

لوركا
لوركا :
ومضة النور الأبدي.أنى حللتَ بالجزيرة ، يسبقك أريج الياسمين، دعابةُ نسيم بحٍر ، يهب على نافورات غرناطة.
همساتُ غصن، وشايات ِغربان، دعابات ...أنتَ ، تنبذ الحذر ، تألو إلا أن تصمد في مهب الوشايات والأحزان.
في مناجاة الريح:
أيا ريح الجنوب،
يا سمراء ، يا مضطرمة
حلّي في جسمي...
لا شيئ هناك ، تعرت الخرائب!
بقايا من حوافر خيل "لودريغو "
هزؤات، لاتستمريها أرض الفلاحين البسطاء . ..وتمر الريح في غير رغبتك، عكس المنازل والأ فلا ك.
تعوي في أحد مساءات أيار .
كيف تنفذ إليك ؟
طواحين هواء، نير يربط الأعناق ، العضلات قوية،
عرق يتصبب ، د م يخضب جد ران غرناطة ، تعاويذ، رسوم بدائية ، أصوات غجرية...
لوركا ، ايها القيثار الذهبي !
هل بللت الريح زهر البرتقال؟
أيها الريح اهتم بي...والقلب يدور ويدور...
لوركا ، إيقاع ، رددتْ أصداءه شبه الجزيرة.
ملتبساً يهموم الريح،لاطير يفتتح ذاك الصباح ، بوشاية هزيع الليل ، ولا أثر لوسوسة أسورة الغيد، وفحيح الصنوبرات.
آهٍ ياغرناطة!
من أين تأتي ريح الشمال وُد ّبها الأبيض ؟
كلما حل شهرأيار، قطعت الخطاطيف المهاجرة أسوار غرناطة، وسعى إليك النسيم يلف أطرافك في رداء مرابطي.
ياريح الشمال، أسري في جوانحه!
غرناطة ! تنهيدة الكمان ، وشكوى الزمان !
لوركا ، وردة مهربة من ويلات المغول ، مد سوسة بين حاملات النهود، شربة ماء زلال، كلمة تحت جنح الليل .
المجد للشعر!
ياريح الشمال حلي فيه ! درْ أيها القلب ...
المجد لكلماتك التي هزت صروح لودريغو...
وساد ظلام تلك الجنان وأنت شمسها.
لاحت فينوس في فجرها، و فجورها المشاغب، تخطف من إشعا عك قبل تباشيرذلك الصباح ، غارت من لونك القمحي.
ياريح الشمال ، أسري في لحمه ليرتعش ، ليرتعش من سياط قطبية!
آهٍ غرنطةَ!..ياتنهيدة الكمان ، وشكوى ذاك الزمان !
لوركا : وردة مهربة مد سوسة بين حاملات النهود، شربة ماء زلال.
لا شيئ بعد ذ لك سوى كلمة ، كلمة تحتضنها أجنحة ملائكية ، وبقايا كأس معتقة متباد لة.
المجد لشعرك!
أيا ريح الشمال : ُهّبي شيئاً من عنايتك : دُ ر أيها القلب، دُ رْ أيها القلب ...
المجد لكلماتك !...
ساد لودريغو، ساد الظلام...
انطفأت فينوس في قمة الجبل،
اياريح الجنوب : اجعلي القمر أحمر بخيال لوركاوي،
غارت منه وعليه فينوس، نداء تلونداء...
يناجي في الأعماق ، إيقاعات الناي الشرقي ، ُيمد د إمارات فضائه شعراً.
في غسق صباحي، تنبثق تباشيره في قعر الكأس.
ارتمِ في حضن عمر الخيام ، في الروض الشرقي المكتنف بالأسرا ر، وانسج قصيد الحلم، الحلم المشّبع بليالي شبقية، وفاتنات الشرق العتيق!...انعم بالقبلا ت والدعابات ، ملفوفاً بقماش العشق والمنمنمات الفارسية.
أيها القيثار الذهبي!
تغنيتَ بأوجاع وورود علـى جسدها؛ عيناها هي الموت ، والبحر الذي تحب، وأطرافها الأخرى ...
ذاك ظل ُعمرخياٍم في سالف الأزمان!
أيها القيثار الذهبي !
يامعطراً حلمه بأ قمشة الجزائر ودمشق، هاتها لحناً سرمدياً من تخوم ونجود هوًى عظيم !
أيها القيثار الذهبي !
الأشجار أورقت ذلك الصيف في ربوع الأندلس ، والزيتون في حجم عين فرعونية، والعنب يفوق الحصر.
غرناطة في حجم كوكب سماوي .
يا ألله!
كم ترهقنا هذه الكلمات، كم يرهقنا السفر عبر الظلال!
لوركا : ياكبد الشعراء ...
وتبيت ليلتك غير مرتعب،
ولو أن النبوءات اللا معة خطرت ، ولو أن تضايقاً ما ، حل بالقلب...
من الطارق ؟
مند يل معطر ، تحية مكتوبة بطريقة سرية ، بمد اد سحري يستعصي على هولاكو .
... ويمتد بك العبير القدسي، ترّد :" لماذا البعد والتناسي، وأضغا ث الأحلام ؟أيتها الزنبقة البرية المنبثقة بين الحواشي والطفيليات، كوني لي! لن تصل إليك الجرذان ".
... ويمضي ردك مع النسيم محلقاً فوق نجمة الفجر. " ماشأن الناس في مدريد ، قرطبة ، فلنسية ، ألمورسية ، وقاديس ؟" لاشك أنهم مشغولون بالحب الجسدي ، يتبادلون التعازي والتهاننئ، يلفون يومهم بضحكات صفراء .وسيأتي بيكاسو ليهجر قصور التفاهة ، وضواحي وشايات الغربان، وتخوفات السحرة، ورعاية الكاريزمات .
" وقسّ الفرية ؟"
" هادئ القسمات ".
ولكنك بعدُ ، رقم في سجلاتهم ، شبح كان يصيح فوق الخشبة :الأرض للفلاحين!
كان شبه الجزيرة سيبقى بلا فنانين ، ولا شعراء، ولارسامين ولا نحاتين.
وتبيت ليلك غير مرتعب ، ولكنك ترتقب طارقاً مجهولاً...
– من بالباب ؟
صديق عزيز : كم انت سعيد غارثيا، إذا أنشدت ، وإذا تنهدتَ!
لاتُغلق الباب ، الطرْقات كثيرة. لقد حشروا شراذمهم في مكان ما، يعبرون الآن أرباض غرناظة . منذ ايام تدور الوغى، يتكئون على جثث ، يدوسون ، يركلون ، يقذفون ، يقتلون ، يقطعون الأشلاء...
المجد لشعرك !
ليحفظ الرب شرفنا :هكذا كانت توسلاتهم ، صهيل خيل عربي ،أنفة أندلسية ، وشكاسة سمراء تسري في الشرايين، عطر شرقي مغمد في الأنفاس . وتتسع حدقات العيون ، يتجلى ذلك في جدران غرناطة وقبابها
وأبنيتها.
يأتي العسس ، يتعرى صد ر المدينة .يبحثون عنك : وردة بين نهود العذارى ، في عبير ضفائرهن ، القرنفلية ، في الأرض ، في مظاهر الكتب العتيقة.
كان لوركا...
مضى عبيرَ آخر يوم ربيعي...
ها أنت يا حبيب الشعراء تمشي متوجاً فوق خوذاتهم الصد ئة، مزهواً في عرش الشعر : " تحيا إسبانيا ، يحيا لوركا