السبت ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٣
بقلم مكرم رشيد الطالباني

باقة قصائد هایكو

زرتُ تمثال كاويس آغا
لمحته حزينا صامتاً
فكرتُ هنيهةً وَوددتُ أن أعود
فأنشدَ لي
لاوك شيخ محمود بلحنٍ جديدٍ

كان رئيس التحرير
قد وعدَ الشاعر
أن ينشر قصيدته في العدد القادم
حين وصلتِ القصيدةُ
وجدتْ نفسها في سلة المهملات

سأغفو قليلاً في هذا السطرِ
سأحتضن في هذه الجملة طفل (الإسمِ)
سأمسك بيد (الصفة) في هذه الجملة
سأناغي (الإملاء) في هذه الجملة
وفي هذه الجملةَ سأبعَثُ (القافية)
سأطاردُ (المفعول به) في هذه الجملة
وأبعَثُ (الفاعلَ) تارةً أخرى

عرجتُ على مقهى
قَدِمً النادلُ الفتي
فطلبتُ منه فنجاناً من القهوةِ
عاد ليأتي لي ما طلبته
بعد هنيهة
قَدِمَتْ حورية من البحرِ
لتضعَ فنجاناً من القهوةِ بكل إحترام
وتقفلَ راجعاً

كنتُ أتمشّى في شوارعِ مدينةِ القلعةِ
وأفكِرُ في عروسةِ القصيدِ
توقفتُ عند السور القديم
رأيتُ الشاعر كوران واقفاً هناك
أخرج ورقةً من جيبه
وبدأ يقرأ قصيدة (إلى إبني هيوا) باكياً

دَلِفْتُ مدينةَ أحدِ الكتبِ
فتجمّعَتِ المعلوماتُ حوليّ في شارع المعرفةِ
وبدأت تمسِكُ بيدي
لتقودني كُلٌّ إلى بيتها

كان الصحفيُ يجلسُ حائراً
أمام الحاسوی المحمول
وهو یفكر فی كلمةٍ
لا يعرفُ كَم (واو) تتضمّنُ!!

رَفَعَ الأوراقَ
وقبّلها واحدةً إثر أخرى
كي تَصْمتَ
إن كتبَ على أديمها
ما يريد!!

لقد أصبحَ نور القمرِ صديقي
فإن أحسستُ بالمللِ
في الليالي الدامسة
فإنه سيرسل لي
رسائله المعتادة

هناكَ سِرٌّ مخفيٌّ في هذه الجُملةِ
هناكً كلمةٌ ضائعَةٌ في هذه الجملة
هناكَ حرفٌ مبتورٌ في هذه الجُملة
هُناكَ حرفُ دالٍ مدموغٌ في هذه الجُملة

أحمِلُ ناياً
كلما أنفُخُ فيه
يذكرني بالقريةِ
ففي الصباح تسير قطعانِ الأغنام
نحو المراعي
وفي المساء
تعود قطعان الماشية إلى القرية

حذَفْتُ سطرينِ من إحدى القصائدِ
فتظاهرتِ السطورُ الأخرى
حاملةً راية الوزنِ
وهي تُمطِرُ العِنوانَ بوابلٍ من الحروفِ

الجوعُ أسدٌ وحشيٌ
كَمينُ المنيةِ
ستحلُّ أياماً
ليقتُلَ الناسَ بمرض الطاعونِ

ستنطفيُ نيران الكَذِبِ
سيتبدّد دخانُ الكَذِبِ
ويَنْقَطِعَ ذلكَ الحبل المهتريء
الذي يتسلق به
ويَصبحَ أقصر وأقصر وأقصر
أمام الحقيقة الدامغة

أقْبَلَ شيخُ الشتاء
حاملاً عصا البَرْدِ
وهو يَدُقّ أبوابَنا
مِنْ أينَ لنا
أن نمنحهُ لترينِ منَ الوقود
كي يملأ به مدفئته
ليتدفّاً بها

كنتُ أسيرُ جنبَ القلعةِ
مساءً
رأيتُ آشوربانيبال
كان واقفاً هناكَ
وهو يتمعّنُ في تمثال العم گیو

إجتمعتِ الدواوين الشعرية
أمام إحدى المكتباتِ وبدأت بالتظاهرِ
فتقدّمً أحد الدواوينِ الجمعَ أمام المايكروفون
وأنهالَ بالشتائمِ على الرواية
ماداً أصبعهُ في عيني كُتبِ المذّكراتِ

