الشعر العربي المعاصر والقدس
القدس قلب العرب النابض، عاصمة فلسطين، مهد السيد المسيح عليه السلام، ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أولى القبلتين، وثالث الحرمين.
حظيت القدس باهتمام الشعراء العرب، في أقطار الوطن العربي كله، حتى في المهجر، فنظم الشعراء أبهى القصائد في التغني بها، والدفاع عنها، وتأكيد الأمل في خلاصها من أذى العدوان الصهيوني.
ولقد حملت معظم القصائد معاني مشتركة، من أبرزها :
1- التنبه في وقت مبكر إلى الخطر الصهيوني، وتنبيه العرب على ضرورة العمل لوقف الغزو الصهيوني، بالتضامن والاتحاد.
2- التنديد بانكلترة من قبل ومساعدتها للصهاينة على إقامة كيان لهم في فلسطين، ثم التنديد بالدعم الأمريكي لذلك الكيان.
3- فضح شراسة العدو الصهيوني في إلحاقه الأذى بالشعب العربي في فلسطين واحتلاله الأرض.
4- تصوير مآسي الشعب العربي في فلسطين وما لحق به من مجازر وتهجير واحتلال لأرضه.
5- تمجيد البطولات والإشادة بالشهداء وتصوير صمود الشعب في الأرض وتمسكه بها.
6- كشف زيف الصهيونية وإدانة عدوانيتها وفضح أساليبها في ادعاءاتها الباطلة، والإشارة إلى قدوم الصهاينة من أصقاع الأرض لصنع كيان.
7- التنديد بتقصير العرب في العمل على تحرير القدس والدفاع عن فلسطين والدعوة إلى اتحادهم.
8- التنديد ببعض الحكام العرب لتقصيرهم في الدفاع عن الحق، والإشادة ببعضهم الآخر لإخلاصهم في العمل على إنقاذ القدس والدفاع عن الشعب العربي في فلسطين.
9- الوعي بأن الحق لن يعود إلا بالقوة وبنضال الشعب وتمجيد الأعمال الفدائية والانتفاضات الشعبية، والأمل بانتفاضة الشعب العربي كله في أقطاره كافة للعمل على تحقيق خلاص القدس.
10- الوعي بأن الصراع مع العدو الصهيوني ليس عابراً ولا مؤقتاً وأنه صراع طويل، وأن الخلاص لن يكون بين عشية وضحاها وأنه لابد من زمن طويل تقدم فيه قوافل الشهداء.
11- الثقة بأن النصر لابد قادم في النهاية.
12- الإفادة من عبر التاريخ، فقد تحررت القدس بعد مئتي عام من الغزو الصليبي لها، والإشارة في هذا السياق إلى دور صلاح الدين الأيوبي في تحريرا لقدس والأمل بتحرير جديد لها.
13- القدس مدينة عربية عريقة في عروبتها وهي ملتقى الأديان ومكانتها لدى الجميع واحدة في التقديس، والدفاع واجب على الجميع.
14- قضية القدس وفلسطين قضية عربية يتحمل مسؤوليتها العرب كافة وليس الشعب العربي في فلسطين وحدها ومن هنا تتأكد ضرورة الوحدة.
15- إضفاء المعاني والقيم الدينية على قضية القدس والنضال لأجلها.
ومنذ البدء كان الشعراء جميعاً واعين لخطورة العدو الصهيوني حتى من كان منهم بعيداً عن الوطن، ففي المهجر الأمريكي، يندد الشاعر القروي رشيد سليم الخوري بوعد بلفور عام 1917، ويحث العرب على النهوض ويذكر بصلاح الدين معتزاً به فيقول(1) :
فاحسب حساب الحق يامتجبر
_ مهج العباد خسئت يامستعمر
اليوم تفتخر العلى أن تثأروا
تأبى المروءة أن تنام ويسهروا
قبل الرحيل فعد إليهم يذكروا
الحق منك ومن وعودك أكبر
تعد الوعود وتقتضي إنجازها
ياعرب والثارات قد خلقت لكم
يدعوك شعبك ياصلاح الدين قم
نسي الصليبيون ماعلمتهم
ويفخر الأخطل الصغير (1885- 1968) ببطولات العرب في فلسطين يوم انتفضوا على المحتل الغادر عام 1936 ويشيد بالشهداء، فيقول (2):
لبس الغار عليه الأرجوانا
وبناء للمعالي لايداني
لثمته بخشوع شفتانا
قد رضعناه من المهد كلانا
كعبتانا وهوى العرب هوانا
يا جهاداً صفّق المجد له
شرف باهت فلسطينٌ به
إن جرحاً سال من جبهتها
نحن يا أخت على العهد الذي
يثرب والقدس منذ احتلما
وهو يشير إلى تضامن العرب مع الثورة ومشاركة بعض الأشقاء العرب فيها وعلى رأسهم عز الدين القسام ابن مدينة جبلة في سورية، وهو يختم القصيدة مؤكداً وحدة القضية فيقول(3):
لمسة تسبح بالطيب يدانا
هبه صوم الفصح هبه رمضانا
حقنا نمشي إليه أين كانا
قم إلى الأبطال نلمس جرحهم
قم نجع يوماً من العمر لهم
إنما الحق الذي ماتوا له
ويدعو الشيخ جميل العقاد من حلب (1898- 1968) إلى المشاركة في حرب عام 1937 في فلسطين، ويؤكد أن القدس هي قلب سورية وتأتي دعوته عفوية حماسية، وبأسلوب خطابي مباشر، فيقول (4):
لفلسطين اشرئبوا
إن جيش العرب لجب
أنت من سورية قلب
يابني يعرب هبوا
يا فلسطين اطمئني
روح سوريا استطارت
وفي عام 1947 أقرّت الجمعية العمومية مشروع تقسيم فلسطين، فرفض العرب هذا المشروع، وتم تشكيل جيش الإنقاذ من مئات المتطوعين من سورية ودخلوا فلسطين بقيادة فوزي القاوقجي، فأشاد عمر أبو ريشة بهذا التضامن العربي وأكد وحدة المصاب والألم، وكان تعبيره متألقاً في صور جديدة، ولغة متميزة، يقول (5):
يارؤى عيسى على جفن النبي
صهلة الخيل ووهج القضب
ونمت مابيننا من نسب
وإذا بغداد نجوى يثرب
سهمه أشتات شعب مغضب
ياروابي القدس يامجلى السنا
دون عليائك في الرحب المدى
لمت الآلام منا شملنا
فإذا مصر أغاني جلق
بورك الخطب كم لف على
ولكن سرعان ماتنكشف الحقائق عن هزيمة العرب بسبب اختلاف قادتهم وانقسام بعضهم على بعض بالإضافة إلى تفوق العدو الصهيوني في قواته التي زودها المحتل الإنكليزي بالعتاد العسكري المتطور، وفي صباح يوم 15 أيار 1948 أعلن الصهاينة عن قيام دولة إسرائيل.
وينفجر الغضب في قلب الشاعر العربي عمر أبو ريشة فيعاتب أمته بقسوة منكراً عليها تقصيرها، يقول (6):
منبر للسيف أو للقلم
خجلاً من أمسك المنصرم
في حمى المهد وظلّ الحرم
تنفضي عنك غبارَ التهم
أمتي ، هل لك بين الأمم
أتلقاك وطرفي مطرق
ألإسرائيل تعلو راية
كيف أغضيتِ على الذل ولم
ثم يصب غضبه على الشعب العربي في معظم أقطاره لسكوته عن الحكام الظلام، ويعبر عن جرأة في الانتقاد، وحدّة في العتاب، فيقول (7):
لم يكن يحمل طهر الصنم
إن يك الراعي عدو الغنم
كان في الحكم عبيد الدرهم
أمتي كم من صنم مجدته
لايلام الذئب في عدوانه
فاحبسي الشكوى فلولاك لما
ولكن الشاعر عمر أبو ريشة نفسه لايفقد الأمل بالنصر وهو يتأكد من أن للباطل جولة، فيقول(8):
فجراً سيطوي الضيم في أطماره
هي هدأة الرئبال قبل نفاره
مهلاً حماة الضيم إن لليلنا
مانام جفن الحقد عنك وإنما
ويشهد الشعراء بعد ذلك بؤس المشردين، وآلام اللاجئين، كما يشهد الشعراء أساليب العدو الصهيوني الوحشية في القتل والتذبيح، وتتكاثر القصائد في هذا الصدد، ولكنها تؤكد جميعاً الحق في العودة، كما تؤكد صمود العربي، وتمسكه بأرضه.
