السبت ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٤
بقلم زينب حشان

حوار مع الشاعر حاتم جوعية

*سؤال 1) كيف يقدمُ نفسَه شاعرنا الفذ الدكتورحاتم جوعيه لمحبيه عامة ولقراء الهيكل خاصة؟

جواب 1 - أنا عادة لا أحبُّ أن أتحدَّثَ عن نقسي وأترك هذا للآخرين، ولكن سأجيب على سؤالكِ بكلمات مختصرة. أنا إنسانٌ متواضعٌ جدا وأرفضُ الألقابَ اللامعة والفخمة، وخاصة عندما يطلقون علي لقب دكتور...مع انني حاصل على شهادة الدكتوراة في الطب الصيني المكمل أو البديل وطب الأعشاب قبل عدة سنوات، وبحوزتي أيضا العديد من الشهاداتِ الجامعية العالية (البكالوريا والماجستير) في عدةِ مواضيع... وحاصل أيضا على مئات الشهادات التكريمية وشهادت الدكتوراة الفخريّة من أعرق وأرقى المؤسسات والأكاديميَّات العربية والعالمية. ولقد وهبني الله جلت قدرته العديد من المواهب، وأنا أحاولُ أن أكرِّسَ بعضها للأشياءِ الإيجابية والمثالية ولخدمة الناس،لأن وقتي لا يسمح لي أن أكَرِّسَ وأعمل في جميع المواضيع التي تعلمتُها ودرستُها، مثل: ((طب الأعشاب، الموسيقى، الفلسفة وعلم نفس، الصحافة والإعلام، رياضة وكاراتيه، شعر وأدب..إلخ..)).. وأنا أكرِّسُ نشاطي في مجال الشعر والأدب والصحافة والإعلام..فكتابةُ الشعر هي موهبة ربانية وأنا طبعا نمَّيتها وطوَّرتُها بالدراسةِ والعلم والمطالعةِ والثقافة الواسعة، ومن خلال التجارب الحياتية الثرية. والكتابة عندي ((على جميع أنواعها – شعرا ونثرا ودراسات وأبحاث..إلخ)) هي رسالة مقدسة بحد ذاتها ومن أجل الفن والإبداع، وكغذاء روحي ونفسي ووجداني كالموسيقى والفن للإنسان الراقي طبعا روحيًّا وفكريًّا..وليس من أجل الشهرة والمكسب المادي. وليس لأهداف آنيَّة وشخصية وللمكسب المادِّي كاولئك الذين يكتبون الشعر والأدب عندنا محليًّا والذين يسعون ويتلهفون وراء الشهرة وهم بعيدون كل البعد عن عالم الشعر والأدب والثقافة والإبداع، والذين يكرمونهم دائما من قبل بعض المؤسسات والأطر والمنتديات المشبوهة والعميلة في الداخل التي تحاولُ تدميرَ الأدبَ والثقافة والإبداع، وخاصة الأدب الفلسطيني الذي يحملُ الطابع الوطني والإنساني. الكتابةُ هي عندي رسالة تثقيف وتنوير وإرشاد وتعليم وتهذيب النفس الإنسانيّة والرقي والسمو بها إلى أعلى من الناحيةِ الأخلاقية والفكرية والروحية والسلوك والتصرفات ونهج الحياة السليم والمثالي. وأنا أكتبُ لمجتمعي ولشعبي وللبشريِة جمعاء وليس لشريحةٍ صغيرةٍ فقط من المجتمع.. وطموحاتي وفلسفتي وآيديلوجيتي في الحياة هي أن أكون عنصرا إيجابيًّا وفعالا في المجتمع وأن أستغلَّ وأكرِّسَ كلَّ علمي وثقافتي وإمكانيتي وطاقاتي والمواهب التي منحني اياها الربُّ من أجلِ إفادة المجتمع والناس وبما يرضيي الربَّ جلت قدرته.. وهذا هو أنا بالضبط (حاتم جوعيه).

