عم إسماعيل اليافاوي
كانا يسيران معا على كورنيش البحر، حين تسللت إلى انفيهما رائحة السمك المشوي ، المنبعثة من المطاعم المنتشرة بمحاذاة شاطئ بحر مرمره ، حيث السمك الطازج الذي يجري اصطياده من البحر مباشرة ، ويتم إعداده ولم يكن قد مضى على اصطياده أكثر من ساعة أو ساعتين، وربما اقل.
التفت خالد نحو صديقه محمود قائلا:
– ما رأيك بعشاء دسم الليلة على الشاطئ؟
هز محمود رأسه موافقا ، ثم هبطا سويا الدرج المؤدي إلى الشاطئ ودلفا إلى داخل احد المطاعم ، وطلبا من النادل وجبة سمك لكل منهما مع بعض السلطات والحمص ، فهز النادل رأسه وانطلق لتحضير ما طلباه منه .
جاء صاحب المطعم الذي كان يتحدث العربية بصعوبة للترحيب بزبائنه :
– أهلا وسهلا ، إنا أدعى إسماعيل
أو يافا لي إسماعيل كما ينادونني
– يافا لي ؟!
قال محمود مستغربا بعد أن لفتت انتباهه تلك الكلمة ، فبادره بالقول:
– أنت أصلك من وين ياحاجي ؟
– انأ أصلي من يافا
– آه أنت أصلك فلسطيني ، هذا ما ظننته إنا في البداية عندما قدمت لنا نفسك، يافالي تعني يافاوي .
– نعم انأ يافاوي
– إحنا كمان من فلسطين .
فقام العجوز على الفور واحتضنهما وهو يبكي ، ثم طلب منهما الجلوس حين بدا النادل بوضع الصحون على الطاولة ، وقال مخاطبا النادل :
– الإخوان ضيوفي اهتم يهم والحساب علي انأ .
التفت محمود نحو الرجل الذي عاد للجلوس معهما على الطاولة، بعد أن انتهيا من تناول الطعام :
– الله يسلم أيديكم على هالاكل اللذيذ .
– صحتين وعافيه
– قل لي ياعم إسماعيل كيف جئت إلى تركيا
أجاب الرجل العجوز ، الذي اغرورق عيناه بالدموع :
– القصة طويلة ياابني ، لقد جئت إلى اسطنبول فارا بمركب تركي في منتصف الثلاثينات ، حين حكم على الانجليز بالإعدام بسبب عملي مع الثوار، الذين كانوا يقاتلون اليهود والانجليز في فلسطين ،وقد تركت أهلي وعائلتي واضطررت للهرب إلى تركيا .
– كانت هجرة اضطرارية مبكرة ياعم إسماعيل
– نعم بريطانيا كانت أصل البلاء ،والانجليز هم الذين سهلوا دخول اليهود إلى فلسطين .
وكانوا يمدونهم بالمال والسلاح ،ويغضون الطرف عن نشاطاتهم ، بلفور الله يلعنه.........
– لايضيع حق ووراءه مطالب ياعم .
– والله نفسي ازور يافا قبل ما أموت
– إن شاء الله تتحقق أمنيتك ياعم إسماعيل .
قال محمود بعد أن نهض وصديقه لوداع العم إسماعيل ،الذي رفض استلام ثمن الطعام منهما ،واستمهلهما قائلا :
– مهلا سوف أعرفكما على صديقي النابلسي صاحب محل الحلويات هناك .
– مأساة إنسانية أخرى لإنسان فلسطيني أخر ربما ؟!
تمتم محمود وهو يسير متأبطا ذراع عم إسماعيل ، باتجاه محل حلويات النابلسي في الجهة المقابلة ، قرب محطة القطار في منطقة" سيركجي" بمدينة اسطنبول.