الإسلامفوبيا: قــلــق المسارات والرؤى
"ينبغي على المرء أن يكون صريحا، أنا إسلامفوبي قليلا، لا يزعجني قول هذا، لدي الحق. لست الوحيد في هذا البلد الذي يرى أن الإسلام- وأقول الإسلام ولا أتكلم حتى الإسلامويين- الإسلام كدين يحمل مجموعة من البدائيات المختلفة، كما يحمل تصنيفا للمرأة يحط من قيمتها"
كلود امبير في أسبوعية LE POINT
إنه نموذج لبعض الكتابات التي تصنف في خانة العدائية ضد المسلمين بفرنسا. وهي تسير في اتساق مع ظاهرة الإسلامفوبيا التي أضحت تثير جدلا كبيرا وسط المثقفين الفرنسيين في السنوات الأخيرة ما بين اعتبارها أمرا واقعا موثقا بحيثيات الحياة اليومية لمسلمي فرنسا ممثلا في حظر الحجاب والاعتداء على المؤسسات والأفراد وتضخم الخطاب الإعلامي المعادي للمسلمين و قيمهم باعتبارها مهددة لروح وقيم الجمهورية الفرنسية، وبين كونها مجرد معركة مفاهيم تتخفى وراءها إشكالات أكثر عمقا مما يبدو في الواجهة تتعلق بقضايا تاريخية، ثقافية، سياسية واجتماعية تطال التشكيل الحضاري العربي الإسلامي في مقابل التشكيل الحضاري الغربي المسيحي وطبيعة تعاطي كل منهما مع الظاهرة الدينية إضافة إلى طبيعة التدبير الرسمي الفرنسي لملف التعدد الديني. فما المقصود إذن بالإسلامفوبيا كمفهوم؟ وما هي مختلف السياقات التي أدت إلى إنتاجه؟ وما هي المسارات التي يختطها هذا المفهوم لنفسه في مختلف التقارير والدراسات الفرنسية التي اهتمت بمقاربته وتحليله؟ من هذا المنطلق سنعمل على مقاربة المفهوم مسترشدين بالكم الهائل من المحاولات التي سارت في نفس الاتجاه ما بين محاولة تعريفه و تحليل مختلف الاتجاهات المتدخلة في إنتاج سياقاته .إضافة إلى محاولة تقديم صورة عن بعض المظاهر المدللة على وجود الظاهرة و استشرائها وصولا إلى تحليل الموقفين الرئيسين من الظاهرة والذين راعينا أن نقدمهما من خلال أطروحات كتاب فرنسيين غير مسلمين توخيا للموضوعية والحياد العلمي: موقف الإقرار ممثلا في أطروحة الباحث VINCENT GEISSER. في كتابه<1> LA NOUVELLE ISLAMOPHOBIE وموقف الرفض وعدم الاعتراف ممثلا في كتاب <2> TIRS CROISES للباحثتين CAROLINE FOUREST وFIAMMETTA VENNER.
الإسلامفوبيا؟
اشتقاقيا فإن اللفظ اليوناني phobos يحيل على الخوف اللاشعوري واللامبرر، استنادا لهذا يمكن القول بأن الإسلامفوبيا خوف لاشعوري ولامبرر ورفض عشوائي للإسلام. غير أن هذا التعريف لا يعكس قطعا طبيعة التشعب المحيط بالمفهوم باعتباره يشكل محور نقاشات عميقة يتداخل فيها الديني بالثقافي والسياسي بالتاريخي مما يتطلب تتبع مسيرة المفهوم عبر مختلف أشكال حضوره في التقارير والدراسات والأبحاث التي تعاملت معه كما في اشتغال جهات مختصة من قبيل جمعيات ومنظمات و مراصد حقوق الإنسان ومناهضة التمييز والعنصرية.
يجب التمييز في التعامل مع مفهوم إسلامفوبيا بين مرحلتين أساسيتين تقف 11 ايلول 2001 حدا فاصلا بينهما.
