يحضن الخطر ويمضي به بعكازة الأمل!
يحضن الخطر ويمضي به بعكازة الأمل! عن أحمد ضياء في ديوان ورقةٌ ميكانيكيّة للحياة
يركز ديوان "ورقة ميكانيكية للحياة 2020، دار أبجد"للشاعر أحمد ضياء على هموم الوطنية والإنسانية بالدرجة الأولى، عبر بوابة النقد السياسي لحالة الفوضى والإهمال والفساد والعسكراتية الميليشاوية في بلده حيث الحرب والموت حين يسود شبيه لقانون الغاب، وكما يضم الديوان قليل من الوجدانيات الجريئة!
العناوين فيها المثير والكثير من التأويل، خلط مفردات الشاعرية بالدرامية بحجم المصائب التي تجتاح أفئدة البشر في بلاد لم تعرف الهدوء يومًا منذ نشأتها!
نصوصه ما بين طويلة وقصيرة مكتوبة بطريقة قريبة من السردية/ الدرامية الملتحفة بعباءة ألم الجهات، بين أسلوب سردي سلس أحيانًا والعميقة المعنى في أحايين أخرى، معظمها لغة شعرية متمكنة تناور في نص واحد من معنى إلى آخر بكثافة الصور والانزياحات قد لا يكون غامضًا معقدًا. يصب إحساسه الشعري في بوتقة الوطن الذي يحترق منذ عقود، بكلمات لها دلالاتها الكبيرة!
وأنت تقرأ الديوان، تشعر بأن الشاعر يكتب بغضب ثم يشهق حسرة وألمًا، فيحدد مواقع الهدف من موانئ لغته المشبعة بالفلسفة والفنون والأدب، إن أحمدًا يحاول وضع أسلوبًا سرديًا شاعريًا خاصًا يليق بأنين قلمه وشساعة مداركه؟
يبدأ الشاعر ديوانه بنص "4 كيلوات ونص من الإنسانية" وفيها يناجي الله ويشتكي من الواقع المرير والفواجع التي ألمت بالأرض والإنسان والطفل والشجر، وأن التيه، العجز، قلة الحيلة، والألم يفوق التصور جراء المصائب التي تذوقها العباد من الوحوش البشرية، ففي كل تغيير وثورة تتسلق الذئاب على الأكتاف افتراسا، قد ينجو الخامل نعاسا، والفهيم سأما واستسلاما، حيث يقول في مطلع النص:
يا الله، لِمَ تقطّرُ
الألم في شبّاك الرّحلة
لِمَ تُجنّد القلق
بمكيال الفجيعة
وتهزهزُ الظلال المرتكنة
ثم وكأنه يستجمع قواه ويتنفس بصعداء، لم نعد نخشى العضات، لم نعد نملك شيء نخسره، دموع الأطفال جرت كالسيل في مجرى النهر، وبعدد أوراق الشجر سنحيا من جديد:
المدافع التي نصبتها الوحوش
لم تعد تخيفنا
لأنَّ الأطفال سجلوا هزائمنا
على أوراق الشجر
في نص "الجحيم بعكاز وساق مقطوعة" يستعين الشاعر بأعضاء الجسد والعناصر الطبيعة لتجسيد المعنى الضبابي، نكاية بالوطن، فالساق التي بترت ودفنت هي من الأرواح البريئة، والفصل كان مفزعا كالطوفان في وطن غير مستقر، السلاح غير المنضبط هو السائد، والدم... يقف في زاوية الخيبات لعل الأمل يبرعم من جديد ويتسع اللون الأخضر وتنتهي حالة اللا أمان. حيث يقول في مطلع النص:
المسافة الفاصلة بين ساق هوائيّة والأرض
طولها أمتارٌ من الحنين.
السّاق الّتي تعبتُ كثيراً في تربيتها هي الآن
حبيسة التراب .
لأنَّ الشّتاء مختلف هذا اليوم
فضلّتُ رسمَ ساق معدنيّة على خارطةٍ إسمُها وطن.
أقفُ تحت كثير من الأشجار دائمةِ الخضرة
تنزعُ أجفان توترها مع الرّياح .
وفي ختام النص يتذكر ما سميت ببداية الحرب الأهلية 2006 في العراق، ويبين مدى التحول الكبير الذي حصل في عمليات القتل، الفوضى وبتر أعضاء الوطن بطرق أكثر دموية ورعبًا بأدوات طائفية إيمانية يرونها كـ إيديولوجية مقدسة. البلد منذ صرخته الأولى يزحف جريحًا، حيث يقول:
ذباحون
في عام 2006 لم يعد الرصاص مجدياً بات الذبحُ هو الوسيلة الأكثر تطرفاً في هذا البلد والأكثر رواجاً تلك النفحات الإيمانية.
الصرّة التي تضعنا فيها الخالة
تشكو الضيم لجميع القطط الملحة في حيّنا اللاهث وراء فتياتٍ تزحف على أرزاقها.
الزاحوف الوحيد الذي عرفته في حياتي
هو الألم.
نص "حياةٌ على إيقاع أمريكي" يعكس غضبه في وجه المتسلطين والمستبدين من خلال رمزية العلم العراقي فهو ضد الحرب والموت الذي لا يهدأ تحت ظلال هذه الأعلام، الأعلام التي احتكرتها فئات متسلطة لخدمة أجنداتها لا لخدمة المواطن والوطن، فاللون الأحمر كان ولا يزال غزيرًا يذكر الأجيال برائحة الدم فقط، والأبيض لم يكن كحمام السلام ولم ينتج أي ازدهار والعيش الكريم، والأسود كان بمثابة غطاء لحجب الرؤية من خلال الكذب والخداع وصنع طوابير من الساكتين والمرعوبين على قوت يومهم، لذا ير إن الطبقات الحاكمة لم يقدموا شيئًا سوى نوع من الدجل وجلبوا الويلات والميليشيات ومجموعات شريعتها تبدأ من الحد السكين! فيقول:
واقعاً وعلى غير العادة
أكرهُ علمَ بلدي
المزروع في كلِّ الطّرقات
فالأحمرُ منه لا يمتُّ إلى الوطنيّة بشيء
إلاّ في تذكير اليتامى
بسائل من أبائهم
الأبيضُ ذلك لونُ البطرانين
فهو لم يزكّي الأرض بتاتاً
ولم يجعل سريرة أيّامنا تفوزُ بطعم الرّائحة
ولم يدرك أي مساحيق تطّوحُ رنّته أطافيلنا المسكونين بالأمراض
أمَّا الأسود
فكان سراجاً يمتطيه الخرسان وذوي القلوب المختلفة
فالسّياسيون في بلدي
قاسوا حجم أرديتنا
ثم ألبسونا الدّين الكاذب
وعلّمونا كيف نكون طرشاناً غير مبصرين لشيء
بعدها رفعوا عجيزتنا
وصاحو أن
أضربوا مؤخراتكم الصّامتة بالخجل.
(الله أكبر) كلمة غريبة
في مجتمع ردّدها أكثر من الأسماء الحسنى لنفس الإله
فالدّنيا لا تقوم إلّا بسكين كتب عليه (بالطّريقة الإسلاميّة)
لم يكن العهد السابق بأحسن الحال، وتحت ظلال علمه جرت معارك طاحنة في الداخل والخارج، فنجومه الخضراء الثلاثة كانت جوعًا وحصارًا ولهيبًا، وفي نفس النص يتابع:
أكرهُ العَلَم السّابق فهو يحمل نفس عناوين العَلَم الحالي
إلاّ أنَّ النّجوم الخضراء الثّلاثة
أحالت أيّامنا إلى جوع وحصار
ولهيب لا تحمد أوتاره من الاششششش
خوفنا كان من أخينا الّذي يقاسمنا اللقمة
ومن صديقنا ذي الطّوابع البريديّة
الّذي كلّما كلّمته أخبرني بجملته الشّهيرة
(علمونه كفدائيَّ صدّام أن نأكل الجّربوع من طي ز...ه)
حروف الديوان تمثل الواقع المرير وغالبًا هي حقائق مرت في ذاكرة الشاعر، وذاكرة تاريخ العراق، وبين ثنايا الكلمات تظهر مدى تأثير هذه الأحداث على الأرض والبشر والهواء والطبيعة!
في المجمل، ديوان يعتبر تجليات من حمولة الوجع على امتداد عقود على خارطة القلب والوطن، حيث أسئلة وشكوى لا تنتهي!
ولد أحمد ضياء في 1 / 1 / 1990 بابل ـ العراق شاعر وناقد مسرحي، ممثل ومخرج، حاصل على الماجستير والدكتوراه في الفنون المسرحية وعلى الجائزة الثانية في مهرجان ميزوبوتاميا في بلغراد. ترجمت بعض نصوصه إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية والعبرية. صدر له إلى الآن: ـ "شعراء داخل حقول الألغام" مجموعة مشتركة عن دار مخطوطات لاهاي ـ "مملكة العظام" مجموعة شعرية من ورقة واحدة على ورقB2 وهي مجموعة تجريبية عن المركز الثقافي للطباعة والنشر بابل ـ "الحرب دموعها خشنة" عن دار الانتشار بيروت ـ ديوان " ورقة ميكانيكية للحياة 2020، دار أبجد". ولديه عدة مؤلفات تحت الطبع منها: ـ في بعض الأحايين كنّا قتلة ـ الضحك بدم أسود ـ الميتامسرح الإفيهم والأداء ـ مسرح الصّدمة الآليّات والاشتغال ـ المسرح والفرانكفونية بين الأنا والآخر ـ الذّات المتحوّلة في الجّسد الكريوغرافي.