قراءة في فن تحرير المعجم
منذ شهور قليلة صدر عن دار الفلاح بمصركتاب عنون بـ (فن تحرير المعجمات في مجمع اللغة العربية) للباحث مصطفى عبد المولى.
ويعد هذا الكتاب أول مؤلف في هذا الموضوع الغاية منه وضع تصور شامل عن الطرق المتبعة في تأليف المعجم الكبير الذي يتصدى للقيام به مجمع اللغة العربية في القاهرة، وسماه الدكتور كمال بشر في كلمته في مؤتمر المجمع (بالجدع الكبير).
ولم يكن الكتاب مكرسًا في كل صفحاته لهذا الغرض، بل وجدت صفحات سطرت حول المعاجم العربية، ثم بدأ المؤلف بعرض لأهم أعمال المجمع المعجمية فعرف بالمعجم الوسيط وبداية فكرته، ومن ثم بين تعريفا بالمعجم الوجيز، وذكر أن الأستاذ مصطفى حجازي قال: إن المعجم الوجيز هو عبارة عن اختصار للمعجم الوسيط بحيث يناسب الطلاب في المراحل الدراسية الأولية. ولكن المشكلة كما قال حجازي: إن هذا المعجم لم يتابع ولم تطور مادته بحيث يبقى متكيفا مع هذا الكم الهائل من المعلومات التي لا تتوقف تنهال علينا في كل يوم.
وتحدث أيضًا عن المعجم التاريخي متقصيًا فكرة المولد والنشأة ثم مرحلة الخمول والضمور، والتي تبعها مرحلة الإحياء ولكن بدون نتائج ملموسة حتى الآن.
وأتبع ما سبق تسليط ضوء على الذين أطلق عليهم المؤلف مسمى(الجنود المجهولة) وهم محررو المعجم، فعرض بشكل موجز لسيرهم الذاتية، هادفًا من وراء ذلك إلى إنصاف أولئك الذين يجدون ويثابرون وراء تتبع مادة واحدة ، فمابالك بالمواد الكثيرة، ولكنهم لا يحظون من الجمل إلا بأذنه او أقل، ومثل لحالهم بقول الشاعر:
وإذا تكون كريهة أُدعى لها
وإذا يُحاس الحيسُ يُدعى جندب
وبعد هذا التعريف بعددٍ من المحررين، ينتقل المؤلف إلى فصل بعنوان (معاجم المجمع خطوةٌ في تطور المعجم العربي) وقف فيه على السمات التي امتاز بها المعجم الكبير على المعاجم العربية القديمة.
1- من حيث الترتيب فالمادة في المعجم الكبير يضاف إلى ترتيبها الألفبائي، ترتيب داخلي يتمسيز بتقديم الأفعال على الأسماء، وتقديم الثلاثي على الرباعي، والمجرد على المزيد، والحسي على المجازي.
كما أن هناك ترتيبًا منظمًا للشواهد: والتي يبدأ فيها بالشواهد النثرية التي يتصدرها: القرآن الكريم، ثم الحديث النبوي الشريف، ثم ما ورد من خطب وأمثال وكلمات مأثورة مأخوذة من بطون كتب الأدب ، وبعد الشواهد النثرية تأتي الشواهد الشعرية، والتي يتقيد فيها بذكر اسم الشاعر ، وتاريخ وفاته، ولم يخل من الشواهد الشعرية الحديثة.
2- الشمول: فهو لم يقتصر على ألفاظ محددة بفترة زمنية محددة، وإنما أضيفت ألفاظ مرتبطة بمستجدات الحضارة الإنسانية الحديثة.
3- ضبط المصطلحات العلمية وتفسيرها: مع ذكر المقابل الأعجمي.
4- تفسير المداخل غير المفسرة في المعاجم القديمة.
5- إضافة معانٍ جديدة للكلمة تنتمي للعصر الحاضر: مثل (الهاتف: بمعنى التلفون)
6- استنباط معان كلية للمادة، ووضعها قبل إيراد المدخل:
والمعتمد في هذه الطريقة كتاب مقاييس اللغة لابن فارس، حيث كان يرد أغلب المفردات المنضوية تحت المدخل إلى معنى كلي تلتقي فيه تلك المفردات فهي تمثل عروقًا تتفرع من نبع واحد.
7- إضافة المقابلات السامية والشرقية
8- الرسوم التوضيحية
وبعد هذا الفصل يقف المؤلف على كيفية قيام المحررين بتوثيق أو بتحرير مادة من مواد المعجم الكبير والتي وزعها على الصفحات (63-120) أي بما يقارب نصف الكتاب، فعرض ما يجب أن يتمتع به المحرر من مؤهلات تخوله الخوض في غمار هذا العمل الخطير من هذه المؤهلات: القدرة على البحث في المعاجم القديمة بأنواعها المختلفة أي المرتبة صوتيا وألفبائيًا وبنائيًا .التمكن من علم الصرف، والنحو ، والعروض. ويكلل ذلك كله الذوق اللغوي والحس المرهف .
ويبدأ بعد ذلك بعرض الطريقة المتبعة في المعجم والتي أطلق عليها اسم الطريقة التقليدية، والتي تقوم على : توزيع المواد اللغوية على المحررين، تفريغ المداخل داخل جزازات، ترتيب المادة اللغوية داخليًا، ترتيب حسب الشكل الخارجي، ترتيب حسب الدلالة، توثيق المادة اللغوية من سائر المعجمات، تغذية المادة بالشواهد النثرية والشعرية، نقل المادة من الجزازات وصوغها صياغة معجمية حديثة، عرض المادة على اللجنة وإدخال تعديلاتها.
