همسات نورانية
همسات نورانية
أمي... في غيابك غِبنا نحن أيضًا!
كل الأشياء غابت: العناق، الأحضان، السؤال، الصور، الرسائل، الذكريات، فناجين القهوة في الصباح، كؤوس الشاي عند ساعات المساء، ثرثرة ما قبل النوم، وضحكات كادت أن تصل لعنان السماء.
الوطن تراجع كثيرًا حتى فقدانه بالغياب فأصبح بعيدًا، طريقه مهجورة، ومنكسة الأعلام.
الزرع في الحديقة انتظرك طويلًا قبل أن يرفع ذراعيه ويطير كالحمام.
فناجين القهوة وحيدة على الرف... لم يبقَ حولها أي أيادٍ تحتويها بشغف وحنان، لم يبقَ من الأصوات إلا الأصداء: أصواتنا، ضحكاتنا، أغانينا القديمة، أعياد الميلاد، الرقص بالأعراس، وأناشيد الوطن الحماسية وهي تصلنا من قلب المذياع.
وعلى الجدران خيالات لأطفال كبروا، هرموا، اعتكفوا، آثروا الصمت؛ لأن الكلام فقد بوصلته... القلب الذي إليه ينجذب، الروح التي يهبط في حضنها فتسكن أوجاعه، وتنام، لتصحو كل صباح كأنها ولدت للتو... لا تعرف إلا الفرح والابتسام.
أمي... في غيابك غِبنا نحن أيضًا، بعثرتنا الأيام... لكن بقيَّ شيء واحد يجمعنا: أننا نحبك بجنون، ونحلم بعودتك ليل نهار.