الخميس ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٠
بقلم ميساء البشيتي

في مولد الهادي

في يوم مولدك يا سيدي يا رسول الله لم نعد نتذكر إغاثة الملهوف، التنفيس عن المكروب، إماطة الأذى عن جانب الطريق، المسح على رأس اليتيم.

نتذكر فجأة أنَّ علينا أن نفعل شيئًا، نركض في كل الاتجاهات، نسعى للبحث عن شيء مختلف، صورة داخل إطار، أغنية صادحة رائجة، موسيقى لبيتهوفن... لنكتب على خلفيتها بعض الأحاديث الشريفة، أو بعض الآيات القرآنية الكريمة، وأكثر من ذلك بكثير... نفعل كل ما تمليه علينا فوضى الحواس!

نحن يا سيدي يا رسول الله نشق على أنفسنا، نبعد عن خطاك، عن الطريق السهل، الواضح، المشمس، المشرق، نغيب في دهاليز الظلام ، نفتش في العتمة عن ضوء شمعة هزيل لنحفر عليه آيات سخطنا!

نتحلى بصفات غريبة مجهولة النسب، مشوهة الملامح، مبعثرة القوام، لا ترمز لشيء، لا تدل على شيء، نصرُّ على أنها أفضل عنوان لنا، وأنها بداية الطريق إليك، وعلينا بها أن نلتزم!

مع أن الطريق إليك قصيرة جدًا، ومشوارها علينا هين؛ لأنك في قلوبنا... نحتاج فقط أن ننظر في أعماقنا، أن ندخل إلى دواخلنا لنراك، ونسمعك، ونبثك وجعنا الحقيقي الذي تاه منا فارتدينا أوجاعًا أخرى ليست لنا، ظهرت إلينا أثناء كنا نجوب مسارات العتمة.

في مولدك يا سيدي يا رسول الله فقدنا بوصلتنا، لم نعد نتفق إلا لنهاجم الآخر... الآخر الذي هو ابن أمي وأبي... وليس جاري الذي ما زال جبريل يوصيني به حتى ظننت أنه سيورثه.
نحن لم نعد نبحث في آيات الذكر الحكيم، ولا في أحاديثك الطاهرة الشريفة إلا عما يؤجج الفتنة في قلوبنا!

نريد للآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أن تحمل معاني لا تحتمل، أن تُفسرَّ كقنابلَ من اللهب تأكل أكبادنا، تحرق أفئدتنا، تدك أسوار قلاعنا إلى أن تَبكينا حجارة إشبيلية والأندلس.

في يوم مولدك يا سيدي يا رسول الله كلُّ ما علينا: أن ننفض عنا هذا الخراب الذي ملأ رئاتنا بالهواء الفاسد، أن نمسح عن ملامحنا كل الأصباغ، أن نتوضأ بالفكر الطاهر ونتيمم بالإصغاء، أن نستقبل ماء المطر برؤوسنا العارية لنغتسل من كل الفوضى التي بعثرتها الريح السوداء منذ سلمت لنا راية الحق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى