خنازير الغابة الوحشية
مدت يدها الاحلامُ.. كادت أن تمسكَ تحت الشمسِ الصديقة كنوزَ فرحي.. لم يكن قد غادر الصهيل بعد مرتفعاتي, حين أخذت الخنازيرُ تحشد أحقادها و سيوفها و تتوغل في جرحي وتضاريسه الممتده بين نهرين و مستقبل..
تحركت الغابة الوحشية بظلامها و أكاذيبها و طعناتها.. و إنتشرَ البثُّ المخاتلُ المبرمج عبر أقمار وطائرات الزيت الأسود, في أرجاء الصمت و الدم و التشظي..و كانت يد الحلم تقاوم و تكفكف الدموع التي سقطت على وجنتي الحقيقة.
كان الافتراء يأتي محمولاً في سفن.. و في أفئدةٍ معجونةٍ بالأطماع..مصقولاً, لامعاً, كان يأتي.. كان يُتلى من على المنابر الدخيلة..
في صبيحةِ يوم ملبد بالأسى, حدثت المواجهة المباشرة.. أدركتُ أن صدورَ الخنازير لا تتسع لغير رماحي و طلقاتي.. فتقدمتُُ و تقدموا..
قاتلتُ من بيت إلى بيت.. ومن جرح إلى جرح, قاتلتُ.. نفدت ذخيرتي.. حوصرت.. كان كل شيء حولي مُدمراًُ.. البيوت.. المساجد.. المدارس.. الجسور.. الطرقات.. كان الدمُ يهمي غزيرا ً في شوارعِ العروبة.. وأنا أنقلُ غضبي من زواية إلى زواية. من جدار مهدم إلى جدار لا يحميني من قنابل وصواريخ وهجمات الخنازير الغازية..
أُصبتُ برصاصة في كتفي.. تجلدتُ و لم أصرخ.. استقرت رصاصة ثانية في قدمي, أطلقتُ صرخة مكتومة لم تسمعها سوى روحي الثائرة.. نزفتُ كثيراً.. غبتُ في دائرة من سواد و ألم ممض.
وجدتني مكبلاً بالسلاسل.. معتقلاً في منطقة الخنازير و التوابع.. لم يسعفوا جراحي.. لكنهم كانوا كرماء! حين مزقوا قميصي.. وسمحوا لي باستخدامه كضمادة.. لم أسمح لهم باستخدام جسدي النازف كمنفضة سجائر.. لكنهم استخدموه.. ثم بدأ التحقيق..
قال كبير الخنازير: سننسفُ بيتكَ و ندمر أحلامكَ. ثم توالت الضربات..
قال مساعد الخنزير: سنجرفُ حقلَ أبيك و نفجر بنية أفكارك..واستمرَ التعذيب..
قال رئيس أركان الخنازير: سنغتالُ رموزكَ و نرميكَ إلى نار اليأس حطباً.. و تواصلت المجازر..
قال الناطق بلسان القرود المتحالفة: سنقتلُ أطفالكَ و سنجتاحُ كلَّ مدنك و قراك.. و سنرغمكَ على الاستسلام.. قتلوا الأطفال و النساء.. اجتاحوا.. أحرقوا.. نكّلوا بالناس..
انتهى التحقيق.. وضعوني في زنزانة انفرادية.. أرسلتْ كلُّ المكابدات عناوينها الحزينة إلى جسدي.. تحاملتُ على نفسي ووقتي.. وأخذتُ أقرأ سطورَ الصبر و الرجاء في يدِ الأحلام.. و أطوفُ بقلبي وخيالي على بنية أفكاري.. فأراها متماسكة.. وأبصرُ الرموزَ باقية وخالدة.. ولم أرفع راية بيضاء.