كواكب لا تغيب
"أم الشهداء" تحمي شبان طوباس من الرصاص بجسدها!
طوباس: أعاد برنامج" كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية تتبع سيرة أول شهيدة في طوباس بداية انتفاضة الحجارة، ورسم في الحلقة التاسعة منه حكاية الشهيدة رشيقة مصلح صالح دراغمة (62 عاماً)، عبر روايات شاهد عيان وجيرانها وأقاربها.
تقول آمال محمد أبو مطاوع: كانت أخر مرة أشاهد فيها جارتنا الحاجة رشيقة، وهي تؤدي صلاة العصر، ولا زلت أتذكر كيف كنا نراها بعد عودتها من العمل في سهول الفارعة والأغوار، بابتسامتها المعهودة وطيبة قلبها. وفي ذلك اليوم الماطر من شباط في سنة الانتفاضة الثانية، وحين علمت باقتحام جيش الاحتلال لطوباس، خرجت كعادتها لمساعدة الشبان، وخافت عليهم، وكانت تقول كلهم مثل أولادي، ولم تسمع كلامنا بأن ترجع للمنزل، وبعد وقت قصير، سمعنا أصوات إطلاق النار بكثافة، وجاء الشبان ليخبرونا بأن جارتنا، حمت بجسدها رفاقهك من الرصاص، وسقطت شهيدة بعد أصابتها.
شاهد عيان
فيما يروي فايز أبو ناصرية، الذي كان شاهد عيان على الجريمة، وعلى بعد أمتار قليلة منها: شاهدت الجندي وهو يصوب سلاحه نحو الحاجة دراغمة، من مسافة قصيرة، وقد كانت تحمي بجسدها عدة شبان من الرصاص، ووقع هذا في مدخل باب المسجد القديم. وعقب وقت قصير، نقل الشبان الحاجة، وهي تنزف، وحاولوا إسعافها، لكنها فارقت الحياة قبل وصول المستشفى، وقد أخفى الأهالي جثمانها؛ خوفاً من اختطافها، كما كان عادة جيش الاحتلال أن يفعل، وخرجت لها جنازة مهيبة، وشارك فيها مواطنون من مدن وقرى مجاورة.
يتابع: أطلق الشبان على الحاجة رشيقة لقب "أم الشهداء"؛ لدورها في الدفاع عن الشبان، ومشاركتها في فعاليات الانتفاضة، ولحمايتها لمجموعة من النشطاء من الموت، وتضحيتها بنفسها. ولا زلت أذكر الجنازة المهيبة للشهيدة. وقد وزعوا لها صورة، وهي تتوسط شهداء طوباس، وكتبوا تحتها (أم الشهداء)، وكل الشبان والأهالي يتذكرون تضحيتها، ومشاركتها في إنقاذهم وتحريرهم من قبضة جنود الاحتلال.
فيما تقول عايشة أحمد صوافطة ( زوجة خالها): كانت رشيقة تعمل في الزراعة، واستشهدت يوم 26 شباط 1988، وكانت أول شهيدة في طوباس، وقد توفي زوجها خليل قبلها، ولم يرزقها الله إلا بابنتها الوحيدة حورية، التي تعاني الصم والبكم، فيما ماتت أختها، ومنذ اليوم الذي سقطت فيه، وتتذكر ابنتها طريقة رحيل والدتها، من خلال إشارات تفيد بأنها تعرضت لإطلاق نار.
رشيقة ورشيقة
ووفق صوافطة، فإن قريبتها الشهيدة كانت جميلة الوجه، وقوية القلب، ورشيقه الحركة مثل اسمها، ولا تخاف من شيء، وحين استشهدت فر الشبان بجثمانها إلى تياسير، خوفاً من اختطاف جنود الاحتلال لها.
والمؤلم في قصة "أم الشهداء" أن ابنتها حورية ظلت تذهب إلى البلدات المحيطة بطوباس، قبل أن يقعدها المرض، وتفتش عن أمها، وتسأل الأهالي بالإشارة عن مكان والدتها، دون جدوى. مثلما صارت لاحقاً تذهب إلى المقبرة لزيارة أمها.
يقول محمد تركي: كانت عمة والدي جريئة، وكلما كنت أزورها، أشعر بطيبة قلبها وحنانها علينا، ويوم استشهادها، كانت الإصابة تستهدف الشبان، لكنها حمتهم. ولا أنسى ذلك اليوم الماطر، حين بدأنا بتهريب جثمانها من الجيش.
وبحسب تركي، فإن العمة رشيقة رحلت وهو في الخامسة عشرة من عمره، لكنه لا ينسى كرمها، وما كانت تعده لهم عند استقبالهم، في منزلها بالحي القديم من المدينة.
أخت رجال!
ولا ينسى أهالي طوباس حكاية الشهيد دراغمة، كما يُجمع الأقارب والشهود على لقبها (أم الشهداء)، ويقولون إنها (أخت رجال)، وأن الله كتب الحياة لعدة شبان خلال انتفاضة، بعد أن حمتهم بجسدها.
يقول محمد صوافطة، وهو شاب في أواخر الأربعينيات: نتذكر الحاجة رشيقة، وبالفعل فقد كانت اسماً على مسمى، ويكفي أنها ضحت بأغلى ما تملك، وتستحق قصتها أن تنقل للأجيال.
وليس ببعيد من الجامع القديم، يستذكر كبار السن، والشبان الذين كانوا فتية، خلال انتفاضة الحجارة، مآثر الشهيدة رشيقة، فلولاها لفقدت طوباس الكثير من شبانها.
ويكمل صوافطة: "أم الشهداء" تختصر كل حكايتنا ونضالنا، ونشعر بالتقصير مع ذكراها، وعلينا أن لا ننساه، ونعيد توزيع الصورة ذاتها، بلقبها حين سقطت، بعد نحو ثلاثة أشهر من رحيل أول شهيدين في المدينة.
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إن إعادة بناء قصص شهداء الحرية، بالرغم من أنه يفتح الأحزان على مصراعيها، من جديد، إلا أنه يستذكر سيرهم، ويركز على حكايتهم الإنسانية الخالصة، وأحلامها التي قُطفت قبل الأوان.
وأضاف: إن الوزارة والاتحاد يُعدان لتوثيق حكاية الشهداء في عمل مطبوع ومرئي، فيما سيجري تكريم أمهاتهم على هامش يومي المرأة والأرض.