في القدس
مررنا على دار الحبيب فردّناعن الدار قانون الأعادي وسورهافقلت لنفسي ربما هي نعمةفماذا ترى في القدس حين تزورهاترى كُلْ ما لا تستطيع احتمالهإذا ما بدت من جانب الدرب دورهاوما كل نفس حين تلقى حبيبهاتسر ولا كل الغياب يضيرُهافإن سرها قبل الفراق لقاؤهفليس بمأمون عليها سرورهامتى تبصر القدس العتيقة مرةفسوف تراها العين حيث تديرها
في القدس، بائع خضرة من جورجيا برم بزوجته يفكر في قضاء إجازة أو في طلاء البيت
في القدس، توراة وكهل جاء من منهاتن العليا يفقه فتية البولون في أحكامها
في القدس شرطي من الأحباش يغلق شارعاً في السوق،
رشاش على مستوطن لم يبلغ العشرين،قبعة تُحَيّي حائط المبكىوسياح من الإفرنج شقر لا يرون القدس إطلاقاًتراهم يأخذون لبعضهم صوراًمع امرأة تبيع الفجل في الساحات طول اليومفي القدس أسوارٌ من الريحانفي القدس متراس من الاسمنتفي القدس دبّ الجند منتعلين فوق الغيمفي القدس صلينا على الاسفلتفي القدس من في القدس إلا أنتوتلفّت التاريخ لي متبسّماًأظننت حقاً أن عينك سوف تخطئهم، وتبصر غيرهمها هم أمامك، مَتْنُ نص أنتَ حاشيةٌ عليه وهامشأحسست أن زيارة ستزيح عن وجه المدينة يا بنيحجاب واقعها السميك لكي ترى فيها هواكفي القدس كل فتى سواكوهي الغزالة في المدى، حكم الزمان ببيْنِهاما زلت تركض إثرها مذ ودعتك بعينهارفقاً بنفسك ساعة إني أراك وهنتفي القدس من في القدس إلا أنتيا كاتب التاريخ مهلاً،فالمدينة دهرها دهراندهر مطمئن لا يغير خطوه وكأنه يمشي خلال النوموهناك دهر، كامن متلثم يمشي بلا صوت حذار القومهذا احتلال للهواء وذا احتمال فيهلم يظهر لمنتظريهفاتركه يجيء من نفسهفالدهر لا يجدي لديه اللومإن المدينة شمسها شمسانشمس للغريب ودونها شمس لأهل الدارشمس محايدة بلا معنىوأخرى تحفظ الأسماء والأخبارتقسو وترحم حين تشرق أو تغيب
وتحتها وجه المدينة، كالرهينة، دائماً متغير في لعبة الإخفاء والإظهار
ما كان متنا تحت عين الشمس
يمسي هامشاً في الظل
ثم يعود متناً مرة أخرى
فلا تسئ القراءة، وانتبه يا شيخُ للمسطور في الأسفار
والقدس تعرف نفسها، فاسأل هناك الخلق يدلُلْكَ الجميع
فكل شيء في المدينة
ذو لسان، حين تسأله، يُبين
في القدس رائحة تلخص بابلاً والهند في دكان عطار بخان الزيت
والله رائحة لها لغة ستفهمها إذا أصغيت
وتقول لي إذ يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع علي: “لا تحفل به”
وتفوح من بعد انحسار الغاز، وهي تقول لي: “أرأيتْ!”
في القدس يزداد الهلال تقوساً مثل الجنين
حدباً على أشباهه فوق القباب
تطورت ما بينهم عبر السنين علاقة الأب بالبنين
في القدس أبنية حجارتها اقتباسات من الإنجيل والقرآن
في القدس تعريف الجمال مثمن الأضلاع أزرق،
فوقه، يا دام عزك، قبة ذهبية،
تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء ملخصاً فيها
تُدَلّلها وتدنيها
توزعها كأكياس المعونة في الحصار لمستحقيهاإذا ما أمة من بعد خطبة جمعة مَدّت بأيديهاوفي القدس السماء تفرقت في الناس تحمينا ونحميهاونحملها على أكتافنا حملاً إذا جارت على أقمارها الأزمانفي القدس أعمدة الرخام الداكناتكأن تعريق الرخام دخانونوافذ تعلو المساجد والكنائس،أمسكت بيد الصباح تُريه كيف النقشُ بالألوان،وهو يقول: “لا بل هكذا”،فتقول: “لا بل هكذا”،حتى إذا طال الخلاف تقاسماًفالصبح حر خارج العتبات لكنإن أراد دخولهافعليه أن يرضى بحكم نوافذ الرحمنفي القدس مدرسة لمملوك أتى مما وراء النهر،باعوه بسوق نخاسة في إصفهان
لتاجر من أهل بغداد أتى حلباً فخاف أميرها من زرقة في عينه اليسرى،
فأعطاه لقافلة أتت مصراً، فأصبح بعد بضعِ سنينَ غلاّبَ المغول وصاحب السلطان
في القدس يرتاح التناقض، والعجائب ليس ينكرها العباد،
كأنها قطع القماش يقلّبون قديمها وجديدها،والمعجزات هناك تُلْمَسُ باليدينفي القدس لو صافحت شيخاً أو لمست بنايةلوجدت منقوشاً على كفيك نصّ قصيدةيابْن الكرام او اثنتينْفي القدس، رغم تتابع النكبات، ريح براءة في الجو، ريح طفولة،فترى الحمام يطير يعلن دولة في الريح بين رصاصَتَينْفي القدس تنتظم القبور، كأنهن سطور تاريخ المدينة والكتاب ترابهاالكل مروا من هنافالقدس تقبل من أتاها كافراً أو مؤمناًأمرر بها واقرأ شواهدها بكل لغات أهل الأرضفيها الزنج والإفرنج والقفجاق والصقلاب والبشناقوالتاتار والأتراك، أهل الله والهلاك، والفقراء والملاك، والفجار والنساك،فيها كل من وطئ الثرىكانوا الهوامش في الكتاب فأصبحوا نص المدينة قبلنايا كاتب التاريخ ماذا جد فاستثنيتنايا شيخ فلتعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرة أخرى، أراك لحَنْتَالعين تُغمضُ، ثم تنظرُ، سائقُ السيارة الصفراء، مال بنا شمالاً نائياً عن بابهاوالقدس صارت خلفناوالعين تبصرها بمرآة اليمين،تغيرت ألوانها في الشمس، من قبل الغيابإذ فاجأتني بسمة لم أدر كيف تسلّلت للوجهقالت لي وقد أمْعَنْتُ ما أمعنْتْيا أيها الباكي وراء السور، أحمق أنت؟أجننت؟لا تبك عينك أيها المنسيّ من متن الكتابلا تبك عينك أيها العربي واعلم أنّهُفي القدس من في القدس لكنلا أرى في القدس إلا أنت