رواية لاجئة ـ الحلقة 13 من 18
بعد أسبوعين من الزفاف قررت ريم قطع إجازتها و العودة إلى العمل ، لم يعترض سهيل بل على العكس كان يرى أنه لابد بالفعل من العودة للعمل لكليهما و علق قائلا :
– المكوث في المنزل أمر ممل للغاية ، لا أدري كيف يحتمل الناس شهور الإجازة ••
و استقبلت مشاعل عودة ريم السريعة بكثير من الدهشة و لم تتقبل أي عذر قدمته لها ريم ، و عندما شارف اليوم على الإنتهاء و استطاعت الاثنتان الجلوس بهدوء كان من الطبيعي أن تبادر مشاعل بسؤالها المتوقع :
– ماذا حدث يا ريم ؟
لكن ريم التي كانت تحفظ نصيحة أبيها كحرز غير قابل للإهدار قالت بمرح مصطنع :
– لا شيء يا أم الأفكار ••
فقالت مشاعل بهدوء الواثق :
– بل هناك شيء ، و شيء كبير أيضا ، و سؤالي هل يتعلق الأمر بسهيل ؟
هزت ريم رأسها و لم تقوى على الإستمرار في الإدعاء فصمتت تمنع رغبة قوية في الكلام ، رغبة وصلت معها حد الحرقة ••
كزت مشاعل على شفتيها و تفكرت قليلا ثم قالت برزانة غريبة عليها :
– اسمعي يا ريم ، قبل أن نتزوج نكون قد رسمنا في أخيلتنا صورة حالمة ، شديدة النعومة عن حياتنا مع الزوج ، و لكن عندما نتزوج فعلا نجد أن الصورة اختــلفت قليلا أو كثيرا عما رسمنا ، و العقدة دائما فينا ، نحن القادرات على حلها أو زيادة تعقيدها ، فإذا كنت قد جابهتي أمرا لم تتوقعيه ، ابحثي في نفسك أولا عن طريقة التكيف معه ، لا توجد عقدة بدون حل ••
فقالت ريم و كأنها تنفي تهمة :
– سهيل انسان يا مشاعل ••
ابتسمت مشاعل و قالت على الفور :
– لم أقل عكس هذا يا ريم ••
أدركت ريم أنها تسرعت بهذه العبارة فقالت باقتضاب :
– لست أعاني من أي مشكلة ••
تنهدت مشاعل و قالت :
– إذا كان الأمر يتعلق بسهيل فأعتقد أنك يجب أن تشركي أمك في الموضوع فهي سيدة حكيمة و سيفيدك رأيها ••
بسرعة قالت ريم :
– لا •• لا يمكن •• لا أستطيع ••
نهضت مشاعل و تناولت عباءتها و قالت :
– أذن ، أنا رهن خدمتك ، و أعتقد أن مجرد الحديث عن المشكلة كفيل بايجاد حل لها •• ألن تستعدي ، أزف ميعاد الإنصراف ••
هزت ريم رأسها موافقة و نهضت متكاسلة ارتدت عباءتها و أحكمت وضع غطاء رأسها بآلية فيما مشاعل تراقبها و شيء داخلها يقسم أن ريم لديها مشكلة ••
***
ذاك المساء قررت ريم أن تفتح نقاشا صريحا مع زوجها ، قررت ألا تقف مكتوفة اليدين أمام مشكلة تفرض نفسها على تفاصيل عـــلاقتها معه ، قــــدمت له كـــوب الشاي مبتسمة و قالت مداعبة :
– تفضل يا وطني ••
تطلع إليها سهيل و ابتسم بدوره و قال :
– وطني ؟ هل هذا أسم تدليل ؟
هزت ريم رأسها و قالت بمرح :
– بل هو واقع الحال يا سهيل •• أنا لم أر وطني و لم أعش فيه ، و زواجي منك كان نهاية رحلة بحث مضنية عن هذا الوطن •• في البداية بحثت عنه في دراستي و كتبي و شهادة كبيرة أحصل عليها •• لكنني وجدت بعد رحلة دراسة مضنية أن الوطن لا يختبيء في الكتب ، و شهادتي معلقة على حائط الجاليري بلا قيمة ، حتى سطورها المتتابعة التي تحمل اسمي و مؤهلي و تقديري لا تعنيني و كأنها لشخص آخر ، ثم اعتقدت أنني سأجد الوطن في العمل و الإنتماء له ، فأخذت أرسم و أعمل و استغرقني العمل حتى نسيت الهدف و أفقت فجأة على أن ريم التي تعمل هناك ليست سوى عاملة ، أيا كان طبيعة عملها ، و ليس لجنسيتها علاقة بعملها و لا مكانها و مكانتها ، و تيقنت أن ريم هذه لو كانت مصرية ، أو سعودية ، أو سودانية •• أي جنسية فلن يتغير الوضع •• و عندما ظهرت أنت في حياتي تمحور حولك انتمائي فصرت الآن أنت الوطن ، هذه حقــيقة فلا تضحك يا سهيل ••
كان سهيل يضحك على هذه العبارة الأخيرة حتى أن كوب الشاي اهتز في يده فأسقط قطرات على ملابسه ، لم يشعر بحرارتها و قال :
– الوطن يا ريم ليس دراسة و لا عمل و لا زوج ، الوطن أرض و حدود ، فهل ترين أنني أرضك ، حدودك ، هل أصلح لهذا الدور ؟
فقالت ريم حانقة :
– بل يجب أن تكون في هذا الدور معي ، لا تسخر مني يا سهيل ، أنني صادقة جدا فيما أقول ، يعوزني دوما الإنتماء إلى شيء ما ، يعوزني الإطمئنان و الركون و إغماض عيني بلا خوف ، يعوزني الوثوق و الحماية ، و الأمان ، هذه معاني يوفرها الوطن ، و أنا بلا وطن ، و بزواجنا صرت أنت الأمان و الحماية ، إليك أنتمي و معك أغمض عيني و آخذ من الدنيا مواثيق الأمان ••
أنت الوطن يا سهيل ، هل تفهم هذا ؟
سحب سهيل بقايا ضحكة التهكم من عينيه ، وحلت في لحظات معاني الألم فيهما ، قال بصوت لا يشبهه :
– إنسان بلا هوية ، ساقط قيد ، من فئة البدون ، لا يستحق أن يعيش ، إنسان يستجدي علمه ، يستجدي عمله ، يستجدي وجوده ، أكرم له ألا يعيش •• هل تفهمين يا ريم ، أكرم له ألا يعيش ••
لم تفهم ريم ، ظلام لف عقلها في لحظات فاستحالت معه كلمات سهيل طلاسم ، أمل كان هنالك يرعى في نفسها مطمئنا انكمش فجأة و تجمد على ابتسامة جهل بلهاء طافت على شفتيها ثوان ثم انطفأت و صاح داخلها الألم سؤالا لم تستطع أن تكتمه :
– لماذا تزوجتني يا سهيل ، أنت انسان يقتات الضياع ، فلماذا ربطت في عنقك إنسانا يعيش على الأمل ، لماذا تزوجتني يا سهيل ، إذا كنــت ترى الحياة ظـــلاما ، و النـــاس شـــرا و الأسرة وهما ••؟
أمسكها بسرعة من كتفيها و صاح بعنف :
– لأنني أردت الخروج من كل هذا ، لأنني أردت أن أحطم شرنقة تعاسة تعشعش في كياني منذ طفولتي ، تسرق مني متع الحياة ، فرحة النجاح ، ابتسامة التفاؤل •• لأنني رأيتك إنسانا يحاول أن يطفو برأسه من مستنقع الضياع و يتنفس الأمل ، رأيتك منذ حدثني عنك تامر في خطابه فتاة ترفض الرضوخ لواقع الغربة الأبدي و تمد يدها نحو الضوء رغم عجزها و قلة حيلتها •• فعلت بخطابات التواصل مع الغائبين مالم نستطع أن نفعله و الغربة تمتص دماءنا و الصبر يلعق جروحنا و المرارة تغلف أيامنا ••
صاحت ريم و هي تحاول التفلت من يده :
– إنك تؤلمني يا سهيل ••
أفلتها و أكمل و زبد أبيض يحيط شفتيه و تهدج خفيف يغلف صوته :
– كنت ساخطا ، لا تفارق عبارات اللعن لساني ، أمارس عملي كما كان العبيد يمارسون أعمالهم تحت نير التعذيب و فرقعة السوط ، الفرق الوحيد أن المعذب كان من هنا ••
دق صدره بقوة ••
– من داخلي ، كنت أستيقظ في الصباح و أذهب إلى العمل و أظل أعمل الساعات الطوال ، لا أبالي بشمس يسقط تحتها المترفون ، كنت أحاول حين أواصل ضرب المطارق أن أطمس على صوت اتهامات الآخرين للفلسطنيين و حطهم من قدرهم ، كنت أحاول أن أدفع بقسوتي على ذاتي اتهاما لم يواجهني به أحد ، لكنني كنت أراه في العيون ، أقرأه في الصحف ، ألمسه في المعاملة •• تعرفين كيف ينظر العالم إلينا ، تعرفين أو لا تعرفين أن السارق في أي مكان فلسطيني ، و الإرهابي فلسطيني ، حين نمر على الحدود يفتشون تحت الجلد منا ، يسألون أطراف شعورنا و زوائد أظافرنا عن شر لابد أننا نحمله ••
كنت أراهم يا ريم ، يمرون جماعات ببساطة أمام مفتشي الحدود و عندما يأتي الدور على فلسطيني يستنفرون عروقهم ، و يلمــــسون أسلحـــتهم و يقـــدمون الإهـــانات على مرأى و مسمع كل من له وطن •• و الجميع ينظر ، بين شفقة لا نحتاجها ، أو لسان حال يصرخ في العيون إننا نستحق ••
أنت جربت بعضا من بعض عذاب اللاجئين ، و مع ذلك مازال لديك أمل ، مازلت ترين الحياة إبتسامة واسعة يمكن أن نزين بها شفـاهنا ، و قهقهة تخرج من أعماق أعماق روحنا ••
لا تسألي يا ريم •• لا تسألي لماذا تزوجتك •• لا يُسأل المجروح لماذا يبحث عن الضماد ، لا يُسأل المبطون لماذا يبحث عن الدواء ••
تريدين مني أن أكون الوطن •• وطنك يا ريم بحاجة إلى وطن ••
و لم تجرب ريم أن تفتح معه نقاشا بعدها ••
***
قالت الأم و هي تحتضن ابنتها بشوق :
– أهلا بحبة القلب •• غريب أين سهيل ؟ لقد عودنا ألا يفارقك في أي زيارة كأنه يخشى أن نعبئك ضده إن نحن جالسناك وحدنا ••
ظلت ريم صامتة تستمع إلى تعليق الأم و لا ترد و انتبهت سميحة إلى وجوم ابنتها فسألتها بقلق عن حالها ، ترقرقت الدموع في عيون ريم و هزت رأسها و حاولت الإبتسام و قالت :
– أنا بخير يا أمي •• لقد اشتقت إليكم كثيرا هذا كل ما في الأمر ••
استشعر قلب الأم بأسا ، قالت و هي تجلس ريم و تجلس أمامها :
– أحلفك بالله أن تقولي ، ما بك يا حبة القلب و نور العين ••
حنان أمها هو ما كان حقا ينقصها •• كلمات الدلال القديمة ، و الإهتمام الذي فقدته مذ تزوجت حرك مكامن الخوف القديمة داخلها ، أصبحت عيونها مستعدة تماما لترجمة عذابها ، خرجت دمعة يتيمة تستطلع تبعتها دمعات صامتة ، و عندما احتضنت الأم عذابها انفجر القلب المغلق على همومه في نشيج مرتفع هز الأم و بلل كتفها •• تركت ريم تبكي ، تركتها تقول في هذه الدموع كل شيء دون أن تنبس بحرف واحد ، و عنــدما انــتهت ريم و صامت شهقاتها المتوالية عن الدموع تقبلت شاكـــــرة كأس العصـــير المثـــلج من ســمر و احتسته بهدوء و ابتسمت و قالت :
– أنا بخير يا أمي ••
و عندما انصرفت ريم دون أن تفصح ، أخذت معها اطمئنان الأم و راحة بالها •• و تركتها في قلق لا يعلم إلا الله مداه ، قلق لم تستطع الأم إخفاؤه و بادرت به الأب حال عودته قالت و حسرتها تسبقها :
– ريم تعيسة يا جهاد ••
نفس الأب دخانه بهدوء و قال كمن كان يعرف :
– البداية دائما صعبة ••
هزت أم ريم رأسها و قالت :
– ريم مجروحة ، مصدومة •• إنطفأ البريق في عيونها ، و أصابها هزال غريب •• لابد أن نفعل شيئا ••
قال الأب :
– هل حدثتك بشيء ؟
هزت رأسها نفيا فقال:
– إذن دعيها حتى تقول •• ريم لا تريد منا التدخل ••
– لكنها تتعذب
– إذا استجارت بنا أجرناها
– ريم عنيدة
– هي أدرى بشؤونها •• ريم لم تعد صغيرة ••
– لهفي عليك يا ابنتي •• لهفي عليك ••
***
في شئون الزواج و العشرة بين الزوجين دائما مشاعل خبيرة ، و عندما جاءت أم عبد الله في زيارة للجاليري و علقت على هزال ريم و لما يمض على زواجها شهرين علقت مشاعل :
– ريم أصبحت كتومة للغاية ، أعتقد أن للأمر علاقة بما بينها و بين زوجها ••
صحبتها أم عبد الله إلى مطعم السوق ، و عندما جلستا قالت لها بحنان :
– ريم •• أحيانا ، يصعب علينا الإعتراف بهمومنا حتى لأقرب الناس لنا ، لكننا دوما بحاجة لمن يسمعنا و يفهمنا و يخفف عنا ، حتى لو كان الكلام لمجرد التخفف من همومنا •• أنت فنانة و راحة البال رأس مالك ، فإذا تركت همومك تأكلك ضعت ، لذا آمل أن تتحدثي معي ، كصديقة و ليس كصاحبة مال •••
و ريم لم تكن بحاجة لهذه المقدمة ، كانت تريد حقا شخصا غريبا يفهمها ، يبدي تعاطفا ، أو يقدم حلا •• كانت تريد الكلام لكنها لم تكن تعرف لمن تبوح ، كانت تخشى على أبويها من هم لن يفارقهم ، ناقشت مع نفسها مرارا أن تفضي إليهم بهمها لكنها كانت دوما تتراجع ، لا تريد أن تشعل حزنهما عليها ، و لا تريد أن تسمع كلمة عن اختيارها ولا تريد أن تفسد علاقة بينهم و بين زوجها •• محاذير كثيرة كانت تمنعها ، و لا معنى لكل هذه المحاذير مع أم عبد الله ، لذا حكت ، قالت كل شيء بصراحة ووضوح ، تحدثت كأنها تحدث نفسها ، استفاضت في الشرح لأمرأة صامتة كانت تتلقى قصتها كأنها تشاهد فيلم خيالي لا يمكن تصديق أحداثه و عندما انتهت ريم من كل شيء قالت أم عبد الله على الفور :
– شهران يا ريم ؟ شهران بلا زواج •• لا يوجد ما يبرر صمتك
فقالت ريم على الفور :
– لا أستطيع أن أبوح بهذا السر لمخلوق ، إنني أكتفي بالدعاء لله في كل صلاة أن يفرج هذا الكرب و يرفع عن صدر زوجي مارد الغضب على الحياة ، أنا متأكدة أنه يعاني ••
فقالت أم عبد الله بحزم موقفة استطراد ريم :
– أيا كان يا ريم ، البداية أن تواجهي الأمر، و أن تعترفي بها مشكلة ، لا يقوم زواج بين أثنين على تبادل تحيات الصباح و المساء ، يجب مواجهة سهيل بمشكلته ، يجب أن يعرف أنك ترفضي ما أنتم عليه ، لأن حياتكم غير سوية ، عليك أولا بالمحاولة معه ، فإن لم تجدي محاولتك نفعا فعليك بوالدك ، أو والدتك ، يجب أن يعرض سهيل نفسه على طبيب ••
صاحت ريم :
– أحاول معه ؟ لا يمكن ••
فقالت أم عبد الله بجدية :
– لا خجل مما أحله الله يا ريم ، ربما كان زوجك متهيبا و بحاجة لأن تكسري معه حاجز الهيبة ، ربما كان بحاجة فقط إلى بداية مشجعة ، خجل الزوجات أحيانا يوحي بالبرود ، و بعض الرجال يستجيبون لهذا البرود ببرود مماثل ، ربما كان زوجك منهم •• حاولي قبل أن تفتحي معه الموضــوع مباشرة ، فإذا لـــم يستجب فعليك بأمك و أبيك ، لابد من تدخلهما ••
– لا •• لا أريد أن يتدخلا في هــذا الأمر ، إنني أفضل الموت قبل أن أفتح فمي بهذا الأمر لأي منهما ••
– حسنا إبدئي أولا ، و ربما لن تحتاجي لأي تدخل بعدها ••
– هل تعتقدين بضرورة هذا ؟
– بل أنا متأكدة من ضرورته يا ريم ••
***
ظلت ريم بعد حديثها مع أم عبد الله أسبوعا تقوي نفسها ، فيغلبها الحياء و ترضخ آخر الأمر لحيائها فلا تفعل ما أوصتها به السيدة ، و صادف أن عادت ريم من عملها بعد هذا الأسبوع مجهدة ، و كان سهيل متأخرا في العودة للمنزل ، و لم تتمكن ريم من مقاومة رغبتها في النوم رغم يقينها بأن نومها سيضايق زوجها الذي رفض دائما أن تنام قبله ، لكنها لم تستطع الصبر ، فألقت بنفسها على الفراش و استغرقت في نوم عميق على أمل أن تستيقظ قبل عودته ، لكنها لم تستيقظ بعد ساعات إلا على يد سهيل و هو يوقظها قائلا :
– ألم أخبرك أنني لا أحب نومك بدوني ••
فتحت عيونها بصعوبة ، فلم تقوى على مواجهة الضوء المشتعل في الغرفة فأغلقتهما بسرعة و قالت بين تهويمات النوم :
– دعني يا سهيل ، لا أستطيع مغالبة نعاسي ، أرجوك أطفيء الضوء ، إنه يضايقني ••
لكن سهيل لم يدعها و عاد يهزها :
– إنهضي ، أين عشائي ، إنهضي يا ريم ، لم أتزوج لأسهر وحيدا ••
فجأة انتبهت كل ذرة في كيانها ، طار النعاس بسرعة لم تتوقعها ، و وجدت نفسها مدفوعة لتنفيذ أمر ، ترددت قليلا و قالت بلهجة لا تخلو من تحذير مبطن :
– أتركني يا سهيل أكمل نومي ••
لكنه و قد أيقن من صوتها يقظتها التامة عاد يلح من جديد :
– هيا يا ريم ، إنهضي ، لا داعي لمضايقتي ••
نفضت الغطاء عنها و قالت بمكر :
– أنت الذي تصر ••
لم يفهم سهيل ماذا تعني ، و راقبها و هي تنهض من الفراش بسرعة و تتجه إلى باب الغرفة فتغلقه بالمفتاح عليهما ، و تضع المفتاح في صدرها و تتجه نحو الضوءالأحمر في أحد أركان الغرفة فتضيئه ، ثم تتجه بسرعة إلى الضوء الكبير فتغلقه •• كان قلبها يخفق خفقات من يقبل على مغامرة ، و كان قلبه قد بدأ يدق مستشعرا خطرا •• فلما انتهت ، اقتربت منه بخطوات جريئة أدهشتها قبل أن تدهشه و قالت له بصوت ناعم :
– هيا يا زوجي الحبيب ••
نهض مرتبكا من على الفراش و صاح بصوت خرج ضعيفا مستنكرا :
– ماذا تريدين ؟
فقالت و هي تقترب منه :
– أريد زوجي ، حبيبي ، أريد أن أتمم زواج تأخر لأكثر من شهرين بدون سبب ••
ركض من أمامها بسرعة متجا إلى زاوية في الغرفة ، فتعثر في طاولة صغيرة عليها تحفة صغيرة فأسقطها و لم يبال حتى لاذ بالزاوية ، راقبته ريم ، فاتسعت ابتسامتها عن ضحكة ظفر و قالت و هي تتجه إليه :
– أين تذهب أيها الحبيب ، الغرفة صغيرة و الباب مقفل ، لا مفر ••
كانت تشعر كأنها طفلة تنادي طفلا مذعورا ليلعب معها ، لم تكن تدرك حتى هذه اللحظة إن مارد رعب حقيقي سيطر في هذه اللحظة على سهيل فعجزت ساقاه عن حمله فسقط قائما و همس بحلق جاف تماما :
– أرجوك افتحي النور ، افتحي النور أرجوك ••
ارادت ريم أن تكمل لعبتها إلا أن منظره في هذا الوضع و نبرة الرجاء البائسة في صوته نبهتها إلى أن في الأمر خطأ كبيرا •• لم تتكلم فاعتقد سهيل أنها مصرة على موقفها ، كانت قواه في هذه اللحظة قد خارت تماما ووجدت ريم نفسها فجأة أمام رجل يبكي •• نعم لقد انهار سهيل تماما و بكى و هو يتوسل لها ان تفتح النور و الباب •• للحظات لم يستوعب عقلها الموقف ، اعتقدت أنها تحلم ، أو أن سهيلا يمزح ، لكن شهقات الفزع و نبرة الرجاء و الدموع التي كانت تلمع في الضوء الأحمر على خدوده أقسمت لها أن الموقف حقيقي و لا زيف فيه ، تكسرت روحها ، نبض قلبها بشدة عكس نبضات المغامرة قبل قليل ، شعرت أن الأرض تميد بها ، وجدت نفسها تتجه بسرعة إلى الباب لتفتحه و تضيء المصباح الكبير مجددا و اتجهت نحو سهيل الذي كان جسده ينتفض انتفاضا عظيما في هذه اللحظة و كأنها تخاطب طفلا مفزوعا قالت :
– أهدأ يا سهيل ، أهدأ يا حبيبي ، لقد فتحت الباب ، أشعلت الضوء ، أهدأ يا سهيل أرجوك ••
كان سهيل قد رفع يده كمن يتقي شرا عندما رأى ريم تتجه نحوه و لكن بعد أن أخذت تهدئه و تطمئنه ، أرخى يده و أسقط نفسه على صدرها وارتفع بكاؤه ، بكاء من أنتهت أزمته و جاءه الفرج ، كان يتمتم و هو يبكي :
– سامحيني يا ريم ، لا أستطيع ، لا أستطيع ••
و كانت ريم تربت عليه بهدوء فيما انسابت دموعها تبلل شعره و قد شعرت في هذه اللحظة بأنها فقدت إلى الابد حلما بأن يكون لها وطن ••
***
بعد هذه الحادثة تغير سهيل كثيرا ، لم يعد يتحدث معها ملاطفا ، أو يطلب ما يريد بتهذيب ، لاحظت ريم أن أسلوبه معها تحول إلى الأوامر الصارمة التي لا تقبل النقاش ، و كانت من داخلها تتفهم موقفه فتتعمد تهدئته بالطاعة التامة ، و بدون نقاش ، حتى لما طلـــــب منها أن تكــــف عن الحديث عن اهــــلهــــا بصيغة أمــي ، أو أبي أو أختي ، أو أخي و تستبدل هذه العبارات بكلمة "الجماعة" ، فتقول أريد أن أزور "الجماعة "، أو جاءنا اليوم أحد أفراد "الجماعة " ، لم تطل اعتراضها و قبلت على الفور مستميحة له العذر فيما يطلب ، كانت تعرف أنها تتعامل مع رجل ضعيف ، مهزوم ، و ما يفعله ليست إلا مظاهر لتقوية الشخصية و إكسابها خشونة و رجولة ••
لكن الأمر تطور بعد ذلك تطورا خطيرا عندما جمعتهما طاولة الغذاء ذات يوم و كان الصمت ثالثهما كالعادة لكنه قطعه بعد قليل قائلا بصرامة اعتادت عليها :
– أريدك أن تعدي صنفين من الخضار كل يوم و ليس صنفا واحدا ••
فقالت بهدوء و هي تغتصب ابتسامة :
– لكنك ترفض أن تأكل نفس الطعام في يومين ، و عندما أعد صنفين سوف يتبقى الكثير و حرام أن ألقي به ••
لم تكد ريم تنتهي من عبارتها حتى خرج الوحش من أعماق سهيل عبر عيونه فقام ثائرا و بعثر الأطباق و سكب محتوياتها و هو يصيح :
– لا تريدين أبدا أن تسمعي الكلام ، دائما أنت العاقلة الرزينة المدبرة ، أما أنا فلا شيء ، حتى كلمة في هذا البيت لا أستطيع أن أقولها •• سئمت لعبة تبادل الأدوار أنا الرجل هنا •• لا أنت ••
كان قلب ريم يخفق بشدة ، كان صمتها عجزا و ليس اختياريا ، فقد كانت يغص جوفها بألاف العبــــارات التي يمـــكن أن تفند بها كلامـــه ، لكنها لم تــــرد ، تركته يرغي و يزبد و يصيح ، راقبته و هو يركض نحو المطبخ و يقتلع أنبوب الغاز بعصبية ، ظنت أنه سيضربها به ، تسمرت في مكانها ، وجدته يندفع إلى غرفتهما ، ثم يخرج بعد قليل مرتديا ملابس الخروج ، صفق الباب خلفه ، بقيت دقائق لا تستطيع أن تستوعب ما حدث ، لم تصدق أصلا أنه حدث و فجأة و بهدوء شديد أخذت دموعها تنساب •• و أكتشفت بعد دقائق أن زوجها أخذ معه مفتاح البيت الخاص بها ، و أنه نزع خرطوم الغاز ليمنعها من أستخدام الموقد ، دهشت من هذا التفكير الغريب و لم تجد له ما يبرره ، لكن عندما انتهى اليوم و لم يعد ، اكتشفت أنها سجينة ، نعم هكذا بمنتهى البساطة سجينة ، بلا مفتاح و بدون وسيلة لإعداد طعام ••
و في اليوم التالي عند الرابعة و النصف عصرا سمعت طرق السائق على الباب فلم تجرؤ على الرد عليه ، استبعدت فكرة أن تخبره أنها سجينة ، لم ترد و يئس السائق فمضى و انتهى اليوم الثاني أيضا و لم يعد سهيل ••
و أنتهى اليوم الثالث و لم يعد •• كانت ريم قد وصلت خلال هذه الأيام إلى مرحلة من الجنون ، فلا عقلها يقبل تصديق ما هي فيه ، و لا جوعها الذي يقرصها بشدة يرحمها ، و لا جرأة لديها لتستعين بأي شخص خارج المنزل لينقذها •• كانت تفكر في عاقبة أن تعلن لأي غريب عن حقيقة وضعها ، صارت تدور في شقتها تحدث قطع الاثاث ، و تطالع وجهها الشاحب في المرآة و تبكي •• ثم ضبطت نفسها تضحك •• تصفق كفا بكف ، تهمس :
– أنا ريم •• هذه حقيقة ، و هذا بيتي ، لي زوج ، و لي أهل ، أين هم ، لماذا لا يأتون ؟
لكن لا شيء في هذا البيت كان بوسعه أن يرد ••
صبيحة اليوم الرابع سمعت الباب يفتح •• لم تنهض من فراشها •• أدركت أن سهيل قد جاء ، لم تجد في نفسها القوة لكي تهاجـــمه ، أو حتى تعـــلن له أحــتجاجها •• دخل الغرفة ، و لم يتكلم ، ألقى أمامها كيسا صغيرا فيه شطائر ساخنة •• مدت يدها بهدوء ، تناولت الكيس ، فتحته ، بدأت تأكل ثم لملمت بقاياها في ذات الكيس وضعته أرضا و سقطت في سبات عميق ••
عند المساء فتحت عيونها على صوت التلفاز عاليا في صالة المنزل •• نهضت من فراشها ، و توجهت إلى الصالة ، كان جالسا و بقايا شطائر و أرز على ورقة جريدة أمامه •• كان يحتسي علبة عصير و يطالع التلفاز باهتمام ، نظر إليها ، ثم عاد لتلفازه و قال:
– أخيرا استيقظت ••
ذهبت إلى المطبخ ، شربت ماءا ، ثم عادت فوقفت بهدوء أمام التلفاز ، أغلقته و ألتفتت إليه و قالت بلهجة خالية من أي تعبير :
– سهيل •• طلقني ••
قال و هو يعب عصيره عبا :
– افتحي التلفاز و ابتعدي عن طريقه ••
تنهدت و عادت تطلب الطلاق مجددا ، و للمرة الثانية عــــاد يأمرها بأن تفتــــح التلفــــاز و تتركه و شأنه •• صاحت بأعلى صوتها و قد فاض منها الكيل :
– قلت لك طلقني •• الآن يا سهيل •• الان ••
ضحك بتهكم و قال ببساطة و هو يلقي بعلبة العصير :
– ريم •• أنت طالق ••
تنفست ريم الصعداء رغم أنها شعرت بأن مطرقة ضخمة نزلت على رأسها للتو ••اتجهت إلى غرفتها أغلقت الباب بعنف وراءها و بدأت في لملمة ملابسها في حقيبة ••
فتح الباب بقوة و صاح و الشرر يتطاير من عيونه :
– كم مرة قلت لك ألا تعامليني باحتقار ••
لم يدع لها الفرصة لترد ، هجم عليها و أوسعها ضربا •• ظل يكيل لها اللكمات و الرفسات و الصفعات مصحوبة بأقوى العبارات البذيئة ، حتى سقطت مغشيا عليها ، بلا صوت ، بلا كرامة ، بلا أمل ••
***
عندما أفاقت ريم بدا و كأنها تسحب نفسها من أعماق سحيقة ، تلفتت حولها ، كانت على سريرها ، و الغرفة مظلمة و لا صوت هنالك •• صاحت بفزع :
– حبس آخر ••
حاولت النهوض فلم تقوى •• عادت فكررت المحاولة ثانية لكن أضلعها كانت ضعيفة جدا فلم تحتملها ، شعرت أن أجزاء في جسدها تحطمت تماما ، كان الألم يخرج منها دون أن يحدد منبعا ، تشعر بالوجع لكنها لا تعرف تحديدا ماذا يؤلمها ، عادت فاستلقت مجددا و نامت أو أغشي عليها •• شيئا منهما لكنه كان يشبه الموت ••
***
منزل متهدم ، مكشوف من وجوهه الأربعة ، تنهال عليه من كل مكان القذائف و ريم تركض فيه مذعورة ، خائفة •• تلوذ بالأركان فلا تحميها ، تعود فتركض تلوذ بالأعمدة فتتحطم قربها و تسمع لها دويا يصم الآذان ، فتعود لتركض من جديد •• و فجأة يظهر سعيد ، يمسكها من يدها ، يجري بها بسرعة و يقول بحزم :" أركضي •• أهربي يا ريم •• هيا " تشعر بيده تطوق يدها فيزول الخوف ، تترك له القياد ، مسلوبة الإرادة يركض بها ، و في مستنقع كبير نتن الرائحة بشع الصورة يسبح بها حتى يخرجا معا إلى أرض خضراء شاسعة الأبعاد ، جميلة الرائحة ، هادئة لا أثر فيها لكل الرعب السابق •• تتنفس الصعداء و تنظر ممتنة إلى سعيد فلا تجده ، رغم أن ملمس يده مازال في يدها ، فجأة تمطر الدنيا ، مطرا هتانا ، خفيفا يسقط على يدها و تسقط بضعة قطرات منه على خدودها •• مازال ملمس يده في يدها و ابتسامة خفيفة تطوف على وجهها إبتسامة راحة لم تشعر بها من قبل ••
قطرة مطر كبيرة على خدها تفيقها •• رعب كبير يجتاحها ، ضوء ساطع يسلط أشعته في عيونها و سهيل جالس بقربها يمسك يدها و دموعه تتساقط على وجهها ، تصيح فزعا ، تفلت يدها و تحاول الإبتعاد •• يهدئها •• يعيد تثبيتها في مكانها يهمس من بين دموعه :
– أخيرا عدت للحياة ••
تستكين لصوته المتضرع •• ترتاح في نومها ، وتهمس بحلق جاف :
– كم الساعة الان ؟
يربت على يدها يهمس بحنان بالغ :
– حمدا لله على سلامتك ••
يغرقها طوفان الحنان فتنبت في أحاسيسها الدموع و تتساقط صامتة ، يضمها إليه و هو يهمس بلهفة :
– سامحيني يا حبيبتي ، سامحيني أرجوك ••
و تنظر ريم إليه ، لوم الدنيا في عينيها ، تهز رأسها فيتصاعد الألم تهمس كأنها تصيح :
– لماذا ؟
يضيع بقية السؤال في غصة الألم المجنون ، تصمت ، ترتشف دموعها ، يده التي تمسح الدموع بحنان فائق تشعر بها كالشوك ، لا تقوى على رفض وخزاته •• تدير وجهها عنه ، أصبح فجأة في ناظريها كالشيطان ، ملامحه الجميلة قناع يخفي الوحش الذي رأته قبل قليل ، وداعته و دموع ندمه كلاليب ضخمة ينزع بها جلدها ، أمانها ، وهمها القديم ••
يهمس لها و هو يمسد شعرها :
– ريم حبيبتي ، اجيبيني ، أنظري إلي ، لا ترفضيني ، أرجوك ••
تحاول أن تبتعد عن لمساته ، بها نار تحرقها ، لزجة كأنما أخرجها من المستنقع قبل قليل ، تذكرت الحلم ، فاستكانت روحها ، على أنها مالبثت أن ادركت أنه مجـــرد حلــــم ، همست و هي تهز رأسها لتبعد الدموع عن وجهها :
– رأيتك مستنقع وحل يا سهيل •• مجرد مستنقع وحل ••
قال لها و نشيجه يرتفع :
– لا يا ريم ، لا ، لا تتخلي عني ، أنت الوحيدة التي أعرفها في هذا العـــالم ، أنت عنواني و شهادة مــيلادي ، أنت بيتي •• أنت وطني يا ريم ، أتذكرين •• كنت بدوري وطنك منذ أيام ••
أدارت وجهها و علت أنفاسها و صاحت :
– مزيف •• وطن مزيف يا سهيل ، مستنقع وحل كنت أظنه جنتي فصار سجني ، عبوديتي ، ناري •• أنت نار يا أيها المسكين ، نار لا تمنح من يعاشرها إلا الحريق ••
انتفض واقفا ، مسح دموعه كأنه ينزعها نزعا ، تطلع إليها بكراهية شديدة و همس :
– لا تستحقين العطف ••
غادر الغرفة و صفق الباب وراءه ، تحاملت على نفسها ، نهضت من الفراش ، سارت بخطوات متعثرة حتى وصلت إلى الباب المصفوق ، بصعوبة استطاعت فتحه ، لم تجد سهيلا في الصالة ، توجهت إلى المطبخ ، كانت تريد أن تشرب ، وجدته هناك ، كان يبحث عن ملعقة في جارور المطبخ ليذيب بها سكرا في كأس ليمون صنعه لنفسه ، عندما رآها على باب المطبخ ، نظر إليها بغضب و صاح :
– ماذا تريدين ؟
نسيت ماذا تريد ، كل ما تذكرته أنها تريد الفكاك من هذا المخلوق الكريه ، همست و هي تضم ثوبها :
– أريد أبي ، و أمي •• خذني إليهم أرجوك ••
كان يقلب ليمونه بهدوء يخفي عاصفة داخله ، تملكه يقين بأن ريم تريد إذلاله ، تريد أن تفضحه و تخبر العالمين بعجزه ، همس و هو يقلب كأسه كأنه ينحته :
– أغربي عن وجهي ••
زادها موقفه إصرارا فقالت بتصميم :
– سهيل ، لقد ألقيت علي يمين الطلاق ، من فضلك أذهب بي لأهلي ، أو اذهب فاستدعهم ••
قال و هو يقبض الكأس بيده بقوة :
– قلت أغربي عن وجهي الآن ••
ضعف ريم وقتها و قلة حيلتها كانا الدافعين إلى مزيد من العنـاد ، تشبثت ببـاب المطبخ و صاحت :
– أذهب بي إلى أبي •• أسمعت ؟
في أقل من لحظة كان كوب الليمون يغسلها ، استشعرت طعمه في قطرات لمست شفاهها المتشققة ، اتسعت عيناها رعبا ، ثم غضبا ، لا تدري كيف اندفعت باتجاهه ، تريد الإنقضاض عليه كانت تصيح و هي لا تعي ما تقول لكنه سمعها جيدا :
– حرام عليك ، حرام عليك ••
دفعها عنه بقوة فاصطدمت بطاولة المطبخ ، سقطت أرضا و هي تستند عليها ، لمست أصابعها المرتجفة السكين ، قبضت عليه بقوة رفعته باتجاهه ، عجزت عن الكلام فتركت السكين يلوح أمام عيونه بما تريد أن تقول ، تطاير الشرر من عيونه و صاح بأعلي صوت يمكنه :
– تريدين قتلي يا مجرمة •• تريدين قتلي ؟
نبهها صراخه فتركت السكين يسقط أرضا بجانب قدمه نظر إليه ، ثم إليها فقالت و هي تكاد تغيب عن الوعي :
– أقتلني يا سهيل •• هيا أقتلني ••أرجوك •• ما أرخص الحياة ، ما أرخص الحياة ••
كانت تغيب تدريجيا عن وعيها و سمعها يلتقط طرقات متلهفة على باب البيت ••
***
عندما أفاقت ريم كانت على فراش قديم كان لها ذات يوم •• عرفت ملامح الغرفة القديمة على الفور ، أنتبهت ذرات كيانها على أشباح واقفة بلا حراك أمامها تبينت فيها سمت أمها و أبيها و أختها •• و ما لبثت أصواتهم أن أنسابت رقراقة في أذنها فصبت على جزعها ماءا باردا فصاحت و هي تمد يدها نحوهم بلهفة :
– أمي •• أبي •• سمر ••
اندفع ثلاثتهم نحوها ، أحاطوها ، غمرتها قبلاتهم ، و غمرتهم بقبلاتها ، كانت دموعها تنزف و هي تردد :
– الحمد لله ، الحمد لله ••
كانت تلمسهم ، تلمس ثنايا أجسادهم ، وجوههم ، شفاههم ، دموعهم ، تشم رائحتهم ، كانت تتأكد في كل هذا أنها لا تحلم ، تعاود احتضانهم ، تبكي ، تصيح :
– أهلي •• أهلي ••
تضحك تصيح :
– أنتم معي •• أنتم معي ••
و تعاود تشكك في أنها الحقيقة ، فتسأل بلهفة و خوف :
– أنا لا أحلم ؟
تحاول النهوض ، فتعيدها أمها برفق و هي تقول بدموعها :
– حسبي الله و نعم الوكيل ، حسبي الله و نعم الوكيل •• اهدئي يا حبة القلب •• نحن معك يا حبيبتي ••
تقاومها ، تخشى إن هي استسلمت للنوم أن تستيقظ لتجده معها ، تقول و هي تقبض عليها بقوة :
– أمي •• أنا لا أحلم •• أنتم معي ؟
يجلس أبوها بجوارها ، يربت خدودها •• تلمع دموعه ، لأول مرة تراه يبكي •• يميل عليها ، شاربه الكث الحبيب يقتحم مجال رؤيتها بقوة يقول و هو يهدئها :
– أقسم لأنتقمن منه يا غالية •• سأنتقم منه ••
تسمع نهنهات سمر فتمد يدها تناديها ، تقترب منها سمر تقبل اليد الممتدة نحوها تسألها و عيونها تلتمع بالبكاء :
– أنت بخير يا أختي •• هه أنت بخير ••
تتنهد ريم فتزيح عن صدرها خوفا قبع عليه أياما طوال و تهمس للاحبة حولها :
– اطمئنوا •• الحمد لله •• أنا بخير ••
ترفع الأم كفها للسماء ، تحمد الله ، تقبل يدها ظهرا ببطن ، تقول و هي تحتضن رأس الحبيبة :
– الحمد لله يا ريم ، الحمد لله يا ابنتي ••
***
لم تكن الأيام التالية سهلة ، كانت ريم تلقى من أهلها كل الرعاية التي أفتقدتها منذ زمن ، و زارتها أم عبد الله و مشاعل التي أصبح لديها مولود ثالث أطلقت عليها أسم ريم فادخلت البهجة على قلب ريم الكبيرة و شعرت أن الدنيا لازالت بخير ، إلا أن الحديث عن سهيل و عن الإجراءات التي يجب أن تتخذ ضده كان هو الهم الكبير الذي بات يؤرق العائلة و خصوصا ريم التي كانت تتمنى لو أن حياتها معه منذ البداية صفحة كتاب يمكن أن تمزق و تنتهي ، لم تكن تريد ذيولا طويلة للموضوع ، فكانت ترفض كل اقتراح يقترحه الاب عليها :
– محكمة ؟
– لا ••
– جلسة رجال و حق عرب ؟
– لا ••
– أمزقه أربا و أحطم البيت فوق رأسه ؟
و تصيح ريم بحزم :
– لا ••لا أريد غير ورقة تؤكد حريتي ••
و كان لها ماأرادت ، ورقة سجلها سهيل في المحكمة و أعطاها للأب بعد أن أخذ كل شيء مقابل هذه الورقة ، و يوم التقى الأب به في رواق المحكمــة قال له و هو يتسلم ورقة ابنته :
– لولا أننا في بلد نظامي ، لعرفت كيف أنتقم لإبنتي منك ، لكن العمر الطويل يبلغ الأمل و يوما ما سأمسك بك لأقطع من لحمك الحي قطعة قطعة حتى أشفي غليلي ••
أمسكت ريم ورقتها الغالية ووضعتها بعناية في صندوق مقتنياتها الثمينة •• كانت في نظرها في تلك اللحظة أهم ورقة رسمية تحصل عليها ••
في المساء أعلن التلفاز السعودي غزو العراق للكويت ، و كانت صدمة كبرى ألهت الأسرة عن مأساة ريم لبعض الوقت ، تغير مجرى الحديث في هذا البيت و في كل بيت نحو هذا الموضوع ، و أنصبت التحاليل من كل جانب و عندما أعلن ياسر عرفات تأييده للجانب العراقي اسودت الدنيا في عين اللاجئة ، فها هو موقف سياسي جديد يحكم على ملايين الفلسطنيين الذين لا ذنب لهم بالطرد من رحمة الدنيا ، ضاقت عليــها الأرض بمـــا رحبت و تمتمت بغيظ شديد :
– لماذا ؟ لماذا ؟
قالت مشاعل و هي ترضع ريم الصغيرة قرب انتهاء يوم العمل :
– لا أفهم هذا الموقف أبدا ، ما السر فيه ؟ لن ينسى الكويتيون ما عاشوا هذا الموقف للفلسطنيين أبدا ، لماذا اتخذتم هذا الموقف يا ريم ؟
قالت ريم بضيق شديد :
– أرجوك يا مشاعل لا تتحدثي و كأنني أنا من اتخذه ••
– لكنه سيؤثر عليكم كثيرا ، هذا مؤكد ••
– أعلم هذا ، و لا أملك حيلة ••
***
كغيرها من أفراد الشعب السعودي قررت أم عبد الله مد يد العون للكويتين الذين لجأوا إلى السعودية فأسكنتهم الدولة في عدة أماكن و أمدتهم دوما بالغذاء و الكســـاء و الدواء و متطلبات الحياة ، لذا قررت اصطحاب ريم و مشاعل معها في زيارة لهم للوقوف على أحوالهم و تقديم يد العون لهم ، و هناك وقفت ريم على الحال ، و تحدثت مع عضوات لجنة مناصرة الكويت و اقتــرحت عمل معرض دائـــم في الســكن للتعبير عن الموقف الكويتي و مساندته ••
و على الفور بدأت ريم في رسم لوحات تعبيرية كانت تسهر عليها طوال الليل و في الصباح تذهب بها إلى مقر اللجنة لاقرارها •• أنهمكت في هذا العمل و عندما شارف المعرض على الانتهاء و قد شاركت فيه كل فنانة سعودية أو كويتية ، تقدمت منها إحدى العضوات الكويتيات و قالت لها و هي تثني على جهودها :
– نحن نحبكم كثيرا أيها المصريون ••
ابتلعت ريم غصة و أوشكت أن تخبرها أنها فلسطينية ، و لكن شيئا ما أخرسها على الفور ، و انتبهت إلى أنها كانت تتحدث معهم دائما باللهجة المصرية ••
كان رفض السيدات الكويتيات للجنس الفلسطيني واضح جدا في كل أحاديثهن ، و كانت ريم تستمع إليهن و عندما تهم بالتعبير عن وجهة نظرها فتقول :
– ليس كل الفلسطنيين سواء ••
كانت تجد ألف صوت يخرسها و هن ينددن بموقفهن من الغزو العراقي و تقول إحداهن :
– عاشوا معنا و أكلوا من خيرنا و أصبح لدينا منهم من هو أغني من أبناء البلد ثم انتقموا منا و انقلبوا علينا بمجرد أن واتتهم الفرصة ، إنهم غدارون ••
و إذا حدث أن بثت وكالات الأنباء خبرا عما يلقاه أبناء الكويت الذين بقوا في الكويت على أيدي العراقيين علقت السيدات بأن الواشي فلسطيني بلا أدنى شك ••
كانت ريم في صراع كبير مع نفسها ، تريد أن تقف أمام كل هؤلاء و تخبرهم أنها فلسطينية و تعتز بجنسيتها كما كانت تفعل أيام الجامعة عندما كانت تهاجم في جنسيتها بسبب موقف سياسي ، إلا ان الظرف كان دائما غير مواتيا و الأحداث كانت متسارعة تفيض بالأخبار السيئة ، تشعل قلوب الناس على مدن تــدمر و أبرياء يموتون و أبار بترول تحترق و حياة فطرية يعتدى عليها في الخليج ••
***
تطلعت ريم عبر مرآة حجرتها إلى شعرة بيضاء تسللت في غفلة منها إلى شعرها •• لاحظت الأم أنها وقفت تتأملها طويلا فقالت باسمة :
– مازلت ريم الجميلة ••
ابتسمت ريم رغما عنها و قالت و هي تغادر موقعها و تجلس قبالة أمها :
– لا يا أمي •• لم أعــد ريم الجميـــلة ، لم أعد ريم الصــغيرة •• عمري ينسل من بين أصابعي و الزمن يبدو كأنه لا يتحرك ••
فقالت الأم بقلق :
– لماذا تتحدثين هكذا كمن فاتها قطار العمر ؟
فقالت ريم مبتسمة :
– تجربتي في الحيـــاة يا أمي أضــــافت إلى عمري سنين ، ســــرقت مني الفــرحة بالحياة و الإقبال عليها ••
– لا يا ابنتي ، لا تقولي هذا الكلام ، مازلت صغيرة ، لم تصلي إلى الثلاثين بعد ••
تنهدت ريم و قالت و هي تضغط حروفها :
– ياه ه ه كأنني بك في الأمس القريب تقولين نفس العبارة و لكن باختلاف الرقم ، كنت لم أصل إلى العشرين •• ما أسرع الأيام يا أمي ••
– إذا حملتها فوق ظهرك سوف تقعين في منتصف الطريق ، أما لو سابقتها فستصلين حتما قبلها ••
– سابقتها إلى أي شيء يا أمي ؟ ما هو الهدف من حياتي •• لماذا أعيش ، إذا كان كل أمل يصبح ألم ، و كل هدف أصل إليه أجده سراب ••
– ضعي لنفسك هدفا جديدا ، لا تيأسي ، الحياة لم تتوقف بسبب فشل تجربة ••
– الفشل فظيع يا أمي
– كان فشله هو و ليس فشلك أنت ••
تنهدت ريم و قامت مبتسمة و قالت :
– هو فشل على أية حال ••
***
عاد قاسم •• حمل شهادته الكبيرة و عاد •• لم يكد يستقر حتى فتح نقاشا حازما مع أبيه :
– أبي •• لابد أن نعود ••
هز الأب يدا ترتجف و قال بهدوء :
– إلى أين ؟
فقال قاسم على الفور :
– إلى مصر ، إلى بيتنا هناك ، لن تعيش في غربة طيلة حياتك ••
ضحك الأب و هو يشيح بيده و قال :
– بيتنا في مصر ؟ هل نسيت يا بني أن لا بيت لنا هناك ، هل نسيت أنه موطن غربة بدوره •• غربة لي و لكم ، هنا يشبه هناك ، ما الفرق ؟
– إذن عد إلى فلسطين ••
رفع الأب رأسه ، نازعه حنين اغتصب ابتسامة و قال :
– يا ليت ••
– ما المانع ؟
أشعل سيجارته بأصابع مرتجفة و قال بشيء من المرارة :
– منذ أن ختمت جبيني بختم الغـــربة ، لم أر بلـــدي •• أحوالــها تغيرت ، الصغار كبروا و البيوت امتلأت بأناس لا أعرفهم ، و الجميع يعرف أنني هنا و يتوقع مني عندما أعود أن أكون بحجم حياتي المتوقعة هنا •• هل تعرف كم يمكن أن يكلفني تفكيري في العودة •• هذا بفــرض أنني أستــــطيع أصــلا العودة متجاوزا كل المحاذير و الحدود و علامة ممنوع الدخول ؟
– و لم لا ؟
– يا بني الطريق إلى غزة يمر بمصر و أنا فلسطيني ، لا يمكن أن أمنح هذه التأشيرة ••
– نحاول ••
غمزت له ريم بطرف عينيها ، و عندما انفردت به في حجرتها قالت له :
– أبي لا يمكن أن يستجيب لطلبك يا قاسم ••
– و لم لا ؟
– لأنه أصبح غريبا •• الغربة أعطته جنسيته التي أصبح الآن ينتمي إليها •• لا تحاول أن تسلبه هذه الجنسية و تذكره أن له وطن ••
صاح قاسم :
– و لكن هذه سلبية ••
فقالت ريم بسرعة :
– قاسم •• أنت تتحدث عن أبي ••
– لا يا ريم ، حديثي ليس فقط عن أبي ، إنني أتحدث عنك و عني ، عن أمي ، عن أبي•• أتحدث ، عن مأساة استطالت حتى جاءت على الأخضر و اليابس في حياتنا ، أبي عاش غريبا ، لاجئا ، يقدم حنينه قربانا إلى وحش لا يشبع اسمه الغربة ، و أنت وقعت ضحية رغبتك في وطن ، تعثرت المرة تلو المرة ، و أمي عاشت اختياريا غربة عن وطنها ، و أنا فقدت حبي الوحيد بسبب جنسيتي ••
– حبك الوحيد ؟
***
عاش قاسم قصة حب ناعمة مع زميلته مهيتاب ، إبنة أستاذه في الجامعة ، سعت هي للتعرف عليه عندما تحدث والدها عنه بتقدير كبير ، و عندما تعرفا نبتت بينهما رويدا مشاعر ألفة ما لبثت أن تحولت إلى حب جارف من ناحية قاسم ، قابله دوما مودة عاقلة من "ماهي " كما كان يناديها •• كان وراء زميلته عقل أكبر يرشدها دوما إلى ما فيه سعادتها ، أبوها كان بالمرصاد لهذا الحب ، لأن الولد ــ رغم كل مميزاته و تفوقه و أخلاقه ــ فلسطينيا ••
قال قاسم لريم و هو يفرك يده بغيظ :
– لم أكن أتخيل يوما أن جنسيتي ستحول دون أن أعيش و أن أحب ، قابلت كل عثرة في حياتي بروح راضية ، فقد كنت أعرف أنها ستمضي إلى حال سبيلها •• لكن أن تصادفني هذه العقبة •• أن يرفضني الدكتور عامر لمجرد أنني فلسطيني ، كانت هذه هي الطامة الكبرى ، المشكلة التي لن أجد لها حلا ، لو أنه أحتج بفقري ، لحاججته بالمستقبل و العمل القادم و المال الذي نصنعه و لا يصنعنا ، أو أنه رفضني لأخلاقي ، لوعدته بإصلاح ما لا يعجبه ، أو أنه رفضني لعلة قابلة للتغير •• ؟ لكنه يا ريم رفضني لجنسيتي قال لي :" لا يرضيك أن تعيش إبنتي تفاصيل لجوئك و تعاني معك من رفض العالم " •• إذن لماذا نعيش ؟ ، ما الهدف من حياتنا ، إذا صودرت مشاعرنا كيف نعاود مهادنتها ، و نعقد معها صلحا ، إذا جرحنا في كبريائنا ، كيف نضمده و نغسل عنه آثار السكين •• أي مصير اختاره لنا أبي عندما اختار أن يغادر بلاده ليبحث عن نفسه ، أي مصير رمانا إليه عندما أقتلعنا من جذورنا و رفضت أي أرض أخرى أن نغرس فيها ذواتنا ؟ ما الذي جناه أبي من غربته و ضياعه و ضياعنا ؟ هل لديك إجابة يا ريم ؟ هل لديك تفسير ؟
جلست ريم على طرف فراشها •• كان الألم يمزقها ، فجأة وضعها قاسم أمام حصاد العمر •• فجأة اكتشفت أن الحصاد كان هباء ، لم يكن أبدا بقدر المعاناة ، لم يكن أبدا يستحق عناء الحياة التي عاشوها ••
تلفتت حولها •• ماذا بعد سنين الدراسة و العمل و الغربة و العذاب •• ما هي النتيجة ؟ شهادة لها و شهادة لقاسم ، من ذا يعبأ ؟ كم عدد حاملي الشهادات في كل وطن ، كم عدد من يقتاتون قمامة الطرقات في اوطانهم رغم الشهادات و التعليم ؟ ماذا قدم لهم جهاد أبيهم ، لماذا هم هنا ؟ و لماذا يكونون هناك ، و لماذا هم دومــا على الهامش ، يأكلون فتات الموائد و يبــلعون الذل مع الماء ••
– معك حق يا قاسم • معك حق ، لم نجني من كفاح العمر إلا السراب ••
***
تلك الليلة لم ينم جهاد ، ظل يتقلب على جمر التفكير ، حديث قاسم إليه ، ثم إلى ريم ، نبهه إلى غفوة عاشها طويلا ، تلقى فيها ضرب المطارق ، و لم يدفع عن نفسه تهمة أنه يريد أن يعيش •• نهض من فراشه فنبه زوجته •• دق كفا بكف و قال:
– متى تحتوينا الدنيا فيمن احتوت ؟
نهضت سميحة فزعة ، قالت و قلبها يخفق بشدة :
– ما بك أبا العيال ؟
نظر إليها و قال و هو يتنهد حسرة :
– أبنائي تعساء يا أم قاسم ••لم أستطع تأمين القدر الضئيل من السعادة لهم ، فشلت في منحهم صك أمان يعيشون به في هذا العالم ••
لم تفهم سميحة ما الذي يقصده زوجها على أنها استشعرت هما كبيرا يعربد في قلبه •• صمتت ، فأكمل :
– لم أنجح في منح ريم رجلا يصونها ، و لم أنجح في إعطاء قاسم انتماءً يعتز به ، لم أنجح في حمايتك من سنين غربة طويلة ، سمحت لنفسي أن أجور عليكم جميعا ، سمحت لنفسي أن أصادر أحلامكم في حياة سوية ، كان أشرف لي ألف مرة لو بقيت في بلدي ، أعاني ما يعانون ، أشرب ماءهم الملوث بالرصاص ، و آكل لقمتهم المغمسة بذل النهار •• كان أشرف لي ألف مرة أن ألحق بمحمد في طابور الشهداء بدلا من أن أضاعف مآساتي ثلاثة مرات في ثلاثة أبناء ، لا يعرفون لماذا يدير العالم ظهره عنهم ، يلاطفونه فيصفعهم ، يهادنونه ، فيضربهم ، يقدمون له الود فيرفضهم ••
صاحت سميحة لتسكته :
– ويحي يا أبا العيال ، ويحي ، لا يمكن أن تكون نظرتك أنت بالذات لحياتك بهذه القسوة ، أنت جهاد •• جهاد الذي جاهد منذ نعومة أظفاره تصاريف أقدار لا ترحم •• أنت جهاد الذي رفض أن يترك أولاده نهبا لمستقبل مجهول دون أن يحصنهم بالعلم ، أنت جهاد الذي منح أولاده معنى الحب و معنى العطاء و ضرب أروع المثل في التضحية و الفداء ، جهادك للجهل ليس فشلا يا أبا قاسم ، جهاد ظروف لا ترحم لا يقل أبدا عن جهاد محمد و من معه ، لقد جاهدت غربة كان يمكن أن تسلم أبناءنا للضياع ، منحت لأصابع ريم الضياء لتظل ترسم و تقتات برسمها ، تعيش فلا يكسرها رجـــل بلا رجولة ، منحت لقاسم شهادة عز يصبو إلى مثلــــها الكثيرون ، و غدا تراه رب أســــرة قـــادر على تحــمل مسؤولية أولاده و منحهم السعادة و الأمان •• منحت و لازلت لسمر كل الحب و الرعاية و التعليم •• منحتني و لازلت الرجل الذي لا أرضى عنه بديلا لو بادلتني الدنيا به كل الرجال ، رجل يعرف معنى العشرة ، معنى المسؤولية •• كنت وطني ، بلسم جرحي ، أبو أولادي ، زوجي ، أبي ، أخي ، حبيبي •• لا يا جهاد ، لا تستهن بسنين جهادك ، لا تذروها رمادا في الهواء ، فلقد فعلت و تفعل ، قدمت و تقدم كل ما وسعك ، لن ينسى لك أبناؤك عطاءك و لن يجحفك الله فضلك ••
لم يرد جهاد ، كان بحاجة إلى كلماتها ، كان بحاجة إلى أن يسمع شيئا ينصفه ، في داخله توسل وجدانه أن تقول المزيد ، و على لسانه خرجت عبارة تستجدي التأكيد قال بضعف كبير :
– هل صحيح ما تقولين يا أم العيال ؟
هزت الأم رأسها تأكيدا ، و ضمت كفه إلى كفها و همست بحب :
– أقسم لك أنه صحيح ••
***
و جمعتهم الأم •• جمعت أولادها الثلاثة في غياب الأب •• كانت حازمة للغاية قالت موجهة حديثها للجميع :
– أشعر أن شرارة نار صغيرة ترعى الآن في صدوركم •• شرارة نار لن تلبث أن تصبح جحيما •• ماذا حدث يا أولاد جهاد ؟
نظرت ريم إلى قاسم فبادلها النظر و قالت سمر :
– لا أفهم يا أمي ••
فقال قاسم بهدوء :
– شرارة النار لن تحرق إلا الإستسلام و السلبية يا أمي ••
قالت الأم و هي تنظر إليه بقوة :
– إذا بقيت شرارة يا ابن بطني ، أما اذا تحولت إلى جحيم فإنها ستحرقنا جميعا و أولكم أبيكم ••
قالت ريم بسرعة :
– أبعد الله الشر عنه يا أمي •• ماذا حدث ؟
فقالت الأم و هي مازالت تنظر إلى قاسم :
– ليلة البارحة لم ينم أبوكم •• كانت روحه تحترق من أجلكم •• تملكته فكرة غريبة •• تحدث و كأنه أضاع عمره بلا ثمن •• لماذا قسوتم على أبيكم ، لماذا يا قاسم ؟
أخذ قاسم نفسا عميقا و قال و هو متأكد أن ما سيقوله لن يكون هينا :
– أمي •• عندما غادر أبي فلسطين قبل أكثر من سبعة و عشرين عاما كان شابا ، واحدا ، عانى من قسوة ظروف لا ترحم و جاء إلى مصر بحثا عن الأفضل •• و عندما تزوجك لم يفكر للحظة واحدة في مستقبل لن يكون فيه وحيدا •• كل ما فكر فيه وقتها أن يصنع لنفسه وطنا بدلا عن وطنه الذي انتزع نفسه منه انتزاعا ، نسي في خضم فرحته بوطنه الجديد و مسؤوليات الأسرة ، أن الوطن الذي صنع وطن غير معترف به ، لا يكفل لمن ينتمون له أبسط الحقوق ، و لا يمنح من يلجأ إليه الأمان ، وطن يعوزه مباركة العالم ، نسي و هو يحملنا صغارا واحدا بعد واحد أن وطنه بلا حدود ، و أن صغاره ينبغي أن يظلوا صغارا لا تعدوا حاجتهم طعاما و شرابا ، لعبة و تدليلا •• تركنا نكبر رغم أن الأرض تحتنا ليست لنا ، تركنا نحلم رغم علمه بأن أحلامنا على بساطتها غير قابلة للتحقيق •• و عندما اصطدمت أحلامه فينا بعقبة المال ، أبدي بسرعة استعداده المطلق للتغرب عنا من أجل تأمينه لنا ، حتى يظل حلمنا يكبر و تظل أحلامنا تتسع و نفاجأ و نحن نوشك على قطف الثمار أننا لا نملك الحق فيها ، ليس لدينا مسوغات الحياة اللائقة •• مجرد كائنات تؤدي وظيفة واحدة ، هي تحقيق حلم أسطوري للاجيء قديم بأن يصنع لنفسه وطن •• غير أننا يا أمي أصبحنا بدورنا لاجئين ، نبحث بجنون عن وطن نريح عليه أقدامنا المتعبة و نثبت فيه جذورنا التي تتمايل في الهواء •• ريم بحثت عن وطن فاصطدمت بالعجز و القسوة ، و أنا بحثت عن وطن فأغلقوا الباب دوني •• و هو مصير ينتظر سمر أيضا ••
لا تلومينا يا أمي إذا طفح الكيل منا ووجدنا أنفسنا أمام أنفسنا ، فصارحناها ، كاشفناها بحثنا في ذواتنا عن أصل الخطأ ، و قررنا معالجته ••
تنهدت الأم و نظرت إلى ريم ، أدركت ريم أن عليها أن تتكلم بدورها ، عليها في هذه اللحظة أن تقرر إذا كانت توافق قاسم فيما يقول أو أنها ضده ، كان لابد أن تتكلم فتكلمت قالت بحروف تتعثر في الحياء و الارتباك :
– أمي •• أنا أحب أبي •• أحبه حبا جما ، و اراه أعظم رجال الدنيا ، و أنظر إلى عطائه لنا طيلة سنين غربته نظرة إكبار و تقدير ، لكنني عندما أناقش حياتنا مع نفسي ، أو مع قاسم ، أو حتى على الملأ معكم جميعا ، أحاول و يحاول أخي أن نضع النقاط على الحروف ، أن نحدد لخطواتنا موقعا قبل الشروع فيها •• سنة الحياة يا أمي أن يكبر الصغار و أن تنفصل أحلامهم عن أحلامكم •• و أن تختلف رؤيتهم للحياة عن رؤيتكم •• لقد ظللنا حتى التخرج و رغم المعاناة التي شربتموها معنا نحقق أحلامكم •• كنا نعتقد أنها بدورها أحلامنا ، لكننا اكتشفنا ، و سأتحدث عن نفسي على الأقل •• اكتشفت أن ما فعله أبي معي كان هدفه هو •• لابد للمرء أن يضع لنفسه هدفا حتى يعيش من أجله ، و أبي الذي فقد وطنه ، و يعرف أن حلمه في أرض ، أو منزل ، أو شيء يملكه سيكون من قبيل حرث البحر ، ارتاح كثيرا إلى أن يجعلنا هدفه •• ارتاح كثيرا إلى فكرة أنه يكافح من أجل أن يصل أبناؤه إلى أعلى الدرجات العلمية •• هذا الهدف يا أمي له ميزة عظيمة لأبي فهو هدف متواصل سيظل يكافح من أجل تحقيقه حتى تتخرج سمر بدورها •• و هو هدف في حد ذاته عظيم و نبيل و قد أداه والدي حتى الآن كأفضل ما يكون •• لكنه نسي في خضم هذا أننا كائنات حية و بدورنا تتشكل أهدافنا و تتوجه نظراتنا و تتغير اتجاهاتنا •• لسنا مجرد عرائس تتحرك وفق رغبة محركها •• نحـــن أهــــداف متحركة تنــمو و تكبر و تتسع نظرتها في الحياة لتشمل كل شيء •• إننا نريد أن نضع حدا لهذه الحياة •• نضع حدا لطريق سرنا فيه منذ البداية لتحقيق رغبة لأبينا ، نريد طريقا آخر لأنفسنا ، يدفعنا له هدف نسعى بدورنا لتحقيقه ، لا نريد أن نظل طوال حياتنا رهن طريق واحد يقودنا في النهاية إلى لا شيء ••
تنهدت الأم ثم قالت لهما دون أن تخص واحدا منهما بسؤالها :
– و ما هي أهدافكم يا أولاد جهاد ؟
للمرة الثانية يتبادل قاسم و ريم النظرات فتقول ريم بهدوء :
– مازلت لم أحددها بعد ••
و يقول قاسم :
– عما قريب ستعرفانها ••
***
كانت حرب الخليج قد انتهت و عاد الكويتيون إلى بلادهم و في حفل أقامته السفارة الكويتية دعيت ريم لحضوره تم تكريم كل من شارك في مساندة الشعب الكويتي ، و نالت ريم شهادة تكريم جميلة و دعوة كريمة بزيارة الكويت من عضوات اللجنة الذين كانوا يكنون لريم"المصرية" كل التقدير ••
و استيقظ العالم ذات صباح قريب على مؤتمر السلام في مدريد •• وبعد ذلك تابع جهاد مع أسرته على الشاشة المصافحة التاريخية بين رموز بلاده و أعدائه في حديقة البيت الأبيض ••
ساد الوجوم الوجوه •• نظر جهاد في عيون أولاده •• ضعف غريب كان يسكن عيونه ، شعر أنه لا يستطيع التقاط أنفاسه •• جر قدميه جرا أمام عيون الجميع و اتجه إلى فراشه ••
احاطه الجميع بقلقهم ، بحبهم ، تطلع إليهم ، كان يراهم من بين ضبابات غربته •• تجمعت في عيونه دموع ساخنة •• استجاب ليد سميحة و هي تمسك يده فضغط عليها بقوة ضعفه و قال و هو يطالع لوحة البئر غير المكتملة التي رسمتها ريم ذات يوم بعيد :
– إنها نهاية الرحلة يا سميحة ••
لم تستطع سميحة أن تتكلم هزت رأسها رافضة و دموعها تتزاحم على وجنتيها ••
ركعت ريم بجواره ، مسدت رأسه بحنان قالت و هي تحاول أن تبدو قوية :
– أبي ، أنت أقوى من كل شيء ، لا تعطي الفرصة للهزيمة كي تأكلك •• انهض يا أبي •• عد إلينا ، نحتاجك •• اقسم إليك أننا نحتاجك ••
مد جهاد يده باتجاه قاسم ، فلبى سريعا النداء فيها و أمسكها بكل الحب ، طبع قبلة حارة عليها فقال الأب :
– لم يكن هباءا حصاد العمر •• زرعت فيكم الغد الذي لم أره ، و غدا عندما تواجه دنيا يحكمها قانون البقاء ، سوف تجد أنني كنت على حق عندما رسمت لكم حدود الوطن في شهادة تحملها ، و أخلاق تربيت عليها و احترام لائق تعيش فيه ، جد طريقك فلقد أعطيتك المفتاح و لكن انتبه لنفسك •• هؤلاء هم الأمانة التي أتركها في عنقك يا قاسم •• سمر لابد أن تكمل تعليمها ، و ريم لابد أن تتزوج رجلا حقيقيا •• وصن أمك في عيونك •• حافظ على نفسك •• كن كما عهدتك دوما رجلا يا بني ••
انفجرت ريم في البكاء و جاوبتها سمر فقال الأب و هو ينظر للجميع :
– سامحوني ، و اطلبوا لي الرحمة ، و إذا شعرتم يوما أنني حرمتكم من شيء فلا تجعلوه في عنقي و أسألوا لي المغفرة ••
بعدها لم يكن الأب يتكلم إلا بهمهمات قليلة تتبين فيها الأسرة أسماء قديمة ظلت محفورة في ذاكرته •• استمر يومين ينازع الشوق و الحنين ، لا يفارقه أبناؤه و زوجته حتى وهبه الله النطق بالشهادة و مات ••
مات جهاد ••
***
ذات يوم حمل لي البريد نعي عمي ، و اليوم يحمل لك البريد نعي عمك •• كأن البريد بيننا نذير موت لا ينتهي ، و كأنما الأقدار أبت إلا أن يكون رباط الدم بيننا دائما مسفوحا ••
تامر •• يسكنني الخوف منذ سنين يا ابن عمي ، أشعر به نبضا صارخا يدق كطبول حرب لا تريد أن تضع أوزارها •• أشباح الغربة تطاردني كأنها لا تعرف في الدنيا غيري ، كأنها مكلفة بمراقبتي ، تلف أنشوطتها حول عنقي و تسحبني ، إلى نفس المصير تسحبني ، إلى فراش بارد في غربة قاسية ، يوما ما سألفظ أنفاسي المحترقة حنينا في ذات الغربة التي لفظ فيها أبوينا انفاسهما ، في دنيا دأبها العناد ، و دقات ساعاتها الفراق •• في نار تتأجج من أعصابنا ، و تستعر بلحم اجســادنا ••
هباء ، كل ما عشناه حتى الآن هباء •• كل ما لاقيناه كان بلا ثمن ، زفرات الحنين ، و أنات الحرمان ، و قسوة الظروف و البشر ، كلها بلا ثمن ، ضاعت يا تامر ، ضاعت يوم ارتضينا معاهدة سلام ترخي على عذاباتنا الستارة المزركشة ، و تخفــي أناتنا خـــلف الموســيقى الصاخبة ••
تحضرنا و نزعنا مسوح الأجلاف يوم قطفنا زهرا نبت على قبور أحبابنا لنهديه طوعا لأعدائنا •• و ماذا بعد يا تامر ؟ ماذا بعد •• الجرافة العملاقة تسير في الطرقات تحمل جثثنا اكواما نتنة لتلقي بها في الأتون ، تسعره حتى يضيء شعلة سلام مزعومة ••
لا تقل لي يا ابن عمي أن ثمة أمل ، لا تكتب أشعارا عن الوطن و تحفرها فوق أضلاع قفصك الصدري ، و تنقشها وشما على قلبك المتعب ، لقد مات جهاد ••لقد مات أبي ••
***
كان الكفيل رحيما ، أمهلهم شهرا حتى ينتهوا من كل ما يربطهم بالبلاد و يستعدوا للرحيل ، كان الجميع على كفالة رجل مات قهرا ، و كان موته إيذانا بالنهاية •• لملموا أغراضهم ، و تنهدت الأم تحمد الله أن لها وطنا يمكن أن يعيش فيه أبناؤها •
ليلة الرحيل بدت ريم ساهمة في ثوبها الأسود ، همست و هي تنظر للحقائب المكومة :
– هل سنترك أبي هنا للأبد ؟
تطلعت إليها الأم واجمة •• لم ترد فأكملت ريم و دموعها تغلبها :
– ألن نستطيع بعد اليوم زيارته ، حتى قبر يضمه لن يكون بمقدورنا قراءة الفاتحة عنده •• سنتركه هنا ، جدث مجهول ، لرجل مجهول ، عاش و مات مجهولا ••
قالت الأم و شفتاها ترتجفان :
– أطلبي له الرحمة أنى كنت يا ريم •• إسألي الله له المغفرة و الجنة في أي مكان •• الله موجود في كل مكان ••
تمتمت ريم :
– لو كان له وطن •• لو كان لنا وطن •• لو كان من حقه أن يحتل في بلده مترا في متر لما عاش غريبا ، و مات غريبا •• آه ه آه ه ، كم أنا مقهورة و حزينة •• كم نحن بلا ثمن يا أمي •• بلا ثمن ••أحزاننا قوقعة اتخذت شكل أجسادنا و أصبحت من تكويننا ، يعتقد من يراها أننا خلقنا بها ••لكننا لم نخلق بها •• ولدنا بقشرة رقيقة من الحزن مع الأيام صارت غلافا ، قوقعة •• لم يدرك الناس أننا لا نحبها •• نريد الخلاص منها ، ظنوا طرقنا المستمر عليها حفلات رضى و رقصات حبور ، لم يفهموا يوما أنها صرخات احتجاج و محاولات تمرد عليها ••
مسحت دموعها و أردفت بهدوء :
– محاولات لم يكتب لها النجاح أبدا •• وسنظل نحمل قوقعة الحزن فوق أرواحنا حتى نموت ••
صاح قاسم بقوة :
- لابد من حل •• لابد من تغيير ، لابد لليلنا الطويل أن ينتهي •• لن نظل نتوارث الحزن جيلا بعد جيل ، نتوارث الهم و اللجوء أبا عن جد ، لابد من بعض السكر في اباريق العلقم التي نزدردها لكي نعيش ••
أمسك يد ريم و قال و هو يضغط عليها بقوة :
– لابد أن فرجا سيأتي يا أختي •• سيأتي يوم نخرج فيه من دائرة الإتهام ، و يرى العالم أننا أوفينا العقوبة و أمضينا الحكم ، وكان سلوكنا حسنا•• سيأتي يوم لن يبحث فيه أولادنا عن أرض ينامون فيها ملء عيونهم ، لن يبحثوا فيه عن حنان زائف يحتضن همومهم ، لن يبحثوا فيه عن عيون تتفهم قضيتهم •• سيأتي هذا اليوم •• أنا أكيد ••
هزت ريم رأسها و ابتسمت متهكمة و قالت و هي تسحب يدها :
– مهزوم أنت يا أخي •• و المهزوم دوما يبحث عن خلاص •• يحلم بخلاص •• لكنه لن يأتي هذا الخلاص ••
فقال قاسم بتصميم :
– بل سيأتي ، إن لم يتغير العالم فلنسعى نحن لتغير الظروف ، إن لم يأتنا الفرج فلنرسم نحن ملامحه ، نصممه يا فنانة •• دعينا نضع خطوط غدنا الذي نريد ، دعينا نفجر قوقعتنا و نزحف بعيدا عنها بإيدينا ••
– لن نستطيع ••
– إن شاء الله سنستطيع ••
علت أبتسامة هزيلة شفاهها و صرخت روحها :
– كم أنك واهم أيها المهزوم ، كم أنك واهم ••