سَجِّلْ أنا مشبوه !
قالتْ النذالةُ عني:
هو مشبوه..
نطاردُ أحزانه من مخيم لمخيم
فقد تحمل رصاصاً مشبوهاً
في حزامٍ مشبوه!
أصبحتُ مشبوهاً إذن
بقدرةِ خانعٍ .. تابعٍ
ومتسلط, وطاغية,معتوه..
ويدي التي تحملُ أيامي و سلاحي
مشبوهة هي الأخرى
وعنفواني شيء مكروه..
دمي الذي استشهدَ
– هذا الصباح المنتفض-
يُطارد من شارعِ إلى شارع
لكي يقتلوه.. و يقتلوه
وحلمي الذي بنى منارات شموخ
لشعبِ البواسل
هو الآخر مشبوه..
نظراتُ الحقدِ في عيوني
و في قبضتي,
صوبَ عدوي..صانع عذاباتي و نكبتي..
مريبة..خطيرة...
تستدعي فوراً التنبيه..
فينبغي أن تكونَ متسامحة و مسالمة
يعتليها سربُ حمام
بأقفاصِ الذلِ رَبوه..
أغنيتي لحرية البلاد "مشبوهة"..
فكيف تذكرُ حيفا وعكا والجليل
وغزةَ والضفةَ..وبغدادَ والنخيل
وذكريات البحر والبرتقال الأسير
بكلِّ حزنٍ وشجن ٍ ووضوح..
إذن, هي تقترفُ"التشويه"..
فقد تغامرُ بعدَ ذلك الجنوح
وتذكرُ السيادةَ والقدسَ والتحرير
وتشتمُ الاحتلالَ مع الحقد المرير
وتطالب بحق الرجوع الصريح
مع" الخطر" الذي يليه..
تصوروا الخطر الذي يليه!
إذن أصبحتُ مشبوهاً
من أجل صرخة في قصيدة
وإن ألقيتُ تحيةَ الاستقلالِ
على سنديانةٍ عنيدة
ومشيتُ في جنازةِ لطفلة شهيدة
وصفني الجبان بالمشبوه..
لقد أنجبَ المخصيُ المهزوم
غلاماً من ورقٍ و سرابٍ و سديم
فأطلقَ عليه اسماً إيقاعياً
ليرقصَ بقاعةِ النهبِ المعلوم
وألحقهُ بنسلِ أبيه..
ودعانا كي نحبو مثل خيبته
بدربِ التنازل الكريه..
وأمرَ كلَّ نسرِ منا
أن ينزعَ مخالبه
فهي غير شرعية
و أن يقصَّ جناحيه
– لخطرها على القضية-
و يخلع عن ضلعهِ ماضيه..
فتوقعَ بعضنا مجازر جديدة
لن تسلمَ منها صرخة زيتون
و استشعرَ البعضُ رمادا متسلطا
يُذر في كلِّ العيون..
و استبشرتُ أنا -معكم- بالزلازل
يفجرها الغضبُ النزيه..
قالتْ الفتنةُ عني:
هذا الرجل إرهابيٌ مشبوه
متطرفٌ مشبوه..
إذن أنا " مشبوه"
و أنتَ و أنتِ و أنتم
و أطفال الحجارة ..
و مبادىء الشهداء و الشهداء
و الأسرى و الشيوخ و النساء
وكل شيء مقدس
و كل ما لا يشبه الغزاة
تحت خانة مشبوه
أنا" مشبوه" أيضا..
لأن حبي لموطني مبالغ فيه
فسرعانَ ما أسخط على أعدائي
فيغمرني الغيظُ فأتحمسْ..
لم أدر أني تطرفتُ كثيرا
و أن حماستي تحتاج إلى ترخيص
فلماذا لا أتبعُ " القانون"
فأحصل على خزيٍ مُرخصْ..
و عاطفتي ليست عفوية
فقد تخرج عني دون رقيب
لتمشي في كبرياء بمسدسْ!
فأضيعُ على الخانعين
شيئاً رهيباً أراه يتأسسْ..
أني محتاجٌ الآن -حسب خطة الهوان-
لتصريحٍ من مسؤول
و إلى إذن من أجلِ دخول
القاموسَ الوطنيَّ و القوميَّ
من بوابةِ النسيان و الإهانات..
و لكي أقولَ أحبكِ يا بلادي
فعلي أن أقدمَ كلَّ البيانات
مرفقة بسببٍ وجيه..
و صرخاتي و آلامي..
وموقفي من العولمة
و قراءة مقال ضد الحشرات!
ووقوفي تحت الشمس
وانتقادي للظلم و الطغاة..
أشياء ممنوعة..
وقد تُضم صرخة ميلاد طفل فلسطيني
وعربي من أب حُر
إلى لائحةِ القهرِ و الممنوعات..
فهات جديدكَ أيها العسف هات!
قد سقطَ المشبوهُ المذعورُ
على المذعورِ الشبيه..
وعليكَ أن تحصلَ -قبل الأكل و بعده-
على تصريح من سَفيه..
ما أصعب هذا الوقت الأعرجْ
ما أسوأ هذا الصمت الأهوجْ
يسيرُ من عاصمةٍ لعاصمةٍ
كأنه تنزيل وتأليه!
و أخيراً لا تقرب هذا الشعر
لا تأخذ صورة مع حكاية..
ليست تجيد التمويه..
لا تدنُ من استعارات تئنُّ مرة
و مرة تراها من القهر تتموجْ
كي لا تصبحَ مشبوهاً مثلي
لا تقرأ هذا الشعر!
و إن رأيته حزيناً يتأججْ..
فقد تصبح من المشبوهين..
وتفوز بلقب مشبوه.
*مع الاعتذار لدرويشنا الكبير و قصيدته الشهيرة: "سجل أنا عربي"