

حوار مع الشَّاعرة المصريَّة إيمان الكاشف

موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيفة المبدعة: -
إيمان الكاشف شاعرة وكاتبة ومترجمة ورسامة مصريّة. تكتب الشّعر بالعربيّة والفرنسيّة، وبالفصحى والعاميّة. تكتب الخاطرة والمقالة والرّواية والقصّة القصيرة وقصص الأطفال، وتترجم الشّعر. تخرَّجَت في كلية الألسن جامعة عين شمس (قسم اللغة الفرنسيّة). لها سبعة دواوين مطبوعة. نُشِرَت لها مجموعة قصائد وقصص قصيرةٍ في كتب اشتركَت فيها مع أدباء عرب. شاركَت في مهرجانات عربيّة عديدة. حصلَت على عدّة جوائز في شعر الفصحى.
- حدّثينا بدايةً عن نشأتك: مرحلة الطّفولة والعائلة، ثمّ بداية اكتشاف الموهبة الأدبيّة، ومَن المشجّع الأوّل؟
لقد ظهرَت موهبة الشعر عندي من الطفولة؛ فمنذ وعيتُ كنتُ أؤلِّف ما يشبه أغاني بالعامية أغلبها ذات طابعٍ كوميديّ، ثم سافرتُ مع أسرتي إلى السعودية وأنا في العاشرة من عمري، فحدث أن كنتُ جالسةً يومًا أذاكر في البيت وحدي، فشعرتُ بالحنين إلى مصر، فكتبتُ أول قصيدةٍ لي وكانت بعنوان "يا مصر"، وكانت مقفَّاةً غير موزونة. وكان أبي وأمي يثنيان على ما أكتب ويشجعانني، وظللتُ أكتب الشعر غير الموزون حتى نبَّهني معلِّم اللغة العربية في الصف الثالث الثانويّ إلى ضرورة دراسة العروض.
- إيمان الطّفلة كيف تتذكّر شهر رمضان المبارك، وما طقوسه المحبّبة سابقًا والآن؟
منذ طفولتي كان شهر رمضان المبارك مقترنًا بالفرحة والبهجة ودفء العائلة، أما الآن فقد فقدَت كثيرٌ من الأشياء رونقها؛ لم يعد أبي رحمه الله ولا كبار عائلتنا موجودين، لم تعد هناك ولائم ولا عائلةٌ كبيرةٌ تجتمع حول المائدة، لم تعد هناك غير الوحشة والبرودة، ولكن حمدًا لله لأن لدي أمي وأخي وابنتيّ، وقبلهم أجد الأنس في الله وأفرح بقدوم شهر رمضان للتقرب إلى الله والتنعم بنفحات الشهر الكريم.

- كيف تختارين عملًا أدبيًّا ما لترجمته، ما هي المعايير والشّروط؟ وهل حدثَ أن ترجمتِ عملًا لم يعجبكِ، لكن قبلتِ لأنّه عمل وباب رزق كما يقال؟
هناك أعمالٌ أدبيةٌ تعجبني فأترجمها ولا أتقاضى عليها أجرا، وهي لأدباء توفَّاهم الله أو ما زالوا على قيد الحياة، وهناك أعمالٌ تُعرض عليّ، وقبل العمل عليها أقرؤها على عجالة؛ فإن وجدتُ بها ما يتعارض مع الدين والأخلاق أرفضها مهما كان عائدها؛ لأني مترجمةٌ حرة؛ ليس فقط بمعنى أني لا أعمل عند أحد، ولكني كذلك حرةٌ في اختياراتي، والرزاق هو الله وإن أغلقتُ باب رزقٍ من أجله فسيفتح لي أبواب رزقٍ أكبر وأكثر.

- تكتبين الشّعر باللغتين العربيّة والفرنسيّة، هل كتابة الشّعر بلغة أخرى تعطينا المتعة ذاتها عندما نكتبه بالعربيّة؟
بالطبع أجد نفسي أكثر وأجد متعةً أكبر في الكتابة باللغة العربية التي أجيد التعبير بها أكثر من غيرها وتوفِّر لي بثرائها وعمقها ما ليس في سواها، ولكن القصيدة هي مَن ترفض نفسها؛ فأجدني أكتب بالعربية أحيانًا وبالفرنسية حينا، بالفصحى أحيانًا وبالعامية حينا، بالعمود أحيانًا وبالتفعيلة حينا.