ويعبّر الشاعر المصري صلاح عبدالصبور (1932- 1982) عن صمود الفلسطيني وتعلقه بأمل العودة ، مستعيناً على ذلك بشعر التفعيلة، متخلّصاً من كثير من الخطابة والحماسة، محاولاً تطويع هذا الشعر لموضوعات كان الشعر التقليدي ينفرد بها، يقول (9):
كانت له أرض وزيتونه
وكرمة وساحة دار
وعندما أوفت به سفائن العمر إلى شواطئ السكينة
وخطّ قبره على ذرا التلال
انطلقت كتائب التتار
تذوده عن أرضه الحزينه
لكنه، خلف سياج الشوك والصبار
ظل واقفاً بلا ملال
يرفض أن يموت قبل الثار
ياحلم يوم الثار
ويؤكد الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي ( 1926- 1999) أن يوم العودة قريب، مادام هناك قلب ينبض بالحياة، ويعبر عن ذلك بقدر كبير من العفوية والبساطة والمباشرة، منطلقاً من مفهومه التزام الشعر لقضايا الواقع، يقول (10):
أنا لن أموت
مادام في مصباح ليل اللاجئين
زيت ونار عبر مقبرة الحدود
حيث الخيام الباليات
كأنها في الريح لافتة تشير
إلى طريق العودة الدامي القريب
وهكذا تغدو الخيام في عيني الشاعر المتفائل لافتات تؤكد قرب يوم العودة إلى الحق والأرض.
ولكن يظل العربي يعاني من مرارة الهزيمة، وقسوة الاحتلال، ويظل التشوق إلى ربوع القدس حرة عربية، يقول الشاعر زكي قنصل وهو في المهجر الأمريكي (11):
الليل داج والطريق طويل
واحرّ قلب بالدموع يسيل
لولا بصيص للرجاء ضئيل
وكبت بأشبال النضال خيول
هل لي إلى مهد السلام سبيل
عصفت بي الأشواق عاتية اللظى
لتكاد تغرق في الظلام سفينتي
لهفي على القدس انطوت أعلامه
وتحدث نكسة الخامس من حزيران عام 1967، فيزداد الجرح عمقاً، وتزداد القدس تألقاً، تلتف من حولها القلوب، وتتطلع إليها الأحداق، يقول نزار قباني في قصيدة له عنوانها القدس ترجع إلى عام 1968 يمجد فيها القدس مدينة السلام ويسأل من سينقذها (12):
ياقدس يامدينة الأحزان
يادمعة كبيرة تجول في الأجفان
من يوقف العدوان ؟
عليك، يالؤلؤة الأديان ؟
من يغسل الدماء عن حجارة الجدران
من ينقذ الإنجيل
من ينقذ القرآن ؟
من ينقذ الإنسان ؟
ويظل الشاعر العربي واثقاً بالنصر، متمسكاً بالحق، لايضعف ولا يلين، يغنّي نزار قباني نفسه في القصيدة نفسها مشاعره ويطلق لأحلامه الخيال، فيقول (13):
ياقدس، يامدينتي
ياقدس ياحبيبتي
غداً غداً سيزهر الليمون
وتفرح السنابل الخضراء والزيتون
وتضحك العيون
وترجع الحمائم المهاجره
إلى السقوف الطاهرة
ويرجع الأطفال يلعبون
ويلتقي الآباء والبنون
على رباك الزاهره
يا بلدي يا بلد السلام والزيتون
وتنطلق الصيحات العربية، تعلن رفض الصلح والمساومة، وتأبى إلا الحق كاملاً، مهما كان الثمن، فالملايين كلها مستعدّة للتضحية والفداء، ويؤكد ذلك كله الشاعر العربي من مصر أمل دنقل، بقدر كبير من المباشرة والتقرير والخطابة، لترسخ مقولاته، متخذاً من حرب البسوس ومقتل كليب وسيلة للتعبير، يقول (14):