زينب حشان

*سؤال 2) متى بدأتْ رحلتُكَ مع الشعر؟ وبمن تأثرت من الشعراءِ القدامى والمعاصرين؟

 جواب 2 – بدأتْ رحلتي مع الشعرِ والكتابةِ وأنا في جيلٍ صغير وفي مرحلةِ دراستي الإبتدائية.. وبالطبع لقد نمَّيتُ وطوَّرتُ هذه الموهبة من خلال الدراسة والمطالعة المكثفة، ومن خلالِ التجاربِ الحياتية الكثيرة التي مررت بها. بدأتُ أنشرُ قصائدي الشعرية الموزونة والمقفَّاة وشعر التفعيلة الموزون في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المحلية وخارج البلاد وأنا لم أتجاوز ال15 سنة من العمر... وقبل أن أصلَ إلى سنِّ ال 20 طبعتُ ديوان شعر وكان الباكورة. وقد كتب لي مقدمتَه الشاعرُ الفلسطيني الكبير المرحوم (سميح القاسم).. بالإضافة إلى مقدمة اخرى بقلمي أنا. ولاقى هذا الديوانُ نجاحا كبيرا وشهرة واسعة.مع انه كانت هنالك محاولاتٌ من قبل جهاتٍ عميلةٍ ومدسوسة وحقيرة عندنا في الداخل من أجل التخريب وعرقلة إنطلاقي ونجاحي في مجال الشعر والأدب. والنجاحُ المذهلُ الي حَقَّقتُهُ في فترةٍ زمنيَّةٍ قصيرةٍ جدًّا والشهرةُ الواسعة التي وصلتُ إليها هي ألجَمتْ وقضَّتْ مضاجعَ كلِّ الحاسدين والمغرضين والمأجورين والعملاء والخونة عندنا في الداخل الذين لا يريدون لصوتٍ وطني صادق نظيفٍ تقدمي إبداعي أن يرتفع ويتألق ويشتهر ويصل إلى سماءِ الإبداع والخلود.

وأنا تأثرتُ في بدايةِ مشواري الأدبي والشعري ببعضِ الشعراءِ والادباء الكبار، مثل: (أبو الطيب المتنبي، أبو القاسم الشابي، جبران خليل جبران، العالم والفيلسوف عمر الخيام،أحمد شوقي،نزار قباني).

*سؤال 3) كيف تبني معالمَ نصوصَكَ وكيف اهتديتَ لهذا الجمال التعبيري بسياقات بيانية راقية، لغة جزلة، ايحاء ومجاز وصور شعرية فائقة الجمال؟؟!!

 حواب 3 – هذا سؤال جيد وحكيم..وأعيد ما قلتهُ في البداية: (الموهبة)... فالموهبةُ هي أهمُّ عنصر في صدد الإبداع. إنَّ الموهبةَ والطاقات الفنيّة الإبداعية تختلفُ وتتفاوتُ من إنسانٍ لإنسان، ونرى هذا بوضوح في صددِ الغناء والموسيقى والتمثيل والرسم وغيرها. وأنا لقد منحني اللهُ موهبةً مميزة في مجالِ الشعر عدا المواهيب الأخرى العديدة.... وطبعا ثقافتي الواسعة ودراستي وإلمامي بتجارب الشعراء الآخرين الكبار المبدعين طوَّرَ وصقلَ أدواتي الشعرية بشكل كبير. فأنا قارىءٌ نهمٌ و مطلعٌ على معظم بل جميع الشعر والادب العربي – قديما وحديثا.،ومطلعٌ أيضا على الأدب والشعر الغربي والأجنبي بشكل واسع..وهذا لعبَ دورا كبيرا في صقلِ وتطوير أدواتي الكتابية التعبيرية بشكل واضح..وأنا لا أكتفي في الكتابة الشعرية والنثرية بالقوالب الكلاسيكية الجاهزية، بل دائما أحاول أن أقدِّمَ كلَّ ما هو جديد ومبتكر ومميَّز ومفيد. والتجديد يكونُ ليس في الشكلِ والبناء الخارحي للقصيدةِ كما يفهمهُ بعضُ النويقدين المحليين عندنا في الداخل والذين لا يفهمون شيئا في النقد الأدبي والفني. التجديدُ هو في المضمون والفحوى وفي المعاني والصور واللوحات الشعرية الجميلة المبتكرة... وفي الإستعاراتِ والتشبيهات البلاغية الحديثة للخلابة التي لم يستعملها شاعرٌ من قبل. وأنا في الكثيرِ من الاحيان يأتي الإبتكار والتجديد والإبداع عندي بشكل عفوي وتلقائي وكأنَّهُ وحيٌ وإيحاء ومن دون أن أتعٍبَ وأرهق نفسي. فالقصيدةُ الإبداعيةُ المتطورة شكلا ومضمونا التي أكتبها – سواء كات عمودية أو تفعيلية.. أو حتى نثرية، مع اني قليلا ما أكتبُ القصائدَ النثرية،تنبثقُ عندي بشكلٍ عفوي وبديهي وتلقائي...إي أرتجالا. وأقولُ وأكرِّرُ الكلام: هذه موهبةٌ ربانية...والذي لا توجدُ عنده الموهبة الربَّانيَّة (سواء في الشعر أو الفن وغيره) لا يستطيع أن يكون شاعرا أو فنانا حتى لو درسَ وتعلم اللغة العربية وقواعدها والبحورالشعرية.. أو درس الموسيقى والفن والدراما والتمثيل..إلخ...