- كتبتِ سلسلة مقالات لتعليم العروض، بمَ تميّزتِ عن غيرك في تعليم العروض، وهل هي مشروع كتاب مقبل؟
لأني مررتُ بتجربة كتابة ما ظننتُهُ شعرًا وكان خواطر مقفَّاةً غير موزونة، ولأني في بداية الأمر استصعبتُ دراسة العروضة ثم وجدتُهُ سهلًا بفضل كتابٍ وقع في يدي بعنوان "الميزان" للشاعر محجوب موسى، فقد أردتُ أن يفيد غيري من تجربتي وأن أشرح العروض للمبتدئين بطريقةٍ سهلةٍ وبسيطةٍ تعتمد على الكوميديا والحكايات، ولذلك بدأتُ وأنا في العشرينيات من عمري بكتابة سلسلة مقالاتٍ بعنوان "الطريق إلى الشعر" ونشرها في إحدى المجلات، وآمل أن أكمل بقية السلسلة قريبًا بإذن الله وأنشرها في كتابٍ يُنتفع به.
- قلتِ في لقاء تلفزيونيّ لقناة عربيّة إنّك تحبّين التّناصّ. ماذا يضفي التّناصّ على القصيدة؟ وحبّذا لو تكتبين لنا بضعة أبيات لك فيها تناصّ.
نعم، أحبُّ التناص لا سيما إن كان من القرآن الكريم الذي سنظلُّ نتعلَّم منه البلاغة ونستقي منه الصور الشعرية ما حيينا. وهناك قصيدةٌ لي بعنوان "اللهُ أراني" تعتمد على التناص وأقول في مطلعها:
حرَّمَ اللهُ على موسى المراضع
حرَّمَ الحُبُّ على قلبي سواك
وما قلتُهُ مقتبَسٌ من قول الله تعالى متحدِّثًا عن سيدنا موسى عليه السلام: ﴿۞وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ﴾.
أنَّ في بُعدِكَ قلبي بالمواجع
فمتى تَقصِدُ مِصرًا كي أَراك؟
﴿لَن تَرَانِي﴾ قالَها اللهُ لموسى
لستَ ربِّي وأنا لستُ الكليم
لم يَكُنْ قلبي مِن الحُبِّ يَئوسا
فرأَى الجَنَّةَ في قاعِ الجحيم
وهنا نقلتُ ما قاله الله عزَّ وجل لسيدنا موسى عليه السلام: ﴿قَالَ لَن تَرَىٰنِي﴾.
- شاركتِ بكتاب "أصوات شعريّة" (الإصدار الأول والثّاني) الصّادر عن مطبعة الطوبجي وكتاب "أصوات قصصيّة" (الإصدار الثّاني)، أيّ الصّوتين أعلى عند إيمان: صوت الشّعر أم صوت القصّة، ولماذا؟
صوت الشعر عندي أعلى من صوت القصة؛ لأن الشعر هو الأصل، هو ملاذي الذي أحبُّهُ وأجد نفسي فيه أكثر، أما القصة فأحبُّها بعد الشعر وإن كنتُ أجد فيها براحًا للتعبير أوسع من الشعر.
- اشتركتِ في العديد من النّدوات الشّعريّة بدار الأوپرا المصريّة واتّحاد الكتّاب وجمعيّة الكاتبات المصريّات. كيف ترين الحركة الثّقافيّة في مصر، هل هي مُرضية للأدباء؟
لا ترضيني الحركة الثقافية في مصر؛ لأنها قائمةٌ على جهد أفرادٍ أكثر مما تقوم على جهد مؤسسات، والأدب في مصر بوجهٍ عامٍّ والشعر بوجهٍ خاصٍّ ليسا موضع اهتمامٍ من المسئولين؛ ففي مصر لا يُحتفى بالأدباء والشعراء قدر ما يُحتفى بالممثِّلين والمطربين ولاعبي كرة القدم.