مرحلة الماقبل والتي تتميز بندرة استخدام المفهوم إلى درجة أن الدراسة التي تحدث عنها ALAIN GRESH في مقالته بجريدة LE MONDE DIPLOMATIQUE بتاريخ 1 آذار 2004 تحت عنوان <3>À PROPOS DE L’ISLAMOPHOBIE والتي اتخذت كأساس لها أرشيف جريدة LE MONDE ما بين 1 كانون الثاني 1987 و10 ايلول 2001 أي يوم واحد قبل تفجيرات نيويورك لم تسجل استخدام المفهوم سوى مرتين الأولى سنة 1994 فيما الثانية في شباط 2001. نفس العدد من المرات سيجل أيضا على امتداد نفس الفترة بالنسبة للـ LE MONDE DIPLOMATIQUE الأولى في إطار روبورتاج حول مدينة مرسيلية في تموز 97 فيما الثانية تنسب للمفكر السويسري العربي الأصل طارق رمضان في نيسان 98 أما في بريطانيا فقد تم الترويج للمفهوم سنة 1996 من قبل منظمة RUNNYMEDE TRUST التي أصدرت تحت إشراف البروفيسور GORDON CONWAY دراسة تحت عنوان Islamophobia: Fact Not Fictio. سنة 1998 وعلى هامش الدورة الرابعة والخمسين للأمم المتحدة قدمGlèle-Ahnanhanzo المقرر الخاص حول الأشكال المعاصرة للعنصرية تقريرا أمام لجنة حقوق الإنسان الأممية جاء فيه أن مختلف أشكال العنصرية و معاداة الأجانب الموجهة ضد العرب تتضاعف في اتجاه الإسلامفوبيا.
بعد 11 ايلول سيصبح استعمال المفهوم دارجا على لسان الجميع في فرنسا كما في باقي الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية هكذا سيظهر في أكتوبر 2001 مفهوم الإسلامفوبيا على الموقع الإلكتروني لكل من المرصد الأوروبي لظواهر العنصرية ومعاداة الأجانب بفيينا EUMC والشبكة الأوروبية ضد العنصرية ENAR أما في فرنسا فإن سنة 2003 ستعرف تنظيم يوم دراسي في موضوع du Racisme anti-arabe à l’islamophobie من قبل منظمة الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب MRAP كما سيتشكل التجمع ضد الإسلامفوبيا بفرنسا CCIF الذي أصدر أول تقاريره في 21 تشرين الاول 2004 كما كان الوزير الأول الفرنسي السابق J.Pierre Rafarin قد استخدم المفهوم في كلمة له بمناسبة افتتاح المسجد الكبير في باريس في 17 تشرين الاول من نفس السنة. أما اكثر التعاريف شيوعا وتبنيا من قبل الباحثين فيعود للمركز من أجل تكافؤ الفرص و مواجهة العنصرية والذي جاء فيه: الإسلامفوبيا كراهية ورفض لإسلام مختزل في كيان شرير بينما الإسلام هو متعدد عل المستوى الاجتماعي والجغرافي والتاريخي و الثقافي.هذه الكراهية تتغذى على أحكام مسبقة و قوالب جاهزة سلبية تمارس غالبا خلطا بين مفاهيم متعددة:- إسلام، عرب، مسلم، إسلاموي، إرهابي، أصولي..- من جهة و بين ثقافة ودين من جهة أخرى.
الإسلامفوبيا الجديدة: دور مشبوه لوسائل الإعلام؟
هناك ظاهرة لافتة للنظر في السنوات الأخيرة تتمثل في توجيه الإهانات العنصرية؛ ففي الستينات والسبعينات كانت الإهانة العنصرية الدارجة هي القول "المهاجر القذر"، ثم تطورت إلى "العربي القذر"، أو "المغاربي القذر"، أما اليوم فقد تمت أسلمة الإهانة وأصبحت عبارة "المسلم القذر" شائعة، و"هذا شكل آخر من أشكال الإسلاموفوبيا". بهده العبارة يتحدث الباحث الأكاديمي بمعهد الأبحاث و الدراسات حول العالم العربي و الإسلامي(CNRS) VINCENT GEISSER عن ظاهرة الإسلامفوبيا بفرنسا و التي شكلت محور كتابه " LA NOUVELLE ISLAMOPHOBIE"
في كتابه هذا يرى VINCENT GEISSER أن صورة المسلمين في فرنسا متداخلة قليلا وغير واضحة إذ في جانب معين يتم الحديث عنهم كونهم فرنسيين وعن بداية "اندماجهم"، أما عندما يظهر المسلمون تمسكا بديانة بلدانهم الأصلية على مستوى التطبيق الديني فإن المسألة تتعقد بالنسبة للرأي العام كما بالنسبة للنخبة الفرنسية. مما يضعنا أمام مفارقة عجيبة تقبل وتقر في جزء منها بأن جزءا من المواطنين الفرنسيين هم مسلمون ولكن عندما تتجسد هذه المواطنة في الصلاة أو المطالبة بالمساجد وبالنسبة للفتيات في ارتداء الحجاب فإنهم سرعان ما يوصفون بالأصولية. لقد أصبح على المسلمين الفرنسيين إذن أن يثبتوا أنهم ليسوا "مسلمين كثيرا" لأن المجال السياسي الفرنسي وإن كان لا يعترض على وجود مسلمين, فإن هؤلاء لا يجب أن يكونوا "مسلمين كثيرا" لأنهم إذا ما أصبحوا "مسلمين بشكل زائد عن اللزوم" فإننا نبدأ في الخوف منهم لنصل إلى ممارسة التمييز ضدهم في أحيان كثيرة يقول GEISSER.