*سؤال 4) ما رأيكَ في الغموض الذي يكتنفُ القصيدةَ والذي يجعلُ القارئَ يستعصي عليه فهم حقيقة ما وراء النص وما يقصدهُ الشاعر؟

 جواب 4 - يجبُ أن يكون هنالك بعضُ الغموض في القصيدة الشعريّة وهذا مما يضيفُ لها جماليةً خاصة ونكهة مميزة..ولكن إذا الغموضُ زاد عن حدِّهِ ستتشوَّهُ القصيدةُ من ناحية الجمالية والفنية والذوقية. وأيضا إذا كثرت التوظيفات الدلالية في القصيدة بشكل كبير ستفقد القصيدةُ الكثيرَ من جماليتها وسحرها ورونقها ووقعها الخلاب على المستمع أو المتلقي.. وأنا أشَبِّهُ القصيدةَ بالطبخة... فكلُّ طبخةٍ إذا وُضِعَ لها مقدار صحيح وملائم من الملح والبهارات والتوابل فبالتاكيد سكون طعمُها ومذاقُها أشهى وأطيب،ولكن إذا وضع لها كميَّةٌ كبيرة من الملح والبهارات والفلفل وغيرها فالطبخةُ ستفقد طعمَها ومذاقها الشهي ونكهتها فلا يستطيع أحدٌ ان يأكل منها. وهنالك بعض النقاد والقراء يظنون أن التجديد والإبداع هو في الغموض،وأنَّهُ كلما كانت القصيدة موغلةً أكثر في الغموض وكلها طلاسم يكون مستواها أعلى وتكون قصيدةً حديثة وإبداعية.. ولكن هذا خطأ كبير فالتجديدُ والإبداع ليس في الغموض والإبهام بل في المستوى والفحوى والجوهر.. وفي الصور الشعرية الجميلبة وفي الإستعارات البلاغية الحديثة والمبتكرة وفي المستوى الفني والذوقي للقصيدة، وفي الموضوع والبعد الفكري والفلسفي. وتصديقا لكلامي فأبو الطيب المتبي وأبو القاسم الشابي من أهمِّ الشعراء العرب المبدعين والمجدِّدين على مرِّ العصور، ولكن أشعارهما لا يوجد فيها الكثير من الغموض والإبهام بل معظمها مفهومة حتى للقارىءِ البسيط. وأما اليوم، وخاصة عندنا في الداخل،فهنالك الكثير من الأشخاص الذين لا يعرفون قواعدَ اللغة العربية ولا الأوزان الشعرية ولا يعرفون حتى كتابة الإملاء،ولايوجد عندهم أيُّ قسط من المعرفة والثقافة. بل هم أميُّون بكل معنى الكلمة ويخربشون ويكتبون كلمات غامضة ومبهمة وسخيفة وتافهة وكلها هبل وترهات وهراء،وهم لا يعرفون أيضا ما هم يكتبون ويخربشون وعن أيِّ موضوع يتحدثون.. ويسمون هذه الحماقات والسخافات والخزعبلات شعرا. هذا هو معظم شعرالغموض الذي نراهُ اليوم والذي لا يوجد له أيةُ علاقة مع الشعر والإبداع. والأنكى والأسواء من هذا فهنالك نويقدون لا يعرفون ولا يفهمون شيئا في النقد والادب ولا يعرفون قواعد اللغة العربية وأسس النقد الموضوعي ويطلقون على هذه الخزعبلات والتفاهات شعرا حديثا إبداعيا، ويكتبون الكثير من المقالات السخيفة ويمدحون هذه الكتابات التافهة واصحابها الإمعات التافهين المتطفلين والدخيلين على دوحة الشعر والأدب.