إنها الحرب
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب
لاتصالح
ولا تتوخ الهرب
لاتصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
لاتصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك المسوخ
وفي قصيدة مطولة للشاعر نزرا قباني عنوانها : " منشورات فدائية على جدران إسرائيل" ترجع إلى عام 1970 يؤكد الشاعر كل المعاني والقيم التي يحملها الصراع العربي الصهيوني، فهو يؤكد انبعاث الفلسطيني وعزمه على العودة فيقول (15):
للحزن أولاد سيكبرون
للوجع الطويل أولاد سيكبرون
للأرض للحارات للأبواب أولاد سيكبرون
وهؤلاء كلهم
تجمعوا منذ ثلاثين سنة
تجمعوا كالدمع في العيون
وهؤلاء كلهم
في أي لحظة
من كل أبواب فلسطين سيدخلون
ويعرف الشاعر أن الصراع مع العدو الصهيوني طويل، وأنه صراع وجود لاصراع حدود، وأن القضية لن تحل بين عشية وضحاها، يقول نزار قباني (16):
مابيننا وبينكم لاينتهي بعام
لاينتهي بخمسة أو عشرة ولا بألف عام
طويلة معارك التحرير كالصيام
ونحن باقون على صدوركم
كالنقش في الرخام
باقون في شعر امرئ القيس
وفي شعر أبي تمام
باقون في شفاه من نحبهم
باقون في مخارج الكلام
ولكن الشاعر يثق بأن الحق العربي لابد سينتصر في النهاية، من خلال الكفاح الشعبي، وقوافل الشهداء، يقول نزرا قباني (17):
نأتي بكوفياتنا البيضاء والسوداء
نرسم فوق جلدكم إشارة الفداء
من رحم الأيام نأتي كانبثاق الماء
من خيمة الذل التي يعلكها الهواء
من وجع الحسين نأتي من أسى فاطمة الزهراء
من أحد نأتي ومن بدر ومن أحزان كربلاء
نأتي لكي نصحح التاريخ والأشياء
ونطمس الحروف في الشوارع العبرية الأسماء
إن قصيدة " منشورات فدائية على جدران إسرائيل " تكاد تكون وحدها ممثلة لكل ماتضمنه الشعر العربي من معان وأفكار في اهتمامه بالقضية الفلسطينية، إذ تحفل بكل المفاهيم والقيم والمنطلقات التي يستند إليها العربي في تأكيد حقه؛ وتحرير أرضه، في صراعه مع العدو الصهيوني، وهي جديرة أن تكون بحق قصيدة فلسطين الأولى.
وينتفض الشعب العربي في فلسطين، ويحمل كل طفل حجراً، ليرمي به آلة العدوان، مؤكداً الحق العربي، فاضحاً زيف الكيان الصهيوني، يقول ممدوح عدوان (18)
هذا زمان من حجر
الظل وسط الصيف مات من الضجر
والسيف وسط الحرب مات من الضجر
والماء في الأنهار قد أضحى حجر
هذا زمان من حجر
إن شئت أن تحيا عزيزا
كن حجر
واحمل حجر
واضرب حجر
هذا زمان من حجر
فتعلم الدرس الذي أعطى لنا
الولد الفلسطيني في زمن الحجر.
وواضح اعتماد الشاعر على البساطة في التعبير، والوضوح في الرؤية، مستمداً ذلك كله من الانتفاضة نفسه، وهو لايرى فيها تغييراً في الواقع الفلسطيني فحسب، بل يرى فيها تغييراً في الواقع العربي كله، وما فلسطين إلا جزء من الوطن الكبير.
