةِ عواصفِ الرُّعبِ والدَّمارِ، ولا يُمكنُ أن ننعمَ بفردوسِ الحضارةِ والسَّلامِ إلّا بعدَ أن تحترقَ نفوسُنا بجحيمِ الهمجيَّةِ والحروبِ، ولا يُمكنُ أن نَحْيا حياةَ الأقوياءِ إلّا بعدَ أن تدوسَنا حوافرُ الخيولِ ونحنُ لا حولَ ولا قوَّةَ لَنا..

لقد علَّمَتْنا الحياةُ أنَّ كلَّ شيءٍ إلى ضمُورٍ وانحلالٍ فزوالٍ، وأنَّ كلَّ كائنٍ بعدَ بلوغِ الكمالِ إلى نقصانٍ وهلاكٍ فذكرياتٍ، وأنَّ كلَّ قوّةٍ إلى ضعفٍ وسقمٍ فتلاشٍ، وأنَّ كلَّ حضارةٍ عظيمةٍ إلى انحدارٍ وتصدُّعٍ فأوابدَ تقُصُّ للزّمانِ حكاياتِها السَّعيدةَ ونهاياتِها الحزينةَ.. كمَا نرى في قولِ أبي البقاءِ الرُّنديّ في رثاءِ ممالكِ الأندلسِ:

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَــمّ نُقصــــــــــانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُــــــورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
مَن سَــــرّهُ زَمَن ســــــــاءَتْهُ أَزمـــــانُ
وَهَـذِهِ الدَّارُ لا تُبْقي عَلى أَحَـــدٍ
وَلا يَـــــدُومُ عَلى حـــالٍ لَها شـــــانُ

وفي التَّاريخِ حِكمٌ وعِبرٌ ومواعِظُ تُنْبئُنا بأنَّ القوَّةَ مهْما تعاظمَتْ أركانُها وتعاضدَ بنيانُها فإنَّها لا تخْلُو من ثغرةٍ من الضَّعفِ قدْ تتَهاوى بسببِها بعدَ حينٍ منَ الزَّمانِ، وأنَّ كلَّ قوَّةٍ قد تستمدُّ وهْجَها من الزَّمانِ أو المكانِ، فما يبدُو قويَّاً في زمنٍ، قد تراهُ ضعيفاً في أزمنةٍ أخْرى، وما يبدُو قويّاً ههُنا، قد لا يُساوي دبيبَ نملةٍ هناكَ، كما جاءَ في المثلِ: "إنَّ البُغاثَ في أرضِنا يستَنْسِرُ ". والمعْنى أنّ طائرَ البُغاثِ قد أصبحَ نسراً إمّا في طبْعِه أو في شكلِه، وأنّهُ صارَ قويّاً كالنَّسرِ حينَما يَصيدُ الحيواناتِ، بعد أنْ كانَ من أضعفِ الطُّيورِ، ويُضربُ هذا المثلُ للضَّعيفِ الّذي أصبحَ قويّاً بعدَ طولِ عهدِهِ في الضَّعفِ، كما يُضربُ للذّليلِ الّذي عزَّ من بعدِ ذلِّه وهوانِه.. وكمَا نرَى في قولِ الحكيمِ والفيلسوفِ الصّينيِّ الكبيرِ كونفُوشيُوس: "حتّى أعظمُ حيتانِ البحرِ ليسَ لدَيها أيُّ قوَّةٍ في الصَّحراءِ".
وقد تكونُ مثالبُ ضعفِ كائنٍ ما أسبابَ قوَّةٍ عندَ كائنٍ آخرَ، وقد تكونُ مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ غيرِهم فوائدَ، كمَا عبّر عن ذلكَ أبو الطّيِّبِ المتنبّي:

بِذا قَضَتِ الأَيّامُ ما بَينَ أَهلِها
مَصائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ

فقدْ سُئِلَ أرسطُو: "مَن يصْنعُ الطُّغاةَ؟ فردَّ قائلاً: ضعفُ المظلُومينَ".. وكمَا قالَ الكاتبُ الفرنسيُّ فولتير: "نقاطُ ضعْفِ الرِّجالِ تصْنعُ قوَّةَ النِّساءِ". وكما قالَ الممثِّلُ الكوميديُّ الإنجليزيُّ شارلي شابلِن: "الرَّجلُ الّذي لا يعرفُ نواحيَ القوَّةِ فيهِ هدفٌ سهلٌ للمرأةِ الّتي تعرفُ نواحيَ الضَّعفِ فيه". فاحذرُوا أيُّها الرّجالُ نقاطَ ضعفِكم كي لا تصيْروا أرانبَ أمامَ أسُودٍ ضاريةٍ، وساعتَئِذٍ سيقولُ لسانُ حالِكم: "ندِمَ البُغاةُ ولاتَ ساعةَ مَندمِ والبَغيُ مرتعُ مُبتَغيهِ وخيمٌ ". وحينئذٍ ستتذكَّرُون المثلَ الألمانيَّ القائلَ: "الذُّبابُ الضَّعيفُ لسعتُهُ أقْوى".

والقوّةُ لا تَفهمُ إلّا لغةَ الاستِضْعافِ، كما قالَ فيلسوفُ المعرّةِ: "استَضْعفُوك فوصفُوكَ، هلّا وصفُوا شِبلَ الأسدِ؟". فقدْ وصفَ الطَّبيبُ لأبي العلاءِ أن يأكلَ الفرّوجَ، وكان المعرّيّ نباتيّاً يأْبى تناولَ اللُّحومِ، وحينَما ألمَّ به داءٌ شديدٌ، وصفَ لهُ الأطبّاءُ أكلَ لحمِ الدَّجاجِ فامتنعَ، ولكنّهم ألحُّوا عليهِ حتّى أظهرَ الرِّضا. فلمّا قُدِّم إليهِ، لمسَهُ بيدِه فجزعَ، وقالَ: " استَضعفُوكَ.. فوصفُوكَ".

ولغةُ الاستِضْعافِ أو الاستِحْمارِ هي لغةُ الأقوياءِ والأذكياءِ والخُبثاءِ في الاستِعبادِ والاحتِقارِ والاستِغلالِ، فمَا نحنُ عليهِ اليومَ من ضعفٍ وترَدٍّ وتخلُّفٍ ما هو إلّا نتاجُ تلكَ اللُّغةِ الّتي يُدرِّسُها الأقوياءُ للبلهاءِ والضُّعفاءِ الّذين لا يُدركونَ أسبابَ قوَّتِهم، كما عبّر عن ذلكَ أيضاً كاتبُنا الكبيرُ نجيبُ محفوظ: "الضَّعيفُ هو الغبيُّ الّذي لا يعرفُ سرَّ قوَّتِه". أو كما قالَ أديبُنا الكبيرُ مُصطفى صادقٍ الرَّافعيّ: "لم يُضيِّعِ الشَّرقيّينَ ضعفُ القوّةِ أكثرَ ممّا ضيَّعَهم ضعفُ البَصيرةِ". أو كمَا عبّر عن ذلكَ شاعرُنا حافظُ إبراهيمَ: "لمْ أرَ كالشَّرقيّينَ رجالاً تكمُنُ القوّةُ في أفرادِهِم، ويظهرُ الضَّعفُ في مجموعِهم".

ولا شكَّ في أنَّ للضَّعفِ أسباباً قد تكونُ داخليَّةً أو خارجيَّةً، كما أنَّ للقوّةِ ما يماثلُها، فإذا ما استعرَضْنا أقوالَ الفلاسفةِ والحكماءِ في القوّةِ والضَّعفِ، أدركْنا كُنهَ تلكَ العواملِ قوَّةً وضعفاً، ومن أهمِّها:

التَّردُّدُ وعدمُ القدرةِ على اتِّخاذِ القراراتِ الحاسمةِ، ومردُّ هذا التَّردُّدِ هو الخوفُ من النَّدمِ في المستقبلِ، كمَا يرى ميخائيلُ نُعيمةَ: "التّردُّدُ ضعفٌ ينجُمُ عن خوفِ النَّدمِ في المستقبلِ".