إن الإسلامفوبيا وإن كانت تدخل في نطاق المسكوت عنه من حيث كونها تتداخل مع أشكال أخرى من العنصرية و التمييز ضد الأجانب xénophobie فإن الإشارات الكثيرة الصادرة عمن يقفون وراءها تجعل من السهل تعريتها ففي سنوات السبعينيات والثمانينيات كانت السلوكات العدوانية تتوجه بالأساس نحو مآوي المهاجرين والجمعيات المدافعة عن حقوق الأجانب بما يدفع للقول بأن رموز الهجرة والمهاجرين هي التي كانت مستهدفة من مختلف أشكال التمييز أما اليوم فإن نفس المنطق يجعلنا نقول بأن رموز الحضور الإسلامي بفرنسا هي المستهدفة على خلفية مهاجمة المساجد والأئمة و النساء المحجبات. هكذا إذن يرتكز الرفض لا على الأصل وإنما على المرجع الديني باعتباره يحيل على الهوية. إنه الإسلام إذن ديانة المهاجرين المستوردة والغريبة على الثقافة الفرنسية كما تؤطرها أطروحات الإسلامفوبيين التي تجد من الفضاء الإعلامي الفرنسي مجالا شاسعا لترسيخ رؤيتها الضيقة للإسلام والمسلمين والتي لا تمل من تكرار نفس الصور النمطية لأناس يرون من ظهورهم وهم يصلون في العراء، تجمعات حاشدة تصرخ وتهدد ونساء محجبات ووجوه ملتحية وأفواه مفتوحة وعيون محملقة...
هدا المسار الضيق الذي اختطته وسائل الإعلام الفرنسية في التعامل مع الإسلام والمسلمين الذي يدعو الكاتب وعلى امتداد فصول الكتاب الأربعة إلى ضرورة تجاوزه يعود من وجهة نظره إلى كون الصحافيين ضحايا معرفة غير دقيقة وغير معمقة تتأسس على تقارير مشوهة عن حقيقة الدين الإسلامي تستند في كثير من أبعادها إلى العقلية الاستعمارية التي ترى في المسلمين مجرد "بلهاء" و"رعاع"، وفي الإسلام طائفة "مغلقة". مما يحصر الرؤية الإعلامية برمتها في تصور افتراضي متخيل يضفي الشرعية على مجموعة من الأفكار والأحكام المسبقة. في هدا السياق يحدد الكاتب أربع مصادر أساسية لظاهرة الإسلامفوبيا في فرنسا يمكن تقديمها كالتالي:
مجموعة من الصحافيين ممن أصبحت وسائل الإعلام تقدمهم باعتبارهم حماة القيم الجمهورية من أمثال: (Alain Finkielkraut, Jean-François Revel, Jacques Julliard, Pierre-André, Emmanuel Todd,…)، خطاب هؤلاء لا يتعامل مع الإسلام باعتباره دينا كباقي الأديان يتطلب التعامل معه تحليل مختلف الأنساق والظواهر المتفاعلة في علاقة به بقدر ما يعمل على ترسيخ إطار نمطي يضع الإسلام و المسلمين في موضع المهددين لروح الجمهورية الفرنسية، هكذا يصبح كل حديث عن الإسلام والمسلمين محيلا بشكل مباشر على المثقف المهدد من قبل التطرف الإسلامي (نموذج سلمان رشدي وتسليمة نسرين) النساء ضحايا المعاملة السيئة والمفتي ذو القراءة المتحجرة للنصوص...
