سمكة يابانية تلجأ لأمريكا!
أحاول بين حين وآخر أن أهرب بعيدا عن زمن الفتن، الذي تتوالى فيه المصائب والمحن على الأرض العربية، وأعتقد أن محاولتي الجديدة للفرار قد نجحت بالفعل، والفضل يرجع لسمكة يابانية، أقدمت هي الأخرى على الفرار من بحر وطنها- اليابان، وتمكنت- بعد مغامرة خطيرة ومثيرة- أن تحصل على حق اللجوء البحري في الولايات المتحدة الأمريكية!
في الليل وبينما كنت غارقا في متابعة المصائب والمحن، إذا بي أفاجأ بتقرير مصور، تبثه إحدى القنوات الفضائية الأجنبية، والحق أن هذا التقرير قد انتشلني ولو لبعض الوقت مما كنت غارقا فيه، حيث عرفت من خلاله أن سمكة يابانية مخططة قد وصلت على متن قارب ياباني، يُعتقد ان امواج المد العاتية التي ضربت المحيط الهادي في مارس سنة 2011 قد جرفته الى شواطئ الولايات المتحدة، وظلت تلك السمكة المغامرة والمقامرة بحياتها على قيد الحياة لمسافة 8046 كيلومترا، إلى أن وصلت يوم 22 مارس2013 إلى ساحل ولاية واشنطن، وكان لا بد من الحفاوة بتلك الضيفة غير البشرية، حيث تم إخضاعها للدراسة من جانب العلماء في حوض مائي للحفاظ على الكائنات البحرية بولاية اوريجون، وقد اصبح هذا الحوض المائي الأمريكي مصدر جذب للزوار وللسياح بعد أن لجأت السمكة اليابانية إليه، وجاء في التقرير أن كيت تشاندلر المدير العام للحوض المائي قد أدلى بتصريح، يقول فيه إن الناس مفتونون للغاية برؤية هذه السمكة، وبحقيقةِ انها قطعت كل هذا الطريق من اليابان وسط الحطام ..لذلك فإنه حدث رائع جدا!
خواطر عديدة تزاحمت في رأسي، خصوصا بعد أن شاهدت السمكة عدة مرات، وعرفت أنها سمكة مخططة، حيث تذكرت على الفور أن معاجمنا اللغوية العربية تتحدث عن الحمار الوحشي المخطط على أساس أنه فنان، نظرا لأنه يتفنن في تخطيط جسمه، وهذا يعني أنه كان بإمكان السمكة اليابانية- طالما أنها مخططة- أن تحصل على لقب فنانة، لو أنها وصلت إلى أي شاطيء عربي، وعلى أي حال فإني استبعدت هذه الفرضية، لأن الوصول إلى شاطيء عربي معناه أن تتعرض ما بين غمضة عين وانتباهتها للقلي بالزيت أو للشوي على النار، دون الحصول على لقب فنانة، وإذا كنا قد عرفنا أن السمكة اليابانية تخضع للدراسة العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها- بالتأكيد- كانت ستتعرض للتحقيق والمساءلة في حالة وصولها إلى أحد شواطئنا العربية، خصوصا إذا تذكرنا ما جرى للحمامة التي تم تسليمها للشرطة المصرية، لأنها كانت تحمل في إحدى رجليها ميكروفيلم، وقد كتبت عنها من قبل بعنوان الحمامة المغامرة ونظرية المؤامرة! وفي يقيني أن السمكة اليابانية لن تستطيع أن تدافع عن نفسها حين يمطرها المحققون بأسئلة شائكة من طراز: من الذي قام بتمويل رحلتك من اليابان إلى هنا أيتها السمكة الجاسوسة؟ وما أسماء الجهات الأجنبية التي دفعتك للوصول إلى شاطئنا؟ وماذا عن المهمة الدنيئة التي كنت تنوين تنفيذها؟
لم يعد أحد يتابع حكاية الحمامة المصرية، وربما يكون الستار قد أسدل عليها، بعد أن التهمها أحدهم وهي محشوة بالفريك أو الأرز، أما السمكة اليابانية الأجنبية فإنها- كما قلت- لن تستطيع الدفاع عن نفسها، لأنها لا تتكلم اللغة العربية، بل إنها لا تستطيع أن تنطق ولو حرفا واحدا من حروف اللغة اليابانية، وهذا ما أدركه عنترة بن شداد حينما كان أعداؤه يمطرون جسد حصانه الأدهم بسهامهم، دون أن يستطيع الحصان أن يلهج بالشكوى، حيث قال هذا الشاعر القديم والعظيم:
ما زلتُ أرميهم بثغرةِ نحرهولبانه حتى تسربل بالدمِفازورّ من وقع القنا بلبانهوشكا إليّ بعبرةٍ وتحمحمِلو كان يدري ما المحاورةُ اشتكىولكان لو علمَ الكلامَ مكلمي!
حصان عنترة اختفى تماما منذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة، واختفى معه فارسه الشهير عنترة، والحمامة التي تعرضت للحشو بالفريك أو الأرز اختفت منذ عدة أشهر، وتبقى التحية للسمكة اليابانية التي نجحت في اللجوء البحري للولايات المتحدة الأمريكية، وها هي تخضع للدراسة العلمية في دولة من أكبر الدول التي تعرف أن العلم طريق طويل وشاق، لكنه يفضي لازدهار البشرية.