جميل السلحوت عقد من محاربة التخلف واضطهاد المرأة
شرع الكاتب جميل السلحوت منذ عام 2010، في نشر مجموعة من الروايات تدور معظم أحداثها في مدينة القدس، وخصوصا في منطقته المعروفة بالسواحرة - جبل المكبر، محاولا طرح القضايا الأهم حسب رأيه التي تحتاج العلاج والتوثيق. في روايته الأولى ظلام النهار حارب الكاتب عبر بطله خليل التخلف بأنواعه، وعمل على نقل جزء من تاريخ وتراث المنطقة. وفي الرواية إياها نقل الكاتب جزءًا من معاناة المرأة، والحاجة لتعزيز مكانتها والتوقف عن اضطهادها، ومنذ ذلك الحين ومع مرور عقد من الزمن، تحوّل هذا الموضوع إلى جزء مهم يشغل روايات الكاتب، بطرح مشاكل نسوية اجتماعية في فترات متعددة من القرن العشرين.
خصص السلحوت روايات عديدة، خلال هذه المدّة لطرح المواضيع النسوية، وحملت معظمها أسماء نساء، مثل أميرة (2014)، زمن وضحة (2015)، رولا (2016)، عذارى في وجه العاصفة (2017) وآخر هذه الروايات "الخاصرة الرخوة" الصادرة عن مكتبة كل شيء - حيفا كانون الأول 2019.
طرح الكاتب في روايته الأخيرة، الدائرة أحداثها في القدس، قضية زواج ثلاث فتيات شابات في فترتنا المعاصرة، تاركا المساحة الأكبر لبطلة القصة "جمانة" الشابة المثقفة المتدينة باعتدال، التي قبلت باستسلام قدر الزواج الذي أنزل عليها، ووجدت نفسها تحت سلطة زوج ذي فكر ديني متزمت. فهذا الزوج عمل على تطبيق الشريعة الاسلامية بطريقة خاطئة، فقيّد حركتها ومنعها من مغادرة البيت والعمل، وألزمها ارتداء النقاب، وحرمها قراءة الروايات الأدبية بوصف هذا العمل حراما. تحوّل زواجها إلى سجن وعذاب، فعملت على أن تتحرر منه بالطلاق، بعد عامين. يدعو الكاتب في روايته الى الاعتدال وعدم التطرف سواء بالدين أو بالتحرر، الذي يتحول في مرحلة ما إلى انفلات، يؤدي كذلك الى أسرة مفككة، والطلاق.
من موقعه كشيخ عشائري، وشيخ في الدين دارس للشريعة الإسلامية، يتطّلع الكاتب بشكل واسع على واقع مجتمعه، وما يعاني من تخلف سواء في تطبيق بعض العادات التي تحتاج لمعالجة وتغيير، أو تفسير الدين الإسلامي وتطبيقه، ويرى برواياته مساحة لمحاربة هذه الظواهر ومعالجتها. هذه الرسالة تؤدي في بعض الأحيان إلى خروج عمله الأدبي عن الفنية الروائية، بما تحمل من كثرة ورود آيات قرآنية، أو تفسيرات شرعية وأحاديث نبوية، فيضعفها.
كُتبت عشرات القراءات النقدية التي ناقشت الرواية الأخيرة، ولذلك لن أتعمق أكثر في مقالتي هذه، إذ لم يبق جانب إلا وطُرح، لكن ما استوقفني عقب قراءتها، أنّها دفعتني مثل الرواية الأولى ظلام النهار، بعامل تشويقها لقراءتها في جلسة واحدة خلال ثلاث ساعات، الأمر الذي قلّما يحصل إلا مع ما ندر من الروايات. بذلك اعتبر أنّ هذا العامل كافٍ لاعتبار الرواية رواية ناجحة، ومأخذي عليها ما سبق ذكره بالإسهاب في إيراد التفسيرات الدينية.
أخيرا أعتبر أنّ الكاتب ساهم بشكل كبير، في تأريخ قضايا نسوية اجتماعية في القدس، عبر رواياته المنشورة في العقد المنصرم، وفيما نتقدم نحو عقد جديد في الألفية الثالثة، أتمنى أن يطلّ علينا الكاتب بقضايا جديدة وأعمال متنوعة أخرى، تكسبنا مزيدا من المعرفة والمتعة في القراءة.