خبراء الرعب الجدد و هم كما يقدمهم VINCENT GEISSER في كتابه مجموعة من الأكاديميين الذين يحتلون بشكل مبالغ فيه مختلف وسائل الإعلام كلما تعلق الأمر بالإسلام أو المسلمين، هؤلاء الذين يقدمون باعتبارهم متخصصين في الشأن الإسلامي و مختلف تأثيراته على الجمهورية الفرنسية لا يتعاملون مع الدين الإسلامي باعتباره دينا كباقي الأديان وإنما كحضارة ينبغي أن تدرس وفق مبادئ نظرية<5> SAMUEL HUNTINGTON حول صدام الحضارات choc des civilisations. أطروحات خبراء الرعب الجدد كما يسميهم VINCENT GEISSER تساهم في إشاعة جو من الريبة و الكراهية تجاه كل ما له علاقة بالدين الإسلامي في فرنسا وحين يتحدث عن النمودج المثالي لهؤلاء ممثلا في الكاتب ALEXANDRE DEL VALLE صاحب كتاب<6> Islamisme et France. Une alliance contre l’Europe والكاتب René Marchand صاحب كتاب<7> La France en danger d’islam. Entre Jihad et Reconquista فإنه في نفس الآن يتساءل عن سر غياب أو تغييب أسماء مفكرين كبار من أمثال OLIVIER ROY و GILLES KEPEL إننا بصدد تغييب المتخصصين لصالح أشباه المتخصصين يقول Geisser.
المسلمون الإسلامفوبيون و يتعلق الأمر بمجموعة من الأسماء المغاربية بالأساس التي تعيش بفرنسا وتشكل بالنسبة لوسائل الإعلام مرجعا مثاليا لتكريس الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين وفق منطق شهد شاهد من أهلها ومرة أخرى حين يرصد VINCENT GEISSER مجموعة من الأسماء التي تتكرر باستمرار في وسائل الإعلام الفرنسية كالكاتب التونسي عبد الوهاب مديب, الخبير الأمني اللبناني أنطوان صفير, الكاتب الجزائري رشيد قاسي، الصحفي محمد السيفاوي والكاتبة الجزائرية لطيفة بنمنصور فإنه يتساءل عن سر التضليل الإعلامي على أسماء مفكرين مسلمين كبار من أمثال محمد أركون وعلي ميراد.
المصدر الأخير للإسلامفوبيا حسب Vincent Geisser يتموقع ضمن فعاليات الأوساط اليهودية الفرنسية من أمثال PIERRE ANDRE TAGUIEFF , SHMUEL TRIGANO وRaphaël Draï التي تعمل على ترويج أطروحة تربط بشكل مباشر الأوساط الإسلامية بمعاداة السامية.
لقد ساهمت وسائل الإعلام من وجهة نظر VINCENT GEISSER في خلق مناخ إسلامفوبي atmosphère islamophobe من خلال تداوله الممجوج لصورة الإسلاموي الملتحي و الإرهابي, حتى مقالات الصحف التي قد تكون في كثير من الأحيان موضوعية فإنها ترفق بهده الصور النمطية التي من شأنها تكريس الرؤية المرسومة سلفا التي تسهم أيضا في تحسين مبيعات الصحف الأسبوعية الفرنسية في وقت تعاني فيه من أزمة قراء لأن الخوف من الإسلام يسوق بشكل جيد في فرنسا على حد تعبير Vincent Geisser . كل هده العوامل تتطلب من المسلمين الفرنسيين ممثلين في جمعياتهم و تنظيماتهم فتح نقاش واسع مع باقي أطياف المجتمع الفرنسي لإعادة الاعتبار لصورتهم التي لا ينبغي أن تخرج عن إطار كونهم مواطنين كبقية المواطنين الفرنسيين و لعل من المفارقات التي يسجلها Vincent Geisser أنه وبالرغم من وجود مفكرين في العالم العربي والإسلامي (البلدان الأصلية لأغلب مسلمي فرنسا) فإن ظروف النقاش العام واحترام حرية التفكير ليست موافقة لما هو متوفر في بعض البلدان الغربية وهو ما يؤدي إلى نتيجة هي أن أوربا أصبحت أرضا للتفكير الإسلامي.
النقاش حول الإسلامفوبيا: حوار ملغوم؟
حسب كاتبتي كتاب TIRS CROISES CAROLINE FOUREST و FIAMMETTA VENNER. فإن لمفهوم إسلامفوبيا قصة يجب التعرض لها قبل استعماله في مختلف الخطابات, هذه القصة تعود إلى سنة 1979 حيث اتهم رجال الدين الإيرانيون كل النساء اللواتي رفضن وضع الحجاب غداة الثورة الإسلامية بأنهن إسلامفوبيات( يسجل الكاتبALAIN GRESH في مقالتهÀ propos de l’islamophobie أن هذا التأصيل الذي تتبناه الكاتبتين لا يستند إلى أي مصدر مدقق كما يسوق مجموعة من الإحالات التي تؤشر على أن المفهوم قد استخدم قبل ذلك بكثير)، ثم عادت للظهور من جديد على هامش قضية سلمان رشدي على لسان محسوبين على جمعيات إسلامية لندنية من قبيل تنظيم "المهاجرون" الذي يتزعمه اللبناني عمر بكري. ضحايا الإسلامفوبيا من وجهة نظر هؤلاء حسب الكاتبتين هم تنظيم طالبان، أما أكبر الإسلامفوبيين فهما سلمان رشدي وتسليمة نسرين.
سواء تعلق الأمر بتصريحات منسوبة لمنظمات مهتمة بقضايا المسلمين أو حتى إلى مسؤولين فرنسيين ناهيك عن الصحفيين الذي أضحى المفهوم تيمة ملازمة لحضورهم الإعلامي، فإن الأمر يتعلق من وجهة نظر الكاتبتين باستخدام ملغوم يتخذ مسارين اثنين يرتبط الأول بالسياسة الرسمية الفرنسية التي تتوخى التغطية المتعمدة على فشل سياسة إدماج المهاجرين باختلاف مشاربهم من خلال اختزالها في إشكالية متعلقة بالمسلمين بفرنسا فيما يرتبط الثاني بالمسلمين أنفسهم في حربهم الضروس ضد كل انتقاد علماني لأفكارهم ومعتقداتهم.
على المستوى الأول فإن الترويج لكلمة إسلامفوبيا كبديل عن كلمة عنصرية يسير بتواز ممنهج مع السياسة التي سنها وزير الداخلية السابق Nicolas Sarkozy الذي قام من وجهة نظر الكاتبتين بفبركة مجلس فرنسي خاص بالديانة الإسلامية. هذا التوجه الرسمي لا يؤدي من فقط إلى الخلط بين من تسميهم الكاتبتين المسلمين المتحررين les musulmans libéraux والمسلمين المتطرفين musulmans extrémistes المحسوبين على اتحاد التنظيمات الإسلامية بفرنسا l’UOIF بل إنه يحاول في نفس الآن اختزال إشكالية اندماج المهاجرين بفرنسا في إشكالية الاندماج الديني للمسلمين مما يعني أن معالجة مشاكل التهميش الاجتماعي لهؤلاء جميعا يمر عبر الإدماج الديني للمسلمين كما لو كان كل المهاجرين الفرنسيين مسلمين متدينين musulmans pratiquants هكذا إذن لا يبق أمام مهاجري الهوامش الفرنسية تقول الكاتبتين سوى نقل احتجاجاتهم إلى أئمة المساجد لأن العودة إلى الدين هي الحل الذي تقترحه سياسة Nicolas Sarkozy.
يحيل المستوى الثاني الذي يختطه الكتاب على المسلمين أنفسهم سواء تعلق الأمر بالأفراد أم بالجماعات من خلال محاولة استثمار المفهوم لتجريم كل محاولة لانتقاد ديانتهم أو الممارسات التي تتم باسمها وهو الأمر الذي تقره القيم الفرنسية في هذا السياق فإن مسلمي فرنسا من خلال تبنيهم لمقولة الإسلامفوبيا يسيرون في نفس الخط الذي سبق و اختطه مسيحيون متطرفون من قبيل Bernard Antony وجمعية ’L’AGRIF التي تلتقي مع منظري الإسلامفوبيا في الاعتراض على كل محاولة لانتقاد الدين.