وقد مثل الباحث لكل فقرة بأمثلة عملية تبين بشكل دقيق كيفية العمل في إخراج المادة اللغوية خطوة خطوة، وبعد ذلك يبين كيفية عرض أعمال لجنة المعجم الكبير على المؤتمر السنوي للمجمع، ويتبع ذلك الإعداد للطباعة .
وبعد الطريقة التقليدية عرض المؤلف طريقته في إخراج المادة اللغوية، والتي سماها(الطريقة الحديثة)، ونواة هذه الطريقة تقوم على الحاسب الآلي، الذي هيأ لنا مادة موسوعية تمكننا من استقصاء كثير من المواد التي ربما تند عن العمل اليدوي، واقترح إعداد برنامج تكون مهمته وضع الجذور المحتمل ورودها منطقيا في اللغة العربية، وذلك بأن يكون هذا الجذر موزعا على جدول ذي سبعة حقول تستوعب الأحرف التي يمكن ان ترد بها الكلمة العربية، وبعد إيجاد الجذور، توزع المواد كالسابق على المحررين ولكن في هذه المرة على المحرر أن يبدأ باستخدام الحاسب في البحث عن استقصاء كل ما يتعلق بالمادة اللغوية من مصادر، وشواهد...، وأن يكون الحاسب موجودًا كذلك أثناء تداول المادة في لجنة المعجم الكبير، واقترح أن يتحول المؤتمر السنوي إلى مؤتمر عبر الشبكة العنكبوتية الإنترنت ، بحيث يستغى عن حضور الأعضاء إلى القاهرة، وهذا يسرع من وجهة نظره تأمين إيصال المواد بسرعة إلى الأعضاء الذين لا يقيمون بمصر.
بعد ذلك عرض ملخصًا عن المعجم التاريخي معتمدًا على مقال للدكتور علي القاسمي بعنوان (المعجم التاريخي للغة العربية هل نستطيع أن ننجزه بعد مئة عام) تحدث في الدكتور علي عن المجم وطبيعته، وخطوات تصنيفه، وما يجب أن يتبع في التصنيف من قواعد ووسائل تسهم في دقة التصنيف وسرعة الظهور.
وختم الكتاب بفصل عن مشكلات تحرير المعجمات في المعجم.
وألحق الكتاب بمسرد بالمصطلحات التي وردت في الكتاب مع تعريف لها.
كانت هذه كلمات تعريفية بهذا الكتاب الجديد، ولكن لا بد من إبداء رأي ببعض الاقتراحات التي ذكرها المؤلف، فقد اقترح تحويل مؤتمر المجمع إلى مؤتمر عبر النت، بحيث يستغنى عن سفر الأعضاء إلى القاهرة، مبينًا أن الفائدة المرجوة من وراء ذلك هي تسهيل وصول المواد إلى الأعضاء، وسرعة الإنجاز، ولكني أخالفه في هذا الاقتراح لعدة أسباب أهمها:
1- إن مؤتمر المجمع يمثل جانبًا وحدويًا وذلك باجتماع عدد من الأعضاء المنتمين إلى دول عربية متعددة فيكون المؤتمر بمثابة عرض صورة للوحدة بين أبناء هذه الأمة، أضف إلى ذلك أنه يمثل جانبًا وحدويًا لكل عاشقي الضاد حتى ولو كان لسانهم غير اللسان العربي، فيسهم هذا الاجتماع في إظهار أهمية العربية وأنه مازال لها مخلصون حتى من غير أبنائها.
2- لا يمكن من خلال النت الاستماع إلى كل الأعضاء فكيف يمكننا سماع آرائهم ووجهات نظرهم، خاصة أن للصوت وما يرافقه من حركات وإشارات معبرة دورًا مهمًا في دعم وجهة نظر صاحبها، فهل يمكننا من خلال النت الاستماع الكامل لوجهات النظر.
3- المؤتمر ليس لقاءً عامًا، أو تعارفيًا وإنما هو مؤتمر تتخذ فيه قراراتٌ تتبع في طباعة المعجم، فهل سمعنا عن مؤتمر لاتخاذ القرارات اكتفي فيه برسائل عبر البريد الإلكتروني أو عن طريق المحادثة بوساطة وسائل الاتصال التي تؤمنها الشبكة العنكبوتية؟!.
وأخالف المؤلف الرأي في عدم ذكره لما يجب أن يرافق آلة الحاسب في استقصاء المادة، أي لا يعتمد على الموسوعات الإلكترونية وحسب، بل لا بد من مراجعة كل كلمة وردت في الموسوعة من مظانها؛ لأن أغلب الموسوعات فيها أخطاء في النقل، ويضاف إلى ذلك أنها اعتمدت نسخًا غير محققة تحقيقًا علميًا أثناء نقلها للمعلومات. فكان على المؤلف أن يشير إلى أن الموسوعات ليست المرجع المعتمد، وإنما وسيلة تسهل تحديد المصدر الذي يعتمد عليه في نقل المادة.
ولكن لا بد من أن يشار إلى أن هذا الكتاب يعد أول كتاب في هذا الموضوع كشف فيه المؤلف ما يمكن أن نطلق عليه (سر المهنة) فكان كتابه مرشدًا ودليلًا يستهدي به كل من يوكل إليه مهمة المشاركة في إعداد المعجم الكبير، بل كل راغب في تصنيف معجم حديث، بحيث يعتمد من طريقة المجمع ما يراه مناسبًا، ويدع ما يراه غير خادم لغرضه.