المحطة الأخيرة
إلى متى سوف أبحث عن محطتى الأخيرة فى الأرصفة الموصودة المقفولة؟ وعلى الشواطئ المشبوهة الموبوءة. إلى متى؟. سئمت الرحيل والتجوال خلف بوابات المدن الخربة المغلقة المسكونة بالأشباح والأحزان. إلى متى سيستمر هذا الترحال القسرى الاضطرارى؟ طفت كل المدن بحثا عنك. ووقفت على مراسى الدنيا أنظر فى المدى البعيد عن ملمح منك. أو عن شراع جرفته الريح جنوبا أو شمالا، لكن الشوف عجز عن رؤية شئ يتبدى من عمق البحر أو من قلب الوهم، ولأنى أعيش من داخل ذاكرة تعبة، كنت أتمنى أن يأتى وهما ممتطيا بشرى، حتى الوهم ضن على بالمجئ. لم أبخل جهدا أو أتناسى ميعادا. أو تشغلنى أمور الدنيا عنك. فأنت الدنيا وأنت العمر. لم أبخل حتى بآخر زادى وأنفاسى.
أتفحص فى وشوش الغادين والراحين بحثا عنك. لم يتبق من العمر إلا قليل. أصعب شئ يا حبيبتى أن ننتظر العمر بحثا عن شئ لا يأتى ولن يأتى. لكن الأمل يجعلنا نخترع الكذب كى يوصل فينا لحظات باهتة للغد. أصعب شئ أن نحفر بأيدينا قبورا أبدية وندفن فيها أحياء بإرادتنا قربانا لسراب.
يمضى العمر وئيدا بطيئا ويسحب معه بقسوة آخر الأنفاس. آخر الكلمات. آخر الأمنيات. وآخر اللحظات. عندما تهون كل الأشياء لا تبقي سوي نظرة من عينيك. كلمة تجعلنا نتذكر أن العمر لم يمض هباء أو دون ثمن. لن أبكيك. لن تكف كل دموع الدنيا، كل آهات الألم، كل الأنات.. كل عذابى وحرمانى.
فى محطتنا الأخيرة لم يبق شئ. حتى لحظات الوداع والعناق الأخيرة ليست فى الإمكان.
سطر الزمن حكمه النهائى. وأسدلت الستائر السوداء ولا عزاء. ولا عناق. ولا بكاء. ولا لقاء. كل المسافرين عادوا إلا أنت. إلا أنت. إلا أنت.