ليلى تحاور ليلى ـ ما أكثر الليالي فأين قيس
مثل شائع ينتشر في بلاد العرب يقول من لم يتزوج سورية فهو أعزب ، لكن في سوريا يقولون ان لم تقرأ لليلى مقدسي ـ الكاتبة السورية المعروفة ـ فانت امي أما في حلب حيث تقيم الأديبة الرائعة فيقول الحلبيون ان كنت عاشقا فلا بد انك قرأت رسائل ليلى مقدسي عن الحب في كتابها " رسائل وصلت " .
واذا كنا منذ مدة نحلم ان نجري لقاء مع الاديبة السورية ليلى مقدسي التي ولدت في صافيتا في سوريا وتعيش الان في حلب بعد ان عملت في التدريس مدة 28 عاما قدمت فيها ايضا العديد من دواوين الشعر والقصص ورسائل الحب الرائعة .
واليوم اذ يتحول حلمنا الى حقيقة بعد ان هبت الشاعرة السورية ليليى اورفه لي لاجراء حوار شيق مع ليلى مقدسي فنحن ننشره كما وصل دون زيادة او نقصان .
– هل الكتابة لديك تعبير عن الذات ، أم هي نتاج الواقع والمجتمع والتجارب ؟
– أنا مؤمنة بقول جبران : " إني أكره كتاباً لا ينطبق على حياة مؤلفه " ، فالصدق شرط أساسي في العمل الابداعي . والتعبير عن الذات لا يقتصر على ما يعتمل داخل النفس الانسانية ، إنما كل ما نخلع عليه من أحاسيسنا ومشاعرنا وخيالنا وأحلامنا وتجاربنا . وإذا لم يكن منبع الذات سيبدو وكأنه صنعة . والمبدع يبتدع في الزمن المطلق ، وكتابته تمتد الى ابعد مما هو متحقق في الواقع ، وكل عمل فني يبنى على قيم جوهرية وهذه القيم هي التي تحدد أهميته واستمراره . والقارئ إحساسه عفوي وصادق وهو يبحث عن الكاتب داخل العمل الابداعي – رواية – شعر – نثر – فالكاتب يكون داخل المخيلة ، وداخل الآخر . فالكتابة تصدر عن ذات تعاني ، وهي طاقة حلم ، وطاقة حب ، وهي قوة تحول ...
- هناك من يفصل بين الأدب النسائي والأدب الذكوري ، هل هناك ضرورة لهذا الفصل ؟
– الكاتب المبدع انسان سواء كان رجلا أم امرأة ، وهو يعيش مع القارئ تجربة حية من المعاني والكلمة واللغة والانفعال ، فالمبدع يحول التجربة الكبيرة الى تجربة صغيرة على الورق وبما أن المبدع انسان ، فالمعاناة هي المعاناة ، والاضهاد هو الاضطهاد ، فالنسيج الانساني واحد ، ولكن المرأة محكومة بالعادات والتقاليد وسلطة الذكورة ( أب ، أخ ، زوج ) ولا تتحرر المرأة إلا إذا تحرر المجتمع ككل ، وهذا القمع على مر العصور حرمها من العلم والثقافة والاطلاع والمعرفة وكأنها في زنزانة معتمة ، كما أن وظيفة المرأة التي مارستها مرغمة ( البيت ومتطلبات الأسرة والإنجاب ) نمّت لديها موهبة القلب وشغلتها عن حصاد العقل ، لأن طاقتها سُجنت أو سُخّرت فقط للرجل والأولاد والأسرة ، ومنعتها من الانطلاق في حقول المعرفة والابداع ، وسلبت منها حقوقها ومنعت حرية روحها وأفكارها واختيارها ، ورزحت تحت ظلم الجهل والتخلف . وحين بدأت تتحرر بالعلم ، وهو سلاحها للعمل وليس للإبداع ، فالشهادة لا تعني الثقافة والوعي والمعرفة ، لذلك انعكست معاناتها على كتابتها وفتحت جروح ذاتها ، فكيف تستطيع أن تكتب وحريتها مكبلة ؟ من هنا كانت انطلاقة الرجل أوسع لأنه أكثر حرية وأكثر انطلاقا ، ولا استطيع اتهام الرجل وحده بهذا الظلم ، إنما هناك عوامل بيئية واجتماعية وتقاليد وأصولية ساهمت في عذاب المرأة . ولا تبدأ حرية المرأة إلا بعدالة الرجل مع ذاته ، مع الآخرين ، ومع المرأة .....
– هل يستطيع المبدع أن يتفهم المرأة وينصفها ؟؟
– المبدع الحقيقي يتجاوز برؤيته الثاقبة مفهوم الرجل والمرأة ، ويعبر عن الانسان ... ألم يستطع الشاعر نزار قباني أن يتغلغل إلى أحاسيس المرأة ويعبر عنها ويشجعها على حريتها وحقوقها كإنسانة ؟؟؟ ألم يقل لها :
–
" ثوري أحبك أن تثوري / ثوري على شرق السبايا والتكايا والبخور /ثوري على التاريخ / ثوري على الوهم الكبير / ثوري على شرق يراك / وليمة فوق السرير "
ألم يقل " توفيق عواد ": " الحرية التي أطلبها للمرأة هي حرية الحب ، حرية أن تقول هي للرجل أحبك دون أن تخشى شيئاً ، وأريد أن نرد جسد الأنثى إليها ، فهو حتى الآن ملك الأعراف والتاريخ ، والمؤسسات الدينية والدنوية ، لأن الرجل الشرقي يربط كل أخلاقياته بجسد المرأة لا بأخلاقياته هو ، فهو مباح له كل شيء ويبقى أطهر من ماء السماء حتى يعثر في درج أخته على رسالة حب فيشدها من ضفائرها كالدجاجة ، ويلقي قصيدة شعر أمام قاضي التحقيق " .
وقد عبر عن اضطهاد المرأة أيضاً ، الأديب طه حسين في " دعاء الكروان" ، وإحسان عبد القدوس في " لا أنام " محمد عبد الحليم عبدالله في " الطريق المسدود " ، ومن الآداب العالمية التي تناولت موضوع اضهاد المرأة أيضاً جوتيه " الآم فارتر " ، تولستوي " آنا كارنينا " ، دوستوفيسكي " فدلون مهانون " ، والأمثلة كثيرة فالمبدع الانساني يحس بالذات المعذبة ويعبر عنها .
– يقال أن الثرثرة مرضاً يصيب المرأة لذلك تكتب الرواية أو القصة ، فما رأيك ؟
– هذا القول بعيد عن الواقع، الثرثرة في مجتمعنا مرض اجتماعي يصيب الرجل والمرأة حين يكون الفكر محدوداً ، ومساحة الوعي والثقافة مغلقة ، وهذا ينبع من التربية الخاطئة من البيئة ، والانسان العربي يحب الفضول والتطفل على حياة الآخر والتدخل في أموره الخاصة والعامة . وهذه المشكلة تنبع من المجتمع العشائري ، ومن الفراغ الذهني لأن الانسان لم يتعود أن ينشغل بأمور هامة ولا نكتفي بالثرثرة بل بالتأويل الخاطئ ، والتفسير السيء والملون بالخداع والكذب والنميمة والافتراء لأننا لم نتعود على احترام حرية الآخر وحرية أفكاره ومعتقداته وهذا ينعكس على المجتمع ككل ولا يساهم في تطوره وما اقتراب المرأة من الرواية الا لأنها أسهل تعبيراً عما تقاسيه وما كان يمارس عليها من المسكنات الاجتماعية والتقاليد والممارسات الخاطئة لذلك وجدت في الرواية حصناً للدفاع عن حقوقها وتوصيل معاناتها وهمومها الى العالم .
– كيف تنظرين الى الشعر ... ولماذا قلّ عدد الشاعرات ؟
– الشعر ينفلت من كل تحديد ، لأنه حركة مستمرة للابداع .. الشعر أعلى مراتب الفكر وهو رؤيا الحياة والانسان والطبيعة ولكل مبدع فرادة ابداعه لأن الشعر لحظة صدق خارقة لحظة صلاة ولغة للوجدان ، ولا يصنع الفن سوى الشعر أما القلب هو وحده الشاعر ..
وكما قال جبران: "ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب .."
الشعر حرية ونقطة تماس بين الانسان والمجهول ولولا الخيال لعز علينا الشعر، والشعر يصدر عن ذات تعاني ، هو طاقة حلم ، وطاقة حب وقوة تحوّل ، عالم الشعر هو عالم الانسان والطبيعة والحب حيث يتلاقى الحس والفطرة والثقافة في وحدة وانسجام واطمئنان ... وجوهر الشعر هو رعشتنا الروحية الصادقة .
إن عدد الشاعرات مرتبط بواقع المرأة في مجتمعنا الذي يقيد فيها حرية التعبير والبوح ، وهذا ينطبق على صنوف الابداع كافة .
– هل الشرط العروضي يقع في أساس الشعر ؟
– الشعر طائر مهاجر أبدا .. يحمل كل عظمة المعاناة الانسانية ، وقد قال مور " الشعر هو ما أبدعه الشاعر معبراً فيه عن شخصيته " . وأبو العتاهية القائل " لو شئت أن أجعل كلامي كله شعراَ لفعلت " وهو أحد مؤسسي التجدد الشعري ، أطلق نفسه من القيد بالمعاني والألفاظ ، ونظم على أوزان لا تدخل في العروض ولما قيل له في ذلك أجاب : أنا أكبر من العروض .
ويقول الناقد الأديب فخري صالح : " الشرط العروضي لا يقع في أساس الشعر وتعريفه ، بل هو شرط زائد يقوم الشعر به وبدونه " .
ويقول ابن سينا : " إن كل كلام غير مخيّل ليس شعراً ، وإن كان موزونا مقفّى وإن الشعر يراد به التخيّل لا إفادة الآراء " .
ويقول عبد الرحمن شكري :" الشعر تعبير عن الذات ، والمعاني الشعرية خواطر المرء وتجاربه ، وإذا لم يكن تعبيراً عن الذات كان صناعة " .
فالشعر فيض الطبع ، وهو تعميق للحياة يجعل اللفظة الواحدة تولد لحظات ... والتعبير لا يتقيد بشكل ولا ينحصر في قالب لأن الحدود تقسم الكتابة وتضيق المساحة ، فالتراث ليس ما يصنعني بل ما أصنعه أنا ، والشعر يرفض كل أشكال القمع وهو تحويل للعالم والواقع والانسان . والشعر ليس نمطاً وظيفياً مسخراً لموضوع معين في قالب معين بل هو الكلام الانساني الوحيد الذي يبقى حراً .
لماذا نمارس الحداثة في وسائل الحياة اليومية ونرفضها في تحسين وتطوير الفكر والعقل ، وهل الانسان العربي متحرراً داخل ذاته ؟ جوهر الثقافة في الابداع المفيد والمتغير .
وبعض والكتابات النقدية حول قصيدة النثر تعدها خارج الكتابة الشعرية العربية وتنطلق من مفهوم تقليدي للشعر ، فإذا انتفى عمود العروض واستبدل بنسق إيقاعي مختلفهل انتفى كون الشعر شعراً ؟ هذا المفهوم يتمسك بموسيقى العروض ويلغي ما يحقق من شعرية الشعر فالشرط العروضي شرط ثانوي لأنه من حقل الموسيقى فقط ، يقول الناقد الروسي لوتمان
" الشعر يخرق مبدأ مراعاة القواعد التي تمنع ضم عناصر معينة في نص أدبي " وهو ينشئ أنساقاً جديدة من الألفاظ وبهذا المعنى يثري اللغة وينحو إلى انشاء فضاءات مجازية خاصة به" . أما الجرجاني فيقول : " إن الشعر يجمع أعناق المتنافرات المتباينات في ربقة ويوجد الائتلاف في المختلفات " .
أليس القراء يقرأون بقلوب بريئة ، بينما النقاد يطبقون نظرياتهم وفي رؤسهم أحكام مسبقة وجاهزة . أو يعزلون النص ويرسمون خطوطاً ودوائر ويسقطون المفردات باسم البنيوية والألسنية ... الناقد يبدع من نص المبدع نصاً آخر حين يقرأ بأبجدية الصفاء ويتغلغل الى قلب التجربة والمشاعر واللغة وقد علمني الشعر أن الحب هو الخير المطلق وهو جسد الانسانية .
لمحة عن ليلى مقدسي
مواليد 1946صافيتا
ـ سوريا،عملت في التدريس مدة 28 عاما
صدر لها العديد من المجموعات الشعرية
ثالوث الحب.. غمامة ورد..عرس قانا..وردةأخيرة للعشق
لغة الجمر..نص القلب
و كذلك روايتي؛ لأننا لم نفترق ..ذاكرة البحر تقرأ
وهناك القصة و منها؛ قطوف و أوراق ،عنود،رسائل وصلت
لديها الكثير من المخطوطات ما بين شعر و قصة و دراسة