حوار مع القاص والصحفي هيثم الشويلي
هيثم الشويلي قلم جميل وحرف ممتع من بلاد الرافدين وصاحب مسيرة مميزة في عالم الكتابة والصحافة، تتنوع نصوصه بين كتابة القصة القصيرة والمقال الادبي والخاطرة...يحاكي في نصوصه الأدبية الكثير من القضايا الشائكة والمواضيع الحساسة، مآسي العراق وعذاباته الدفينة ليست بعيده عن فكره الراقي وقلبه النابض فهي ساكنة بين حروف مقالاته وكلمات نصوصه....يثري قصصه دائما بالقيم الإنسانية ويهتم بجذب القارئ نحو المبادئ النبيلة.
عوامل عدة وأسباب مختلفة ساهمت في صقل تجربته الكتابية وتنمية وعيه الفكري والمعرفي، منها عمله في الصحافة العراقية واطلاعه على الأحداث الساخنة ومخالطته لأبرز الكتاب، كما إن إتقانه لكتابه القصة وتفوقه الصحفي جعل منه قلما ناجحا تسعى العديد من الصحف والمجلات العراقية للفوز بإبداعاته الأدبية والظفر بتحقيقاته الجريئة.
في هذا الحوار اقتراب من الأديب العراقي هيثم جبار الشويلي وتجربته الكتابية:
*حدثنا عن بدايتك في كتابة القصة؟
منذ أن ارتشفت الألم وشاهدتُ أبناء مدينتي يسقطون الواحد تلو الآخر في اتون حرب لا طائل منها على مدى ثمانية أعوام ، أحسست برغبة جامحة تجتاحني تغلي في داخلي وتفورُ كفوران التنور ، لم يكن أمامي سوى الورقة البيضاء لافرغ عليها كل همي وما في داخلي ، فكنت كلما أختلي بورقتي البيضاء اتذكر تلك المقولة التي تقول لايجتمع اثنان إلا وثالثهما القلم ، فكنت اكتب بحرقة وألم شديدين ، كل حرف كنا نكتبه في العهد السابق ، كفيل بأن يسوقك إلى سجون مظلمة ، رثة ، رطبة ، أو إلى حفيرة صغيرة لاتحاكم فيها بعدالة لتدفن في الصحراء بلا ذنب يذكر ، بإستفراغ بسيط لعوالمك الخفية ، تساق إلى عالم مجهول تموت بأشهى وألذ أنواع العذاب ، كل تلك الصور بل أكثر منها وأشد مأساوية ، ففي ذاك العهد كان الكتاب حكراً علينا ، كان كصواع الملك ، من وجد في بيته فهو جزاؤه ، فما أن تنضج كتاباتنا وتصبح مادة سائغة عذبة للقراء حتى نمزقها أو نعمد إلى حرقها ؛ لئلا تقع في أيدي من هم اشد بطشاً وتنكيلا ، كانت الكتابة مصدر قلقهم وخوفهم فهم يدركون تماماً أن الكاتب يهدد عروشهم سواء كانت بسيطة أو ذات مغزى ، من هنا تحركت لدي عوالم القصة القصيرة كونها تعبر عما يدور في خلجات النفس العميقة والتي لايدركها إلا كاتبها ، كانت أول قصة كتبتها ونشرتها فعلاً تحت عنوان (يتيمُ في مقتبل العمر) كانت هي الانطلاقة الحية لاجتياح عوالم القصة القصيرة لاني عرضتها على قرائها وما أن قرئها بعض القراء حتى تلألأ الدمع في أعينهم ؛ أدركت بأني أتعامل مع النفس البشرية الحية ، وانفذ حيث شغاف الروح تكمن هناك ، كانت القصة الأولى لي هي الدافع الحقيقي للتمسك بقضبان القصة.
*ماذا عن تجربتك في عالم الصحافة؟
الدخول لمعترك الصحافة كان صعبا ، فبعد انتهاء زمن الخضوع والخنوع تعددت الصحف وأصبحت كثيرة لكثرة الأدباء والكُتاب ، فكنت كباقي الكُتاب أعمل بصفتين مصمم صحفي وكاتب وقاص وفي بعض الأحيان تجدني ناثراً.
*من أين تشكل عالمك القصصي، وما دور البيئة المحيطة بك في ذلك؟
بيئتان... لي أشكل منهما عالمي القصصي ، بيئة محيطة بي أستقي منها كل شيء ، فهي بيئة حقيقية أتقمص شخوصها وأبطالها فالبيئة الحقيقة واضحة لاتحتاج سوى للترجمة القصصية بالنسبة للقاص ، وبيئة أخرى مصطنعة أوهمُ بها نفسي أحلق بها كيفماء أشاء ، فأبطالها كالدمية بيدي أحركهم متى ما أشاء لأكون أكثر حرية ولأفك كل القيود الحقيقية التي تفرضها الواقعية ، ولتكون أقرب للامألوف لتكتسب جاذبية ولتستقطب نقد القراء، وهذا ما أطمح وأصبوا إليه في أغلب قصصي
*لمن تكتب؟ ولمن تتوجه بقصصك؟
أكتب للجميع ، لكل القراء ، لعشاق القصة ، لمن يبحث في ثنايا الروح عن لوعة الوجدان ، أكتب لتأوهات تخرج من قلب مجروح ، أكتب للجمال ، أكتب للعشاق ، أكتب لأنثى تجهلني لاتعرفني ؛ لاتعرف بأني أعزف على ذات القيثارة التي كانت تعزف عليها (شبعاد) ، وأخيراً أكتب لي ، لنفسي ، لذاتي ، لمن يبحث في داخلي عني ، لمن يعلم بأني أنا.
*في رأيك الى أي مدى تساهم أدوات القاص اللغوية في تطوير أسلوبه القصصي؟
التمكن من اللغة وتراكم الصور الذهنية وتزاحمها ، تشبع تلافيف الخيال بصور جمة ، أضف إلى ذلك تشعب اللغة وجمالها وبوجود الفكرة القصصية تجتمع كل هذه الأمور تسكب القصة في قارورة أشبه بقارورة النبيذ ليحتسيها القارئ وصولاً إلى نشوته بتلذذ القراءة ، فمتى ما أمسكت بزمام الأمور حتى تصبح قاصاً بارعاً تتفنن بمفاتن اللغة وزخرفها.
*من وجهة نظرك: ما هي مكونات القصة القصيرة الناجحة؟
عدة أشياء تجعل من القصة القصيرة ناجحة أهمها
1- الفكرة: فهي محور القصة والمرتكز الحقيقي الذي ترتكز عليه وتستند القصة القصيرة.
2- الشخصية: هي من تضفي على القصة مبادئ الجمال ويجب أن تكون ذي دراية تامة بأسس تكوينها وترتبط أرتباط وثيق بالبيئة المكونة لها ، فهي كما يقول علماء النفس تتأثر بالبيئة المحيطة بها تأثراً كبيراً كونها تجعل منها شخصية قوية أو ضعيفة وهما بدورهما أي الشخصية والبيئة يتوقفان على الفكرة التي ينشأها القاص في مخيلته بالاعتماد على الافق الواسع في عالم الخيال للقاص ذاته.
3- اللغة: التمكن منها يجعل القصة أجمل وأروع.
4- الصور الذهنية: تُمكن القاص من التنقل بحرية تامة في أجواء القصة القصيرة.
* كيف تقييم وضعية القصة القصيرة في العراق؟
باعتقادي ؛ لئلا أكون منحازاً إلى كتاب القصة بالعراق ، مع اعتزازي وتقديري لكل كُتاب القصة العرب المبدعين ، أن القصة في العراق جاءت من مخاضٍ عسير فهي نتاج للحزن والألم والقهر والكبت وكل تلك العوامل تجعل من القاص كالقنبلة الموقوته ما ان تسنح لها الفرصة للانفجار حتى تتشظى بألوان قصصية رائعة ، وتجعل من كاتبها يتربع على عرش الإبداع وفي قمة مملكة القصة ، فحرب الثماني سنوات والحصار الاقتصادي والاحتلال الامريكي ، تعطي للقاص خيالاً أوسع وأكبر وسأذكر لك قصة قصيرة جداً في محل الشاهد ، تحت عنوان (انفجار) ((كان بالقرب مني يكلمني، يمازحني، فاغراً فاه صوب السماء، يطلق قهقهات عالية، افترقنا كلانا وباتجاهين متعاكسين، غصت أنا في زحمة المركبات الهاربة برجليها فوق الاسفلت الحار واللاهثة صوب العالم المجهول، بينما غاص هو في أكوام الشظايا المنبعثة من مركبة لاتفقه ُ من جمال الحياة شيء)).
فنحن في بلد ابتلي بالويلات والنكبات ، وهذا الألم هو من يجعل من القاص مشروعاً حقيقياً للإبداع.
*حدثنا عن معاناة المثقف العراقي في ظل الاحتلال والازمات التي عاشها العراق العزيز؟
فعلاً للمثقف العراقي معاناة كبيرة ، كنت سابقاً أيقن بمن قال لي بأن حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين ، لكني اليوم أيقن بان لاحرية لي إذا تجاهرت بالحقيقة لاتهجماً ولاتهكماً لكني أخشى على نفسي القتل ، فقد يؤدي بي قلمي إلى عوالم ما وراء الطبيعة ، فحياة المثقف مرهونة بالأحرف المجتمعة فوق الورقة البيضاء التي مازالت تهد عروش الظلمة وتفتك بمملكتهم ، لكني لا أخفيكم سراً ؛ الاحتلال شجع الكثيرين على الكتابة وتعددت الروايات والقصص القصيرة والجميع كتب في هذه الفترة وفي ظل الحرية المتاحة لنا.
*ما هي مشارعك الأدبية الآنية منها والمستقبلية؟
بالنظر لقلة ذات اليد فقد عكفت على الكتابة من دون الاصدار فلدي مجموعة قصصية مخطوطة بعنوان (ما تبقى من القرون الوسطى) ولدي أيضاً مجموعة أخرى عكفت على أن تكون ذات منحاً خاص ، تتضمن قصصاً تحمل فكرة واحدة فقط ولكن بأساليب متنوعة ، اعكف على إكمالها واتمامها بعنوان (للموتِ وجه آخر) ولدي رواية مخطوطة (اعترافات شبه مشبوهة) كُتبت في ظل الاحتلال لمجندة امريكية في العراق ، سعيتُ لأن تكتسب الشخصية سمة الحقيقة والواقعية ، لدي أيضاً مسرحية (رسالة ماجستير) عرجت بها على شخصية الإمام علي (ع) برؤية حداثوية جديدة لانتقد من خلالها الاداء الحكومي في عدم عدالته ، أما مشاريعي المستقبلية فلدي الكثير من الرؤى والأفكار بحاجة الى الوقت الكافي للكتابة ، لا أستطيع الافصاح عنها إلا حالما انتهي من كتابتها.
*في نهاية الحوار...هل من كلمة أخيرة؟
أخيراً لايسعني إلا أن أتقدم بالشكل الجزيل لكم أيها الأحبة في سلطنة عمان وللأخ مجري الحوار هيثم البوسعيدي ، لانه انتظر طويلاً حتى افصحت له عما في داخلي من شجون وشجون.