ومنها التَّشاؤمُ في الحياةِ وهو ما يُفْضي إلى الضَّعفِ، أمّا التَّفاؤلُ فيشحذُ الهِممَ ويُقوّي العزائمَ ويصنعُ المعجزاتِ، على نحوِ ما عبَّرَ عنهُ عالمُ النَّفسِ السُّويديّ سيغموند فرويد بقولِه: "التَّشاؤمُ يُفْضي إلى الضَّعفِ، بينَما التَّفاؤلُ يقودُكَ إلى القوَّةِ".

ومنها استِصْعابُ الأمورِ وضعفُ الإرادةِ في الوصولِ إلى الهدفِ المنشودِ، كمَا في قولِ ابنِ القيِّمِ: "من استَطالَ الطَّريقَ ضعُفَ مشْيُه". وكما نرَى في قولِ أبي الطّيّبِ المتنبّي:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَـــدْرِ الكِــــرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَــينِ الصَغيرِ صِغارُها
وَتَصغُرُ في عَـينِ العَظيمِ العَظائِمُ

وللقوَّةِ مظاهرُ تدلُّ عليها، وللضَّعفِ مضامينُ تُوحي بهِ، ولعلَّ من أهمِّ المظاهرِ الّتي تدلُّ على الضَّعفِ العقليِّ هو المبالغةُ المتكلَّفةُ في المظاهرِ والتُّرّهاتُ الشَّكليَّةُ دون أيِّ اهتمامٍ بالجوهرِ، وهذهِ سمةٌ عامَّةٌ في زمانِنا، من ذلكَ ما نراهُ في قولِ الكاتبِ الإيرلنديِّ جورج برنارد شو: "اللِّباسُ المكلِفُ يدلُّ على ضعفٍ عقليّ". وكذلكَ الاستمرارُ في منحِ الحبِّ والعطاءِ والاحترامِ لمنْ لا يستحقُّون بعضاً من هذا السَّخاءِ في بذلِ الجهدِ والوقتِ والمشاعرِ والأموالِ، كما في قولِ الكاتبِ الإنكليزيِّ الكبير وليم شكسبير: "الضَّعفُ هو أن تستمرَّ في حبِّ شخصٍ لا يُريدُك".

ولعلَّ من أهمِّ مظاهرِ القوَّةِ المحبَّةَ والتَّسامحَ؛ لأنّ الكراهيةَ وحبَّ الانتقامِ همَا أوّلُ مراتبِ الضَّعفِ والانحلالِ والتَّقهقُرِ، من ذلكَ ما نقرؤُه في قولِ نجيب محفوظ: " التَّسامحُ هو أكبرُ مراتبِ القوَّةِ، وحبُّ الانتقامِ هو أوّلُ مظاهرِ الضّعفِ".

ومن حكَمِ الحياةِ أنّ القِلَّةَ حينَما تمتلكُ القوّةَ تفسدُ، وأنّ الضّعفَ يُورثُ الكثرةَ فساداً أشدَّ وأسوأَ، ولا أدلُّ على ذلكَ ممّا نراهُ في واقعِنا العربيِّ المريرِ، حيثُ شراذمُ الأمّةِ وأقزامُها على قلَّتِهم يحكمُون قبائلَ وقبائلَ، ويعيثُون فساداً وإفساداً في كلِّ بقعةٍ لها ماضٍ حضاريٌّ عريقٌ، وهذا ما نراهُ جليَّاً في قولِ إريك هوفر: "القوَّةُ تفسِدُ القلَّةَ، أمّا الضّعفُ فيُفسدُ الكثرةَ".

ومن أهمِّ نتائجِ الضّعفِ هو الفوضَى، والفوضَى جحيمٌ تُودي بأممِ الأرضِ مهما ملكَتْ أيديها من خيراتٍ وثرواتٍ وفكرٍ وحضارةٍ، كمَا في نظرِ كريستن تورب: "الضّعفُ يخلقُ الفَوضى، والفوضَى هي الجحيمُ".

ولا أدلُّ على ضعفِ الأممِ من انتشارِ ظاهرةِ العنفِ الّتي غدَتْ سمةً بارزةً لعصرِنا الّذي لا يُمكنُني إلّا أن أصفَه بعصرِ العنفِ بكلِّ مظاهرِه وعصرِ التَّجبُّرِ والصّراعِ على قيادةِ العالمِ، ولو أدّى ذلكَ إلى فناءِ شعوبٍ وقارّاتٍ، فالعُنفُ إن دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلُّ على الضَّعفِ والانحدارِ الخلقيِّ والحضاريِّ والإنسانيِّ، وخيرُ ما يدلُّ على ذلكَ قولُ رولو ماي: "لا ينشأُ العنفُ من فائضِ القوّةِ، ولكنْ من الضَّعفِ". وحينَما تدركُ الأممُ مكامنَ الضّعفِ في ذاتِها، وتسعَى للخلاصِ منها تغدو قويَّةً، وتستمدُّ بقاءَها من معرفتِها بعللِ ضعفِها، كما يَرى ديفيد جيميل: "تنشأُ قوّةُ الرّجلِ في النّهايةِ من معرفتِه بضعفِه".

ومن هُنا وجبَ عليْنا أن نميّزَ بينَ الضّعفِ وغيرِه، وبينَ القوّةِ وما يُدانيها، فالتّواضعُ ليس ضعفاً، كمَا أنّ التّعاليَ والاستِكبارَ ليس قوّةً، ولهذا علينا أن نتأمّلَ حِكَمَ القوّةِ والضّعفِ شعراً ونثراً تاركاً عينَ التَّأمُّلِ لعقلِ القارئِ كي يستنضِحَ منها ما يناسبُ فكرَه وأهدافَه في الحياةِ:

"هناكَ مَن لا يفرّقُ بينَ الضّعفِ والتّواضعِ، فالأوّلُ خِسّةٌ، والثّاني رِفعةٌ، وبينَهما فرقٌ كالشَّعرةِ". أبو قاسم الفِردوسي (من كتابِ الشَّاهْنامة)

"تظاهَرْ بالضّعفِ عندَما تكونُ قويّاً، وتظاهرْ بالقوّةِ عندَما تكونُ ضعيفاً". سون تزو
أشكُو الى اللهِ ضعفَ الأمينِ وخيانةَ القويِّ. عمر بن الخطَاب
"نعمْ لا دينَ مع ضعفِ العقلِ، وغشِّ القصدِ، وإن طالَ القيامُ والصّيامُ". محمّد الغزاليّ
"الابتعادُ عن المشاكلِ لا يَعني الضَّعفَ، بل يَعني أنّكَ أكثرُ قدرةً على الاستِمتاعِ بحياتِك". أندرو كارنيجي
"البكاءُ ليس دليلَ الضّعفِ، بل يَعني أنّكَ كنتَ قويّاً فوقَ طاقتِكَ فترةً طويلةً". إيمانويل كانت
"الهدوءُ ليس ضعفاً، من الطُّمأنينةِ تنبثقُ القوّةِ". جويبل سي.
إبراهيمُ عبدِ القادر المازنيّ:

ومــا خــــيرُ علــمٍ في الحــياةِ وفطنةٍ
إذا حالَ ضعفُ العزمِ دونَ المطالبِ

أبو الأسودِ الدّؤليّ:

تعْدُو الذِّئابُ على مَنْ لا كلابَ لهُ
وتتَّقي صوْلةَ المسْــــــتَأسِدِ الحَامي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى