قراءة في رواية (الآخرون)
تعتبر رواية (الآخرون) للكاتبة صبا الحرز من الروايات المثيرة جدا، في المجتمع العربي عامة، والمجتمع الخليجي-السعودي خاصة، لما تضمنته من نقد عميق وقاس، وبكل جرأة وصراحة، وشجاعة كبيرة، من قبل الكاتبة والأديبة السعودية، للمجتمع السعودي، لما فيه هذا المجتمع، من قمع وإرهاب للحريات الاجتماعية والفكرية والشخصية، والكاتبة والأديبة (صبا الحرز) شابةٌ سعودية، أطلقت على نفسها هذا الاسم (صبا الحرز) رمزيا، فهو ليس اسمها الحقيقي، وتظهر من قصتها الرائعة، بأنها شابة متميزة وذكية جدا، وموهوبة أيضا، ضربت بالمحظورات التراثية البالية والقديمة، عرض الحائط، ومن وراء ظهرها، سواء الممارسات الدينية والمذهبية، أو حتى العلاقات الجنسية والعاطفية والمثلية، وحتى السياسية، وكشفت بكل صراحة، ما يحدث خلف الأبواب المغلقة، من ممارسات تعتبر مستهجنة جدا، في مجتمع معروف عنه، بأنه محافظ جدا، حد التزمت والجمود، ولا يتساهل مع أحد، في تجاوزته مهما صغرت هذه التجاوزات، أو كبرت، خاصة، إذا كان الأمر يتعلق بالمرأة وجسدها، من قريب او من بعيد، فيما إذا هي التي ارتكبت هذه التجاوزات، كون المجتمع السعودي، مجتمع ذو ثقافة ذكورية 100%، بدون منازع، وهي الثقافة السائدة في المجتمع، ولا تأخذه شفقة أو رحمة في احد، طبعا إلا من كان لهم نفوذا، وجاها وباعا طويلا في السلطة، أو في جماعة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتي تعتبر هي الحاكمة، والوصية بأمر الله، وتتحكم هي بعاداته وتقاليده، فتحرم وتحلل، كما تشاء، بغطاء شرعي من السلطة الحاكمة، فتزيد الضغط أو تخففه على الناس، حسب ما يصلها من تعليمات، وما تتلقاه من أوامر، وحسب الظرف السياسي الداخلي، والمحيط بالمنطقة، فتتوسع وتتعمق بالتلصص والتجسس على شؤون الناس وأحوالهم، وتفرض العقاب، او تحجبه، على من تشاء بغير حساب.
هذه الجماعة، هي من تفرض القمع والكبت والإرهاب على المواطن السعودي بعامة، والمرأة السعودية بخاصة، وتفرض عليهم نظرتها، بكيف عليه أن يسير المجتمع والمواطن، بحيث أصبح الخوف والقلق والرعب، يطال الجميع، وأولهن المرأة، وآخرهم الرجل، مع أن هناك نساء يمارسون نفس دور الرجل، في القمع والإرهاب والحساب والعقاب، على بنات جنسهن، فقد جبلوا، وعبأت عقولهم، على أن يكونوا عبيدا عند الرجل، ولمتعته الجسدية والجنسية، فمن شب على شيء شاب عليه، ودورهم مقتصر على هذا الجانب، فهم من المطبخ الى سرير الرجل، ومن سريره، الى المطبخ، إذا ما كن متزوجات بالطبع، ويستثنى من ذلك طبعا، النساء السعوديات، المثقفات والمتعلمات، واللواتي لديهن الشجاعة الكافية والجرأة، بنزع حقوقهن نزعا، ومن خرجن خارج الدولة السعودية، الى دول أوروبة والولايات المتحدة الأمريكية، وحقيقة، فهن كثيرات.
صبا الحرز، في قصتها الرائعة، والتي تتصف بالصراحة والجرأة والشجاعة، وبأسلوبها الشيق والممتع، والسلس، والسهل الممتنع، تتناول ظاهرة اجتماعية، تنتشر في المجتمعات العربية جميعها من المحيط الى الخليج، وان بنسب متفاوتة، بين دولة وأخرى، وهي العلاقات الجنسية المثلية او السحاقية بين الشابات، وان كان محور القصة، ينصب على بعض الشابات السعوديات في منطقة القطيف، واللواتي في معظمهن، يعشن في ظروف من الشدة والقسوة المتناهية، في مجتمع متزمت ومتحجر، يصف فيه المرأة من رأسها الى أخمص قدميها بالعورة، فجسمها كله عورة، والمرأة تكاد لا تختلف عن الشيطان في شيء، حسب تفكيرهم وإيمانهم، فهي الشيطان بعينه، فشعرها عورة، وصوتها عورة، لذلك، فلا يحق لها الخروج من منزلها إلا بمحرم، وفي المحاكم، شهادة امرأة واحدة، لا تكفي، كما أنها ناقصة عقل ودين، وأنها خلقت من ضلع آدم الأعوج، والرجال قوامون على النساء، وللرجل مثل حظ الأنثيين بالإرث، كما يحق للرجل، بالزواج مثنى وثلاث ورباع، وما ملكت إيمانهم، أي حسب ما يملكونه من ثروة وجاه، أما المرأة، فلا يجوز لها محادثة أحد، كي لا يغويها الشيطان، وتفتن الرجال، وتكون سببا في دخولهم نار جهنم، وبئس المصير، لذلك، هناك صفات تعلم وتدرب عليها المرأة، منذ صغرها، وحتى يوم مماتها، لأن هذا المجتمع، تكفي فيه الكلمة أو النظرة، عندما تقف فيه شابة مع شاب، في مكان عام، حتى تتهم في شرفها وعرضها! وهذا معناه كبير جدا، وعواقبه وخيمة لا تحتمل، لذا، تشب الفتاة منذ نعومة أظافرها، على الخوف والرعب، والكبت والمنع، والإرهاب الفكري والديني، كعذاب القبر، وأهواله، والأفاعي التي لها سبعة رؤوس، وغيرها من أهوال الرعب الكاذبة.......الخ، وكما تقول الدكتورة اليمنية الرائعة (الهام المانع)، فان المرأة السعودية خاصة، والخليجية بعامة، تنمو وهي تتعلم مقولة: “خافي من جسدك” ومن نفسك”، “وممن هم حولك”، “خافي”، “لأن الخوف مفتاح الأمان”، وترضع أوامر النهي والجزر والمنع، “فلا تضحكي هكذا”، “لا تبتسمي أمام الرجال”، “واخفضي من صوتك”، “لا ترفعيه عالياً”، “ثم لا تحركي جسدك هكذا، حبذا لو لففت نفسك كالشبح، في العباءة، حتى تغيبي كالضباب”، قفي وأنت مضمومة، ومزمومة، عابسة ومتجهمة وصامتة، ثم لا تحدقي فيمن حولك، ولا تحركي عينيك يسرة ويمنة، وانظري إلى الأرض”، “ليتك تتحولين إلى فقاعة، تذوب في الهواء، فلا نراها”.
كل هذه التوصيات والتحذيرات، لفتاة لو رغبت أو حلمت بالخروج إلى الشارع العام، لقضاء بعض من حاجاتها، أو حاجات أسرتها، فعليها أن تحفظ كل المحرمات والمحظورات جيدا، الصغيرة منها، قبل الكبيرة، وكأنها عندما تخرج خارج بيتها، ستصادف رجالا أو شبابا بصورة حيوانات كاسرة، ومتوحشة، ولكنهم بلباس من البشر.
اعتقد جازما، بان الكثير من العادات والتقاليد العربية، والسعودية خاصة، قد عفا عليها الزمن، وتتشابه كثيرا، بما كان سائدا منها في القرون الوسطى، هو ما دفع الكاتبة والأديبة الرائعة (صبا الحرز)، بعد أن طفح بها الكيل، أن تكتب قصتها: (الآخرون)، وتنشرها على الملأ، بعد أن طفح الكيل في المجتمع أيضا، ولم تعد المرأة السعودية قادرة على قضم غيظها، خاصة، وأنها إذا ما خسرت، فلن تخسر إلا قيودها وأحزانها وآلامها ومعاناتها اليومية.
تتحدث القصة وعلى لسان بطلتها، عن شابة مثلية وسحاقية، تعيش في منطقة القطيف، وتروي قصة حبٍ عاصفة، بينها وبين شابة أخرى، ومع عدد آخر من الشابات، صديقات وزميلات لها، عرفن في الرواية باسم ضي ودارين وبلقيس وسندس وهداية وهبة، وتصف هذه العلاقاتٍ المثلية، بينها وبينهن، بأدق تفاصيلها وخفاياها، بما تتضمنه من شعور صادق وعواطف حميمة وجياشة وحقيقية، وبما تجلبه عليهن من متعة ونشوة أثناء الممارسة العملية، وما تتصارعه في نفس الوقت في ألذات، بين الرغبات الجسدية الجنسية، والأفكار الدينية، والمحظورات والمحرمات، وإن كانت تظهر بطلة القصة، وقد اعتراها في شعورها شيئا من الندم، لهذه الممارسات الخاطئة.
تقول الكاتبة، بأن بطلتها تدين بالمذهب الشيعي، وهي عضوة فاعلة بأنشطة الحسينيات، التي تعود للجماعات الشيعية بالمنطقة، إلا أن ظاهرة السحاق والمثلية، بين الشابات في كافة المجتمعات، لا ترتبط حقيقة، بمجتمع أو بمذهب دون آخر، كون منطقة القطيف زاخرة بأتباع المذهب الشيعي، وتنتشر بها الحسينيات، فقد تفهم هذه الظاهرة، وكأنها مرتبطة بمعتنقي المذهب الشيعي، وهذا غير صحيح موضوعيا.
تتوزع مواقع أحداث القصة من الحسينية، حيث تتعرف بطلة القصة، من خلالها على صديقاتها، وفي منزلها بغرفتها الخاصة بها، وبمن عشقتهن وعشقنها من الشابات، وفي كلية الدمام، ومن خلال الاتصالات المتكررة بالبيليفونات، وعبر الشبكة العنكبوبتة، وفي وسائط نقل الجامعة، والتي تعمل على نقل الطالبات من والى الجامعة.
تظهر القصة، وتوحي حقيقة ما يدور في المجتمعات المنغلقة، والمتزمتة دينيا، ومدى تأثير الفكر الديني المتزمت والمنغلق والمتشدد، في مثل هذه الممارسات الشاذة، حيث تكون الحسينية، إضافة للحرم الجامعي، محور اللقاءات والتعارف، والمكان الأنسب، لتحديد المواعيد والمصارحات والمكاشفات، بين الشابات، وبحرية، ودون عراقيل تذكر من أحد، مستخدمين كافة التسهيلات المتاحة لديهم، لتبادل الرغبات، وعبارات الغزل والإعجاب، واللظى وشدة الشوق، وتحديد أمكنة اللقاءات الحميمة، والذي كان يتم غالبا، داخل غرف نومهن المغلقة، في سكناهم الخاص، حيث اعتدن بالنوم معا، على سرير واحد مزدوج كزوج وزوجته، وأجسادهن بشكل عاري تماما، ويتركن لأحلامهن وتخيلاتهن، بتوجيه أصابع أيديهن للعبث بأجسادهن في كافة المواقع والاتجاهات الحساسة، وبشكل متبادل، يبدأنها بقبل حارة وحميمة، تبدأ بالفم، ومن ثم تنتقل الى الجزء السفلي من الجسم، كالرقبة والأثداء، ثم ينتقلن الى أسفل ذلك من الجسم، كالأفخاذ وما بينهما من الأعضاء الجنسية.
بطلة القصة، طالبةٌ تدرس في كلية الدمام، وتمارس الكتابة والخدمات الاجتماعية في المجلات الدينية والحسينيات النسائية، التي يقام فيها مراسم العزاء والاحتفالات الشيعية. وهي مصابة بنوبات صرع، تنتابها أحيانا، تجعلها تقول، بأن هذا هو عيبها الوحيد، الذي يداهمها، مقابل جسدها الأنثوي الأخاذ، والمبهر في جماله، والتي تتميز به المرأة السعودية بعامة (ص95).
بدون ذكر اسم محدد لبطلة القصة، تتولى سرد الأحداث على لسانها، فتتصارع في ذاتها بين جمال جسدها واحتياجاته الفسيولوجية الملحة والمثيرة، وبين ما يجول في عقلها وتفكيرها من عادات وتقاليد مجتمعها، والفكر الديني المتشدد والمنغلق والمتزمت، وما يفرضه عليها من محظورات وموانع، تحت طائلة الحلال والحرام، والذي لا يبيح للمرأة السعودية، أدنى حق من حقوقها الإنسانية، فتقف البطلة، حائرة بكيفية التوفيق، بين الاحتياجات الجسدية والجنسية لها، والتي تؤرق مضجعها ليل نهار، والتي لا تستطيع تلبيتها، ولا تجد متنفس له، وبين تقاليد وعادات مجتمعها المتزمتة جدا، والتي كلها موشحة بالمنع وبالحرام، بحيث لا يوجد هناك أي مجال لفتح باب ولا حتى نافذة صغيرة جدا، لتصريف هذا الهيجان الجنسي العارم، والذي ينتاب الشابة في أطوار معينة من نموها الطبيعي، في ظل المنع الشامل، لأبسط حقوق الحياة البشرية والإنسانية، فالكبت والحرمان، بلغا أقصاهما، ولم يعد يمكن السيطرة على الاحتياجات الجسدية والنفسية، وتفريغها بطرق منطقية وموضوعية ومشروعة، وغير شاذة، حتى ولو بكلمة توحي بالحنية والتأوه.
أين هي النوادي والملاعب الرياضية المنوعة المخصصة للشابات، والمسابح وملاعب كرة القدم والسلة وطاولات البنج بنج والجمباز، ورقص الباليه، ونوادي الموسيقى والحفلات الاجتماعية الترفيهية، والرحلات الداخلية والخارجية الجماعية، والتي كفيلة بتوجيه طاقات الشابات واستغلالها، في قضايا أكثر فائدة لهم، جسميا وثقافيا واجتماعيا. إن وجود بعض الشابات، في مدرج لمشاهد لعبة لكرة القدم، كفيل أن يؤدى الى وقف المباراة فورا، حتى يتم إخراج الشابات من المدرج، كي لا يفتنوا اللاعبين والجمهور الحاضر بجمالهن الأخاذ، علما بأنهن كلهن محجبات من رؤوسهن الى أخمض أقدامهن، ولا يظهر شيئا من أجسامهن، كما حدث يوما، في مباراة، ظهرت فيه بعض الشابات على المدرجات، فأوقف الحكم المباراة، الى حين تم إخراج الشابات من المدرجات، كل هذا يعتبر من المحرم عليهن، وعواقبه وخيمة جدا، ويعتبر بابا أو نافذة للانحراف الأخلاقي، ولجلب الموبقات والفساد، والمرأة، حسب معتقداتهم وأفكارهم، الموغلة بالقدم والذكورية، ليست بحاجة إلي هذا المواقع الرياضية، فهذه الأندية والملاعب، وغيرها من الألعاب الرياضية، محظورة على المرأة ممارستها، أو حتى مشاهدتها، ومحللة للرجال والشباب فقط، فالمرأة في مثل هذه المجتمعات، لها بيت زوجها فقط، إذا كانت متزوجة، ولا تخرج منه، إلا الى القبر.
أما الرجل، فيحق له، ما لا يحق لغيره، فهو كما الشاعر، يرفع المنصوب وينصب المرفوع.
تقع بطلة القصة تحت سيطرة صديقتها الحميمة المدعوة (ضي)، وهي إحدى صديقاتها الحميمات، والتي تمارس معها الممارسات السحاقية بشكل متواصل، وتقيم معها علاقات حميمة متوهجة، تارة في غرفة البطلة في منزلها، وتارة أخرى في غرفة (ضي) الخاصة في منزلها حيث تقيم، وكانت تقوم (ضي) بدور العاشق، والبطلة، بدور المعشوقة، بحيث لم تعودا لتستغنيان كلتاهما عن بعضهما بعضا، منذ أول لقاء لهما في الحسينية، حتى أن (ضي)، كانت هي التي تشتري ملابس البطلة، وتحدد نوعها وألوانها، التي كانت تنام بها معها.
تقول (ضي) في حوارٍ مطول مع ألذات، ومتخيلة البطلة: (الآن، وأنتِ مُلكي، صرتُ أعرف أن وحمتكِ تلك، أقرب إلى نهدكِ الأيسر، وصار بوسعي لمس نملتكِ الحمراء، وتقبيل نملتكِ الحمراء، ولعق نملتكِ الحمراء، والنوم على نملتكِ الحمراء، وأخاف بعد هذا، أن تتعبي مني، وتتركيني" (ص 149).
وتقول البطلة في موقع آخر من القصة عن عشيقتها (ضي):
(أعرفُ الآن، من اللون السماوي لقميصها القطني، أنها رائقة، ومن شعرها المُضفر، أنها مرحة، ومن حركة أصابعها على درزات بنطالي الجينز، أنها تسبر طريقاً ناحيتي، وكان عليّ أن أسبقها قبل أن تصل إلى هناك. فتحت زراً، وتركتُ بقية المهمة بيد (ضي)، وما بدا أنه سيأخذ وقتاً لا نهائياً، كان قد حدث بالفعل، مُباغتاً انتباهي، عريي الفاضح، يدفع بي إلى نشوةٍ غير مسبوقة، نشوة، أن أراني مُشتهاة ومنفلتة، من قوانين جسدي نفسه" (ص 8).
تقيم بطلة القصة أيضا، علاقةً أخرى وادعة، مع صديقتها (دارين)، حيث تود التنويع في علاقاتها، فتصف موقفا معها في إحدى لقاءاتها الحميمة فتقول:
(جذبتني من كفي، إلى بابٍ ينفتح في ردهةٍ صغيرة، في المطبخ، وصفقت الباب وراءنا، واندفعنا في قبلةٍ محمومة، كانت أيدينا، تتحرك بانفلات، وأنفاسنا تتقطع، وقبلتُها وقبلتها، ثم نزلت إلى عنقها، فصدرها ونهديها النافرين، كنتٌ من الجنون، بحيث شككتُ معه، في أية واحدةٍ منا، طلبت القبلة، وأية واحدة منحتها، كانت طيعةً ورخوة، وتستجيبُ جنوني على نحو يسحق أعصابي، وكانت لذيذة، بحيث لم أرفع شفتي عنها، إلا حين استهلكت كلّ رصيدي المخزّن من الهواء، وأنا أقول بسكر: "يخرب بيتك..جننتيني) وضحكتْ، لسعتني ضحكتها، ضخت في دمي رغبةً جبارة، في مزيدٍ من الجنون" (ص 137).
وتتابع البطلة تجربتها مع دارين، وتشعر بالفارق بينها وبين (ضي) فتقول:
(مع دارين، شعرتُ أني أملك طمأنينةً وافرة، لأضع قلبي بجوارنا على الطاولة، من دون خوف، أن تسرقه حين أغفل عنه وعنها، ليس لأنها لا تستطيع، ولا لأنها لا تريد، وإنما لأنها فطنت منذ البدء، كم أنا مُهرة خاسرة، في هذا المضمار، فكفتني مشقة الرهان عليّ، ومعها، بدأتُ أكتشف جسدي من جديد، كانت تغويني ببطء، وتشعل شمعتين، وتهمس لي بفضائح يرتعش لها جسدي، وكانت تقف على الحياد دائماً، إذا ما أردتُ توريطها كطرفٍ ثالث، بيني وبين جسدي. معها، كان لأعضاء جسدي أسماؤها واحداً واحداً، حتى أكثرها سرية، وللحظاتنا، تعابيرها الخاصة، وما اعتقدته بذاءةً رخيصة، لا تليق بدارين، وشاسع لطفها، كنتُ أكتشف فيه، نوعاً من الإثارة الفاحشة القذرة، من قال أن القذارة، لا تثير الإحساس بالنشوة؟؟؟؟؟ وكانت علاقتنا الجسدية: "جنساً"، وليست كما اعتدتُ تسميته تلميحا)ً (ص 178).
لقد اشتهيتْ فيها رجلاً لن يأتي، وفي المقابل، اشتهت دارين، أن تكون ذلك الرجل المنتظر فجأة، وتنتبهُ بطلة القصة: "إلى الكائن الناقص في حياتي، لم يكن أبدا،ً ثمة رجل، في آخر أمنياتي وأشدها ضآلة وخفاء، لم يكن ثمة رجل" (ص216).
تقع البطلة، في مرحلة لاحقة، من خلال شبكة الإنترنت " في علاقة حبٍ مع (عمر)، المخالف لها في المذهب الديني، فهو من اسمه شاب ذو مذهب سني، ليتقاربا جسدياً في لحظة اشتهاء فتقول له:
عُمَر، خُذني، خُذني كُلّي، وأخذني، أخذني، ليس كما أخذتني (ضي)، في كل عراكاتنا في الفراش، ولا بحالة الخِفة، التي مررتها عليَ دارين، ولا في الخوف والخزي، لوطء كعب عالٍ، لأعوام على جسدي. بين حينٍ وآخر، لفرط الشهوة، أو لفرط الحبن، كنتُ على وشك أن أقول: افعل شيئاً كي لا تظل خارجي! لا تسرق أطفالك مني!"، ولو لم تفزعه الكلمات الكبيرة، التي أنطقُ بها". (ص 284). تتابع بطلة القصة وصفها فتقول:
(الغريب، أني لا أفتقد فعلنا الجسديّ...ولا أشعر بأن جسدي تواقٌ لما كان، ما أفتقده على وجه الخصوص، تلك الأشياء الصغيرة التفاصيل، التي لا تلفتُ في اشتباك الصورة، وفوضويتها. أصابعي على غمازتي خديها.... حزنها، وجهها المتكدر حين تحزن. افتقدنا نائمتين، أنا على ظهري، وهي على بطنها، كل منا تنظر للأخرى، والعالم مختفٍ، وفارغ، إلا منا، أفتقد صوتها، أفتقد أكثر، بحة صوتها في أول الصحو....أفتقد عبثها بكُم قميصي، وهي تثرثر، أفتقد سبابتها في فمي" (ص 160).
محور ومضمون القصة، كما ذكرت سابقا، هو ظاهرة انتشار المثلية والسحاقية بين بعض الشابات، والظروف البيئية المحيطة، التي تساعد في خلقها وانتشارها، وهذا جانب واحد تناولته الكاتبة يتعلق بالمرأة مباشرة، ومعاناتها الشخصية والجسدية، ولا شك أن هناك الكثير من الأمور التي تعاني منها المرأة الخليجية بعامة والسعودية بخاصة، مع أن المرأة العربية كلها تعاني من الثقافة الذكورية، بنسب متفاوتة، وحسب ومدى انفتاح المجتمع الذي تعيش فيه المرأة، مع أن هناك الكثير من القضايا المطروحة، والتي يمكن للقاريء استخلاصها عبر قراءته للقصة.