

احذر من العلاقات السامة

تصور أن أمامك رجلًا محترمًا تحسب له ألف حساب؟، هذا الرجل المحترم يهابه الناس، لهذا يخلقون الكثير من الحواجز النفسية لمخاطبته، ويغفلون عن كونه بشرًا.
هذا الرجل المهاب المتزن ذو الملابس الفاخرة سيتحول في لحظة إلى شخص آخر في ثوانٍ معدودة، إذا أهان شخصًا ما بصفعة، ردود الأفعال البشرية كثيرًا ما تكون طفولية وهمجية وملوّنة بتلاوين الحيوانات المفترسة، فالمناطقة حين يصفون الإنسان بكونه حيوانًا ناطقًا، لم يجانبوا الحقيقة، فلو جردته من ملابسه ولا حظته في أسوأ حالاته وغضبه، لن تفرق كثيرًا بينه وبين سائر حيوانات الغابة.
كثيرًا ما نشاهد الفرقعة البصرية حين يظهر الإنسان المتأنق على طبيعته الحيوانية البسيطة عند أتفه مشاجرة، لهذا يبتعد البعض عن التعامل مع الناس، ويقول: "اعتزال البشر مأمن، وفراق الناس عيد"، فكم من سلامة حليفة المنزوي، لما يصدر من الحماقات البشرية.
لهذا يعتقد الكثيرون أن الغنيمة في الابتعاد عن مصادر التوتر، والهروب من بؤر المشاحنات، فإذا لم تكن ضمن فرائس النزاعات، قد ينالك بعض الشرر، حينما تدنو قليلًا وتقترب.
فالحكيم يسحب رجليه عن مجالسة كل نَزِقٍ خَرِق لا يضع لنفسه لجامًا، وكل شخص عرضة للتعامل مع شخص ما هو بركان في صورة رجل، أو رجل حقيقته مصاص دماء في ثوب حمل وديع، إذ يتربص بك الدوائر وينتظر منك أقلّ ثغرة لينالك منه اللّهب ويلتهمك دون ملعقة!
ماذا لو عرفت أن دخولك في طريق ما سيوقعك في مصيبة قاتلة؟، هل تجرؤ على الدخول؟، الجواب العقلائي أنك حتمًا لن تخطو خطوة في ذلك المنزلق.
والتعامل مع بني البشر بمثابة الخوض في الممرات والطرق، بعض هذه الممرات مليئة بالزهور العاطرة والحدائق الناضرة، وبعضها الآخر مفروش بالأشواك وحساؤك السّعْدان والقاذورات، بمعنى أن هناك علاقات سامة، قد تدفع ثمن ارتباطك بها، لهذا عليك الحذر ثم الحذر قبل عقد هذه العلاقات.
يروى أن فتاة تسمى هديل تعلّقت بفتى أحلام اسمه خالد، كان خالد هذا نموذجًا ساحرًا في عيونها في بداية العلاقة، ومع الوقت أدركت أنه مجرد مرض لا تستطيع الخلاص منه، في بداية الأيام كان يقدم خالد لها الورد والهدايا مع ابتسامة واسعة تشي بأنه معجب بكل ما فيها، ومع الوقت أخذ يعرض لها مجموعة من النصائح الوديّة التي تحوّلت فيما بعد لانتقادات لاذعة أفهمتها بإحساس عدم الجدارة والكفاية، هذه كانت البداية ثم تضاعفت الأهوال حيث اتهمها بالخيانة!.
وكثيرًا ما كانت تكتشف أنه كان يتلصص عليها ويفتش في مقتنياتها بصورة مقززة ليضعها في قفص الاتهام، ورغم كل تصرفاته الهوجاء تلك كان يغلف هذا السجن بالحُبّ والحماية.
غرقت هديل في مستنقع الحزن ولفّت بها الكآبة السوداء وانعزلت في شرنقة الوحدة وشعرت بالاختناق من براثن زوج المستقبل حتى إنها فكرت بالانتحار لولا سماعها آية تخاطبها تقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، على الفور أوقفت محاولة الانتحار، ثم أدركت أن مغزى الآية أبعد من ذلك، وهو الخلاص من هذا الزوج القاتل، فالقتل المعنوي أمرّ وأدهى.
طلبت المعونة من صديقة مقربة وشكت إليها الأزمة باكية، هنا بدأت لحظة التنوير وانفكاك حلقة العقدة، وقالت لها بالحرف: "ابتعدي عن كل علاقة سامة، فأنت تستحقين الأفضل"، وبصعوبة بالغة تمكنت هديل الخلاص من هذا الشبح الذي يفري أوداجها على مهل.
هذه القصة الواقعية قطرة من ملايين العلاقات السامة التي تصيب مجتمعاتنا وأسرنا، تستهلك منا الطاقات وتغيبنا في دوامات نفسية صعبة لشهور وسنوات، فمتى سنوقف هذه العلاقات الخطرة؟
لو رجعنا لسجلات الجرائم كوقائع القتل والاعتداء، لوجدنا أن الباعث الأولي لها تافه من التوافه، هذه الشرارة البسيطة توافقت مع وجود شخص متهيّج نفسيًا وعصبيًا نستطيع أن نسميه لغمًا بشريًا قابلًا للانفجار.
في مرّة من المرات دوّى في الصحافة مصرع بائع سندويتشات في بوفيه محلي أشهر عليه أحد الزبائن سكينًا وأنهى حياته في غضون ثوانٍ بالسلاح الأبيض، وثّقت كاميرا هذا المحل بداية النزاع، وانتشر هذا المقطع كالنّار في الهشيم. السبب الظاهر ليس الشرارة الحقيقية لذلك المصرع المفجع، بل هذه النفس البشرية القابلة للتشظي والفتك.
البعض يرجع العوامل لما تكتبه المفاجآت، ويغفل أننا ضمن حلبة هذه اللعبة وأحد مسببات هذه الكارثة، فمن يسحب فتيل القنبلة لن يسلم من دفع الثمن، في مرَّة من المرات أثار أحدهم حفيظة شخص فألقى الأخير عليه الشاي فلوث ملابسه، قد تكون عاقبة هذه الحادثة محتملة، وقد تفرز تشوهات مستدامة لا علاج لها إذا كان القدح ساخنًا.
نستطيع سوق جملة من نصائح التعامل مع الآخرين لتقليل الأضرار منها: الحذر من الغرباء، وتقنين التعامل مع الفئة المقهورة، وتحاشي الحديث مع الفرد الغاضب، والترفع عن المزاح مع من لا يستطعمه، فرب مزحة صغيرة ولدت وقائع كبيرة.
فهل يدرك صاحب السيجار خطورة مروره بمنطقة التسريب الغازي؟، لا تتعجب لو أبصرت مشهدًا يُتَداول لسيجارة بسيطة ولدت حرائق كارثية، فلماذا نستصغر مستصغرات الشرر؟، وما النار العظيمة إلا إحدى نتائجه.