*سؤال5) ما هي القضايا التي تركزُ فيها على قصائِدكَ؟

 جواب 5 – أنا أعالجُ جميعَ القضايا التي تهم ُّوتعني الإنسان في كل مكان وفي كل زمان..وأولا القضايا الإنسانية والقضايا الوطنية والقومية ثمَّ الوجدانية وغيرها. وأنا في الكثير من قصائدي أركِّزُ على المواضيع والقضايا الوطنية والإنسانية لأننا نعيش في وضع صعب ومركب في الداخل. والشاعرُ والفنان يجبُ أن يكونَ نبراسا لشعبه والمجتع ولجميع الامم، ومرآةً ناصعة ويعكسُ الواقعَ الذي يحياه ويُريه بحذافيره لجميع العالم (من خلال الشعر والأدب والفن) إذا كان مفرحا أو مُحزنا.. والكاتبُ والشاعرُ الذي لا يكتبُ لشعبه وقضايا أمته المصيريّة لا فيه ولا في شعره وكتاباته فهو شخص انهزاميٌّ ومتخاذلٌ وجبان.

*سؤال 6) بما انكَ فلسطيني الأصل و في ظل الاستعمار الغاشم على فلسطين الحبيبة هل تؤمن بأنَّ الشعرَ قادر على تغيير العالم إلى الأفضلِ في ظل السلم والسلام؟

 جواب 6 – لقد فقد الشعرُ في عصرنا الحالي الكثيرَ من قيمتهِ وأهميَّتهِ، ولم يعد كما كان سابقا قبل مئات السنين له الدور والوقع والتأثير الكبير في الحياة الإجتماعية والسياسية وغيرها... ولكن الشعر مع كل الظروف والمراحل التي مرَّ بها ما زال لهُ بعض التأثير في جميع المجالات والمسارات الحياتية... وهذا التأثير قد لا يظهر مباشرة ولا تُقطفُ النتائجُ والثمار الإيجابية من الشعر مباشرة،بل بعد فترة زمنية قد تطول...وحسب الظروف الموجودة: محليا وعربيا ودوليًّا. فالشعرُ هو وسيلةُ تثقيف وتعليم وإدخال الوعي السياسي والوطني إلى قلوب وضمائر وعقول ووجدان كل مواطن وكل إنسان فلسطيني يعاني من الإحتلال ومن الوضع المأساوي الذي يعيشه هذا الشعب. فالشعرُ يُلهبُ المشاعرَ والاحاسيس ويُذكي ويُؤجِّجُ الحماسَ والمشاعرَ الوطنيّة الجيَّاشة في نفوس وضمائر الشعب المحتل والمظلوم. ولكي يتغيَّرُ الوضعُ على جميع المجالات يحتاج هذا إلى وقت. والشعرُ هو وسيلةٌ للحفاظِ على الهوية القوميَّة للشعب الفلسطيني ولكلِّ شعبٍ محتلٍّ وتذكيره دائما بحقوقه المغتصبة وبقضيته العادلة وبإدخال الوعي السياسي إلى الأجيال القادمة والتي لولا الشعر والأدب المقاوم لنسيت قوميتها وهويتها وقضيتها ووطنها وتراثها وحضارتها وحتى لغتها.

*سؤال 7) درستَ الموسيقى والفلسفة كيف حاولت ان تربط بين الشعرِ بدهشتهِ وبهجتِه والفلسفة بتأملاتها وحكمتها؟

- جواب 7- أنا أعتبرُ أنَّ العلومَ والفنون جميعها تكملُ بعضَها البعض، وكل موضوع مهما كان بعيدا عن الآخر فلا بُدَّ ان يكون هناك بعض الاشياء والخيوط التي تربطهما ببعض... والموسيقى بحدَّ ذاتها فلسفة..وقد تتحدَّثُ عن مواضيع وأمور كثيرة:

إنسانية ووجدانيّة وفلسفيَّة. والموسيقى والفنون هما لغةُ المحبَّة والمودَّة والتقارب بين الشعوب والأمم..ولغة السلام ولغة الوجدان والرقيّ الأخلاقي والإنساني. وأما الفلسفةُ فهي التحليلُ والتفسير الراقي والشامل لجميع الأمور الحياتية:

الإجتماعية والإنسانيّة واللاهوتيّة والوجدانيّة والعاطفيّة والموسيقيَّة والفنيَّة. والفلسفة هي علم العلوم كما كانوا يسمونها عند الإغريق (اليونان) قديما. وكانت من أهم وأسمى المواضيع التي تُدرَّسُ في الجامعات والمعاهد العليا... وأما اليوم فقد فقدت كثيرا من قيمتها وأهميتها كموضوع له الصدارة والحفاوة الأولى من بين معظم المواضيع. والجديرُ بالذكر ان فيثاغوروس الفيلسوف والعالم اليوناني القديم الذي أطلقوا عليه لقب (أبو الفلاسفة) كان موسيقيا وعالما في الرياضيات والهندسة، وهو واضع أسس وأصول جميع العلوم..وهو الذي ألَّفَ ووضع السلم الموسيقي القديم، ووضع نظرية الخط المستقيم هو أقصر خط بين نقطتين مُتباينتين...وتُسَمّى هذه النظريَّة ب ((نظريّة الحمار)). وكانوا في اليونان في العهد القديم يُدرِّسون الموسيقى والرياضات والهندسة مع بعض كموضوع واحد، لأن الموسيقى أيضا فيها رياضيات وحسابات ومعادلات ودرجات في النغمات وفي السلم الموسقي.

واريد أن أضيفَ: إن الشعرَ هو موسيقى وغناء بحدِّ ذاته (أقصد الشعر الموزون).. فالوزن أو البحر الشعري هو كالمقام في الموسيقى له نغماته وميزاته الخاصة.وهنالك بعض الشعراء الموسيقيين يقولون عن الوزن الشعري أحيانا (مقام).

*سؤال 8) لقصائد النثر وقع خاص في نفوس بعض الشعراء والمتلقين ما هي نظرتك لهذا النوع من الشعر وما هي مقاييس القصيدة الناجحة بنظرك؟

 جواب 8 – إنَّ معظمَ القصائد النثريّة ليس لها أيُّ وقعٍ لا خاص ولا غيره في نفوس ووجدان المستمعين (المتلقين)،وهذه هي الحقيقة.. لأن الناس ما زالت تعشقُ الشعر الكلاسيكي التقليدي (الموزون والمقفى) وهو الشعر الحقيقي، وتطرب بل تسكر وتنتشي لسماعه. والشعرُ النثري معظم الناس يرونهُ ويعتبرونهُ ليس شعرا وأنهُ مجرد كلام عادي. ولكن قد يلاقي الشعرُالنثري بعضَ الإهتمام من قبل نوعيّةٍ من الشعراء،وخاصة الذين لا يعرفون الأوزان ويكتبون الشعر المكسور المتحرر من الوزن والقافية.

أنا لستُ ضدَّ كتابة القصيدة النثرية فالقصائد النثرية هي شعر وعمل أدبي... وقد كتبتُ أنا عدةَ قصائد نثرية، ولكن هنالك شرط أساسي للذي يريدُ أن يكتب القصيدة النثرية (الإبداعية) فعليه أن يُجيدَ أولا كتابة القصيدة الكلاسيكية (الموزونة والمقفاة) وإلا سيخفق ويفشل في هذا المجال.. والقصيدةُ النثرية لها شروطها واسسها ومميزاتها. ويجب أن يكون فيها موسيقى داخلية وجرس،وحتى إذا لم تكن ملتزمةً ببحور الخليل فبالإمكان أن يكون في كلِّ جملة شعرية عدة تفاعيل، وستعطي إيقاعا موسيقيا جميلا للقصيدة. وهذا بالإضافة إلى الصور الشعرية الجميلة وللإستعارات البلاغية المبتكرة.. وللموضوع الراقي وللأبعاد الجمالية والفنية والذوقية والرؤيا الفلسفة وغيرها..وهذه هي بعضُ شروط القصيدة النثرية الحديثة. ولكن مهما كانت القصيدةُ النثريةُ ناجحةً وفيها إبداع تبقى قزمة أمام القصيدة الكلاسيكية العمودية الإبداعية التي تحتوي وتضمُّ كلَّ عناصر وأسس التجديد والحداثة والإبداع في الفحوى والمضمون....والقصيدةُ الكلاسيكية هي قادرة على استيعاب كل التطور والتجديد والتقنيات الحديثة إذا كان الشاعرُ قديرا وضليعا ومتبحرا في اللغة العربية وفي معرفة الأوزان، وعنده الموهبة والطاقة الشعرية الربانية الخارقة. ولكن هنالك قلة من الشعراء على مرِّ العصور عندهم هذه الإمكانيَّات وتلك الطاقات الخارقة: كالمتنبي وأبي العلاء المعري وأبي تمام وعمر الخيام وأبي القاسم الشابي وسعيد عقل وأحمد شوقي ونزار قباني و((حاتم جوعيه)).. إلخ..

