الأنفس المتسخة عارًا
على مدخل المبنى الذى أقطنه فى مدينة الطلبة، وجدت كومة شاهقة من الرمال تغلق المدخل، بجوارها وقف شاب، لا أدرى ترك بشرته للشمس كم من السنين لتعطيه فى المقابل ذلك السمار الآخاذ، عيناه حادتان جدًا، رداء قديم مهلهل، فى يده المتسخة أمسك معول يزيح به الرمل فى شكائر لنقلها للأدوار العليا بالمبنى.
كانت مشكلتى أنى أريد العبور، وهذا المبنى بالذات كان قصرًا للأميرة نازلى أعطته لجامعة فؤاد الأول كنزل لطلابها، ولفخامته التى تآكلت بتآكل الطبقة المالكة وإحلالها بطبقة أكثر سمكًا من البزات العسكرية، كان يقطنه طلاب الامتياز العلمى، ومعظمهم الآن طلبة طب، لذا فإن الفتى توقف عن عمله الجلل ذلك، وأبعد شكائره تلك وهو يقول: "أتفضل يا دكتور"، غير آبه لشئ كعادتى النزقة حاولت العبور، فى يدى دائمًا ما أطوى كتاب لأطوى به الملل الذى يلاحقنى.
من ثمّ قال الفتى: "دى رواية دون كيخوته لثربانتس" جاءتنى تلك الكلمات لأتقبلها بنفس من ضآلتها تطايرت مع غبار الرمل المزرى، لم أسئل نفسى كيف لهذا الفتى أن يكون قرأ من قبل تلك الروايةن بل تساءلت أنّى له أن ينطق اسم الرواية صحيحًا لهذا الحد؟ وليعلم الله أن واحدًا من عشرة حاول أن ينطق اسم الرواية ممن قبلتهم فى تلك الصبيحة وباءوا جميعهم بالفشل، ولن أخبر بما فعله التسعة الباقين.
أومئت برقبتى، التى بدت وكأنها أرادت الركوع من وقع جملته التالية: "بس أجمل حاجة فى الرواية دى أنها ترجمة دكتور عبدالرحمن بدوى".
نظرت إليه شاخصًا، كان هو مبتسمًا، فى عينيه رغبة فى اكمال حديثه، خفت أن يفاجئنى بأنه قرأ باقى المجموعة بدءً بالكوميديا الإلهية انتهاء بفاوست لجوته، وأن هذا الذى يحترمه ويقول له "اتفضل يا دكتور" شخص أخرق وصل لذلك بعده بسنوات كثيرة، أو قل لم يصل بعد مع جيل كامل معه. خفت أن يباغتنى بجملة رابعة يحيل فيها جبل كبريائى كله إلى كومة مفتتة مثلما تلك الرمال.
فأنا الذى عشت مرفهًا، وتربيت على يد طافحة بالبذخ، تمنَّيتُ أن أشمر عن ساعدى وأقول له هات عنك ذاك المعول، وأمسكه بيداى المكابرتين، فلماذا يمسك أمثالك وسيلة الخلاص معولًا يزيحون عنا اتساخنا, ويمر أمثالى هكذا مغلِّفين بالصمت النقى أنفسهم المتسخة عارًا؟
مشاركة منتدى
23 آذار (مارس) 2013, 10:10, بقلم حسن الحاج
فكرة النص طريفة ولكن كثرة الأخطاء النحوية والإملائية أساءت له كثيرا...رجاء مستقبلا عرض االنصوص على المراجعة اللغوية لتكتمل الفائدة.
مع المودة