

في الدّنى والأماني والهوى
أتى زمنٌ فيه المقابرُ أصبحتْ
جنانًا يُباري كي يطاها الغِنى الفقْرا
فإمّا بموتٍ فيه راحٌ لأنفسٍ
تغالبُ في قبرٍ يُنغّصُها القهْرا
و إمّا بعيشٍ للطّريد الذي غدا
يرى كلّ قبرٍ مُبتنى في العرا قصْرا
ألا إنّها الدُّنيا تناديْ الهوى بنا
فيُتبعُها رغْبًا بما عِندها العُمْرا
يقومُ لها بل للذي عندها الضُّحى
ومن بعدهِ الظهرَ الذي يسحبُ العَصْرا
ويحرِمُ محرومًا هو الرّاحُ ما لَهُ
لِتملكَهُ دُنيا يُمَلِّكُها الفِكْرا
وما أنْ يُنادي الفجرُ حتّى يهبَّ كي
يُصّلي لربّ الكونِ من أجلِها الفجْرا
وما بين إصباحٍ وآخرَ ينزعُ الـ
الحيا علّها تُعطي فتَسْتَحْضِرُ الصّبرا
يبيعُ لِترضَى عنْه أهلًا وصُحبةً
ويزدادُ كبرًا لو نما ظلُّهُ شِبرا
وتُسكِرُهُ بالأُمنياتِ كؤُوسها
وعودٌ إذا ما اسْتُحْسِنَتْ أورثتْ حَقْرا
و خمْرُ الأمانيْ في كؤوس الوعودِ في
رهانِ الكؤوسِ لا مثيلَ لهُ خَمْرا
يمرُّ الصّبا سكرى لياليهِ بالهوى
الذي أسْكَرتْهُ أمنياتٌ روَتْ كِبْرا
وما أكذبَ الدُّنيا وما أسذجَ الهوى
إذا وعَدَتْهُ واحتفى بالهُرا صَدْرا
كحالِ شروقٍ يحتفيْ الغربَ كلّما
افترىْ قائلًا أنْ في غدٍ يُطلِقُ الفجْرا
فلا الغربُ يُوفي بالوعودِ ولا الأخُ الـ
غريرُ اهْتدى والعُذرُ يَسْتَخلِفُ العُذرا
مُضيَّ الصِّبا يمضيْ الشّبابُ وكاسُه
هوىً كاسُه المُثلى فِرىً تُفترى جَهرا
كحالِ بلادٍ أنكَرَتْها دِماؤُها
ولمّا تزلْ مِنْ ذي الدِّما ترقُبُ النّهْرا !
فلا النّهرُ جارٍ في سبيلِ خلاصِها
ولا دَمُهَا فيهِ دمٌ يبْلُغُ البَحْرا
يُشيبُ الهوى عمرُ الأماني وكاسُه
تصيرُ كما لو أنّها قُدِّمتْ صُفْرا
ونجهلُ لو يومًا عزونا مشيبَه
لشيبِ سنينٍ لا تشُدُّ له أَزْرا
ونصْحو ولا يصْحو هوىً راحَ عهدُهُ
فنحفرُ في بَرِّ الصّدورِ له حفْرا
وحين تبيتُ الأمنياتُ بلا هوىً
تخيرُ الدِّما فينا لتحْيا بِها جمْرا
ونمضيْ وتبقىْ الأمنياتُ وجمرُها
بهِ يكتويْ من بعدِنا ذكرُنا دهْرا
أكانَ سَيُرْضيْ ما انطوى من هوىً لها
بِنا أنْ تظلَّ الأمنياتُ به سِرّا؟
أكانَ علينا قهرُهُ قبل وأدِنا الـ
أمانيْ و حفرِ المسْتحيلِ لها قبْرا؟
أكانَ عليْنا أنْ نصلّيْ وندعوَ الـ
سماءَ فلا تُبقيْ لنا بعدَنا ذِكْرا؟
دروسٌ أمانينا لآتينَ خلْفنا
ولولا الهوىْ ما كانَ للدّرسِ أنْ يَطْرا
ومن يُبتلى من قلّةٍ قرأَتْ بما
اقْتراهُ فلا تثريبَ إنْ حصَّل الصِّفْرا
فإنّ هوىْ دُنياهُ مُنسيهِ ما رآ
هُ إلّا إذا بذَّ الهوى مُسْتنصِرًا صَبرا
ألا إنّها الدُّنيا وهذي فِعالُها
و نظلِمُ إذْ نعزو لأزمانِنا الشَّرّا
ألا إنّها أهْواؤُنا وفعالُها
ونظلِمُ إذْ نعزو لغيرِ الهوى الخُسْرا
ألا إنّها الصُّغرى وهذا لهيبُها
وجهلًا نُساويهِ بما أخْفَتِ الكُبْرى