- حصلتِ على عدّة جوائز منها المركز الثّاني في مسابقة ديوان العرب، فرع القصيدة الموزونة، كيف رأيتِ أجواء التّنافس، والتّكريم، وبمَ ستشاركينَ هذا العام بقصيدة أم بقصّة عن أدب المقاومة؟
أسعدني الحصول على المركز الثاني في مسابقة ديوان العرب فرع الشعر العموديّ، ولم أشارك في المسابقة هذا العام لأعطي الفرصة لغيري ممن لم يفز من قبل. وأرى أن هذه المسابقات مفيدةٌ لتحفيز الشعراء على تطوير أدواتهم وتقديم ما هو أفضل سواءٌ كُتب لهم الفوز أم لم يُكتب لهم حاليًا ليُكتب لاحقا.
- اختاري لنا قصيدة من قصائدك لأهلنا في فلسطين الحبيبة كي تكون مسك ختام الحوار.
هناك قصيدةٌ لي بعنوان "فِلَسطينُ في القلب" كتبتُها بعد انتفاضةِ الأَقصَى، وقد بكيتُ وأنا أكتبها وكلما قرأتُها بكيت:
فِلَسطينُ في القلب
ألا يا أمَّةَ الإسلامِ هُبِّي
ودقِّي للجهادِ طبولَ حربِ
فهذا المسجدُ الأَقصَى أسيرًا
يُنادِي المُسلِمينَ ولا مُلَبِّي
وغزَّةُ تحتَ قصفِ النَّارِ باتَت
وما فزِعَ النِّيامُ لهولِ خَطبِ
فماذا بَعدُ تَنتَظِرُونَ حتَّى
تَثورُوا والدِّماءُ بكلِّ دربِ؟!
لقد قُصِفَت على الجُرحِ المَشافي
وغزَّةُ دونَ أدويَةٍ وطبِّ
"كمالٌ" مِن على كرسيِّ دمعٍ
دعَا أخويه ماتا دونَ ذنبِ
وجاءَت أمُّ "يوسُفَ" في بكاءٍ
وقد أُكِلَ ابنُها بنيوبِ ذئبِ
وما سيَّارةٌ مَدُّوا إليهِ
أياديَهم، فغابَ بجوفِ جُبِّ
و"رُوحُ الرُّوحِ" ودَّعَها أبوها
بآخِرِ قُبلةٍ وعناقِ صَبِّ
وذلكَ والدٌ وبكَى بنيهِ
يُلَملِمُ لحمَهم مِن كلِّ صوبِ
دمُ الأطفالِ عارٌ في جباهٍ
تَوارَت خلفَ إنكارٍ وشجبِ
وحتَّى الشَّجبُ لم يَقوَوا عليهِ
ولم يَستَنكِرُوا برفيفِ هُدبِ
يَقولُونَ: المُقاوَمةُ اعتداءٌ
وإرهابٌ عن الإفسادِ يُنبِي
وأمَّا الذُّلُّ والمُحتَلُّ خيرٌ
مِن الحربِ التي تُردِي وتَسبِي
ألا فلْتَرحَمُوا طفلًا بريئًا
شرِبتُم مِن دِماه بشرِّ نخبِ
ويَرجُفُ مثلَ عُصفورٍ جريحٍ
بكَى جُوعًا ومِن بَردٍ ورعبِ
ولم يَذهَبْ لمدرسةٍ وصفٍّ
فقد نالَ الشَّهادةَ دونَ كُتْبِ
تُحاصَرُ غزَّةٌ ليُبادَ شَعبٌ
سيَحيا دونَ حاجتِهِ لعُرْبِ
كما أمسًا قُرَيشٌ حاصَرَتنا
فأَبدَينا الصُّمودَ بعزِّ شِعبِ
فِلَسطينٌ كما الإسلامِ تَبقَى
ولن تُمنَى بتغييبٍ وحَجبِ
ويَفنَى كلُّ مَن جاءُوا شَتاتًا
كنملٍ ناسلٍ مِن كلِّ حدبِ
لقد وعَدَ الإلهُ وقالَ حقًّا
وطابَقَتِ الوقائعُ أمرَ ربِّي
غدًا سيَهُبُّ للأقصى رجالٌ
أَتَوا بالنَّصرِ مِن شرقٍ وغربِ
ولا يَخشَونَ في الأخرى مماتًا
ولا تُغريهمُ الدُّنيا بكسبِ
إذا في حُبِّ خالقِنا صدَقْنا
فِلَسطينٌ تَصيرُ بكلِّ قلبِ
إيمان الكاشف