ولعل الشاعر مصطفى أحمد النجار كان قد تنبأ بانتفاضة الحجر الأولى عام 1988 عندما كتب قصيدته التي عنوانها: " فابدأ إذن تربت يداك "، وقد نشرتها مجلة البيان الكويتية في عدد شباط 1987، وفيها يقول (19):
قالوا: انتهيت، فكذب الأكفان قاوم
بلهيب جرحك واستعر
اصعد على لغة التفتح واسترق
من وشوشات الأرض ماعانى القمر
زاحم بأجنحة الصقور طقوسهم
بتوثب مثل اشتعال الجمر تحت رمادهم
وابدأ حياتك وانفجر
واصدح بما يهوي الجدار على الجدار
فهناك في الأفق البعيد بل القريب
سرب من الأهلين عانقه الهلاك
مرت سنون العمر سارت خطاك
زاحم بأجنحة المنائر مااستبد من الدجى
زاحم بأجنحة الربيع صقيعهم
فهناك يافا في الدماء
والقدس زامنها الهلاك
فمتى تحررها يداك
فابدأ إذن تربت يداك
فالشاعر يستنهض العربي في كل مكان كي يحرر القدس، وينقذها من الهلاك، وقد جاءت لغته ذات تقنية فنية عالية، تضمنت عدة انزياحات لغوية مبدعة، ولم تخل من قدر غير قليل من الضبابية الشفيفة، هي من غير شك لغة الفن والشعر والنبوءة.
وتنفجر انتفاضة الحجر الثانية، صيف عام 2000، وإذا هي انتفاضة الأقصى، وإذا هي انتفاضة القدس، وكل العرب، وقد أصبحت صورة الطفل محمد الدرة رمزاً لتلك الانفتاضة، وانثالت من حولها الأشعار، وهي صورة طفل يحتمي بأبيه، يختبئ في خاصرته، والأب يرد عنه العدوان بيده العارية، ولكن رصاص الغدر يأبى إلا أن يردي الطفل في حضن أبيه.
كتب الشاعر عبدالقادر حصني قصيدة بعنوان طائر البراق، يقول فيها على لسان محمد الدرة مخاطباً الجندي الصهيوني (20):
أيهذا البشري
أنت يامن تطلق النار على جسمي الطري
أنت هل تقرأ؟
هل تكتب؟ هل ترسم؟ هل تعزف؟
هل تشرب شايا؟
هل تلف الزيت والزعتر بالخبز الطريّ ؟
أنا أصغي في الصباحات لموسيقا العصافير
وأستذكر أسراب الفراشات التي مرت بحلمي
راسمات أحرف اسمي
في فضاء قزحي
أنـا درة
أنا روح عذب بيضاء حره
نزلت آيتها الأرضُ علي
حجراً بين يدي
وحباني الله سره
من سلام ومسرَّه
كيف تنسى رعشات الطفل في صوتي الندي
وقميصي المدرسي؟
كيف تسنى بيننا آخر نظره
أيهذا البشري؟
فالقصيدة تكشف عري الجندي الصهيوني من القيم والأخلاق والبراءة، وتظهر مافيه من وحشية، ثم تجلو ببهاء براءة الطفل الفلسطيني وعفويته وعذوبته، مؤكدة إنسانية الطفل ووحشية الجندي، وهي بذلك تضع التناقض واضحاً بين الحق والباطل، والحمل والذئب، وصاحب الحق والظالم، والفلسطيني والصهيوني.
وهكذا احتضن الشعر القدس، وعانقها، حبّاً وشوقاً، دفاعاً وإصراراً وكان الشعر دائماً مواكباً لكل مامرت به القضية الفلسطينية من مراحل، وما عانى منه الشعب العربي من كفاح من أجل حرية الأرض والشعب.
إن ماقيل عن القدس من شعر وعن القضية الفلسطينية كثير، هو بقدر ماأريق من دماء الشهداء، وبقدر مادمّر من بيوت وقرى في أرض فلسطين، وهو شعر شارك فيه كل الشعراء في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، شارك فيه الشاعر الكبير والشاعر الصغير، والشاعر المشهور والشاعر المغمور، وكان في ذلك الشعر ماهو خطابي مباشر، وكان فيه ماهو فني متطور، ولكنه كان مخلصاً للقضية، محباً لها، مدافعاً عنها.
ومن حق هذا الشعر أن تترجم بعض نصوصه إلى اللغات الحية، وأن ينشر في الغرب، ولا سيما أوربة وأمريكا، كي يتم خطاب الشعب الأوربي والأمريكي من خلاله، فيتعرف إلى القضية الفلسطينية، والحق العربي.
وفي الحق، لايمكن الوقوف على كل ماقيل، ولا يمكن تتبعه في مراحله التاريخية، أو جوانبه الفنية، أو أبعاده الفكرية، وشعر الشعراء الفلسطينيين وحده جدير بدرس مستقل، سواء من كان منهم داخل الأرض المحتلة أم خارجها، ولذلك تم الاكتفاء في هذه الدراسة بأمثلة لبعض الشعراء العرب من سورية ومصر ولبنان والعراق، ويبقى بعد ذلك رصيد كبير من الشعر حول القضية الفلسطينية، جدير بدراسات أخرى.
وحسب ذلك الشعر فخراً حمله القضية هماً، وموضوعاً، وفناً، وإخلاصه لها، وقديماً قيل: "الشعر ديوان العرب"، وسيظل "الشعر ديوان العرب".
الإحـالات
(1) الخوري، رشيد سليم (الشاعر القروي) ، ديوانـه، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1982، ج1، ص438.
(2) الخوري، بشارة (الأخطل الصغير)، شعر الأخطل الصغير، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. ثالثة، لاتاريخ، ص180.
(3) المصدر السابق، ص 182.
(4) عنتابي، محمد فؤاد، وعثمان، نجوى، حلب في مئة عام، منشورات معهد التراث العلمي العربي، حلب، 1993، ج1، ص 206.
(5) أبو ريشة، عمر، ديوان عمر أبو ريشة، دار العودة، بيروت، 1988، ص 447.
(6) المصدر السابق، ص 11.
(7) المصدر السابق، ص 12.
(8) المصدر السابق، ص 20.
(9) عبدالصبور، صلاح، ديوانـه، دار العودة، بيروت، 1973، ج1 ص 138.
(10) البياتي، عبدالوهاب، المجد للأطفال والزيتون، دار الفكر، القاهرة، لاتاريخ، ص 9.
(11) قنصل ، زكي، مجلة العربي، الكويت، العدد 24 نوفمبر 1960.
(12) قباني، نزار، الأعمال السياسية، منشورات نزار قباني، بيروت، 1974، ص 43.
(13) المصدر السابق، ص 44.
(14) دنقل، أمـل، الأعمال الشعرية الكاملة، دار العودة، بيروت، ط. ثانية 1985، ص 325- 335- 336.
(15) قباني، نزار، الأعمال السياسية، ص 55 .
(16) المصدر السابق، ص 53- 54.
(17) المصدر السابق، ص 63.
(18) عدوان، ممدوح، الحجـر، الأسبوع الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، العدد 798 كانون الثاني 1988 ص 4 .
(19) النجار، مصطفى أحمد، فابدأ إذن تربت يداك، مجلة البيان، الكويت، العدد 251 شباط 1987، ص 147- 148.
(20) الحصني، عبدالقادر، طائر البراق، الأسبوع الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، العدد 731 21/10/2000 ص 20 .
مشاركة منتدى
13 كانون الثاني (يناير) 2009, 22:09, بقلم beshr57@hotmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك على الموضوع الرائع وعلى الإبداع الأصيل الذي ينم عن شخصية أصيلة تعيش آلام الأمة ، وجزاك الله خيرا يا دكتور زياد
إبراهيم الخزام - أحد طلابك في جامعة حلب في الثمانينيات - سورية دير الزور
مقيم حاليا في قطر
نرجو المزيد
إيميل :
8 نيسان (أبريل) 2009, 21:35, بقلم د. محمد جمال طحان
تحية وبعد
شكراً للموضوع المهم
لكنّ الإخراج غيّر تنسيق القصائد
فغدت غير مفهومة إلا لمن يعرفها سابقاً
يبدو أنها مرسلة ضمن جدول
وعندما نُشرت اختلف التنسيق
مع التحية