كان عيدا
السكونُ يعربدُ، يتغلغلُ حتى أخر نسغٍ ، ينسابُ في كل الخلايا كما الكآبةُ والبردُ والعطشُ، أشهرٌ طوالٌ مرتْ كجبلٍ يزحفُ في رتابةٍ وهدوءٍ مفرطين .
في مكانٍ قصي كحرزٍ مصون ٍقضتْ أيامَها الأخيرةَ منذ أن نقلوها من المشتل .
يومها حلمتْ بمستقبلٍ بهيٍّ باهر ٍلكنَّ أحلامَها تهادتْ على صخرة المستودع صريعة ً.
بيد أنَّها في هذا الصباح الشتائي حاولتْ أن تنسى ما سلف منذ أن امتدتْ إليها تلك اليدُ القويةُ الخشنةُ، تحسستْ ساقهَا وأوراقهَا ثم وشكان ما حملتها في الهواء فبعث ذلك فيها إحساساً بعودةِ الحياة ولمَّا تمَّ نقلها إلى ظهرِ مقطورةِ جرارٍ أيقنت أن الحياةَ تضحك لها من جديد .
غازلها الهواءُ الباردُ برطوبته عندما بدأ الجرارُ يمضي معانداً الريحَ والمسافاتِ فتغلغلتْ ذراتُ الماءِ بانساغِها بمرونةٍ لم تعهدها قبلا ً.
منّتْ الروحَ بأيام ٍتطوي مرارة َالحرمانِ والعطش والتجاهل وحلمت بأيامٍ تمطرها فيها بذرات الماء البارد وعزف ريح يطرب أوراقها وخلاياها وهزيم رعد يزلزل أركانها فتكبر شامخة في وجه الزمن.
سرتْ قشعريرة ٌعذبة ٌفي ساقها عندما امتدت اليدُ لتطوقها ثم لتحملها إلى نسقٍ طويلٍ من قريناتها المصطفات على مدخل بناء شاهق حيث احتشد الناسُ، فراح بعضهم يرش الماءَ وآخرون يمسحون أوراق الشجيرات ثم تلاهم جمع أخر ذروا السماد على التربة التي ضمتها أكياس الزرع .
فجأةً وجدتْ نفسَها في خضم ِهذا الصخبِ والزحام ِفتلاشتْ مرارةُ الماضي الذي حلمتْ بوداعه إلى الأبد كانتْ تدرك أنَّ ذلك التجاهل لن يطول إلى الأبد فهي لم تخلق لتركنَ في المستودع أو لتنصب على رفٍّ ما في زاويةٍ من زوايا أحد البيوت كما نباتات الزينة الاصطناعية.
ساد الهرجُ والمرجُ، تعالى الصياحُ ، تداخلت الأصوات، ارتفع وقع التصفيق إلى درجة لم تدرك معها كنه ما يدور، ثم سرعان ما بدأت الأصوات تخبو وتتلاشى شيئاً فشيئاً خفتتْ الأضواءُ ومضى الخلقُ حتى لم يبق أحد فسادتْ الظلمةُ التي غطت ما حولها.
ألتفتْ الأصابعُ حول ساقِها حملتها برعونةٍ وخشونةٍ ومضتْ إلى طريق العودة .
على بصيصِ ِ ضوءٍ اكتشفتْ أنَّها قد عادتْ إلى ذاتِ الركن ِ القصي ومن وراء الباب تناهى إليها صوت المهندس يخاطب العمال:
انتهينا من عيد الشجرة لهذا العام وللعام القادم يخلق الله ما يشاء.