*سؤال 9) كيف تُقَيِّمُ الساحةَ الشعريةَ على منصاتِ التواصل الاجتماعي وماذا أضافت لعالم الكتابة الادبية عموما ولك خصوصا؟

 جواب 9 – إن وسائلَ الإتصال والتواصل الحديثة كالفيسبوك والمواقع والمنتديات وغيرها لعبت دورا إيجابيا من خلال إيصال انتاج وإبداع الكثير من الشعراء القديرين والمبدعين إلى الأضواء وإلى قطاع اكبر من القراء والمشاهدين محليا وخارج البلاد... ولولا وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الإجتماعي لبقي قسمٌ كبير من الشعراء المبدعين المظلومين مجهولين ومنسيين ولا احد يسمع بهم. ولكن لوسائل الإعلام والتواصل الحديثة دور سلبي أيضا حيث أصبح اليوم كلُّ شخص عنده فيسبوك وواتس آب وجهاز كيمبيوتر أو بيليفون (جوال) ويستطيع أن يتواصل مع العالم وان ينشر ما يكتبهُ ويُخربشهُ (حتى لو كان هبلا وهراء وتفاهات وليس شعرا) في الكثير الكثير من وسائل الإعلام والمواقع والفيسبوكات... وبهذا لقد اختلط الحابل بالنابل. واليوم أصبح الكلُّ شعراءً وكتاب. وأما الشعراء والكتاب الكبار والمُبدعون والمخضرمون فقد ضاعوا بل اختفوا بين الآلاف المؤلفة من الشويعرين الدخيلين على عالم الشعر والأدب.

*10)أيُّ ديوان من دواوينك هو الأقرب إلى روحك؟

 جواب 10 - أنا أحبُّ كلَّ دواويني وكل قصائدي، ولا توجد قصيدةٌ عندي أفضلَ واحسن من الاخرى، لانَّ كلَّ شيىء أكتبهُ هو خارج ومنبثق من أعماقي وروحي وقلبي ووجداني. فقصائدي الشعريةُ هي انعكساسٌ وترجمة لمشاعري وأحاسيسي ولواعجي الذاتية ولفكري وومبادئي وآيديلوجيتي في الحياة. ولهذا فكلَّ شيىء أكتبهُ أنا أعتبرُهُ كأنهُ ابن لي فلا أفضلُ قصيدةً شعرية على الأخرى أو ديوان شعر أصدرتهُ على ديوان آخر لي.

في نهاية هذا الحوار الممتع شاعرنا الكبير الدكتور حاتم جوعيه لك مني كلّ الشّكر والثناء على هذا اللقاء القيّم الماتع مع متمنياتي لك بالتوفيق. و حبذا لو تهدي لقرائك قصيدة من قصائدك الرائعة

- سلامًا لأرضِ الجُدود -
شعر: الدكتور حاتم جوعيه

أحِبُكِ حُبَّ الترابِ المَطرْ وَحُبَّ الطيورِ غصونَ الشَّجَرْ
أحِبُكِ في سَكرةِ الجُرح ِ لحنا طروبًا خلوبًا يُنيرُ الفكرْ
يُجَسِّدُ حُزني عذابَ الشُّعُوبِ وتخطُو ظلالي بأبهَى صُوَرْ
سَأحملُ عِبءَ الكفاحِ وَأمضي على صهوةٍ المَجدِ يحلو السَّفرْ
وَأبني خرائبَ صرح ٍ تداعَى أعيدُ خرائِط َ جيل ٍ أغَرْ
وأعزفُ ألحانَ قلبي الكئيبِ على مسمع ِ الطير حتى السَّحَرْ
لأجلِ هواكِ أخوضُ الصِّعابَ وأطوي الشِّعَابَ وَما من ضجَرْ
سَأذكي سماءَ البلادِ كفاحًا فإمَّا الرُّكوعُ وَإمَّا (الحَجَرْ)
فإمَّا نكونُ وَأن لا نكونَ فإمَّا المَمَاتُ وإمَّا الظفرْ

سلامًا إليكِ سلامَ الكفاحْ مَعًا سَنضَمِّدُ كلَّ الجراحْ
معًا سَنخُوضُ خضمَّ الخطوبِ سَويًا سنركبُ مَتنَ الرِّياحْ
رفاقا على الدَّربِ للفجرِ نمضي ندُقُّ ونقرَعُ بابَ الصَّباحْ

سَلامًا إليكِ سلامَ الصُّمُودْ بنارِ الكفاحِ نعَلِّي البُنودْ
سَلامًا لأحلى ترابٍ طهُورٍ سلامًا.. سلامًا لأرض الجدُودْ
فطوبى لشمسٍ تضيءُ دياجيرَ سجني وتجتاحُ كلَّ السُّدودْ
أغنِّي لشعبٍ بهيِّ الأماني لحُبٍّ تبرعمَ رغمَ القيُودْ

سَأحملُ حُبَّكِ في ليلِ حزني وَأطوي الوهادَ أغنِّي الفِدَا
أقبِّلُ طيفكِ في كلِّ دربٍ وَأحضنُ رمشَكِ طولَ المَدَى
لاجلِ هواكِ يطيبُ المَمَاتُ وَأرضي لذيذ ٌ عليهَا الرَّدَى
أعَانقُ فيكِ جمالَ الوُجودِ وَسحرَ النجوم ِ وَضوءَ القمَرْ
سَيبقى هَواكِ اللَّجوجُ الطَّمُوحُ مَدَارَ السِّنينِ خيوط َ القدَرْ
رأيتُكِ شمسًا تضيىءُ الدُّروبَ دروبَ حياتي وَتُجلي الحُفرْ
رأيتُكِ حُلمًا جميلا تهادَى يُعانقُ حُلمي الجميلَ النَّصرْ
سَأبقى أحبُّكِ حتى الفناءَ وَيفنى الوُجودُ ويفنى البَشَرْ
سَمعتُ غناءَكِ قبلَ الرَّحيلِ وكانَ الوَداعُ وكانَ السَّفرْ
فصوتُكِ لحنُ الخُلودِ لروحي عَزاءٌ لِمَنْ بالهُموم ِ استعَرْ

شراعي يميدُ مع الرِّيح ِ تيهًا يسيرُ حثيثا إلى شاطئيكِ
خُذيني.. خُذيني كطفلٍ وديع ٍ أنامُ وأغفو على ساعديكِ
فأنتِ صباحي، وَعِطرُ الأقاح ِ شَذاهُ تضوَّعَ مِن وجنتيكِ

سَكبتُ أريجي على راحتيكِ وَضَمَّختُ كأسي بضوءِ القمَرْ
يُصَفِّقُ طيري لِطيفِ النَّسيم ِ وتهوَى جناني عذارَى أخَرْ
أغنِّي فتصبُو وهادٌ فساحٌ وَيصحُو الجَمادُ وَيُصغِي الحَجَرْ
وتعلو بنودٌ، تُدَوِّي رعُودٌ ويبكي شتاءٌ وَيهمي مَطرْ
وَعُمرٌ جميلٌ كغضِّ الوُرودِ يموجُ بسحرِ الحياةِ العَطِرْ

إذا متُّ حُبًّا لأجلِ بلادي وَرُوحي توارَتْ وراءَ السَّديمْ
فزوري ضريحي فتاة َ الأماني وَنوحي مع الطير ثمَّ النُّجومْ
ستبقى عذارى"الجليل ِ"تُغنِّي وَتُسبلُ دمعًا كدمع الغيومْ
فواحَسرَة ً للشَّبابِ الجَميل ِ يغيبُ ضياؤُهُ تحتَ الأديمْ
سأخلعُ صمتي وأجلو الضَّبابَ وأنضُو التُّرابَ أشُقُّ الكفنْ
سآتيكِ نسرًا جَمُوحًا تلظَّى بنار ِ الكفاحِ وَنارِ الشَّجَنْ
هَواكِ أعادَ إليَّ الحياة َ وَعَمَّقَ في القلبِ حُبَّ الوطنْ

(لقاء أجري مع الشاعر الفسطيني الكبيير الدكتورحاتم جوعيه لمجلة الهيكل العراقية)

نُجَدِّدُ اللقاء مع قراء مجلة وموقع"الهيكل"في حلقة جديدة من برنامج"حوار مع شاعر"ضيفي وضيفكم اليوم الشاعر والاديب والناقد والصحفي الدكتور حاتم جوعيه -

أجرى اللقاء: زينب حشان


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى