حين يغدو الوطن عمامة
نسكنُ أصقاعاً لا تقطننا ..
منذورينَ لكواسرها ..
وما استنسرَ من بُغاث الجحور ..
وإن شرّعتْ لقاماتنا بعضَ النوافذ ..
نصدأ كمعدنها المفولذِ بدم من قضوا مغدورينَ
وهم ينسجون من رفيف الأرياش ..
للأوطان طيوراً ..
نتصدّع كخشب نخرته الريحُ ..
وأثنتْ على هشاشته قطعانُ النمور ..
ظمأى ...
نطوفُ بحدائقَ تثمرُ حجراً ..
فنعتصرَ من عراجينها أقداحَ الرنين ..
وطناً – على عجلٍ – نسميها ..
يكسرُنا ذاك الوطنُ المدّثــِّرُُ بخرائبه ...
يستخرجُ لؤلؤَهُ من محاجرنا ..
ويستثمر شفاهنا ليصنع للسفاحين أغنيةً ..
يفقأ بمخرزها بريقَ مآقينا ..
ونحنُ المسلوبينَ منذُ مشائمنا ..
تمجّد الظلمةَ أبواقُ صباحاتنا
تنعقُ في خرائبنا أبوامُ أماسينا ..
ما نبسُطَ قلوبنا لما نحسبُه وطناً
حتى يرتدّ بقدرته ذئبا
يولغُ نابيه في أحشاء غيبتنا ..
لم يتركْ من أحلامنا سوى أسمالها المهترئة..
فابيضّت عُرياً عيونُ أمانينا ..
لكأنه قد شابَ قذالُ ليلتنا ..
وكفّ عن السيلِ في أزقتنا وضَحُ النهار ..
يمطرنا الغيمُ المتثاقلُ حامضَهُ ..
فتنبتَ كيمياءُ خُضرتِنا ..
صبّاراً يلوكُ شوكته ..
ونسميه على مضض وطناً ..
نتسوّلُ رحمته ..
فيودعنا في حمقٍ زنزانته العمياء ..
يشرعن موتنا بسم الرب الذي علّبنا في لوح محفوظ
وتلى علينا سورته المثلى .
بأن انحروا تاء التأنيث قرباناً لفحول عشائركم
وأعدّوا للأئمة مأدبة بضة من مسجوع نساء .
فنلصقُ ألسنتنا في أعلى حلوقنا ..
تتقشّرَ كلماتنا من لحاء معانيها ..
لا سقف يحتوينا سوى ذواتنا العجفاء ..
ندلفُ من ثقوبنا صمتاً ..
ونضجّ وجعاً في مسامع الموتى ..
وبين أصابعنا تبهتُ ألوانُ الأشياءْ ..
أنخطبُ ودّ منافينا ..
لتكفّ الغربة عن تسكّعها في دواخلنا ...
أم نُزَفُّ إلى وطنٍ لن يجيءَ إلا على بقايانا ..؟
لا مقبرةَ تلملمُ رميمَ صورتنا ..
نتشقق قهراً ، تتفطرُ حزناً عجينتنا ..
وما من أحد يؤنسنُ وحشتنا ..
بحّة ناي هي أمّ أغانينا..
إيــهٍ يا وطن المحنيين والجَوْعى ..
يا شقيقَ المسغبةِ الكبرى
هل نضبت ينابيعُ كانتْ تنفرُ حينَ بلوغ القيظ ..
وأربدّتْ شموسُك النازفة ..
تمسخُ أقمارَك نيازكَ ترجمُنا شظاياها ..
وتعرضُنا للنخّاسينَ تبتاعُ بنا قتلة ..
افعل ما شاءت مقاديرُكَ ..
فلن نخسرَ إلاّ بغاياكَ الملتحية ..
سنلفظكَ ..
ونسكنُ أقربَ جحيمٍ يصدفنا ..
لننأى عن جنتك المزحومة بالعمائم والرّقى ..
تبّاً لكَ ولفردوسكَ المحظور .