حين تتوجه الكاتبتين لمناقشة طروحات المروجين لظاهرة الإسلامفوبيا من المسلمين فإنهما تتوقفان كثيرا أمام شخصية المفكر السويسري العربي الأصل طارق رمضان والذي سبق لإحداهما وهي CAROLINE FOUREST أن خصصت كتابا كاملا بعنوان "le frère tariq" لمناقشة أفكاره التي تلقى رواجا واسعا داخل الأوساط المسلمة في فرنسا وأوروبا عامة كما كانت حاضرة بقوة في الملف الذي خصصته له مجلة<8> L’EXPRESS الفرنسية اليمينية في عددها الأسبوعي الاثنين 18-10-2004 تحت عنوان " L’homme qui instaurer l’islam en france ". فهو من وجهة نظرها أخطر من المسلمين التقليديين بل هو رأس حربة الإسلام السياسي في أوروبا، إنه ليس زارع قنابل ولكنه في الحين ذاته واضع أفكار مضادة للحريات العامة. كما أنه نجح في استثمار تضامن اليسار العلماني معه حين منع من دخول فرنسا سنة 1995 بقرار من وزير الداخلية الفرنسية آنذاك DEBRE فأصبحت المنتديات اليسارية مجالا مفتوحا له لترويج أفكاره .من جهة أخرى توجه الكاتبتين سهام النقد نحو الكتابات الأكاديمية التي تقر بالظاهرة وتدعم مواجهتها و على رأسها كتاب VINCENT GEISSER السالف الذكر LA NOUVELLE ISLAMOPHOBIE . ففي ظل كل هذا الدعم الذي يلقاه مروجو الظاهرة من سيجرؤ تتساءل الكاتبتين على انتقاد التأويلات البدائية للإسلام والتأويل الجنساني للقرآن دون أن يخشى الوقوع تحت طائلة تهمة الإسلامفوبيا؟ وللتدليل على صحة طروحاتهما تسوق الكاتبتان تعامل منظمة الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب MRAP مع كتاب ORIANA FALLACI السالف الذكر LA RAGE ET L’ORGUEIL حين تم التركيز في الحملة التي شنت ضد الكتاب و صاحبته ليس على الفقرات التي تتضمن تلميحات عنصرية ضد المسلمين وما أكثرها تقول الكاتبتين و إنما على الفقرات التي تتضمن انتقادات للدين الإسلامي بما يعني أن أولويات هذه الجمعيات من خلال الترويج لمفهوم الإسلامفوبيا هي تجريم انتقاد الدين وليس مواجهة العنصرية.
بين موقفي الإقرار و الإنكار تجاه ظاهرة الإسلامفوبيا , وحدهم مسلمو فرنسا البالغ عددهم ب 6 ملايين نسمة ينحدرون من 53 بلدا ويتحدثون 21 لغة إلى جانب اللغة الفرنسية, أي ما يقارب 10% من السكان بقدرة تصويتية تتجاوز 1.1 مليون صوت . وحدهم يدركون موقعهم في النسيج السياسي والثقافي والاجتماعي الفرنسي أما الإشكالات المرتبطة باندماجهم فإن طرحها من زاوية "إسلام فرنسي" أو "إسلام في فرنسا" هو بمثابة طرح خاطئ كما يرى المستشرق الفرنسي STEFANE LACROI فالمطلوب أن يكون هذا الإسلام نابعا في المقام الأول من المسلمين الفرنسيين، وليس إسلاما حسب تصور الحكومة الفرنسية أو أي جهة أخرى لأنه لا شيء يمنع المرء من أن يكون مسلما وفرنسيا في الآن ذاته ولعل هذه هي الرسالة التي قصدت توجيهها فتيات مسلمات فرنسيات يرتدين الحجاب حين تظاهرن في شوارع باريس عقب صدور قرار حظر ارتداء الرموز الدينية في المؤسسات التعليمية وهن يتلفعن بالعلم الفرنسي، ويرددن النشيد الوطني.
المراجع:
1. VINCENT GEISSER :LA NOUVELLE ISLAMOPHOBIE .
2. CAROLINE FOUREST; FIAMMETTA VENNER : TIRS CROISES,
LA LAICITE A L’EPREUVE DES INTEGRISTES JUIFS, CRETIENS ET MUSILMANS.
3. ALAIN GRESH : À PROPOS DE L’ISLAMOPHOBIE.LE MONDE DIPLOMATIQUE.
4. ORIANA FALLACI : LA RAGE ET L’ORGUEIL ;CONTRE LE JIHAD ET L’INTOLERANCE.
5. SAMUEL HUNTINGTON: CHOC DES CIVILISATIONS
6. ALEXANDRE DEL VALLE : ISLAMISME ET ETATS-UNIS. UNE ALLIANCE CONTRE L’EUROPE.
7. RENE MARCHAND : LA FRANCE EN DANGER D’ISLAM. ENTRE JIHAD ET RECONQUISTA.
8. L’EXPRESS :L’HOMME QUI VEUT INSTAURER L’ISLAMISME EN FRANCE.
مشاركة منتدى
29 آذار (مارس) 2006, 17:54, بقلم مصطفى
بصراحة ان الانسان لم تبقى فيه تلك الخصلة التي تقول تسامح ديني بحيثاصبح طعن في جميع شرائع امرا مباح وشيءليس له اي اهمية.