رولان بارث «المغزى الثالث»
مقدمة المترجم:
ما الذي يحفزنا كبحاث في الفنون البصرية أن ندرس أو بالأحرى نتحرى الفكر الغربي، أو نتقابل مع نصوصه الفكرية والفلسفية التي تهتم بالخطاب السينمائي عموماً،
والسيميولوجي الذي يتعلق بالصورة السينمائية على وجه الخصوص؟. كثيرة وواضحة هي الأسباب التي تدفع الى ذلك، ليس أقلها أن السينما بالذات دخلت الى أقطارنا العربية وفرضت نفسها على مجتمعاتنا أكثر مما فرضه المستعمر الذي جلبها معه، فهي ومنذ طفولتها ارتمت في أحضان صالاتنا العربية في تونس 1896، وفي القاهرة في العام نفسه، وفي ليبيا حينما دخلت كوسيط تسجيلي ممهداً لإحتلال البلاد 1900ــ1911، ومسجلاً وموثقاً منذ دخول أولى بوارجه الحربية في أكتوبر 1911، ليشهد بنفسه على جرائمه، واستطاع طلاب معهد لوميير من الجنود و الضباط الإيطاليين الذين رافقوا الحملة العسكرية في تلك الفترة أن يوثقوا عبر الصورة المتحركة، وقبل أن يدخل الصوت على الشريط السينمائي، أبلغ الصور وأقدرها على الفعل الدلالي رغم عمر السينما الذي لم يكن ليتجاوز الخمسة عشر سنة في تلك الفترة، ومنذ تلك الحقبة ونحن نستهلك الصورة، ولم نقدم شيئاً قد يرتقي الى بدايات السينما إلا ما ندر، وفي اغلب الأحيان وعلى امتداد القرن العشرين المنصرم، والذي شهد ولادة السينما، والتقنية، و الثورة الصناعية، وإنتصارالآلة؛ كانت الصورة خادمة للسلطة، أما في عصرنا المعولم فإن الظرف قد تغير فأصبحت الصورة هي السلطة نفسها، إذ لا سبيل لنا أن ننفصل عنها أو نحاصر مراوغاتها، وتمكنها من التاريخ نفسه، وسيطرتها عليه. صحيح أن مساهماتنا في تحديد البدائل بسيطة وفي أغلبها مريضة، غير أن علاجها لا يكمن إلا في خلخلتها وإقصاء الغث منها، والإبقاء على ما صلح فيها، وربطه بشدة إلى التراث والهوية، وحصره في رأينا واستخلاص أهم معانيه وما نتج عنها، ومقاربتها ومعاينتها عن كثب ففي عصرنا ثمة أستعمال آخر للتاريخ تحديداً قد لا تكون لنا الحاجة أن نرد عليه " ثمة إستخدام آخر للتاريخ: إنه التقويض الدائم لتطابقاتنا، ذلك لأن هذا التطابق الوهن بالرغم من كل شئ، والذي نحاول أن نؤمن عليه، ونحفظه خلف قناع، ليس إلا إفتعالاً: فالتعدد يقطنه، ونفوس عدة تتنازع داخله و الانظمة تتعارض ويقهر بعضها بعضاً" (فوكو).
ولست في الواقع بصدد تحليل كلام فوكو هذا لأنه لايحتاج أصلاً إلى ذلك، لكنني بصدد مقابلة نصاً سيميائياً “semiologo” عن"المغزىالثالث" في شريحة الصورة الفلمية الواحدة، وليس في السينما بشكلها الكــلي، هنا بالضبط يكون مكمن الدقـة، والعنــاء، فـ (بارث)، مفكر في السيميولوجيا، واللغة، وفي علم الدلالة الألسني، وله في واقع الأمر مجموعة أُخرى من البحوث حول الصورة، لكنه هنا تحديداً، يدخل على مفاصل اللغة السينمائية، ويقوضها ويفصص دلالتها، لكي يمر من خلالها إلى أعماق الشخصيات، إذ لاترضي غروره سوى تلك السينما القادرة على الفعل الدلالي، فيختار أحد أهم ما أنتج في عمر السينما على الاطلاق "إيزينشتين" فكره، وأفلامه، ومداخلاته، ومنهجه الأيدلوجي، عبر المونتاج الديالكتيكي، الذي أخترعه في عشرينيات القرن الماضي، فيخضعها بارث إلى الفحص الدلالي السيمنطيقي، لا الإبلاغي أوالإخباري (الإعلامي)، متحرياً بذلك مواطن الإنفصال و التمفصل في الكادر الواحد معتبراً إياه كشريحة طبقية لمعمار الفيلم ككل، إذ يرى أن اللقطة الثابتة في كادر واحد قد تفي بالغرض لمعرفة أنه ثمة في المنهج السيميولوجي في اللغة السينمائية، ما يسمى بالمغزى المنفرج Il senso ottusoوالتي تعني في العربية أيضاً، المثلوم، والغبي، والمتخلف عقلياً، لكن مايعنيه بارث هنا هو "حدة انفراج الزاوية " وتكور وإلتفاف ماحوته الصورة، وهذا اللإنفراج أو الإنثلام لايأتي إلا مقابلاً، عن طريق فعل الومضة، والاشارة، ولكي يثبت أيضاً أن دلالة السينما ولغتها، لاتكمن في تكنولوجيا الصوت وماصاحبها من لغة كلامية في حوار الشخصيات وما إليها، بل على العكس تماماً، فلغة الصورة كامنة في شكلها وفي حركتها عندما تتحرك وحركتها عندما تكون تابثة، فهي بالنسبة لـ . بارث، من وجهة نظرنا، تتحرك وتفيض بالمعاني، حتى وإن كانت صورة مجمدة.
رولان بارت "المغزى الثالث"#
ملاحظات بحثية لبعض الصور المستقطعة من بعض اللقطات من أفلام "ايزنشتين"#.
إهداء المؤلف ــ إلى نور الدين الصايل، مدير سينما 3.
إهداء المترجم ــ إلى جمال التركي.
صورة (1)
ها هي صورة مأخودة من لقطة لفيلم "ايفان الرهيب"#
إثنان من رجال الحاشية الملكية لإيفان، إثنان من المساعدين، أو من الكومبارس، (لايهم إذا لم أتذكر جيد ًا تفاصيل القصة)، يسكبون مطراً من الذهب على رأس الملك الشاب، وأعتقد بأنني استطيع أن أميز بين ثلاث مستويات من المغزى كالآتي:ـ
1ـ مستوى معلوماتي (إعلامي): يتضمن كل المعرفة التي تزودنا بها هذه الصورة من خلال السيناريو، الملابس، الشخصيات وعلاقاتها مع بعضها، وتداخلها، وإن جاءت مندسة فيما يشبه الاحدوثة أو النادرة والتي تبدو واضحة بالنسبة ليّ (حتى وإن جاءت بشكل مبهم) فهي نتيجة لمستوى إخباري إتصالي، وإن إرتأيت أنه من الضرورة أن أجد أُسلوباً لتحليلها فإنني سأتجه صوب الدلالة الأولى (1°semiotica) تلك التي تحوي "الرسالة" (ولكن سوف لن أنشغل بها بعد في هذا المكان، لا من ناحية ذلك المستوى، ولا من ناحية تلك الدلالة)
2ـ المستوى الرمزي: و المتضمن للذهب المسكوب . هذا المستوى يظهر متطابق. فهناك الرمزية المرجعية : المتمثلة في الجانب الطقوسي الإمبريالي للتعميد بواسطة الذهب، والرمزية(الديجكتيكية) الطبقية التي تمثل موضوع الذهب رمز الثراء (كمسَلَّمَة موجودة) في إيفان الرهيب، والتي تدخل هنا في شكل دلالي ذو معنى. وثمة أيضاً الرمزية الايزنشتينية. ناقد ماهر قد يستطيع أن يكتشف بأن الذهب، المطر، أو الخيمة، التشويش، التداخلات التكوينية، يمكن أن تأتي كلها مجتمعة في شبكة من التنقلات والاستدلالات نفسها التي لدى إيزنشتين، وهناك في النهاية رمزية تأريخية، إذا ما تفحصتها بنظرة أكثر اتساع في مجملها، يمكن أن تُظهر أن الذهب يدخل في لعبة مسرحية، في سينوغرافيا، وهي قد تكون تلك المبادلة أو المقايضة الفردية (الذاتية) سواء كانت تحليلية إقتصادية أو بالآحرى نقول سيميولوجية هذا المستوى الثاني في مجموعه هو ما يمثل الفحوى الدلالي، وأسلوبه التحليلي سيكون أحد الدلالات الأكثر إتقاناً ومعالجةً من الدلالة الأُولى، دلالة ثانية أو لنقل دلالة جديدة، مفتوحة ليس بعد على علم الرسالة، ولكن على علم الرمز (نفسانية، اقتصادية، دراماتورجيه drammaturgia)
3ـ المستوى الكل؟
لا، لأنني مازلت لا أستطيع أن أفصل نفسي عن الصورة، ففي الوقت الذي أقرأ فيه، فإنني أستقبل (على الارجح وللمرة الاولى) مغزاً ثالثاً، جلياً تائهاً، وعنيداً#. أجهل معناه بالضبط، بالاضافة إلى إنني لا استطيع أن أعبر عنه لكنني أرى بوضوح التقاطيع أو الملامح، والمصادفات الدلالية لهذه الإشاره، منذ البداية مركبة: تماسك مؤكد في المكياج التجميلي للشخصيات، غالباً بارز، مصقول، ومتميز؛ الأنف الأبله لأحد الشخصيات، والتصميم التشكيلي الرقيق للحاجبين لدى أحدهم الآخر، بيوضته السلافيه، تجسده الابيض الكريه، التسطيح المدور المعمول لتسريحة شعره الغير منسجمه مع التصنع الظاهر لدى هذه الشخصية، التوافق البيّن على عمق البشرة البيضاء (الجصية اللون)على غبار الارز. لا أعرف إذا كانت القراءة لهذا المغزى الثالث تعمقت ـــ إذا كان كذلك فهذا يعني أنه بالامكان تعميمها ـــ لكن يبدو ليّ بأن مدلولها أو بالأحرى الملامح التي قمت للتو بتجريبها و الاستدلال عليها، (ولا أريد أن اقول وصفها)، تمتلك من جانبها فردانية تنظيرية. لأنها من جهه، ليس بإمكانها أن تختلط مع الكينونة البسيطة للمشهد، زيادة عن نسخة السبب المرجعي، مرغمة ً في قراءة إستفهامية (والاستفهام هنا يخص المدلول لا المعنى، القراءة لا المثاقفة: إنه تواصل" شعري")؛ ومن جهه أُخرى، فهي لم تختلط بعد بالمغزى الدراماتيكي للحدث: القول بأن هذه الملامح تحال إلى "جو" دلالي لرجال الحاشية، جو مبعد، ومزعج أو مركز ("إنهم يفعلون ما يناط بهم من أعمال كرجال حاشية ")، لم أقتنع تماماً: لم أشبع إلى حد الامتلاء؛ ثمة شئ ما في هذين الوجهين افراط في النفسانية، والحكائية أو ما يتعلق بالنادرة Aneddoto و الوظيفية، ولهذا نقول المغزى، دونما التقليل مع ذلك من العناد أو التشبث الصلب لكل جسم بشري في حالته الوجودية المحضة في التعارض الموجود بين المستويين الاولين، سواءً ذلك الاخباري الاعلامي أو حتى ذلك المستوى الثاني الرمزي (الدلالي) يأتي المستوى الثالث ـــ وإن كانت قراءته مازالت فيها شئ من المخاطرة تلك التي تهتم بالمدلول؛ هذه الكلمة لها امتياز المرجعية في مجال المعنى الدلالي، المدلول (وليس الدال الظاهر) ولكي تضيف، من خلال الطريق الذي فتحته "جوليا كريستيفا" التي يرجع لها الفضل في اقتراحها للمصطلح، دلالة جديدة للنص.
الدال والمدلول ـ وليس الإخبار أو الاعلام ـ هما وحدهما اللذان أخصهما بإهتمامي في هذه الاثناء. من المستلزم إذاً تحديد المغزى الثاني والثالث بإسلوب اقتصادي بأكبر قدر ممكن. المغزى الرمزي: (الذهب المسكوب، السلطة، الثراء، والطقوس الامبريالية) فأنا خاضع لتحديد إزدواجي مضاعف: كونه متعمد وعن قصد (ذلك الذي أراد المؤلف أن يقوله) بالإضافه إلى كونه مسحوب من صنف معجمي عام، مألوف، ذلك المتضمن للرموز، إنه المغزى الذي يبحث عني، كوني المرسل إليه (مُستقبِل الرسالة)، وموضوع القراءة، مغزاً إنتقل من "إيزنشتين" وجاء لكي يتقابل معي، واضحاً دونما ادنى شك (وحتى المغزى الآخر بنفس الكيفية)، غير أن وضوحه هذا وضوحاً مغلقاً، مأخوذ في نظام كامل من التوجيه. أقترح أن أُسمي هذه الاشارة الكاملة بالمغزى الواضح . Il senso ovvio Obvius يعني ذلك الذي جاء مقابلاً وهو يمثل بالضبط حالة هذا المغزى، والتي جاءت لتلتقي بيّ وتجدني: في علم لاهوتي وعلى مايبدو، المغزى الواضح هو ذلك "الذي يقدم نفسه للروح بطريقة طبيعية جداً" وفي سبيل التأكيد، فإن رمزية المطر، ظهرت ليّ دائماً معطاة بشكل واضح "طبيعي" بالقدر الذي جاء فيه المغزى الآخر وهو الثالث بالطبع، ذلك الذي "كثيراً"ما جاء كملحق مكمل، والذي لم تستطع ثقافتي، ومعرفتي الفكرية، أن تمتصه أوتتشربه جيداً، مغزاً مغلقاً وفي الوقت ذاته متهرب وفالت، ومن الصعوبة الامساك به، نظراً لرخاوته وانزلاقه، أقترح أن اسميه بـ . المغزى المنفرج Il senso ottuso، هذه الكلمة جاءت إلى عقلي بشكل تلقائي ومباغت ينشر أُصول كلماته ويدلل من قبل ذلك نظرية المغزى المكمل.Obtusus تعني: ذلك الذي انفرج أو انثلم من الشكل الدائري الملفوف. والأن فالمعالجات التي دلّلت عليها سواءً في (المسحوق المزين للوجوه، المكياج، البيوضة، والاصطناعية المستعارة،الخ.) كل هذه الملامح ، هي ليست ربما من الانفراج لهذا المغزى الذي جاء واضحاً هنا، جلياً وفي نفس الوقت عنيفاً جداً..؟ قد لايعطون للمعنى الواضح كنوع من الدورانية والتكور المقبوض بأقل حدة، ولايزحلقون ربما قراءتى .؟ زاوية منفرجة أكبر بكثير من خط مستقيم: زاوية منفرجة بمائة درجة، بقول القاموس؛ حتى المغزى الثالث يبدو ليّ أكبر بكثير من أن يتمايل أويتمرجح بشكل خالص، مستقيم، قاطع، وقانوني للحكاية: وعلى ما أعتقد أنه يفتح المجال للمغزى كلياً، بمعناً لانهائياً. أنا مستعد أن أقبل ـــ بسبب هذا المغزى المنفرج ــ العلامات الفارقة المؤشرة للتدني: المغزى المنفرج يظهر شارحاً نفسه من خارج ثقافة المعرفة، والمعلوماتية، تحليلياً، يمتلك شيئاً من البعث على الضحك؛ و بالقدر الذي ينفتح فيه على لانهاية اللغة، فإنه يستطيع فتح المحدود في وجهات النظر الإدراكية العقلية، في مجال التحليل، منتمياً إلى جنس اللعب بالكلمات، للسخافات، والبضائع الغير نافعة؛ على حدٍ سواء مع الطائفة الاخلاقية أو الجمالية(المبتذلة، التافهة، المصطنعة، والفوضوية)، الكائنة في الجانب الكرنفالي أوالاحتفالي التنكري، فالمغزى المنفرج أو المثلوم إذاً سيكون المصطلح الأنسب في هذه الحالة.
المغزى الواضح
سأخصص بعضاً من الكلام حول هذا المغزى، وإن يكن ليس هو بالضبط موضوع هذا البحث. ها هما إثنان من الصور التي تظهره في حالة صافية. الخِلقات الأربعة في الصورة (2) " يرمزون" لثلاثة اعمار أو مراحل من الحياة، الاجماع على الحزن (جنازة فاكولينكوك) قبضة اليد المغلقة في الصورة (3) في لقطة قريبة جداً، والتى تترجم أو تعبر عن السخط والنقمة والاستياء، الغضب المقتصد المشتق من شبكة قنوات، التصميم على الصراع والنضال؛ متحدة كلها بشكل كِنيوي مجازي في كل قصة بوتامكين التي ترمز إلى الطبقة العمالية، وسلطتها وقدرتها وإرادتها، بإعتبارها معجزة العقل الدلالية (السيمانطيقية)، هذه القبضة، وإذا ما رأيناها بالوجهه المعاكسة نجدها تتمسك بثبات من قبل حاملها لتوحي بشئ من السرية (فهي اليد التي تنسدل في بادئ الأمرعلى طول البنطال، ومن ثم تنقبض، وتتصلب، تتبصّر بشكل معاصر عبر معركتها المستقبلية، جلدها وحصافتها)، ليس بالمستطاع أن تكون قد فسرت كقبضة لأحد المشاكسين التافهين،الميّالين للخصام من أجل الخصام، أوبالأحرى أحد الفاشستيين. إنها بالضبط ممثلة كقبضة أحد البروليتاريين.
الصور (4،3 ،2)
يبدو واضحاً هكذا بأن فن إيزنشتين ليس بمتعدد الدلالات ـ Non è polisemico : فهو يختار المغزى، ويفرضه، ومن ثم يشحنه (حتى وإن يكن هذا المغزى المنفرج يفيض بالمعاني فهذه الأخيرة، لم تأتي رافضة مشوشة)؛ المغزى الايزنشتيني جاء صاعقاً للالتباس كعادته. كيف..؟ مضيفاً قيمة جمالية، مُفخمة ."التزيينية" decorativismo عند إيزنشتين تمتلك وظيفة اقتصادية: تنطق بالحقيقة الواقعة.
لنلاحظ الصورة (4) التي جاءت على النمط الكلاسيكي المحض، فالألم جاء معبراً من خلال الرؤوس المنحنة، ومن خلال تعابير العذاب، من اليد التي وضعت تحت الفم، قابضةً للشهقة. ولكن ذات مرة تم التنويه عن هذا بشكل كاف، ملمح تزييني (ديكوري) أُعيد تثبيته ثانية ً وتأييده، الترتيب الفوقي العمودي لوضع اليدين على بعضهما، مشكّل في تنظيم جمالي يمثل صعود المسيح إلى السماء في شكل متناغم وبنعومة أُمومية زهرية floreale (مؤسلبة على طريقة المعمار الزهري) "المترجم" في اتجاه الوجه (وجه السيدة) المنحني، ثمة تفصيل آخر يثبت معنى المعنى En abyme في داخل الشريحة العامة للصورة المتمثلة في (المراْتان)؛ جاءت في نظام تشكيلي (رسم) كإستشهاد على الإشارات الأيقونية للرحمة والورع، لايحيد المغزى وأنما يبرزه؛ وهذا الابراز(الذي هو إنموذج في كل الفنون الواقعية) لديه في هذه الحالة بعض الارتباط مع "الحقيقة":تلك التي في "البوتامكين" .Potemkin "بودلير" Baudeliare كشاعر كان يتحدث هو الآخر عن "الحقيقة المفخمة للمظهر في المواقف العارضة للحياة"؛ فالحقيقة هنا تكمن "في المواقف العارضة للبروليتاريا" التي تتطلب وبشكل معتاد أن تعظم وتفخم، الجمالية الإيزنشتينية لاتنشئ مستواً مستقلاً بل تكوّن جزءًامن المغزى الواضح، والمغزى الواضح عند إيزنشتين كان دائماً، ثـورة.
المغزى المنفرج :
(6) (5)
أمام الصورة رقم (5) والتي تحوي هذا المغزى، تواطئت لأول مرة بأن اقتنع بوجوده هنا. والسؤال كان: ما هو الشئ الذي في هذه السيدة العجوز التي تبكي، قد طرح عليّ مشكل الدلالة؟ وجعلني أقتنع بسرعة بأنه لم يكنّ، وإن جئن كاملات، لا التعابير ولا الاشارات الدالة على الألم والمتمثلة في (الجفون المنخفضة، الفم المسحوب، وقبضة اليد التي تدق على الصدر) فهذا منتمياً إلى المعنى الممتلئ، إلى المغزى الواضح للصورة، وإلى الواقعية والتزيينية الايزنشتينة. كنت أشعر بأن المقطع مخترق كأحد المدعوين الذي يكابد سخطه بصمت، إذ لم يكن لحضوره أية حضوة تذكر، وعليه أن يمكث في الجانب الأمامي: فهذه الكوفية المتمثلة في غطاء الرأس الفولاري، لم تُعطى مجاناّ، ومع ذلك ففي الصورة (6) المغزى المنفرج اختفى ولم تبقى سوى رسالة الألم. فهِمت إذاً بأن ذلك الصنف من التشهير في المكملات أوفي ذلك الانسياق الجوهري للعمل، في هذه التمثيلية الكلاسيكية للألم، متأتية وبشكل دقيق من علاقة شفافة رقيقة، عصية على اللمس: مثلما هو موضح في الكوفية النازلة، العينان المغمضتان، والفم المحدودب؛ أو بالأحرى لإستعادة التفريق لدى إيزنشتين نفسه بين "ظلمات الكاتدرائية"،
و" الكاتدرائية المغرقة في الظلمات"، من العلاقة بين "الانخفاض" في مسار خط الكوفية، المسحوبه بنمط غير مألوف إلى غاية الحاجبين، كما في تلك الخدع التي تجعل من أحد ما يعطيها جواً من الهزلية Burlonaوالغباوة، مع خط دوراني للحاجبين المنسبلتين الكالحتين المتفسختين بلا لون، القديمتين العاجزتين، الإنحناءة المفرطة في الجفنين الدانيتين كما لو كانتا حولتان، ومسار الفم الشبه مفتوح، والمتوافق مع خط الكوفية، وخط الحاجبين، في جو مجازي " كسمكة خارج الماء".
كل هذه الأجزاء المتمثلة في (الكوفية الهزلية، العجوز، الجفنان المعبرتان عن الحول، و السمكة)، يمتلكون غموضاً مرجعياً ولغة متدنية إلى حدٍ ما، وإخفاءً تنكرياً قليلاً مايبدو بائساً؛ متحدين في الوجع النبيل للمغزى الواضح، يكوّنون حوارية بهكذا شكل ضعيفة من حيث أنها ليست بإمكانها ضمان القصدية.
خاصية هذا المغزى الثالث تكمن في المؤثرات على الأقل عند إيزنشتين ـ بغية تشويش الحد الذي يفصل التعبير عن التنكر أو التخفي، ولكن أيضاً لمنح هذا الارتجاج والذي جاء مختصراً، تفخيماً إهليجياً Eclettica ناقصاً، إذا كان هكذا فيمكن القول بأن هذا الترتيب جاء معقدا ًجدا وماكراً وذكياً (بما إنه جاء متورطاً في زوبعة زمنية من المعاني)، والتي جاءت موصوفة وبشكل تام من إيزنشتين نفسه عندما يبرهن بكل اندفاع وشجاعة فرضية الذهب للرجل المسن : K.S.Gilletteنصف دائرة خفيف خلف نقطة النهاية (219.n).
(8 ) (7)
(10) (9)
المغزى المنفرج يأتي منساقاً نوعاً ما في شئ من التخفي. يلاحظ ذلك من خلال لحية إيفان الرهيب المذببة والتي تغطي ذقنه فقط، فالمغزى المنفرج جاء ناجحاً ومترقياً على ما يبدو في الصورة (7) فهو يعرض نفسه بوضوح مستعار، ولكنه لا يعلن بهذا العرض على النية الطيبة لمرجعيته (الخلقة التاريخية للملك الشاب): ممثل يتنكر مرتين (مرة كممثل لإحدى النوادر الحكائية، وأخرى كممثل للدراما تورجيه(باني للافعال)"المترجم"، من دون أن يكون أحد هذه التنكرات التي يمثلها، هادماً للآخر؛ شريحة من المغزى تترك باستمرار وجوداً للمغزى الذي يليها، فهي بالضبط كأحد الإنشاءات الجيولوجية، فقراءة الطبقات الواحده فوق الأخرى، كل منها يخالف الأخرى زمنياً غير أنها لا يمكن أن تتخلى عنها، عند "بريخت" قد تكون مُحببه هذه الجدلية الدراماتيكية (في الاصطلاحين كلاهما). الاستعارة الايزنشتينية، وفي الوقت نفسه إستعارته لذاته نفسها، بمعنى أن التشويش، الفِتش،(الحِرز) feticcioأوالبدية الوثنية الهزلية، من حيث أنها تترك حرية النظر لهذه الاستعارة نفسها في فتقها ورتقها: أي ما هو مرئياً في الصورة (7)، كونه إعادة توصيل، وإنفصال أولي إستباقي، للّحية المذببة العمودية القائمة الانحدار إلى الذقن. لذا فالجانب العلوي للرأس (وهو الجزء الأكثر "إنفراج" للشخصية البشرية)، يجعل من كومة شعر واحدة فقط (مثلما هو ملحوظ في الصورة (8)) أن تكون معبرة وبشكل أمثل عن الألم، فالاسلوب الساخر جاء ماثلاً في التعبير وليس في الألم.
لا يوجد على أي حال محاكاة ساخرة للعمل و لا اي أثر للمرح الماجن: الألم لم يتخذ صفة تقليد القردة (المغزى الواضح يجب أن يبقى على حالته الثورية، الحزن و الحداد العام الذي يرافق موت "فاكو لينكوك"Vakulincuk له مغزاً تأريخياً)، وإن يكن "مجسداً" في كومة شعر الممثلة، يستعرض قصاً، رافضاً للتدنيس؛ فالشعبية populismo il"حركة النهوض بالطبقة الفقيرة" "المترجم" المتمثلة في شال الصوف (مغزاً واضحاً) يتوقف عند كومة الشعر الملفوفة: هنا يبدأ الفتش او البُدية والجحود، هنا تبدأ الشعائر والطقوس، العُقَدْ(la chioma)، وأجناس أُخرى من الهزليات الساخرة اللاملحدة بالتعبير. المغزى المنفرج بكُليته (قدرته على الانقطاع والانكسار) يلعب بالضبط، داخل الكتلة الموالية للشَعر.
ها هي كومة شَعر أخرى (تلك التي لدى المرأة في الصورة(9)) إنها تتعارض مع قبضة اليد المرفوعة إلى أعلى قليلاً، فكتلة الشعر هذه تُقَزِم قبضة اليد وتجعل منها هزيلة وضامرة دون ان يكون هذا التقزيم ممتلكاً لأقل قيمة رمزية (معرفية): كومة شعر مطولة في لفائف، تسحب معها الوجه إلى موديل أو أمثولة غنمية ovino" شكل غنمي" ويعطي لهذه المرأة شيئاً من المس (كما لو كانت أحد الاشكال البلهاءْ الكريمة) أو الحساسة كذلك. نحتاج أن نستخدم مثل هكذا كلمات، وإن جاءت أقل سياسية وأقل ثورية، خدّاعة كغيرها من الكلمات القليلة الأخرى؛ اعتقد أن المغزى المنفرج يعبر عن نوع ما من الشعور، مأخوذاً من التنكر أوإظهار الشكل المغاير للسلوك، هذا الشعور ليس على الاطلاق فضوليا؛ إنه الشعور الذي يرسم بكل بساطة ذلك المحبوب الذي يريد أن يناضل أو يدافع؛ إنه شعور ذو قيمة وإعتبار. بالمستطاع إيجاد التطابق فيما يبدو لي، أثناء دراسة الايتنوغرافية "خاصية البروليتاريا العمالية لإيزنشتين"، والتي تشظت وتجزءت على طول جنازة "فاكولينكوك"، لديها رسوخٍ محبب (هذه الكلمة تأتي منسجمة، دونما تحديد للعمر أوللجنس): أمومي، ودود، وذو بأس شديد، simpatico"ظريف" دونما الحاجة إلى الطعن في النماذج الصور (13،12 ،11)
القديمة، الشعب الإيزنشتيني جوهرياً محبوب: مستساغتان ومحببتان القبعتان الدائريتان في الصورة (10)؛ هذا الانموذج من هذا الشعب يؤسس في هذه الصورة مع هذين القبعتين عقدة ما واتفاقية ما. فالجمال يستطيع دونما أدنى شك أن يقيّم كمغزاً منفرجاً، كما هو الحال في الصورة (11) لذا فالمغزى الواضح، مكثف جداً (فن تعبير الاشارة لدى إيفان، غباوة وبلاهة الشاب"فلاديمير" الدائمة، التي ألقت بمرساتها وتقاذفها البحر دونما هُدىً في جمال "باسمانوف"، غير أن الاثارة الحسية الماثلة في المغزى المنفرج (أو الافضل أن نقول: بأن هذا المغزى الذي جاء مُقَلّداً حائطاً بالعَصابة أو الربطة السوداء على رأس الشاب، ليس له قبولاً جمالياً: "إيفروزينيا" المرأة الواقفة إلى جانب الفتاة النائمة، جاءت قبيحة "منفرجة" مثلومة في الصورتان (12)،(13)، وبالمثل، فالراهب في الصورة (14)، جاء على نفس الشاكلة لكن هذا الانفراج في القبح جاء متجاوزًا للحكاية، بحيث أصبح مُنهكاً للمغزى وسياقه.
(14) (15)
هناك إثارة حسية في المغزى المنفرج محتوية على ما يعاكس الجمال، وكل ما هو موجود خارج علاقة التضاد، بمعنى ما يتعلق بالحد، الإقلاب، التشويش و ربما السادية. هاهي البراءة الذابلة (للاطفال في الفرن) في الصورة (15) ثمة أيضًا ما يبعث على الضحك في الملبس المدرسي الماثل في أربطة العنق الصوفية، والتي قياسياٌ تتواصل إلى الذقن، الحموضة اللّبنية في الجلد (في العيون، في الافواه، وفي البشرة)، والتي كان "فيلليني" يبرزها أيضاً مأخوذاً بالتخنيث androginoالموجود لدى "ساتيريكون" . وتحدث عنه أيضاً "جورج باتيل"، خصوصاً في أحد نصوصه الوثائقية، والتي تضع تعريفاً بالنسبة ليّ كأحد النواحي الممكنة للمغزىالمنفرج: “le gros orteil de la reine”(لا أذكر العنوان بالضبط)#.
لنَخلص إذاً (الى أن قبول مثل هكذا أمثلة قد يكون كافياً لتبرير بعض الملاحظات كصيغ تنظيرية). المغزى المنفرج لا يوجد في اللغة اللسانية أي لغة كانت، (ولا حتى تلك اللغة المرموزة): حتى ولو تم محيه، فإن الاتصال والمعنى سوف يبقيان، محيطتان وداخلتان؛ في عدم وجوده. أستطيع أيضاً أن أتحدث، وأقرأ؛ لكنه سوف لن يوجد حتى في الكلمات؛ قد يكون ثمة بعض الرسوخ للمغزى المنفرج الإيزنشتيني، ولكن وفي نفس الوقت قد تكون ثمة كلمات في نفس المنحنى الموضوعي لديه، لغة تعبيرية خاصة لهذا المغزى الموجود عند إيزنشتين، وهذه اللغة جاءت آنية (أو ببساطة يمكن القول بأنها قد ثُبِتت من قِبل أحد النقاد الذين يستطيعون "ياحبذا" أن يكتبوا كتاباً حول إيزنشتين). المغزى الثالث موجود، لكنه لا يعطي هكذا عبثاً، وللجميع (فالمدلول شئ نادر الوجود، إنه خِلقة لما هو مُقبل، ولما هو واقع)، ولكن من جهه ما: عند بعض المؤلفين الآخرين للفيلم (ربما)، في بعض أساليب قراءة "الحياة" و"الواقع" نفسه (هذه الكلمة جاءت موافقة هنا كما لو كانت ببساطة معارضة للايهام بالواقع طواعية).
في الصورة (16) والمقتطفة من أحد الافلام الوثائقية، التي تحوي مجموعة من الفاشستيين النظاميين، أقرأ وبكل بساطة مغزاً واضحاً ذلك الذي لدى الفاشست (جمالية ورمزية القوة، للقنص الممسرح)، ولكنني أقرأ أيضاً ملحقاً منفرجاً: البلاهة الشقراء المتخفية (مرة أُخرى أيضاً) للشاب الرامي للسهام، رخاوة يديه وفمه (لن أصف، و لا حتى لدي القدرة، لكنني سوف أشير فقط
(16)
إلى المكان)، الاظافر الضخمة لـنفس الشاب "جورجينغ"، خاتمه "الفالصو" المزيف (جاءت في حدود المغزى الواضح، وبالمثل أيضاً فإن الابتسامة المعسولة البلهاء للرجل ذو النظارة، الواقف في عمق الكادر: مكشوف وواضح على إنه وصولي و"لاعق أقدام" Leccapiedi ). وفي حدود أُخرى فإن المغزى المنفرج لم يتموضع بنيوياً، ودارس أومتخصص في السيمياءsemantica سوف لن يتعرف على الكينونة الموضوعية (ولكن ما هي القراءة الموضوعية ؟)، فإذا كان المغزى المنفرج واضح (بالنسبة ليّ)، وربما كل ماهو يحصل الأن (في هذه الأثناء) بسبب نفس "الانحراف" الذي كان يُرغم ذلك المعزول والحزين "سوسير"Saussure# على أن يصغي إلى صوتاً غامضاً، دونما أصل، إضافة إلى أنه جاء مستحوذاً على "الجناس التصحيفي "#، للوجه الأركيولوجي الآخر للعملة. نفس الغموض والشك الذي يشوب أي باحث عندما يستقطع جزءً ما لكي يصف المغزى المنفرج (لكي يعطي فكرة ما عن المكان الذي يُنسب إليه هذا الأخير وبأي شكل يمكن أن ينسب إليه)؛ المغزى المنفرج مدلول بلا معنى، بحيث من الصعوبة أن نسميه (الامر الذي جعله عصياً على أن يسمى بأسما ًمعينا: قراءتي تبقى معلّقة بين الصورة ووصفها بين الاصطلاح والقيمة التقريبية له.
إذا لم تكن ثمة إستطاعة لوصف المغزى المنفرج، فذلك راجع إلى كونه معاكساً للمغزى الواضح، لاينسخ شيئاً: كيف يمكن أن نصف شيئاً لا يفسر أي شئ؟ "المرتجع" التشكيلي الرسومي للكلمات هنا مستحيلاً. فالأثر يكون، فيما إذا ــ أمام هذه الصورة ، متبقياً (أنتم وأنا) في مستوى اللغة المتمفصلة ــ بمعنى ما هو موجود داخل نصي هذا ــ المغزى المنفرج سوف لن يصل إلى إيجاد كينونة في أن يدخل إلى ما وراء لغة الناقد. بمعنى أن المغزى المنفرج موجوداً وباقياً فيما وراء اللغة (المتمفصلة)، وإن كان كامنا في بيئةً المخاطب.
في الحقيقة إذا نظرتم جيداً إلى الصور التي دللت لكم بها، فسوف ترون هذا المغزى: نحن نستطيع أن ندرك بعضنا "من خلف" اللغة المتمفصلة: فبفضل الصورة (وبقدر صلابتها: تكون مرجعنا)، بل بالضبط : بفضل ما هو موجود في الصورة من نقاء، وليس الصورة نفسها (والتي في حقيقة الأمر ليس كل الصور بل القليل منها فقط هو القادر على الانتاج)، لنعمل بأقل ما في الكلمة، دونما العدول على أن نفهم بعضنا.
والحاصل أن كل ما يتعكر ويتشوش بفضل المغزى المنفرج، يجعل من ما وراء اللغة عقيماً بمعنى ( يجعل من النقد عقيماً)، وتستطيع بعض الاسباب أن تدلل لنا على ذلك:
أولاً، وقبل كل شئ، المغزى المنفرج غير متواصل، غير منحاز إلى القصة، ولا إلى المغزى الواضح (كدال للقصة)؛ هذا التفكيك أو الانفصال يحرض مؤثر التضاد مع الطبيعة أو على الاقل يأتي محرضاً على الابتعاد في وجهات النظر للمرجعيات (للواقع كطبيعة، كإلتماس). فمن المحتمل أن إيزنشتين أخذ على عاتقه هذا التضارب هذا التفكيك في المدلول عندما يقول لنا في بنية الصوت واللون ( 208 :(n."الفن يبدأ بالإنطلاق منذ اللحظة التي تتواصل فيها فرقعة أحذية الفرسان (في الصوت) واقعة على مستواً مرئياً مختلفاً ومثيراً لمثل هكذا شراكات منسجمة مع بعضها. نفس القيمة بالنسبة للون: فاللون يبدأ هناك حيث لن ينسجم بعد مع اللون الطبيعي".
إلى جانب ذلك فإن المدلول (المغزى الثالث) لا يُعبّأ من جديد؛ إنه يوجد في منزلة ثابتة بإستمرار للـ deplezione (مصطلح خاص باللسانيات ذلك الذي يرسم الخطوط الاولى للافعال الفارغة، أو المتعددة التكافؤ والملائمة، من مثل ذلك، وعلى سبيل المثال في اللغة الفرنسية الفعلfaire).
بالمستطاع القول إذاً؛ مع شئ من الإقلاب، بأنه قد يكون بالمثل صحيح، وهذا المدلول لا يفرغ (لا يصل إلى درجة الافراغ)؛ يتمسك بذاته في حالة من الهرطقة السرمدية؛ ففي هذا المغزى الثالث، الرغبه لا تصل إلى ذروة التهيج في المعنى، الذي عادةً، ما يعيد اسقاط الموضوع في الشهوانية، في سلام الاسميات.
وفي النهاية المغزى المنفرج يمكن أن يكون مرئياً مدعماً ومؤكداً، كأحد الانثناءات أو(الاطوار المزيفة)، التي تبرهن أو تجيز الطبقة الثقيلة من المعلومات أو المعاني. وإذا ما استطاع أن يأتي موصوفاً (متضارباً مع الاصطلاحات) فإنه يستطيع أن يمتلك نفس خاصية "الهايكو" Hai ku الياباني، كأحد الاشارات المعتمدة على ترديد الكلمات دونما محتوًا دلالي، نوع من التخديش الذي خطط المغزى وسطّره (إرادة المغزى)؛ هذا بالضبط ما كان في الصورة (5):
ــــ فمٌ مسحوب.
ــــ عينان مغمضتان تبدوان رغم ذلك، حولتان.
ــــ غطاء رأس نازل على الجبهه.
ــــ هي تبكي.
هذه النبرة (التي عُرضت من قِبَل الطبيعة المفخمة والإهليجية الناقصة البيضوية الشكل في الوقت نفسه)، لا تمارس أو تتطرق في إتجاه المغزى (كالهستيريا) لاتمسرح (الديكورية) أوالتزيينية الإيزنشتينية تنتمي إلى مستواً آخر)، لا تدل حتى على الجهات الاخرى للمغزى (ثمة محتواً آخر مضافاً إلى المغزى الواضح)، لكنه يخادعه ــ بحيث يقولب العملية الكلية للمغزى لا المحتوى.
عملية تطبيقية جديدة، نادرة، مثبتة ضد العملية الغالبة (تلك التي لدى المعنى الدلالي): المغزى المنفرج يظهر قدرياً كالمحتال، إسراف بلا مقايضة؛ هذا المحتال مازال غير منتمياً إلى سياسة اليوم، لكنه قد إستقر في سياسة الغد.
بقيّ أن أقول شيئا ما عن المسئولية التركيبية التشريحية# Sintagmatica لهذا المغزى الثالث: وأي مقعد سيعتلي في المعالجة الفعلية للحكاية، في النظام المنطيقي ــ الزمني، دونما، وعلى ما يبدو، بأنه لا يمكن إفهام قصة ما إلى جمهور القراء والمشاهدين.؟ كونه من الواضح ان المغزى المنفرج يكون مضاداً للقصة نفسها؛ المدفونة، القابلة للإرجاع والإقلاب، مربوطة بتماسك مع نفس الفترة الزمنية؛ موجهة لكي تؤسس (إذا ما كان تابعاً لها) إحدى التصنيفات أو التطبيقات المختلفة كلياً عن تلك التي ذات أدوار أو طوابق، من التتابعات الجزئية التعبيرية (تقنية كانت أم حكائية): تفصيصات جديدة لم تنشر بعد، مضادة للمنطق وإن كانت «حقيقة».
تصوروا «بغرض المتابعة» بأنه لا المكيدة لدى "إيفروزينيا" Efrosnia، ولا الشخصية (كهوية ديجكتيكية طبقية أو كخلقة رمزية)، ولا حتى وجه الأم الذي جاء سخيفاً، ولكن فقط في هذا الوجه، الملامح أو القسمات، الوشاح الاسود، قلة الشفافية والضبابية المكثفة القبيحة: سيكون لديكم زمنية، غير تشريحية، ولا حالمة سيكون لديكم فيلم آخر. تيمة tema بلا تغييرات ولا نمو (فالمغزى الواضح موضوعي: ثمة تيمة من الجنائزيات)، المغزى المنفرج ليس باستطاعتة أن يتحرك إذا لم يظهر ويختفي.
هذه اللعبة في الحضور/ متغييبة تفكك الشخصية وتحيلها إلى مكان آخر من الوجوه المتعددة: غير مترابط ومشروح سلفاً من إيزنشتين نفسه في موضوع آخر:«كل ما هو مميز يكون ذلك الموجود في أماكن مختلفة لذلك الكائن الواحد، للشاب الملك نفسه "جاءت معطاة دونما تورية للانتقالات من نقطة إلى أخرى».
إنها بالضبط نقطة التقاطع: اللامبالاة، أو حرية الموضوع للمدلول المكمل في علاقته مع الحكاية، يأذن بالتموقع بنفس ضبوطية الواجب التاريخي، السياسي، النظري المتعرج من إيزنشتين فعند هذا الاخير، القصة (التمثيل القصصي الحكائي، التشريحي) لا تأتي مهدمة بل بالعكس: فأي قصة يمكن تكون أجمل من قصة إيفان،أو بوتامكين؟ هذه القامة البنائية الحكائية ضرورية لكي نفهمها من خلال شراكاتها وإجتماعاتها بحيث، لا تستطيع أن تمحو تضادات القصة بدون الذهاب طويلاً في السياسة، فهي تساعد (مؤقتاً) مع حلول ميثولوجية (حكائية). المشكلة الحالية هي ليست هدم السرد، لكنها تنتفض ضده وتنقلب عليه : إنها تفكك إنقلاب الهدم. الأوبرا الإيزنشتينية، في رأيي، هذا التسامي: الحضور للمغزى الثالث التكميلي، المنفرج ـــ حتى وإن جاء فقط في بعض الصور، فقد أتى كتوقيع لا يمحى، كالختم الذي يضمن للاخرين كل الاوبرا وذلك الذي عملها ـــ هذا الحضور يمنذج من جديد ويعمق الدستور الاساسي النظري للحكاية. القصة (الشريحة البنيوية الداخلية للنص) ليست فقط سيستاماً أو نظاماً قوياً (سيستاماً سردياً لآلاف السنين)، ولكنه أيضاً بطريقة متضاربة فضاءً بسيطاً، مجال من الديمومة والمقايضة؛ هذا التشكل الصوري؛ هذا المشهد، وهذه النهايات الحدودية المزيفة تضرب اللعبة المقايضة للدال؛ كون هذه الرحابة الأثرية والتي ــ من أجل الاختلاف ــ تُجبَر في قراءة عمودية رأسية (المصطلح لإيزنشتين)؛ إنه النظام الزائف الذي يأذن بمضاربة السياق الصافي، التركيبة المحتملة للمجازفة (فالمصادفة ليست مدلولاً بخساً ذو سعر زهيد)، ولكي يضيف بنائية تهرب إلى الداخل. هكذا يمكن القول أن مع إيزنشتين يتوجب قلب الكليشيه "الشريحة"، فبالاضافة إلى أن المغزى معطى مجاناً، فهو يبدو كأحد المتطفلين البسطاء على القصة المحكية، وبالمقابل، فإن هذه القصة تصبح بطريقة ما بارامترية، متغيرة القيمة الدلالية (للدال)، من حيث كونها مجرد مجالاً فقط من التنقل، سلبية تأسيسية، أو علّها ماتزال مجرد رفيق طريق.
الحاصل أن المغزى الثالث يبنى على خلاف الفيلم، دون أن يقلب النظام العام للقصة (على الأقل عند إيزنشتين)؛ وربما، يكون في مستواه وفي مستواه بمعنى في مستوى مايظهره "الفحوى الدلالي للفيلم" فقط في النهاية. الفحوى الدلالي للفيلم، كون هذا الأخير يعني مالايمكن أن يكون موصوفاً فهو بالضبط كتلك التمثيلية التي لا تستطيع أن تأتي ممثلة، أو التفسير الذي لا يستطيع أن يأتي مفسراً. الفحوى الدلالي للفيلم يبدأ فقط هناك حيث تنقطع مفاصل اللغة، وما وراء اللغة المتمفصلة.
كل الأشياء التي يمكن قولها بصدد إيفان أو البوتامكين، بالمستطاع الرجوع إليها في نصها المكتوب (والتي ياحبذا لو سميناهما، إيفان الرهيب أو البارجة بوتامكين)، بإستثناء هذه الأخيرة التي هي المغزى المنفرج.
استطيع أن أعلق كل شيء على إيفروزينا، إذا ما استثنيت القيمة المنفرجة التي في وجهها: الفحوى الدلالي الفيلمي موجود وبشكل مؤكد هناك، حيث اللغة المتفصلة تصبح فقط تقريبية وحيث تبدأ لغة أخرى حيث "العِلم" Scienza لايستطيع أن يكون بأي حال لسانياً Linguistica، "لغة لسانية" متروكاً وفي الحال ساقطاً كما يسقط الصاروخ في أول خطوة له حيث أنطلق.
المغزى الثالث يستطيع أن يتموضع نظرياً، وليس وصفياً، فهو يظهر كما لو كان مَعْبَراًً للغة حيث تمر عن طريقه إلى المعنى، إنه الصنيعatto المؤسس للفحوى الفيلمي نفسه. مبنياً لكي يبرز خارج السياق المعرفي للحضارة.
فمن غير المدهش أن الفحوى الفيلمي Il filmico "المترجم" (على الرغم من الكمية التي لا تحصى من الافلام الموجودة) أن يكون نادر الوجود (ومضة ما من إيزنشتين؛ و ربما من أحد غيره؟).
على العموم يمكننا أن نؤكد بأن الفيلم، بالتوازي مع النص، مازال غير موجوداً. ما يوجد فقط في «السينما»، وفي اللغة السينمائية، في السرد، في الشعر، في أحياناً كثيرة «رسوم متحركة»؛ ليس مدهشاً ولا حتى بالامكان التلاقي به إذا لم يكن بعد مروره ـــ تحليلياً ـــ «الكُنه»، «العمق» و «التعقيد» في العمل السينمائي: ثراءات تلك التي ليست موجودة في اللغة المتمفصلة، والتي بواسطتها نؤسسها ونعتقد أننا أفرغناها. لإن الفحوى الدلالي الفيلمي يختلف عن الفيلم بالقدر الذي تختلف فيه الدلالة الروائية عن الرواية نفسها (أستطيع أن أكتب بدلالة روائية بدون أن أكتب روايات).
الشريحة الفيلمية #Il fotogramma:
في بعض القياسات (والتي هي موجودة في تمتماتنا النظرية)، الفحوى الدلالي الفيلمي، متناقض ظاهيرياً ليس بإستطاعته أن يكون محصلاً في الفيلم في «المكان» في «الحركة»، بشكل طبيعي، لكنه فقط مازال في ذلك التصنع الكبير المفتعل الذي هو الشريحة الفيلمية.
منذ زمن بعيد وأنا مأخوذ بسحر هذه الظاهرة: إنها تستحوذ على اهتمامنا إلى الدرجة التي تجعلنا نقترب منها إلى أن " نلتصق بها" في بعض صور الافلام (على بوابات السينما في الـ « Cahiers»، ومن ثم يضيع كل شئ من تلك الصور الفوتوغرافية (ليس فقط جاذبيتها وسحرها ولكن أيضاً الذكرى نفسها لتلك الصور)، نمر بالصالة: تغيير يمكن أن يصل إلى إنقلاب عام للقيم. في بادئ الامر أسندت هذا الذوق للكادر الواحد إلى عدم ثقافتي السينمائية، إلى مدى إحتمالي للفيلم، كنت أعتقد حينها إنني كأحد الاطفال الذين يفضلون نصاً ما كونه مصحوب بالصورة، او لنقل كأحد آولئك الزبائن الذين لا يستطيعون الانضمام إلى الموضوعات الراشدة التي هي أكبر من أن يفهمونها، وينتابهم السرور عندما يتفرجون وبتلذذ على عينات مختارة من احدى الكاتالوجات(الإعلانات) الملصقة على واجهات المحَلات الكبيرة. هذا الشرح يحد من اعادة إنتاج الرأي المتواصل حول الشريحة الواحدة المصورة أو الانتاج السينمائي الضخم عينه، وسيط للتوجيه، خلاصة من الخلاعة والذي تقنيّاً، سبب في انقاص العمل الفني، بواسطة التجميد لكل ما هو متأمل ومعبرعن الذات المقدسة للسينما: حركة الصور.
وحتى وإن كان مدلول الفيلم أوفحواه، بالمعنى الاكثر خاصية (الفحوى الدلالي للحدث الفيلمي) ليس في الحركة، وإنما في مغزاً ثالثاً، غير متمفصل، والذي لا الصورة الفوتوغرافية البسيطة، ولا اللوحة التشكيلية، تستطيعان أن تأخذان على عاتقهما هذا العبئ لأن ما ينقصهما هو "الديجكتيكية" أو الاحفورة الطبقية الافقية، امكانية التهيؤ أو التشكل لذلك الذي كان محل قولنا#، إذاً «الحركة» التي تعيد امساك الكُنه الفيلمي هي ليست أبداً انعاشاً أو احياءً، أو بمعنى آخر "رسوماً متحركة "، جريان flusso ، تحرك أو تموج «حياة»، نسخة، لكنها فقط تجهيز اسنادي "تسليحي"armatura لشرح مقايض تبادلي؛ يصبح إذاً من الضروري ايجاد نظرية لشريحة الصورة الواحدة، التي تستلزم في النهاية، التدليل على المخرجات الممكنة.
فشريحة الصورة الواحدة، تمنحنا المحتوى الداخلي للتشظي الصوري؛ نحتاج أن نستأنف ياحبذا هنا، أن ننقلها في صياغات إيزنشتين، عندما كان يوضح الامكانيات الجديدة للمونتاج السمع بصري (218.n)حيث يقول:
" مركز الثقل النوعي للجاذبية، ينتقل داخل الصورة الواحدة من اللقطة ككل، وليس في العناصر المتضمنة للصورة نفسها، والمركز الرئيسي لهذه الجاذبية هنا لم يعد فقط العنصر "ما بين الطبقات أو الشرائح" ـــ الصدمة "choc"، ولكن العنصر داخل الشريحة ـــ الظهور البارز في داخل الصورة الواحدة".
دونما أدنى شك، لا يوجد أي نوع من المونتاج السمع بصري داخل شريحة الصورة الواحدة، بيد أن الصيغة الإيزنشتينية متساوية من ناحية القيمة في العموم، في الحجم الذي يؤسس حافزاً للانفصال الدلالي للتركيبة التشريحية في القطعة الواحدة للصورة، "داخل اللقطة الكاملة من الصور"ـ "المترجم"، وتعيد طلب قراءة عمودية (وهو ايضا ًاصطلاح لـ إيزنشتين)، بغرض التمفصل. إلى جانب ذلك، الشريحة الواحدة للصورة، ليست عيّنة (إصطلاح مفترض أو قد يكون مفترض سلفاً لجنس من اجناس الطبيعة الاحصائية المتجانسة، لعناصر الفيلم، ولكنها استشهاد (معلوم كم من الأهمية أن نأخذ اليوم على عاتقنا هذا المفهوم في بيئة نظرية النص): يكون في العموم وفي الوقت نفسه، عملاً أدبياً ساخراً و مستبعداً إنه ليس اقتطاعاً كيميائياً منجزاً من كُنه الفيلم أو خلاصته، لكنه الأثر الذي تخلقه احدى التوزيعات العليا للأجزاء مع مراعاة تلك المحتويات الموجودة في الفيلم الحي، المتحرك الذي يمكن أن يكون فقط في التحليل الأخير نصاً بين العديد من النصوص.
الشريحة الواحدة للصورة تكون إذاً ما تشظى من النص الآخر، ذلك كونه لا يتجاوز أبداً القطعة الفيلمية؛ فيلم و قطعة واحدة لصورة واحدة، يوجدان من جديد في علاقة من الترقيع Palinsesto (كذلك الموجود في الِرق، "الرقعة القديمة التي محيّت كتابتها الاولى وكتبت فوقها كتابة جديدة") "المترجم"، دونما أن يكون بالمستطاع القول أن أحد هذه النصوص قد كُتب فوق الأخر، أو أن أحدها قد أُستخرج من الآخر أو أُستخلص منه.
في النهاية الشريحة الصورية الواحدة، تمحو الإرغام للزمن الفيلمي؛ هذا الإرغام يمتلك قوة تجعله مستمراً في عرقلة ذلك الذي يمكن تسميته بالميلاد الراشد للفيلم (مولوداً تقنياً، وفي أحياناً أُخرى جمالياً، الفيلم يجب أن يولد حتى الآن نظرياً).
النصوص النظرية، على الأقل ليس كونها كلها متعارف عليها؛ مرتبطة بعمق مع النظام المنطقي ـــ الزمني، الزمن المقروء حراً؛ أما فيما يخص الفيلم ليس كذلك، على اعتبار أن الصور لا تستطيع أن تتتابع في السير في أكثر سرعة ولا أكثر بطئ، ماعدا خسارتها لشكلها المتوالي نفسه. شريحة الصورة الواحدة، تؤسس قراءة فورية و في ذات الوقت عمودية، إنها تدخل مع الزمن المنطقي في لعبة، (بحيث يكون فقط زمناً عملياً منجزاً بالفعل)؛ إنها تتعلم فصل الارغام التقني (العملي) للتحديد الفيلمي، حيث يكون المغزى "غير قابل للوصف".
ربما كون هذا النص الآخر والذي كان إيزنشتين يطلب قراءته، عندما كان يقول بأن الفيلم لا يجب أن يكون ببساطة متفرج عليه ومُنصت إليه، ولكن ينبغي أن نتحراه ونعطيه كل انتباهنا وعنايتنا (218.n) هذا السمع، وهذا البصر لا يلتمسان بوضوح تطبيق بسيط للروح (سؤال مبتذل إذاً، كوعدة الولي Voto pio )، فكم نحن محتاجون ياحبذا لتغيير حقيقي للقراءة وموضوعها، نصاً أو فيلم: مشكلة كبيرة في زماننا.
الهوامش
(1) ــ المغزى الثالث، واحد من بحوث رولان بارث في كتابه: L’ovvio e l’ottuso "الواضح والمنفرج" وهو عبارة عن مجموعة بحوث نقدية حول الصورة، كان بارث قد كتبها قبل وفاته بقليل، وهو كتاب صادر عن دار Editions du seule، باريس، 1982، تمت ترجمته إلى اللغة الايطالية عن دار "Einaudi "، تورينو 1985، اشترك في ترجمته مجموعة من البحاث الايطاليين، نذكر منهم: C. Beni Casa، والتي ترجمنا عنها هذا المقال إلى العربية "المترجم".
(2) ــ الصور التي استخدمناها في هذا البحث من أفلام إيزنشتين، مأخوذه من " Cohiers du cinema" من رقم 217 ــ 218. أما فيما يتعلق بالصورة التي تحوي (تجمع الفاشست) فهي مأخوذه من رقم (219).
(3) ــ المخرج سيرجي إيزنشتين 1898 ــ 1948 . واحد من أعظم مخرجي ومُنظري السينما في كل العصور، وصاحب أكبر تأثير على الفن السينمائي العالمي في داخل بلده الإتحاد السوفياتي وخارجه، من أهم أفلامه بالاضافة إلى البارجة "بوتامكين" و"إيفان الرهيب" فيلمي "أُكتوبر" و"إلكسندر نفسكي" (المترجم).
(4) ــ في النموذج الكلاسيكي للحواس الخمس، الثالث في المرتبة كان السمع (والذي يأتي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية، في العصور الوسطى)؛ فهو يتطابق مع السعادة، (مصادفة سعيدة لأنها مأخوذه من سمع ما. وقبل كل شئ ملاحظات لإيزنشتين والتي تخدمنا هنا، فهي جاءت من خلال انعكاس على ما جاء في الفيلم من صوت؛ وأيضاً لأن السمع (بلا مصدر في أداة سمعية وحيدة) مأخوذه بقدرة الاستعارة والتي كان من الافضل أن تأتي متلائمة مع "النص" الأوركسترالي، (من مصطلحات إيزنشتين)، التعارض، الستيروفونية (تعددية القنوات الصوتية).
(5)_ cfr.R.Barthes, les stories du texte, in aa.vv., Bataille, Paris, 1973.
(6) ــ سوسير، F. de Saussure، "1857 ــ 1913 ، جنيف"، مؤسس علم الألسنية الحديث، من أهم كتبه المترجمة إلى الايطالية: مخطوطات في الالسنية العامة، 2002، درس في الالسنية العامة، مخطوطات هارفارد، 1994،"المترجم".
(7) ــ Anagrammaتعني الجناس التصحيفي والذي هو تلغيز الكلمات بالحصول من حروف كلمة ما على ما يُكوّن كلمة أُخرى مثل altare, realtà "المترجم".
(8) ــ Sintagmatica : في علم الالسنية البنيوي، " Sintagma" هي ما يدل على مجموعة من الكلمات التي تكوّن وحدة في داخل الجملة (الاسمية أو الفعلية). أما في سيميولوجيا السينما، فهي بالنسبة "لـ. ميتز Mitz "، عبارة عن مجموعة من الطبقات (الادوار) التي تؤسس مجموعة متتابعة مثلما هو في سلسلة الكلام بالنسبة للغة، تُحدث مجموعة من المعطيات المرئية في سلسلة الشرائح الصورية للقطة المتسلسلة من مجموعة كادرات،(المترجم).
(9) ــ Il fotogramma هي الصورة الواحدة أو الشريحة الواحدة للقطة في شريط سينمائي مكون من مجموعة صور أو شرائح متجاورة تكون حركة تطابق الحركة الطبيعية إذا ما عرضت بسرعة "24" كادر في الثانية،(المترجم).
(10) ــ هناك فنون أخرى متركبة من شريحة الصورة الواحدة، (او على الأقل من اللوحة التشكيلية "الرسم") وكذلك القصة، والبنية أو الشريحة التركيبية الطبقية للأحداث diegesi: وكذلك في الروايات و القصص الموضحة بالصور. إنني مقتنع بأن هذه "الفنون" ولدت في الأعماق التحتانية للثقافة، يمتلكون كفاءة نظرية بحيث يضعون في المشهد دالاً جديداً (فكل هذه الفنون تتصاهر، تقيم علائق عائلية مع المغزى المنفرج). عند هذا الحد يكون من المعلوم النظر إلى القصص المصورة؛ لكنني شخصياً؛ أجرب هذه الصدمة النفسية للبنية الدلالية أمام بعضاً من الصور الحكائية: ما يبرزونه من بلادة تصدمني أو تخبطني (فهي يمكن أن تكون تعريفاً للمغزى المنفرج). قد تكون على أية حال حقيقة للحدث (أو لماضٍ بعيد جداً أو قديم)، في هذه الاشكال الهزلية المبتذلة، والحمقاء، حوارات، من الثقافة التحتية للاستهلاك. وقد يكون مع ذلك، ثمة "فناً" ("نصاً") استقلالية تلك الموجودة في اللوحة التشكيلية (صور "قصص محتوية على نوادر" مغازيٍ منفرجة متموضعة في فضاء "ديجيكتيكي" أو أحفوري طبقي). هذا الفن ياحبذا لو جمع في حزمة مع منتجات معينة تاريخياً وثقافياً شادة لغوياً: لوحة تشكيلية، "pittogrammi" شرائح خصائص وأعراق انسانية، زجاجيات، أساطير، كالقديسة أُورسولا مثلاً لـ"كاراباتشو" Carpaccio، صور "ابينال"، الروايات المصورة "الصور المصحوبة بحكاية، التجديد التمثيلي لشريحة الصورة الواحدة (في علاقة مع صور أو لوحات تخطيطية تشكيلية) يمكن أن تكون هذه هي: الفحوى الدلالي للفيلم (التي يؤسسها هو) تجد نفسها مضاعفة من نص آخر، الفيلم.