شجيرة ونهير
هل ستصمد هذه الصغيرة الغضة أمام تقلبات طقس جديد عليها؟
فمنذ أن أتى بها ، آملا أن تترعرع هناك في المدينة الكبيرة الصاخبة ، وهو يشعر بفرحة مشوبة بالقلق.
في أصيص فخم ، تعب كثيرا حتى وجده ، وضع شجيرته الحبيبة وأحاط جذرها الناعم الزغب ، بشيء من الطين والماء، وفي زاوية الشرفة المطلة على الميدان الكبير، تخير له أفضل مكان.
كم يعشق أريجها ، ويحب لونها ،فهي فرع طيب ريان من شجرة وارفة هناك في البيت الكبير في جنوب الأرض، ترعرع فوق أغصانها، ورضع سكر ثمارها الطازجة.وكم لعب، وقرأ،وغفا، وعشق،تحت ظلالها الحنون .
كان لابد من خادمة تسهم في الجهد ، وتعين على أعمال البيت ،وتملأ عليها بعض الوقت. حين يتركها وحيدة ساعات طوال منذ البكور وحتى الغروب ، منشغلا عنها بعمله المضني.ليأتيها مساءً (وفي القلب عاصفة من حنين ، وفي اليد شيء من الخبز والورد والفاكهة .)*
دلف إلي الشرفة في لهفة يطمئن على شجيرته الغضة الأثيرة.لاحظ تدلي فرع من اللبلاب من أعلى ، ربما من الشرفة العليا ،وربما من مكان آخر بعيد.لكنه على وجه اليقين ، لا يعلم من أين أتى.كان لونه الأخضر ويفاعة عوده عاملان أساسيان في جعله يتركه حيث امتد.لف كفيه حول شجيرته الغضة ، تمتم بشيء غير مفهوم .ثم أفاض عليها الماء.
الخادمة .... تنبئ عن أنوثتها بلا حياء . وترى في ذلك أمرا بديهيا. يسترق بعض النظر إليها . (يا إلهي أو هو نظري الذي يسترقني.)
أزاح بيده وسادة صغيرة وضعت في المكان الخطأ فوق الأريكة الجديدة.
– صاح : من وضع هذه هنا هكذا ؟
– قطعت طبخها وهرولت إليه، بيدها شيء من الثمار وسكين، وعلى جبينها الأسمر لؤلؤتان من عرق : أنا!!!
– أكثر من مرة قلت يجب أن تعرفي كيف يكون تمييز الألوان.
– انسحبت في دهشة وصمت.
– تقدمت الخادمة ، وببراعة عدلت وضع الأشياء .
فرع اللبلاب يزداد زحفا إلى الأسفل. النور يقل صفاؤه في بهو الشقة الصغيرة.
- من وضع المزهرية هنا؟
– أنا .... قالتها بدهشة وبتردد.
– ليس هذا مكانها. قالها بعنف دون اكتراث لشيء بدا في مقلتيها وصفاء عيونها.
– انسحبت في صمت.
– تقدمت الخادمة في هدوء، وببراعة ،عدلت وضع الأشياء.
لاحظ أن شجيرته الغضة يشوبها اصفرار غير معهود.فرع اللبلاب صار أفرعا كثيفة،وزاد تدليه من أعلى ليغطي ثلث الشرفة،ويقطع الطريق أمام النسيم والنور. ثلث الضوء يمر الآن عبر الشرفة لبهو الشقة الصغيرة ، وثلث النسيم.
– أين قميصي؟
– هذه الأزرار ليست مكانها؟
– نفخ في وجهها .ارتبكت ، و ربما غامت عيناها المجمـَّلتان بكحل جنوبي، بشيء من ماء الحزن.
– لملمت بعضَها ... و ...انسحبت في هدوء .
– وببراعة، كانت أصابع الخادمة تعدل وضع أزرار القميص، بل وتعينه على ارتدائه !
هرع إلى شجيرته الأثيرة ، رآها بصعوبة بين أذرع اللبلاب التي التفت حولها وتشابكت،صافح أنفه أريجها وكأنها تبوح بشذاها استغاثة به، كان كابوسا رهيبا .راح يصارع الأذرع الثعبانية ،أريج جيرته يبعث فيه طاقة جبارة، أخرج محبوبته الأثيرة بصعوبة شديدة .كان هناك شرخ في الأصيص . لا بأس ، لا بأس . لكن على أية حال، مازالت نابضة ببعض حياة، رغم اصفرارها . لا ضير .. لا ضير فما زال هناك الكثير من ماء النهير الجنوبي ، صافيا رقراقا ، لم يختلط بعد بغبار الميدان الكبير.