نقد لـ«دومات العيش الحاف»
هناك حقيقة مزعجة بعض الشئ فى النساء اللاتى أمتهنَّ الأدب أنك تقرأ لهن فيشعرنّك بمعنى الجمال كله، لكن عندما ترى صورهم تصدمك الحقيقة المرة عن واقع جمالهن، قرأنا لأحلام مستغانمى فعشقنا الجمال روحًا حية، وإذ رأينا أحلام مقتنا الشكل والهيئة. ولن أتحدث عن نوال السعدوى ورضوى عاشور وغيرهن. بالطبع هذا مزاح لا أكثر فهن رائعات فى كل شئ.
أما الكاتبة كارول فقد غيرت أخيرًا مسار أنطولوجيا ذاك الجمال حبيس الكلمات, فقد تجسدت أخيرًا الكلمات, يا إلهى هل خلقت الكلم جميلًا فأودعته مكنونًا بين مآقيها؟ هل صغت من المطر أنشودةً عزفتها أهدابُ الزهر إذ ما لامستْ الندى بطرف رداءها؟ هل مسحت وجه الأرض ترابً ودون أن تقصد أحالته أنفاسها من بعدك شذى يانع مورق بخضار نفسها؟
يا إلهى هل لعبت يومًا بالصلصال فنقشت على كفيك جسمًا فتمثلت أمامك خير آى الخلق، فعبثتْ هى فى أيتك لتشكل بعبثها ذاك المعنى الذى أشبعنا ألمًا فى الحياة، نعم الروح الوحيدة التى ترتقى لمكانة الخالق لن تكون سوى روح الأديب.
أما عن مجموعة كارول القصصية المنشورة "دومات العيش الحاف"؛ فقد نبحث مع فراغ المعدة عما يسد إزيز التصاق بطانتها، أنه الخواء فى الأول ما يحركنا لقبول حتى العيش الحاف، هكذا حاولت أن تقدم لنا الكاتبة الصاعدة كارولين نبيل واقعنا الذى صار خاوى واصبح يئن بشدة جوعًا متهافتًا ولو على عيش حاف.
الكتاب صادر عن دار ليلى فى مبادرتهم الرائعة للنشر لمن يستحق، وفعلًا فإن كارولين أستحقت أن تبزغ صدى كتابتها ولو فى سوق عرض تشققت أرضه عطشًا منذ فترة للظروف الوخيمة التى تمر بها مصر أعقاب ثورتها المجيدة.
هى تكتب بأقلام سلمية جدًا، ومع هذا تفتح ما تشاء من أوراق، وتغزو كل السطور، وتسيل حبرها دمًا ممزوجًا بعصارة الكلمات التى جربت ملث شفتاها فنعمتْ ورقتْ.
ثمة لونٌ من الأدب ربما سمت النقد يعريه من واقعه الآخاذ ويتركه بلا صوت ولا حتى رنين صنج زخرفة الكلمات المنسابة، ويجبرنا نحن الذين نعتد باللغة والأسلوب على الوقوف صمتًا، ولكن حتى لو كانت تلك مدرستى فلابد أن أقول لك يا كارول: إن الصمت فى حرم الجمال جمال.. والسقوط معك لهوة الأدب تعال.. والنقد وإن صدق يظل محض خيال.