دلفتُ من نفقِ حُلُمِ
إلى حديقةٍ غناء
أي حديقة
وهي ملأى بالورود والأشجار الخضراء
كانتْ مُغْتصَبةً زمناً
كان الظُلمُ فيه حاكماً
وصاحبُ الدارِ مهموماً

اليَراعُ شابٌّ لن يهرَمْ
يتَرعْرَعُ في أتونِ الفِكرِ والتفكيرِ
يزرع الكلماتَ حرفاً حرفاً
لينتجَ منها القصائدَ
ويغنيها مُلحَّنةً
وتقرؤها الأعين

مرِضْتُ
كان الأطباءُ
يجرونَ ليَّ الفحوصاتَ
كان (حسن زيرك) يُغَنّيَ في جيبي الأيسر
أغنية (سأرتقي جبل نالشكينة)
غيرَ أنه توقَفَ فُجأةً
حين وجدوا في جيبيي الآخر
زورقاً يستقلَّه مهاجرونَ
كانوا يرومونَ الوصولَ إلى أوربا
بطريقةٍ غيرَ شرعيةٍ

أبعدونا مع عددٍ من أفراد قبيلة (هَمَوَنْد)
إلى صحاري أفريقيا
منعوا عنا الماء
وكنّا نرى بحراً يتلألأ
وكنا نسير ونسير
وكان البحرُ سراباً يبْتَعِدُ عنّا
وأُغميَ علينا عطشاً
لَمْ أدري كَمْ منّا وصلَ سالماً

إن صحاري الجنوبِ
لا زالتْ خجلى من التاريخ
لا زالتْ ملأى بالقبور الجماعية
وأصوات النواح والعَويل
وبكاء المؤنفلينَ
والجرحى

صادفَ أن مررتُ بشهرزور
لأرى شيخاً في ذلك السهلِ
وهو يقرأ قصيدة (أفتدي غبارَ طريقك)
على قرعِ الدفِّ
أخبروني إنه (نالي)
كلما حَنَّ إلى (خاك و خول)
سيظهر فجأة مع دفّهِ
ليُسمِعَنا ذلك اللحن الحزين

ذلك اليوم
رأيتُ في تلك المنطقة طاحونةً
كانَ هناكَ شيخٌ يطحنُ القمحَ
وهو يقرأُ قصيدةً
تتحدثُ عن السجنِ
قالوا إنه (قانع)
وقد أطلقَ سراحهُ
في الآونة الأخيرة من أحد سجون طهران

مررتُ قربَ (مامة يارة)
كان الرقص والغناء على أشدهما
وكانت ألسنَةُ النيران ترتفع
سألتُ
قالوا إنه (بيره ميرد)
وهو يقرأ قصيدة (هذا هو يوم العام الجديد)
ويحتفل بحلول عيد نوروز

8-10 - 2022

كنتُ أقرأُ ديواناً شعرياً
تجمعتْ جلّ القصائد
عندَ عتبةِ المقدمة
للإعرابِ عن إحتجاجها
ضد الشاعر
لإرتكابه كلّ تلك الأخطاء القواعدية والإملائية

فتحتُ الصفحة الأولى
من روايةٍ ما
توجه البطل الرئيسي إليّ باكياً
وهو يقول أن الروائي ينسبُ إليّ
أقوالاً كاذبة

بدأتُ أقرأُ مقالةً
رأيتُ أكاذيباً
تمتطي صهوةِ الخجلِ
وهي تفرُّ نحوَ الفيافي

27-10-2022

إشارات:

نالي وبيره ميرد وكوران وقانع شعراء كورد. كاویس آغا وحسن زيرك من أشهر المطربين الكورد. هموند :عشيرة كوردية أبعد الإنكليز العديد من أفرادها إلى ليبيا. العم كيو: صاحب أشهر مطبعة ومؤلف قواميس وناشر العديد من المجلات والكتب الكوردية. مامة يارة: تلة مشهورة في السليمانية كان الناس يجتمعون عندها للإحتفال بعيد نوروز حيث دفن الشاعر بيره ميرد.

ملاحظة: كتبتُ القصائد الأولى بتاريخ 8-10 – 2022، أما القصائد الثلاث الأخيرة فقد كتبتُها يوم 27-10-2022.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى